رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

طوابير وزحام وخناقات فى "الشهر العقارى"

يتعرض المواطنون للإهانة
يتعرض المواطنون للإهانة فى سبيل حصولهم على المحررات الرسمية

«زحام.. بطء إجراءات.. إهمال.. فساد الذمم».

أربع كلمات لخصت حال غالبية مقرات «الشهر العقارى والتوثيق»، التى لا تزال على حالها من العشوائية والتخبط، وتقدم خدمة رديئة للمواطنين، بمن فيهم العجائز والمرضى والمعاقين، رغم ما يسدد فى هذه الجهات الرسمية من رسوم تحت مسمى «تحسين الخدمة»،

والأسوأ من ذلك انتشار ظاهرة السماسرة الذين يحصلون على إكراميات ورشاوى مقابل إنهاء مصالح المواطنين بدون عناء ووقوف فى الطوابير.

هذه دراما سوداء تحدث يومياً أمام أفرع الشهر العقارى، من أجل توثيق توكيلات البيع والشراء، أو التقاضى، أو تسجيل وحماية ملكياتهم العقارية من أراض ومبان، والمؤسف أن هذه المآسى التى يتعرض لها المواطن تنتشر فى محافظات الجمهورية.. فلا يوجد نظام أو متابعة.

وقد رصدنا معاناة آلاف المواطنين فى طوابير ليس لها نهاية متحملين عذاب الانتظار لساعات طويلة على أبواب الشهر العقارى وأرصفة الشوارع، سعياً وراء قضاء مصالح حيوية شتى، وفى المقابل يتعرضون لأشكال من الإهانات، فضلاً عن الروتين، وبطء الإجراءات وتعقيداتها، ناهيك عن الفوضى والإهمال والتقصير والتخبط وتردى الخدمات، مما يؤدى إلى التكدس والزحام وتعطل مصالح المواطنين.. ولا يملك من يتردد على تلك الأماكن إلا أن يخرج.

فالمنظر العام سيئ للغاية، حيث لاحظنا تكدس المواطنين من الشيوخ والعجائز والمرضى والمعاقين فى الشوارع الجانبية والطرقات المؤدية لأفرع الشهر العقارى، هروباً من الزحام الشديد الذى يحيط بالمقرات من جميع الجهات، مما تسبب فى حدوث الخناقات والمضايقات والشتائم، التى تصدر عن بعض المواطنين لبعضهم البعض، مما يزيد من عناء الانتظار، والنتيجة أداء شديد التردى فى سير العمل مما ينشر اليأس بين المواطنين للحد الذى يجعل البعض يخرج وهو «يلعن اليوم اللى جه فيه هنا» على حد قول أحدهم.. كل ذلك أدى إلى زيادة المشاكل وكثرة القضايا بالمحاكم.

هذا ما كشفت عنه الجولة التى قامت بها «الوفد» فى بعض مقرات الشهر العقارى، لرصد آلام ومشاكل وصرخات المواطنين المترددين عليها، ولفت أنظار المسئولين للبحث عن حلول لها.

بدأنا الجولة فى مكتب الشهر العقارى فرع كوبرى القبة المكون من 3 غرف والمعروف بمساحة المطرية، وآخر لمنطقة توثيق شمال القاهرة.. أول ما يعتريك من شعور عدم صلاحية تلك الأماكن للاستخدام الآدمى بسبب ضيق المساحة، وعدم وجود مصادر للتهوية سوى مروحتين متهالكتين لا تتناسب مع كثرة المتواجدين، كما أن إمكانيات المكاتب محدودة لا تمكنهم من تقديم الحد الأدنى من مستوى الخدمة المطلوبة، كما شاهدنا حدوث حالات إغماء مستمرة للمسنين والمرضى، وارتفعت صرخات السيدات، اللاتى افترشن الأرصفة والطرقات الجانبية المؤدية للمكتب فى انتظار دورهم فى طوابير تمتد لمسافات طويلة، للحصول على المحررات الرسمية.

معاناة عم «منير»، الرجل السبعينى، ليست الوحيدة فى مكتب الشهر العقارى فرع كوبرى القبة، الذى يخدم مناطق كوبرى القبة والمطرية، والمكدس بمواطنين قادمين لأداء مصالح تتراوح بين توثيق توكيلات البيع والشراء والتقاضى وإقرارات الصلح بين الأفراد وغيرها.

لم تكن تلك هى المرة الأولى التى يصطدم فيها عم «منير» بما سماه «الروتين العقيم» للشهر العقارى، فقد سبق وتعرض للعديد من المشاكل التى أصابته باليأس وانعدام الثقة فى إمكانية تحسين أوضاع المؤسسات الخدمية.

ويقول عم «منير»: أنا جئت لتوثيق عقد سكنى من الساعة الثامنة صباحاً، إلى أن انتهى تحريره فى تمام الساعة الثانية ظهراً، مما أسفر عن ضياع معظم ساعات النهار، لافتاً إلى أن مشكلة الشهر العقارى تتمثل فى منظومة العمل، التى تتطلب التنقل بين أكثر من موظف والوقوف فى طوابير طويلة لإنهاء الإجراءات، فى الوقت الذى يمكن إنهاء الإجراءات بواسطة موظف واحد فقط وفى وقت أقل من ذلك بكثير، لذا أطالب بإعادة النظر فى اختيار العاملين بهذه المقرات التى تقدم خدمات جماهيرية واختيار مكان فى طابق أرضى، تيسيراً على المواطنين، وخاصة كبار السن وذوى الاحتياجات الخاصة، الذين يعانون الآن أشد المعاناة.

وبجوار «منير» كان يقف أيضاً المواطن «خالد عبدالحميد»، البالغ من العمر 42 عاماً، فى انتظار الحصول على توكيل مماثل.

وبعد مرور أكثر من ساعة على وقوفه فى الطابور لا يزال ينتظر دوره فى الدخول لمكتب مساحة المطرية. مؤكداً أن معاناة المواطنين مع الروتين وطول الإجراءات كانت ومازالت كما هى.

فيما قالت إحدى موظفات مكتب الشهر العقارى فرع كوبرى القبة: إن المصلحة تعانى نقصا كبيراً فى الإمكانيات وأجهزة الكمبيوتر، مما يؤدى لتردى الأوضاع وبطء العمل، وعلى الجانب الآخر هناك مشكلة أخرى تواجهنا فى كثرة المشاجرات والتطاول من قبل بعض المواطنين، من أجل المطالبة بإسراع الإجراءات حتى وإن كانت غير قانونية.

وتابعت: أعمال الشهر العقارى والتوثيق لا تحتاج إلى تعقيب أو تفعيل من القضاء.. فجميع المحررات والعقود التى يقوم الشهر العقارى والتوثيق بتسجيلها أو إشهارها أو توثيقها تكون حجة فى ذاتها على الكافة وواجبة الاحترام حتى أمام القضاء، بخلاف تقارير الخبراء والطب الشرعى فهى استشارية يأخذ بها القاضى أو يعرض عنها.

واستكملنا جولتنا بمكتب الشهر العقارى فرع الهرم الموجود بشارع العريش، إلا أننا وجدنا الحال من بعضه، فهناك تكدس شديد من المواطنين أمامه، ليضم طوابير لأكثر من أربعين مواطناً من قاطنى مناطق فيصل والجيزة والهرم، ومعظمهم من ربات البيوت والمسنين، الجالسين على السلالم والبعض الآخر على كراسى متحركة وآخرين يستعينون بأبنائهم لمساعدتهم فى تحرير المحررات الرسمية، واستمر الحال هكذا لساعتين وأكثر، حيث الزحام والعشوائية والضجيج تحيل سير العمل إلى ضرب من ضروب الجحيم.

 

الانتظار صعب

فوقية عبدالستار، 41 عاماً، أم لـ«3 أولاد»، موظفة، وتقطن بالهرم، تقول: لقد أصبح إشهار أو تسجيل أى مستند حلماً بعيد المنال، يستلزم عناء الوقوف فى طوابير طويلة أمام المقر تمتد لساعات ليس لها آخر، وهذا لا يتوافر لمن يرتبطون بمواعيد عمل تحكم أوقاتهم، بالإضافة إلى أن مشقة الانتظار الطويل فى طوابير الشهر العقارى تصعب على السيدات، ولا تضمن الحصول على ما يحتاجه المواطن.

أما أمينة عزت، 45 عاماً، موظفة، قالت: إنها اضطرت لقضاء يوم كامل داخل مقر الشهر العقارى متنقلة بين الطابقين لعمل توكيل، مما أهدر وقتاً كبيراً فى إنجاز الأمر رغم أن الإجراءات لا تستغرق سوى 15 دقيقة، لذا فالتجربة بحق مؤلمة، بسبب الإجراءات المعقدة داخل المقر. واختتمت حديثها قائلة: «حسبى الله ونعم الوكيل».

وأمام مكتب الشهر العقارى فرع المعتمدية، الذى يخدم مناطق أرض اللواء وبولاق الدكرور وكرداسة. قابلنا إبراهيم، «محام»، الذى قال متبرماً: إنه رغم التحسينات التى تم إدخالها على المرتبات والأجور لموظفى الشهر العقارى، إلا أن الخدمة لا تزال على حالها السيئ، مما يعنى مزيداً من إهدار حقوق المواطنين فى إصدار التوكيلات للمحامين للحضور عنهم أو ضدهم فى القضايا، بخلاف إهدار مواعيد التقدم بالطعون على القضايا، حيث يشترط القانون تقديم أصل سند الوكالة عند إبلاغ المحامى صحيفة الطعن فى المواعيد المحددة لها، وكذلك إيداع صورة من التوكيل عند إقامة الدعاوى القضائية أمام المحاكم الابتدائية أو الجزئية.

طوابير فى كل مكان

وفى مكتب الشهر العقارى فرع قصر العينى، قابلنا المواطن محمد توفيق، 74 عاماً، الذى لم يرحم الموظفون شيخوخته قائلاً: نعانى يومياً من نظام العمل والتكدس والزحام داخل الشهر العقارى بفرع قصر العينى، من

أجل الحصول على الموافقات الرسمية، التى نضطر فى أحيان كثيرة إلى دفع ثمنها من جيوبنا، حتى يمكننا إنجاز المعاملات فى وقت أقل من الانتظار والمعاناة الطويلة.

وهنا دار حديث عابر بين الحاج «محمد» ومواطن يدعى «رؤوف» حول «الرشاوى» التى يتقاسمها السماسرة مع أحد الموظفين داخل المكتب.. وقال أحدهم: «إنها تبدأ من 20 جنيهاً وعلى حسب الفيزيتا».

مشيراً إلى أنها أحد الأبواب السحرية التى تتيح إنهاء الإجراءات بسرعة نسبية.

وأمام الشهر العقارى فرع المعادى، قابلنا المواطنة فاطمة عياد، «موظفة»، التى تحدثت عن معاناتها المستمرة منذ ثلاثة أشهر على أبواب المكتب، فى انتظار الفرج والموظف المختص دائماً تقول: تقدمت لمكتب الشهر العقارى فرع المعادى لتحرير توكيل، منذ يناير الماضى، ودفعت رسوم التنقل مبلغ 130 جنيهاً، لكى يتم إرسال الموظف المختص إلى المنزل، نظراً لتدهور صحة والدتى التى تجاوزت الـ 67 عاماً من عمرها، وهى مريضة سكر وضغط وتعانى من عجز كامل بالجانب الأيسر للجسم، وهو الأمر الذى يجعلها تشعر بصعوبة فى تحمل معاناة التنقل بين المكاتب المختلفة، فى ظل الزحام الشديد والطوابير الطويلة، ورغم موافقة المكتب منذ يناير الماضى، إلا أننا مازلنا ننتظر انتهاء الإجراءات حتى الآن، لذا أطالب الجهات الرسمية بالنظر إلى حال العجائز وكبار السن بعين الرأفة والرحمة، حتى يمكن الانتهاء من الإجراءات المطلوبة بسهولة ويسر.

وعلى أبواب مكتب الشهر العقارى فرع الخليفة والدرب الأحمر، قابلنا الحاجة ابتسام مرزوق، عجوز، ذاقت عناء الانتظار من أجل الحصول على توكيل. وهى إحدى المقيمات فى منطقة الدرب الأحمر.. وتقول: حاولت الانتظار مع جيرانى أمام الشهر العقارى، لكننى لم أقدر على الصمود فى الانتظار طويلاً، لذلك جلست على السلالم، حتى يهدأ الزحام والتدافع، لكنه مع الأسف الحال يزداد سوءًا، وأنا لم أعد أطيق مرارة الانتظار والخناقات والمضايقات والشتائم التى تصدر من بعض المواطنين لبعضهم البعض.

 

التطهير هو الحل

ومن جانبه، أوضح المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق: أن غالبية الموظفين فى الشهر العقارى ينقصهم التأهيل الكافى والخبرة اللازمة من أجل العمل فى هذه المهنة، التى لا تحتاج الكثير من الوقت والجهد مقابل إتمام الإجراءات.

ويضيف: نحن تحدثنا كثيراً عن أهمية تبسيط الإجراءات ورفع كفاءة تقديم الخدمات للمواطنين، ولم تظهر من هذه التجربة سوى بعض اللوحات الإرشادية المتهالكة التى توضع فى واجهات هذه الجهات، ولكن ما يجرى فى داخلها مع المواطنين هى معاناة شديدة بكل المقاييس وإجراءات معقدة، مع وجود سماسرة لتخليص الأوراق الرسمية المطلوبة فهم ينادون على المواطنين خارج مكاتب الشهر العقارى ليحصلوا على أتعاب وإكراميات يتم اقتسامها مع الموظفين بالداخل، والواقع يؤكد وجود هذه الصور المؤلمة حيث ينتشر السماسرة الذين يطلبون رشاوى من المواطنين مقابل إنهاء مصالحهم بدون معاناة.

ووافق «الجمل» الرأى المستشار محمد الدكرورى، نائب رئيس مجلس الدولة الأسبق. مؤكداً على ضرورة تدريب موظفى الشهر العقارى وتزويدهم بالمهارات والمؤهلات، لرفع كفاءة المنظومة الوظيفية، بالإضافة إلى أهمية مراجعة نظام العمل والتدقيق فى اختيار العاملين والأجهزة والمكاتب، بما يحقق الصالح العام وقدرتهم على أداء الخدمات بكفاءة ويسر.

لافتاً إلى أهمية وجود عدد من القانونيين داخل كافة فروع الشهر العقارى من أجل حسم الأمور الخلافية بين المواطن والموظف.

من جانبه أكد وحيد الأقصرى، المحامى بالنقض والدستورية العليا أن مصلحة الشهر العقارى هى إحدى الجهات المنوط بها عبء كبير يتصل برسمية الأوراق وحفظ حقوق المواطنين.. وغيرها، من المهام التى تساعد فى حفظ الحقوق وكشف الشبهات والقضايا التى يكن فيها الشهر العقارى هو صاحب الكلمة وإرادة الفصل فى هذه الدعاوى، ومع هذا تعانى تلك المكاتب من الفساد الإدارى، مع وجود عناصر تجسد البيروقراطية، فى أشد حالاتها تعسفاً، ناهيك عن التمادى فى ارتكاب جرائم الرشوة تارة من أجل إنهاء الإجراءات المطلوبة، أو معاونة صاحب المصلحة فيما يريد بالمخالفة للقانون تارة أخرى.

وأضاف: أن هناك واقعة حدثت مع مكتب الشهر العقارى فرع توثيق الشرطة العسكرية بالهرم، حيث انتحل أحد الأشخاص صفة غير صفته وتوصل إلى توثيق محرر، بأختام رسمية، وهو منسوب صدوره إلى لجنة شئون الأحزاب، وتأكدت نيابة العمرانية ومحكمة جنايات الجيزة من تزوير هذا التوثيق، رغم اعتراف رئيسة الفرع بأن هذا المحرر لم يوثق لديهم.

وطالب «الاقصرى» بضرورة توافر القدوة الصالحة فى العمل التى تستطيع إنجاز العمل الإدارى بالشكل الأمثل، مع توافر الكفاءة والخبرة المطلوبة، وإيجاد آلية رادعة لوقف ما يرتكب من سلبيات سواء كانت مادية أو إدارية، و«فلترة» المصلحة من المعوقات والمخالفات والتجاوزات، والشعور بالمسئولية، وإعلاء خدمة المواطنين، وأداء العمل بكل ذمة وأمانة، وتوفير جميع الإمكانيات والأجهزة المطلوبة للشهر العقارى، التى تؤدى إلى حسن سير العمل، وتساعد موظفى المصلحة فى أداء أعمالهم.