رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إعلانات خدش الحياء!

بوابة الوفد الإلكترونية

جريمة مكتملة الأركان تقع يومياً داخل منازلنا، على مرأى ومسمع من أبنائنا ونسائنا، بينما يقف الجميع مكتوفى الأيدى لا يحركون ساكناً لإيقاف هذا الفعل الفاضح.

والجريمة التى نتحدث عنها هى جريمة خدش الحياء العام والترويج للسحر والشعوذة ونشر الفواحش بين الناس، مكانها شاشات التليفزيون عبر بعض القنوات الفضائية التى تبث إعلانات مستمرة حول المنشطات الجنسية ومراكز الدجل والشعوذة، بل والأخطر تلك التى تبث رسائل وإعلانات جنسية صريحة وتنشر صور فتيات لممارسة الجنس عبر الهاتف، أما الضحايا فهم شباب وأطفال فى عمر الزهور ونساء يخدش حياؤهن كل لحظة بسبب هذه الإعلانات، ولأن أحداً لم يتحرك لوأد هذه الكارثة فى بدايتها، فقد زادت واستفحلت وانتشرت حتى أصبحت فى كل بيت عبر قنوات الأفلام والمسلسلات وحتى قنوات الأطفال، والثمن يدفعه المجتمع كله من أخلاقه التى باتت فى الحضيض.

إعلانات إباحية للأطفال
اعتادت الطفلة الصغيرة التى لم تبلغ عامها الثالث بعد، مشاهدة قنوات الأطفال والأفلام وأحياناً الأغانى، ونظراً لانشغال الأم بأعمال المنزل فلم تجد وسيلة أسهل من التليفزيون لإلهاء طفلتها، حتى إن الطفلة أصبحت مبهورة بالإعلانات التى  تذاع على هذه القنوات والتى تستخدم موسيقى لأغان شعبية تجتذب أطفال هذا الزمان، ودائماً ما تطلب الطفلة من والدتها شراء المنتج، حتى وقعت الكارثة، حينما فوجئت الأم بطفلتها تطالبها بشراء أحد المنتجات المعلن عنها وهو أحد المنشطات الجنسية، وقع الطلب على الأم كالصاعقة، فكيف تشاهد طفلتها مثل هذه الإعلانات، ورغم أن الطفلة لم تعرف ماهية المنتج التى تريد شراءه إلا أن عوامل الإبهار الموجودة فى الإعلان من موسيقى وأغان وألوان دفعتها للمطالبة بالشراء، هذه القصة رغم طرافتها تؤكد مدى تأثير الإعلانات التى تدخل بيوتنا على الأطفال، فما بالنا بتأثيرها على الشباب والمراهقين الذين أصبحت مثل هذه السلع يعلن عنها أمامهم باستمرار.
والمتابع لقنوات الأفلام والموسيقى وحتى قنوات الأطفال، التى تحقق نسب مشاهدة عالية جداً يكتشف وجود العشرات من مثل هذه الإعلانات التى تروج للمنشطات الجنسية سواء للرجال أو النساء، وأجهزة وكريمات تكبير وتصغير الثدى للنساء، أما الظاهرة الأخرى التى انتشرت مؤخراً فهى ظاهرة الإعلان عن مراكز الدجل والشعوذة، التى تتبارى فى إظهار أن كلاً منها مركز علمى متخصص ومعترف به، وتطالب المشاهدين بعدم الجرى وراء غيرهم من المشايخ والروحانيين، والخطير فى الأمر أن الإعلان عن هذه المراكز والمنشطات الجنسية وغيرها من إعلانات خدش الحياء العام والتغييب، لا يتم عبر القنوات المتخصصة فى الإعلان، ولا حتى عبر قنوات الرقص والشات، كما كان يحدث من قبل، إنما تدخل هذه الإعلانات بيوتنا عبر قنوات الأفلام والكرتون والدراما، وهو ما يعنى أنها أصبحت مفروضة على كل فئات المجتمع، يشاهدها الصغار قبل الكبار، وغالباً ما يصدم أولياء الأمور فى أسئلة أبنائهم حول ماهية هذه الأشياء، أو ماذا تعنى هذه العبارة أو غيرها، وهو ما يضعهم فى مواقف محرجة، بل إن أحدث هذه الإعلانات يستخدم الرسوم الكرتونية للدواجن التى تتحدث عن العلاقة الزوجية بشكل فج جداً.
هذه الكارثة تشهدها منازلنا كل يوم، وهو ما دفع الدكتور فتحى الشرقاوى، مدير مركز الرأى العام بجامعة عين شمس، إلى إجراء دراسة ميدانية حول تأثير هذه الإعلانات التى تبث عبر الفضائيات على الأطفال، وشملت عينة الدراسة حوالى 50 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 8 و15 عاماً.
وكشفت الدراسة أن معظم الأطفال فشلوا فى إدراك ما يهدف إليه الإعلان، فيلجأون إلى توجيه الأسئلة لأولياء أمورهم، أو أصدقائهم، وأحياناً يقدم هؤلاء الأصدقاء معلومات جنسية صريحة للأطفال مما قد يشجع على الانحراف، وحذرت الدراسة من أن تتحول هذه الإعلانات التى تعتمد على الدلالات الجنسية الصريحة إلى باب خلفي للترويج للانفتاح الجنسى كما هو موجود بالغرب، وكلها توجهات تهدم القيم الأخلاقية التى تحمى المجتمعات العربية والإسلامية.

ابتذال
والأمر لا يقتصر على إعلانات المنشطات الجنسية الصريحة، إنما امتد أيضاً لإعلانات الشيبسى التى ظهرت مؤخراً تحمل إيحاءات جنسية، حيث يطالب الابن والده بكيس شيبسى ويلح فى ذلك حتى يأخذ ما يريد، وبعدها يغلق باب الغرفة على والديه قائلاً لوالده: «عيش»، كل هذه الإعلانات التى تتضمن تعبيرات جنسية صريحة أو إيحاءات، كلها تعتبر بمثابة السوس الذى ينخر فى المجتمع ليقوض أخلاقه واحترام أفراده لبعضهم، وهو ما يؤكده الدكتور صفوت العالم أستاذ العلاقات العامة والإعلان بكلية الإعلام جامعة القاهرة، مشيراً إلى أن الابتذال أصبح سمة لعدد كبير من الإعلانات التى تستخدم دلالات مثيرة داخل مضمون الرسالة الإعلانية وهذا يظهر بوضوح فى الإعلانات عن السلع المرتبطة بالتجميل والأناقة والملابس، أما الكارثة الأكبر ففى الإعلانات عن المنشطات والمقويات الجنسية، التى لابد أن يمنع الإعلان عنها لأن الإعلان عن الأدوية والمكملات الغذائية ممنوعة، لأنها يجب ألا تصرف إلا تحت إشراف طبى، وفى الإعلان عن هذه الأدوية استغلال لأمراض الناس، وتصوير الأمر لهم وكأن حل مشكلاتهم مرتبط بهذا المنتج، ويستخدم المعلن ألفاظاً فجة فى مثل هذه النوعية من الإعلانات مما يهبط بمستوى النقاش بين الزوجين وتسوء العلاقة بينهما، مما يكون له أخطر الأثر على المجتمع كله، كما أن هذه النوعية من الإعلانات تتسبب فى خلق نوع من الإثارة وتشجع الشباب الذين يشاهدون هذه الإعلانات

على ممارسة الجنس خارج الإطار الشرعى، وعندما يعتاد الشباب والمراهقون على مثل هذه المنتجات يصبح لديهم فهم خاطئ للعلاقة الجنسية، ومن هنا يطالب الدكتور «العالم» وسائل الإعلام بضرورة الالتزام بمسئوليتها تجاه المجتمع، فيجب أن تمتنع عن بث مثل هذه الإعلانات.

حملة جوفاء
وكان العام الماضي قد شهد حملة شعواء ضد هذه النوعية من الإعلانات بدأت بدعوى قضائية أقامها عبدالله ربيع المحامى، وطالب فيها بوقف الإعلان عن المنشطات الجنسية فى القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية، لكن الدائرة  السابعة بمحكمة القضاء الإدارى رفضت الدعوى، وهو ما شجع على استمرارها وزيادتها، ثم قام جهاز حماية المستهلك بإحالة 6 قنوات فضائية منها قناتان للأطفال إلى النيابة العامة بتهمة الإعلان المضلل عن منشطات جنسية وزيوت شعر وأدوية تخسيس غير مصرح بتداولها من قبل وزارة الصحة، وحذر الجهاز المستهلكين من شراء المنتجات الطبية غير المسجلة بوزارة الصحة لما فى ذلك من خطورة على الصحة العامة، جاء هذا الإجراء عقب ورود شكاوى للجهاز يتضرر فيها المواطنون من شراء هذه المنتجات التى تبين أنه ليس لها أى فائدة طبية، وكانت المفاجأة أن وزارة الصحة أكدت أن هذه المنتجات غير مسموح بتسجيلها كأدوية بشرية، أو كمستحضرات تجميل، ولا للأغراض العلاجية المعلن عنها، ومع ذلك فما زالت هذه المنتجات يتم الإعلان عنها فى معظم القنوات الفضائية دون أى رقابة.

قيم مخالفة
من جانبها ترى الدكتورة نجوى كامل، الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أن المشكلة ليست فى مضمون هذه الإعلانات فقط، إنما فى القيم التى تقدمها أيضاً، فأحد إعلانات المواد الغذائية يقدم الأم رمز العطاء فى صورة تحاول أن تأخذ من طفلها المنتج، بالإضافة لانتشار إعلانات الدجل والشعوذة وجلب الحبيب، وهذه كلها قيم مخالفة لقيم مجتمعنا المؤمن الذى يحترم الأم ويقدس إرادة الله، وأرجعت هذا إلى انتشار القنوات الفضائية غير معروفة التمويل، التى تقدم أى مادة إعلانية من أجل الربح فقط.. وتطالب الدكتورة نجوي بضرورة مراجعة الأداء الإعلامى كله التى تعد الإعلانات التجارية جزءاً منه، وهنا يأتى دور المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المزمع إنشاؤه، الذى لابد أن يقوم بوضع قواعد للإعلانات التجارية ضمن منظومة تنظيم الإعلام، على أن نضمن تطبيق هذه القواعد، ووضع عقوبات على الجهات المخالفة سواء كانت فضائيات أو وسائل مطبوعة أم مسموعة، كذلك لابد من وجود جمعيات لحقوق المشاهدين والقراء يكون لها دور فى حماية حق المتلقى فى رسالة إعلامية حقيقية غير مخالفة لقيم وأخلاقيات المجتمع.

ميثاق الشرف
وأمام هذه الهجمة الإعلانية الشرسة على مجتمعنا وقيمه وصحة مواطنيه يطل السؤال: أين ميثاق الشرف الإعلانى؟
يجيب عن هذا التساؤل الدكتور سامى عبدالعزيز، أستاذ التسويق والإعلان، عميد كلية الإعلام سابقاً، مشيراً إلى أن ميثاق الشرف تم وضعه منذ سنوات عديدة من قبل اتحاد الإذاعة والتليفزيون، ولكن مع وجود القنوات الخاصة والرغبة فى جلب أكبر حصيلة من الإعلانات، ولأنه لا يوجد رقيب على أداء هذه القنوات تفشت هذه الظاهرة التى يشترك فيها كل من المعلن الذى يوافق على ربط منتجه بمثل هذه المشاهد أو العبارات الخادشة للحياء، ووكالة الإعلان التى تقوم بتنفيذ الإعلان والوسائل التى تقوم ببثه، وفى ظل غياب رقابة أجهزة حماية حقوق المستهلك، التى يجب ألا يقتصر دورها على المنتج فقط، إنما يجب أن يمتد لمراقبة عملية الترويج لهذا المنتج، لذلك فمسئولية منع هذه الإعلانات هى مسئولية تضامنية بين كل هذه الجهات، التى يجب أن تقوم بدورها لحماية المجتمع.