عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصر خارج دائرة الابتكار العالمى

بوابة الوفد الإلكترونية

فى الوقت الذى ينص فيه الدستور على ضرورة الاهتمام بالبحث العلمى، وزيادة المخصصات المالية له فى الموازنة العامة للدولة إلى 1% على الأقل، بينما

العالم كله يهتم بالبحث العلمى والابتكار باعتباره رمانة الميزان فى عملية التنمية، فوجئنا منذ أيام قليلة بالمؤشر العالمى للابتكار يصنف مصر فى المركز رقم 99 بين 134 دولة شملها التصنيف العالمى، فمصر صاحبة أول حضارة فى التاريخ لم يعد لها مكان على خريطة الابتكار فى العالم، هذا فى الوقت الذى يوجد فيها حوالى 26 مركزاً بحثياً بخلاف عشرات الجامعات الحكومية والخاصة، هذا بالإضافة إلى ما يتغنى به المسئولون من الاهتمام بالابتكار بين تلاميذ المدارس والجامعات، ولكن هذا لا يجعلنا نغفل أن طلاب كليات الهندسة بجامعات القاهرة وحلوان وغيرها كانت لهم ابتكارات شاركت فى منافسات عالمية وحققت مراكز متقدمة، لذلك فالسؤال الذى يطرح نفسه الآن لماذا تخلفت مصر فى الابتكار فى حين تقدمت الدول الأخرى وعلى رأسها إسرائيل؟ وهل يمكن انقاذ البحث العلمى والابتكار فى مصر حتى تتم عملية التنمية المستهدفة وتتقدم مصر وتصبح فى مصاف الدول العظمى؟
ومن المؤسف أنه بينما احتلت مصر تلك المرحلة المتأخرة فى المؤشر العالمى للابتكار الذى صدر مؤخراً احتلت سويسرا وبريطانيا والسويد صدارة الترتيب، فى حين جاءت السودان فى المركز الأخير، وجاءت الإمارات فى المرتبة 36 وجنوب أفريقيا فى المرتبة 53 وإسرائيل فى المركز الـ 16، هذا وفقاً للتصنيف العالمى الذى أعدته جامعة كورنيل والمعهد الأوروبى لإدارة الأعمال والمنظمة العالمية للملكية الفكرية، جاء هذا التصنيف غير مرضياً لمصر بعد ثورتين اعتقد البعض أنه سيكون لهما مردود على العلم والعلماء، خاصة مع تأكيد الرئيس السيسى مراراً وتكراراً على أن مصر لن تتقدم إلا بالعلم، وبعد تشكيله لمجلس علماء مصر ولقاءاته المتوالية مع العلماء والنابغين، ومن هنا جاء هذا التصنيف المتأخر صادما للجميع، خاصة أن المؤشرات تؤكد أن مصر مؤهلة لتحتل مركزا متقدما إذا علمنا أن التقرير الأول لمؤشرات العلوم والتكنولوجيا لعام 2014 الذى أصدره المرصد العلمى للبحوث والتكنولوجيا التابع لأكاديمية البحث العلمى، أكد أن عدد الباحثين في الجامعات أكبر من عددهم في مراكز البحوث بحوالي ثلاثة أضعاف، مشيرًا إلى أن هناك 43 جامعة حكومية وخاصة في مصر عام 2013، من بينهم (24 جامعة حكومية و19 جامعة خاصة)، و11 مركزًا ومعهدًا بحثيًا تابعًا لوزارة البحث العلمي إلى جانب 13 مركزًا ومعهدًا وهيئة بحثية تابعين للوزارات الأخرى، ومع ذلك احتلت مصر المرتبة 99 في مؤشر الابتكار العالمي، الذي يغطي 143 دولة من ذوي الاقتصاديات المختلفة في جميع أنحاء العالم،
وأوضح التقرير المصرى أن الكليات العلمية (العلوم والتكنولوجيا) تمثل نسبة 53٪ من إجمالي عدد الكليات في حين أن الكليات الأدبية (العلوم الاجتماعية والدراسات الإنسانية) تمثل 47٪ من جميع الكليات، كما كشف التقرير أن أكبر نسبة من الطلاب مقيدين في مجال العلوم الاجتماعية 51٪، تليها 20٪ في العلوم الإنسانية، ثم في مجال العلوم الطبيعية بنسبة 9٪ من الطلبة المقيدين، وفي مجال العلوم الطبية بنسبة 12%، وفي الهندسية 9 %، وفي العلوم الزراعية بنسبة 2%.
واعتبر التقرير أن تلك النسب القليلة للتخصصات العلمية تعد مؤشراً بأنه لابد من تحفيز الطلبة على التسجيل في هذه التخصصات، التي هي أساس لصناعة المستقبل في الكثير من المجالات الصناعية والزراعية للبنية التحتية في مصر.

ابتكارات مصرية
ورغم هذه المؤشرات والإحصاءات إلا أن ابتكارات واختراعات المصريين كثيرة، وأصحاب براءات الاختراع فى مصر ليسوا دائما من العلماء أو الباحثين بل إن منهم طلبة وعمال دفعتهم احتياجات مجتمعاتهم المحلية إلى الابتكار، فدائما الحاجة هى أم الاختراع، حيث نجح على محمد خليفة التلميذ بمدرسة الوحدة الابتدائية بقرية السمطا بقنا فى اختراع كباش لنقل محصول القصب وشحنه بتكلفة 60 ألف جنيها فقط، وباستخدام ضخ الهواء بدلاً من الوقود التقليدى كالبنزين والسولار، وكان نفس الطفل قد تمكن من قبل من ابتكار غسالة بمكونات محلية، فى حين ابتكر إسماعيل محمد حسن 22 عاماً طالب بأحد معاهد الهندسة الخاصة طيارة بدون طيار يمكن استخدامها فى حمل كاميرات مراقبة وكاشفات عن المفرقعات وأجهزة الرؤية الليلية والتصوير الحرارى، وفاز هذا المشروع بجائزة ضمن أفضل 10 مشروعات تنموية فى مبادرة فكرتى المنبثقة من حملة الرئيس عبدالفتاح السيسى، وأكد الباحث فى مشروعه أنه يمكن استخدام اختراعه للكشف عن المفرقعات وتأمين البنوك والمواكب والمنشآت الحيوية كمديريات الأمن وأقسام الشرطة.
أما أحمد عبداللطيف الملقب بأحمد نيوتن، الطالب بكلية الزراعة جامعة الأزهر فقد تمكن من ابتكار جهاز يحول الكلام إلى طاقة كهربائية بتكلفة 500 جنيه فقط، ويعتمد الجهاز على تقنية «البير الكتريك باور» والتى تحول الموجات الصوتية إلى طاقة كهربائية بتكلفة قليلة، ويمكن وضع الجهاز فى المناطق المزدحمة مثل محطات المترو وإشارات المرور للاستفادة من الضوضاء وتحويلها إلى طاقة.
كانت هذه بعض نماذج من ابتكارات لشباب مصريين بالإضافة إلى ما يبتكره طلاب كليات الهندسة سنويا، ويشاركون به فى مسابقات عالمية ودائما ما يحققون مراكز متقدمة، إلا أن ضعف الإمكانيات دائما ما يكون بمثابة حجر عثرة فى سبيل هؤلاء العلماء، كما أن نوادى العلوم المنتشرة فى المدارس ومسابقات الموهوبين علميا التى تنظمها وزارة التربية والتعليم سنوياً دائماً ما تكشف عن وجود براعم لعلماء صغار يحتاجون إلى رعاية خاصة، وامكانيات تمكنهم من تحقيق أحلامهم، فهذه العقول فى حاجة إلى رعاية خاصة منذ الصغر وبرامج تدريبية وتعليمية متقدمة حتى يتمكنوا من النبوغ فى مجالات العلم المختلفة.
يأتى هذا فى الوقت الذى كشف فيه المرصد المصري للعلوم والتكنولوجيا والابتكار، في تقريره السنوي أن الإنفاق الفعلي على البحث والتطوير ارتفعت قيمته من 8.52 مليار جنيه في عام 2012 ليصل إلى 11.88 مليار جنيه في 2013 بمعدل نمو يمثل 16.3٪ ومن المقرر أن تزيد تلك النسبة في الفترة المقبلة تطبيقًا للدستور الجديد لتصل إلى 1 ٪ على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي.
وأشار التقرير إلى أن إجمالى عدد الباحثين في مصر الذين يعملون بصورة رئيسية أو جزئية في أعمال البحث والتطوير بلغ 110.772 في عام 2013 معظمهم في قطاع التعليم العالي بنسبة 4.79٪، فيما بلغ عدد الباحثين الذين يعملون بوقت كامل في أعمال البحث والتطوير 47.652 باحث، مشيرًا إلى أن عدد الحاصلين على درجات جامعية عليا الماجستير بلغ 12.661 باحث فيما حصل 5 آلاف و745 باحثاً على درجة الدكتوراه.
كما أشار التقرير إلى أن طلبات براءات الاختراع للمصريين من مكتب براءات الاختراع بلغت 641 طلبًا في عام 2013، تم منح 68 براءة كانت النسبة الأعلى منها في مجال الاحتياجات الإنسانية، تليها الكيمياء والفلزات، في حين كانت أدنى نسبة كانت للنسيج والورق والكهرباء والاتصالات، فيما بلغ عدد طلبات البراءات لغير المصريين 1416 طلبًا تم منح 379 براءة منها، وبلغت طلبات البراءات للمصريين من مكتب براءات الاختراع الأوروبي 40 طلباً تم منح 4 منها فقط براءات.
هذا وتعانى مصر من ضعف الإنفاق على البحث العلمى على المستوى الرسمى، أى فى الجامعات والمراكز البحثية، فما بالنا بالأفراد والطلبة الذين لا يجدون رعاية، والذين يدرسون فى

مدارس وجامعات لا تمتلك أى امكانيات، ويكفى أن نذكر أن من بين 17 مليون طالب فى مراحل التعليم المختلفة قام وزير التربية والتعليم الدكتور محمود أبو النصر مؤخرا بتكريم 48 طالباً مخترعاً، وهو ما يعنى أن مصر لديها مشكلة حقيقية فى الابتكار والاختراع ولكن ما هى أسبابها؟
ويرى الدكتور مغاورى شحاتة رئيس جامعة المنوفية الأسبق أن السبب فى هذا هو عدم تنظيم عملية الابتكار وعدم تشجيع المبتكرين، وأساليب التعليم التى تعتمد على التلقين والحفظ ولا تنمى المواهب الابتكارية للطالب، بالإضافة إلى سوء أوضاع الباحثين وعدم اهتمام الدولة بالابتكار والاختراعات، والاعتماد على التكنولوجيا المستوردة من الخارج، وعدم وصول أى اختراع إلى مرحلة التصنيع، لذلك لابد من تغيير نظام التعليم والاهتمام بالمبتكرين فى كل المجالات والمراحل، وليس من الحاصلين على الشهادات العليا فقط، وتحفيزهم وتسهيل عملية تسجيل الاختراعات والقضاء على الروتين الذى يعوق الكثيرين من أصحاب الاختراعات، حتى أن البعض يلجأ لتسجيل اختراعاتهم فى الخارج هرباً من الروتين.
ولكن الدكتور إبراهيم هاشم الأستاذ بهيئة المواد النووية أرجع أسباب تخلف مصر فى مؤشر الابتكار العالمى إلى أن منظومة البحث العلمى فى مصر لا تشجع على الابتكار، فمعظم الأبحاث التى يتم إجراؤها أكاديمية وليست تطبيقية، أى أنها أبحاث تجرى لنيل درجات علمية وليست للتطبيق على أرض الواقع، كذلك فإن قانون الجامعات يشترط أن يكون البحث فرديا حتى يحصل الباحث على درجات أعلى، فى حين أن المنظومة العالمية تنص على أن الأبحاث المشتركة تكون درجاتها أعلى، ومن ثم يتمكن الفريق البحثى من التوصل لابتكارات أكثر تكاملا ويمكن تطبيقها على أرض الواقع، هذا بالإضافة إلى عدم توافر الامكانيات المادية للباحثين حتى يتمكنوا من مواصلة الأبحاث، ناهيك عن تدنى رواتبهم، وعدم الاهتمام بالأبحاث التى تنتجها المراكز البحثية رغم كثرتها، ويكفى أن نذكر أن أول مشروع معتمد على بحث علمى هو مصنع الرمال السوداء الذى يتم انشاؤه الآن بالتعاون بين هيئة المواد النووية والقوات المسلحة، ولو تم الاهتمام بالأبحاث العلمية لأصبح لدينا مشروعات كثيرة يعمل بها ملايين الشباب، اعتماداً على الأبحاث العلمية التى يجب أن تخرج من الأدراج ليتم تنفيذها على أرض الواقع.
وبالرغم من وجاهة الرأى السابق واجتهادات صاحبه، إلا أن الدكتور طارق حسين، رئيس أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا سابقاً، يرى أن هناك سبباً آخراً للمرتبة المتأخرة لمصر على مؤشر الابتكار العالمى، وهى نسبة براءات الاختراع لعدد سكان مصر، حيث إن المؤشر يأخذ فى الاعتبار عدد البراءات التى يتم تسجيلها بالنسبة لعدد السكان، فعدد البراءات التى تقدم للأكاديمية وتكون جديدة وقابلة للتطبيق –وهذه هى شروط التسجيل– عددها قليل بالنسبة لعدد السكان، كما أن معظم العاملين فى البحث العلمى من الباحثين فى الجامعات أو المراكز البحثية، وهؤلاء يهتمون أكثر بالنشر على حساب الحصول على براءات اختراع، وهو ما يضيع عليهم فرصة التسجيل للحصول على براءات، ولذلك نجد أكثر الحاصلين على براءات اختراع من المواطنين العاديين أو العاملين فى شركات الأدوية، وأكد الدكتور طارق أن صندوق العلوم والتنمية التكنولوجية يدعم المبتكرين وأصحاب الاختراعات ويقوم بتمويل الراغبين فى الحصول على براءات بشرط جدية البحث والتقدم للأكاديمية لتسجيل البراءة.

الطريق ممهد
والطريق أمام مصر واضح إذا كانت تريد أن تكون فى مصاف الدول العظمى فيجب الاهتمام بالعلم والعلماء والشباب من ذوى الأفكار الابتكارية، ويكفى أن نذكر أن اليابان التي تعرضت لأكبر كارثة في تاريخ العالم، عندما قصفتها الولايات المتحدة الأمريكية بالقنابل النووية نهاية الحرب العالمية الثانية في أغسطس 1945، تنفق 130 بليون دولار على البحث العلمي، ما يعادل 24% من إنفاق دول العالم، ويبلغ عدد الباحثين فيها 5100 باحث.
أما كوريا الجنوبية فقد رفعت نسبة إنفاقها على البحث والتطوير من 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 4% لتصل ميزانيته إلى 11,5 مليار دولار، ووجهت اهتمامها نحو الإلكترونيات، وعلوم البحار والمحيطات، وتقنيات البيئة، وتقنيات المعلومات، وعلوم الفضاء والطيران.
والصين التي يصل تعدادها إلى مليار وخمسمائة مليون نسمة، بلغت ميزانيتها للبحث العلمي، ما يقرب من 136 مليار دولار، في الوقت الذي لم تتجاوز فيه هذه الميزانية 30 مليار دولار فقط في العام 2005.
وتحوّلت الصين الآن إلى ثالث أكبر اقتصاد في العالم، وحلّت محل اليابان والهند كأكبر شريك تجاري للولايات المتّحدة، أما إسرائيل فتنفق على البحث العلمي 9 مليارات دولار، وهو ما يوازي 4.7% من إنتاج إسرائيل القومي، أما فى مصر التى ينص دستورها على زيادة المخصصات المالية للبحث العلمى لتصل إلى 1% من الدخل القومى، ورغم ضآلة هذه النسبة إلا أنها لم تتحقق بعد وما زال معدل الإنفاق على البحث العلمى لا يتجاوز 0.21%، معظمها تضيع كرواتب للعاملين فى الجامعات والمراكز البحثية.