رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الفقراء بين مطرقة التقشف وسندان صندوق النقد الدولى

بوابة الوفد الإلكترونية

في مطلع الأسبوع الجاري عقدت الدكتورة نجلاء الأهواني وزيرة الدولة للتعاون الدولي مؤتمراً صحفياً لتعلن فيه توقف المفاوضات الحكومية مع صندوق النقد الدولي منذ سنتين، وأن الحكومة ليست في حاجة إلي القرض خلال الفترة الحالية، وهو ما أثار ردود فعل واسعة واعتبره البعض نهاية لعصر الإذعان وعدم القبول بالمطلق أو التوقيع علي بياض تجاه الصندوق، وأنه خطوة علي طريق استقلال الإرادة المصرية وقراراتها وأنه انحياز للشعب لأن إلغاء الدعم هو أول اشتراطات صندوق النقد الدولي للحصول علي القرض، خاصة أن الموافقة عليه تعد مجرد شهادة بالثقة في الاقتصاد المصري،

ويحسب لوزارة التعاون الدولي أنها تعاملت مع صندوق النقد الدولي بمبدأ الندية، لأن مصر عضو من الأعضاء المؤسسين للصندوق، وبالتالي من حقها الحصول علي القرض في مقابل تقييم السياسات الاقتصادية لضمان حقه في سداد القرض دون شروط لتؤكد أن الدولة اعتمدت علي نفسها، وبالتالي فهي ليست بحاجة للقرض خلال الفترة الحالية، إلا أن حقيقة الأمر أن الموازنة السابقة شهدت تخفيضاً كبيراً للدعم، وبالأخص الوقود والكهرباء في إطار التوجه نحو إلغاء الدعم نهائياً خلال خمس سنوات وأن السياسة الاقتصادية بها قدر من التناقض، وأن الوضع الحالي في مصر غير جاهز للموافقة علي كافة شروط صندوق النقد، وأن الدولة أجلت الحديث عنها لحين يصبح الوضع مهيأ عن ذلك، ولأن الشروط الموضوعة من قبل «النقد الدولي» كارثة علي النمو الاقتصادي وهو ما يجعل الأمر يأخذ وقتاً أطول في حسمه وكذلك الوضع السياسي غير مهيأ حالياً لغياب البرلمان، وربما تتجدد المفاوضات عقب انتهاء الانتخابات التشريعية.. إلا أن الواقع والتاريخ يؤكد أن لصندوق النقد الدولي وجوه أخري قبيحة وإذا كان سبباً في تنمية أو إحداث إصلاح اقتصادي لبعض الدول فهو أيضاً أداة استخدمت ومازالت تستخدم لهدم اقتصاديات دول أخري.

ولأن الأمر جد خطير، خاصة في تلك المرحلة من انطلاق مصر الحديثة، تطرح «الوفد» القضية للنقاش في أول رد فعل علي تصريح وزيرة التعاون الدولي بوقف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي أجري الدكتور أحمد أبوالنور أستاذ الاقتصاديات الحرجة والأزمات بالجامعات الأمريكية، عضو هيئة التدريس بجامعة عين شمس سابقاً، ورقة عمل منبثقة من دراسة عن المنظمات الاقتصادية الأممية وتقوم علي تساؤل مفاده: هل مصر تحتاج فعلاً لقرض من صندوق النقد الدولي؟

في بداية ورقة العمل أكد الدكتور أحمد أبوالنور أن حقيقة هذا السؤال مثارة منذ زمن ما بعد مبارك مباشرة.. إلي أن إلغاء المجلس العسكري القائم بأعمال رئيس الجمهورية وقتها، في محاولة لامتصاص ردود فعل ثورية سياسية بالشارع، ولم يلغه لأسباب اقتصادية، حيث إنه كان منطقياً أن تصاحب ثورة عالمية مثل ثورة 25 يناير 2011 - وما تلاها من تصحيح قاد الجماهير لثورة 30 يونية 2013 - مثل هذه الفورات المجتمعية والشبابية الغاضبة في اتجاه كتل دولية ساهمت في إعطاء النظام - الذي قامت الثورة الأولي عليه - قبلة الحياة لعقود متتالية، مما زاد من أرصدة الفساد الذي استشري مؤسسياً بل وبقوانين تساعده علي البقاء بشكل مشروع في الحياة المصرية، وهو أردأ أنواع الفساد، الفساد الذي يحميه القانون.

وقد ذهب بعض المؤيدين لضرورة الاقتراض، إلا أن الاقتراض من الصندوق هو بمثابة شهادة دولية من مؤسسة عالمية لها ثقلها، في جودة وقوة الاقتصاد المصري وكأن الاقتصاد لابد أن يزيد عجز موازنته العامة، من خلال زيادة الديون الأجنبية، تلك الموازنة التي فقط تلتهم فقط فوائد ديونها ربع الإنفاق المصري العام، حتي تكون مصر قد حصلت علي تلك الشهادة.

 

لا اقتراض مع العجز بالموازنة

وأضاف أيضاً: نعم الكل يريد الأفضل لمصر، ولكن ليس علي هذا النحو، ودونما أخذ الكثير من الأمور في الحسابات، لا يجب اللجوء للاقتراض في ظل عجز متنام ومزمن بالموازنة العامة بالمزيد من الديون الداخلية أو الخارجية، وبما يزيد من عجز الموازنة تراكمياً بمرور السنوات، حيث يتم سداد الديون القديمة بديون جديدة أو بأجزاء من ديون جديدة وسد ثغرة أو فجوة الموازنة دائماً بالاقتراض كبديل عن زيادة موارد أو إيرادات الدولة من مصادر عديدة قد تصل بالموازنة كحد أدني للتوازن وليس للعجز.. إن لم يمكنها تحقيق فائض.. وإن كان هذا ليس بموضوعنا النقاشي الآن.

أيضاً أن الاقتراض الداخلي - إن كان لابد من الاقتراض - قد يعتبر بالرغم من منافسة الحكومة للمستثمر الخاص في الاقتراض من البنوك الوطنية، إلا أنه قد يعتبر جزئياً أفضل في بعض الحالات، لأنه لا يرتب أعباء ترتبط بجهات أجنبية وتدبير عملات أجنبية - الدولار تحديدا.. إلخ، إلا أن استسهال اللجوء للاقتراض داخلياً أو خارجياً، إنما هو من ميراث إدارة المالية العامة من العقود السابقة التي يجب التحرر تماماً من تركتها، بالإضافة إلي صندوق النقد الدولي تحديداً، وبعد دخول العالم في الأزمة المالية العالمية في نهايات عام 2008، اتهمه أهم - إن لم يكن معظم خبراء وأساتذة الاقتصاد بالعالم - هو والبنك الدولي - خاصة الصندوق - أنهما بمؤسساتهما، كانوا جميعاً الحاضر الغائب الذي لم يكتشف أو يحذر العالم مما هو مقدم عليه من كوارث مالية واقتصادية بسبب الممارسات اللاأخلاقية في أسواق ومؤسسات المال العالمية والأمريكية تحديداً، وأنه بهذا كان شريكاً رئيسياً فيما وصل إليه الآن العالم من تداعيات علي كل الأصعدة، دخلت بأمريكا لارتباكات عديدة لم تفق منها حتي الآن، وإن كانت تجيد ترحيلها لكل دول العالم بأوجه عديدة وعجيبة، وحتي يدفع كل مواطني الكرة الأرضية تكلفة فواتير رفاهية المواطن الأمريكي ونزوات ساسته علي امتداد العالم.

 

كيانان يحتاجان إلي إعادة بناء

وأشارت ورقة العمل إلي أن كل الاقتصاديين قد أجمعوا علي تقادم تلك المؤسسات - صندوق النقد والبنك الدوليين بمختلف مؤسساتهم - باعتبارها مؤسسات قد نشأت في ظل ظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية، أي عام 1944-1945، في ظل موازين قوي سياسية مستندة لاقتصادات ذات قوة معينة مدعومة بنفوذ عسكري، تجلي أثره في تشكيل تلك المؤسسات والمنظمات العالمية، من واقع المنتصرين والمنكسرين بتلك الحرب، وهو ما قد تغير تماماً وبالكلية الآن في لحظتنا الراهنة، بل ومنذ زمن، ولذلك فتلك المنظمات علي ما هي عليه إنما تدير وضعاً أصبح غير موجود في واقعنا المعاصر الحالي، وهو ما قد يدفع بالاقتصاديين عموماً إلي القول بالخلل البنيوي والهيكلي الكامل في طبيعة تركيب وممارسة هذه المؤسسات لأدوارها، وهو ما يستوجب إما إعادة بنائها لتواكب عالمنا الواقعي المعاصر أو ليكن البحث عن مؤسسات جديدة تقوم بتلك الأدوار كما يجب تماشياً وتأقلماً واستيعاباً للظرف الراهن الدولي.

 

التصويت بالترجيح

إن نظام التصويت بالصندوق لصالح أية قضايا مطروحة، هو نظام مرجح، يستند لحصة كل بلد عضو في الصندوق، وفي ضوء حجم البلد اقتصادياً ونسبة مساهمته يكون حجم وثقل تصويته، وتعمل تلك المؤسسة - الصندوق - كوكيل مصالح، يصب أداؤه في اتجاه الدول ذات الحصص الأكبر والدائمة في عضوية الصندوق مثل الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وكندا وإيطاليا، التي تعتبر مقاعدها مملوكة لها ملكية حصرية، لمدة 5 سنوات، وتتجدد كل 5 سنوات أخري، وهكذا، بينما باقي المقاعد التصويتية يتم انتخابها لمدة عامين فقط، وتبلغ حصة الولايات المتحدة 17.6٪ من إجمالي الحصص، بينما تبلغ جملة حصص الولايات المتحدة واليابان وكندا وأوروبا 63٪ من جملة حصص الصندوق وبالتالي قدرته التصويتية وصناعة القرار النهائي.. إن لم يكن الهيمنة عليه.

 

أسواق اليد الخفية

ومن ضمن ما تتضمنه الروشتات الكلاسيكية لصندوق النقد الدولي أن تلتزم حكومات الدول المقترضة بالحوكمة أو الحكم الرشيد وإعلاء الشفافية - كما يحكم عليها وطبقاً لرؤية الصندوق بدوله الكبري ذات الحصة الأكبر تصويتياً وسيدة قراره - وما يتطلبه ذلك من تعديلات وتشريعات، والأخذ بكليات وتفصيلات التحول التام لاقتصاد السوق ذي اليد الخفية، التي تظهر وقت الأزمات

والقادرة علي فعل المعجزات، وبشرط ألا تتدخل حكومات الدول بالأداء الاقتصادي بالأسواق، وستتدخل اليد الخفية لاقتصاد السوق وتعيد ضبط أي خلل.. وهو ما لم يره العالم أجمع منذ الأزمة المالية العالمية بنهايات عام 2008 وحتي الآن، بل وجدنا حكومات ودولاً عريقة، الرأسمالية تلجأ لحلول في منتهي الاشتراكية لعلاج تصدعات واختلالات الأداء اللاأخلاقي في الأسواق الرأسمالية، وهي الكلمة المرفوضة أصلاً في قواميس الرأسمالية ولدي صندوق النقد الدولي.. «كلمة اشتراكية» وأن تقوم الدولة بتخفيض قيمة عملتها وتحرير التعامل في الصرف الأجنبي، والحد من الإنفاق الحكومي علي الدعم والرعاية الاجتماعية والصحية.. إلخ، وزيادة الضرائب علي الدخل في كافة الخدمات، ورفع الرقابة علي الأسعار، والسوق ذو اليد الخفية قادر بمفرده علي إعادة ضبط أي خلل يعتري ممارساته، وهو ما أدي بنا إلي أسواق احتكارية منذ عهد مبارك وحتي الآن، والاحتكار، - الذي كان يحميه قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية - لا يشترط أن يمارسه شخص واحد أو مؤسسة واحدة لسلعة معينة أو خدمة، بل ينتشر بأسواقنا ما يسمي بـ «احتكار القلة» وبمعني تواجد مثلاً ثلاثة مقدمين لخدمة معينة يتفقون علي أداء احتكاري لا يخالفه أحدهم، أو وجود 14 شركة تقدم مثلاً للمجتمع سلعة ما، أيضاً يكون اتفاقهم احتكارياً ضد المواطن بل وضد الدولة نفسها، وهو ما نعيشه حتي الآن، ويحتاج لتدخل حقيقي.

 

كلينتون وفضيحة الصندوق

يقول الدكتور أحمد أبوالنور، أستاذ الاقتصاديات الحرجة والأزمات في ورقة عمله: يحضرني هنا للتدليل علي حقيقة جودة وأخلاقيات التعاملات الدولية للصندوق والبنك الدوليين.. ما فجره الرئيس الأمريكي الديمقراطي الأسبق «بيل كلينتون» أمام لجنة الاستماع بمجلس الشيوخ الأمريكي في مارس 2010، وبعد عودته من زيادة «هايتي» التي كان موفداً لها علي رأس بعثة من الأمم المتحدة - في بعثة إغاثة أممية - وبعد عودته، وبعد أن رأي هايتي بعد الكوارث الطبيعية التي حدثت لها، صرح بشعوره بمنتهي المسئولية بل وبالذنب تجاه هايتي - كنموذج وليس هايتي بمفردها كدولة - بل وتجاه كل دول العالم، التي مارس خلال رئاسته للولايات المتحدة عليها ضغوطاً كبيرة باستخدام الذراعين الاقتصاديين، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي - علي حد اعترافاته الرسمية - في إملاء سياسات بعينها واشتراطات.. إلخ، بغرض تحويل تلك المجتمعات إلي نظام اقتصاد السوق، أي أن تكون دولاً رأسمالية كدول العالم الغربي وتعمل بآلياته، وأن يتم نقل تلك المجتمعات مباشرة لدول صناعية دون شروط مرورها أو بقائها دولاً زراعية لفترة ثم تحولها لدول صناعية بعد ذلك، إلا أنه - علي حد تعبيراته واعترافاته - فوجئ بأنه كرئيس للولايات المتحدة قد ارتكب في حق هذه الدول - كنموذج هايتي - جُرماً فادحاً، لأنها وعلي حد تعبيره لم تتحول إلي دول صناعية، ولم تعد حتي دولاً زراعية، فقد كانت - كقوله - هايتي من منتجي الأرز الجيد عالمياً، لكن زراعته طبقاً لتوجيهات الصندوق والبنك قد توقفت، باعتبار أن الأرز الذي يمكن أن تستورده مثلاً من أوروبا سيكون أرخص، فتوقفت زراعة الأرز هناك، وكما وصف كلينتون وجد الأرز المرسل إلي «هايتي» في بعثات الإغاثة يباع بالسوق السوداء فور ملامسته لأيدي الناس، ولأن الأرز أصبح لديهم سلعة نادرة، بعد أن كانوا يقتربون من الاكتفاء ذاتياً من محاصيلهم بل ومع تنامي فرص - أيضاً - تصديره خارج هايتي.. وهو ما حدث معنا في مصر بتعمد عدم زراعة القمح واستيراده بأسعار أرخص من تكلفة زراعته محلياً، وزرعنا وقتها محاصيل الفراولة والكانتلوب، ولكن كيف كانت تتم إماتة الزراعة لدي تلك الدول، التي يتم نصحها بعدم الزراعة وستصلها المحاصيل أرخص من تكلفة زراعتها وطنياً.

 

القفز من الحضيض

وأشار إلي أنه بالنظر إلي تجربة ماليزيا ورائد نهضتها «مهاتير محمد» فإنما كانت أول الدروس المستفادة من رؤيته ومن التجربة الماليزية، التي قفز بها من حضيض اقتصادي بل وفي ظل نزاعات عرقية واثنيات عديدة، إنما كانت مهمة مستحيلة، من دولة كانت مصر في عهد الزعيم الراحل عبدالناصر تنظر إليها بعين المساعدة.

ولكن كانت أول تحديات واجهت رائد نهضة ماليزيا، هو إعطاء ماليزيا ظهرها لكل روشتات وأداءات الصندوق والبنك والإملاءات الغربية، مطبقين الحكمة أن الصندوق والبنك إذا دخلا بلداً أفلسوها وجعلا أعزة قومها أذلة، وبدأوا بالفعل نهضتهم من الداخل، ومع الأصدقاء الخارجيين الحقيقيين، وذوي المصالح المتبادلة والمشتركة.

ومن ضم المفارقات المؤلمة، أن يلتقي آخر وزير استثمار بعهد مبارك - محمود محيي الدين - بوزير اقتصاد ماليزيا، من أجل ماذا؟.. من أجل الاستفادة بالتجربة الماليزية الاقتصادية وتطعيم التجربة المصرية بها!

أما بخصوص مؤسسات التصنيف الائتماني التي سبق ذكرها عرضاً، فيكفي - وقبل التهافت علي تصنيفاتها - وبعد وقوع الأزمة المالية العالمية، أن صرح أحد أهم علماء الاقتصاد الأمريكيين المعاصرين والحاصل علي نوبل في الاقتصاد وهو «جوزيف ستيجلتز» الذي وصف مؤسسات التصنيف الائتماني أنها من الضالعين في هذه الكارثة المالية اللاأخلاقية، إذ إنهم بتقاريرهم وتصنيفاتهم الوهمية، قد قاموا بإعادة عرض المنشآت والشركات واقتصادات عديدة أمام العالم وكأنها معادن نفيسة تساوي ثروات، بالرغم من أنهم يعلمون تماماً أنها لا تسوي أكثر من خُردة.. هذا علي حد تعبير جوزيف ستيجلتز!