رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إصلاح النفوس أقصر طريق لمواجهة الفكر الهدام

بوابة الوفد الإلكترونية

تبين لنا من الحلقات السابقة كيف تحاول الجماعات المتطرفة على تنوعها وتعددها التى تستهدف السلطة والحكم واستثارة مشاعر الشباب المسلم بدعوتهم للمشاركة فى صراعها على الحكم بما تزعمه من أنها تهدف الى تنصيب الحاكم العادل الذى ينشر العدل والأمن والرخاء بين المسلمين..

ويمنع عنهم كل ما انتشر بينهم من صور الفساد.. وينهض بالمجتمع من التخلف والفقر.. وغير ذلك مما تعانى منه الأمة اليوم.. إذ تحاول هذه الجماعات أن توهم الشباب أن هذه المفاسد ليس لها أى سبب سوى فساد الحكام.. ومن ثم يمكن أن تنتهى على يد الحاكم الصالح الذى تأت? به.. وهو القادر وحده أن يعيد الى المسلمين  ما افتقدوه من الإيمان فى دينهم والأمان فى دنياهم.
إذا عدنا الى الآيات القرآنية فسنجد أنها تكذب هذه الادعاءات.. وتبين أن حال المسلمين فى طاعتهم لله أو فى إعراضهم عنه هو الذى يحدد طبيعة مايسود بينهم من مظاهر أخلاقية وسمات اجتماعية وأحوال اقتصادية بل وأكثر من ذلك..فهو الذى يحدد طبيعة الحاكم الذى يملك مقاليد الأمور.. فالحاكم ما هو الانتاج طبيعى لأهل أى مجتمع.. وانعكاس لحال الأمة من صلاح أو فساد.. مصداقاً للحديث الشريف «كما تكونوا يولى عليكم».. والله تعالى لا يترك أقدار الشعوب تسير وفقاً لإرادة نفر قليل من الحكام يتحركون بها تبعاً لارادتهم وأهوائهم الى السعادة?أو الشقاء.. وانما يوجه المولى عز وجل اقدار الشعوب من سعادة أو شقاء.. وفقاً لما يعلمه سبحانه وتعالى من خير أو شر فى قلوب أفرادها.. وطاعة لله أو معصيته فى سلوكهم.. بحيث اذا سار افراد الأمة فى طريق الهداية والطاعة.. يكون قدرها الأمن والطمأنينة والرزق الرغد.. وتفتح  عليهم بركات من السماوات والأرض.. أما اذا تنكب افراد الأمة صراط الله المستقيم.. واتبعوا الأهواء والشهوات فلن يكون قدرهم سوى لباس الجوع والخوف.. وتمكن الفساد من مجتمعهم الذى يكتوى بناره الجميع.. ولما كان الحاكم ـ كما قلنا آنفاً ـ جزءاً من قدر الأمة ف?ن طبيعته تكون أيضاً انعكاساً لما يغلب على قلوبهم وسلوكهم من خير أو شر.. ففى الحالة الأولى يكون الحاكم أحد مظاهر النعمة من الله تعالى للأمة المؤمنة.. وفى الحالة الثانية يكون الحاكم هو أحد مظاهر النقمة من الله تعالى على الأمة العاصية.. وتتضح هذه الحقيقة فى العديد من الآيات القرآنية.. والتى نأخذ منها على سبيل المثال ما يلى:
أولاً: يقول تعالى: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» 11 الرعد، فإذ كان المسلمون اليوم يتطلعون الى أن تتغير أحوالهم من الضعف والخوف والمعاناة والتخلف فإن الآية تربط ذلك التغيير بضرورة تغيير ما بالأنفس.. فإذا ما تزكت نفوس المسلمين من كل الشوائب وعادت الى الفطرة النقية الطاهرة التى خلقت عليها.. وتطهرت قلوبهم من كل الأمراض النفسية ومظاهر الشرك الخفى.. كالحسد والحقد والكراهية والغل.. الى غير ذلك من الأمراض التى تفسد القلوب.. وعمرت نفوسهم بالهداية والإيمان والطاعة للمولى عز وجل ورسوله.. عمرت أرضهم ?مجتمعهم بالخير والأمن والرخاء.. فالآية إذن لا ترجع السبب فى معاناة المسلمين وما بهم من هوان الى الحاكم أو غيره.. وانما الى مافى قلوب المسلمين من الأمراض أو البعد عن دينهم.
ثانياً: يقول تعالى «ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون» «41» الروم.. فالآية تبين أن ظهور الفساد ـ مثل ذلك الذى يعانى منه المسلمون اليوم فى مجتمعهم ـ إنما يعود الى الناس أنفسهم وإلى ما كسبت أيديهم.. وتبين الآية أن الله تعالى يترك الناس فى معاناتهم التى صنعتها أيديهم من الفساد والابتعاد عن طريق المولى عز وجل.. لأن هذه المعاناة هى فى الواقع نقمة من المولى عز وجل،. جزاء إعراضهم عن دينهم «ليذيقهم بعض الذى عملوا».. كما تبين الآية أن هذا الذى يصيب الناس هو ابتلاء من ?لله لعلهم يدركون ما هم واقعون فيه من ذنوب ومعاص كانت سبباً فى معاناتهم.. فيتضرعون الى الله مستغفرين تائبين ويعودون الى طريق الله ويرجعون عما هم فيه من فساد وغواية وضلال «لعلهم يرجعون».. وهكذا يتضح من الآية الكريمة أن ما يعانيه المسلمون فى حياتهم ليس مرجعه الى حاكم أو غيره.. وانما هو نتيجة مباشرة لإعراضهم عن طريق الله.
ثالثاً: يقول الله تعالى «ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض» 96 الأعراف.. وتبين هذه الآية للمسلمين أن ما يتمنونه من الحياة الطيبة الآمنة إنما يرتبط بطريق واحد.. هو عودتهم الى تقوى الله.. والتقوى هى ارتباط ظاهر عمل الإنسان بما فى قلبه من حب ومخافة لله تعالى.. فيكون المسلم فى كل عباداته ومعاملاتهم مراقباً لله تعالى ورسوله.. فإذا سلك المؤمن فى طريق الاحسان الذى يصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه أن «تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك».. فبهذه المراقبة المستمرة لله?تعالى من جابن المسلم فى كل فعل أو قول يأتيه لا يمكن أن يصدر منه إلا ما يرضى الله ورسوله وينفع نفسه وينفع أهله ووطنه ويأخذ بكل أسباب التقوى فى الدين والدنيا.. ومن هنا يتأكد لنا أن صلاح مجتمع المسلمين لا يرتبط بتغيير الحاكم.. وانما بصلاح نفوس المؤمنين ووجود قلوب مؤمنة صادقة.. مرتبطة وحاضرة مع المولى عز وجل وتعمل بكل ما يأمر به الله ورسوله فى أمور الدين والدنيا.. عند ذلك يكون أصحاب هذه القلوب أهلاً لما يهبها الله من الرزق والنعمة فى كل أمور الدين والدنيا..
رابعاً: «وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما  كانوا يصنعون» 112 النحل.
وتبين هذه الآية كذلك ان ما يحدث من تبديل الله على مجتمع المسلمين. ليعانى أفراده من الجوع والخوف بعد ان كان ينعم بالسلام والأمن والطمأنينة والرزق والرغد.. انما هو نتيجة مباشرة لإعراضهم عن طاعة الله وشكر نعمه «فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون» وهو ما يؤكد ايضاً ان هذا التبديل لا يرجع فى حقيقته الى حاكم أو غيره.. وانما هو نقمة من المولى عز وجل تصيب المجتمع نتيجة إعراض أفراده عن طريق الله.
خامساً: واذا رجعنا الى قوله تعالى: «أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريباً من دارهم حتى يأتى وعد الله ان الله لا يخلف الميعاد» 31 الرعد.. نجد ان هذ الآية تؤكد أن المولى عز وجل يترك مشيئة الهداية الى الناس أنفهسم.. فإن أردوا سلكوا طريق الهداية.. وان اردو سلكو طريق المعاصى ولمخالفات.. وحينئذ تصيبهم القوارع والنقم الإلهية.. وهوما يؤكد حرية الاختيار للإنسان.. كما يؤكد أن الانسان هو الذى يسلك فى أسباب السعادة أو الشقاء فى حياته الدنيا وف? الآخرة بطاعته لله أو معصيته له.
هذه بعض  الأدلة القرآنية التى تؤكد حقيقة ارتباط صلاح احوال المسلمين بعودتهم الى الله تعالى.. وفى ضوء هذه الحقائق القرآنية الثابتة فإن كل من يبحث بقلب صادق عن صلاح مجتمع المسلمين يمكن أن يدرك ان الطريق الى هذا الاصلاح ليس له من علاقة بمقاتلة الحاكم لإقصائه والبحث عن آخر يحل بدلاً منه.. وربما كان القادم أسوأ من سابقه.. وهذا هو ما تدعو اليه الجماعات المتطرفة الطامعة في الحكم والسلطة التى تسعى الى تنصيب زعمائها فى الحكم والولاية وفرضهم على الشعوب فرضاً.. وانما يقوم الاصلاح على الأخذ بأيدى المسلمين فى طريق الهد?ية وطاعة الله.. ولا سبيل آخر سوى سلوك هذا السبيل لإصلاح أمور المسلمين فى دينهم ودنياهم كما أوضحت آيات القرآن.. أما الحاكم فهو كما اوضحنا من قبل ثمرة لحال المجتمع وما عليه أفراده من طاعة الله والقرب منه أو عصيانه والبعد عنه.. عندئذ يكون من يتولى أمرهم من الحكام إما رحمة من الله بهم ويأتى الخير على أيديهم للمؤمنين الطائعين لله.. أو قد يكون الحكام نقمة من الله ومصدر معاناة الناس بسبب عصيانهم ومخالفتهم لله ورسوله.

«المدينة الفاضلة»
تروج الجماعات المتطرفة للزعم بأن ما تمارسه من عمليات قتالية وحروب داخلية واقليمية فى البلاد الاسلامية اليوم هدفه الرئيسى والبعيد هو اصلاح المجتمعات الاسلامية واقامة مجتمع مثالى يماثل مجتمع الخلافة الراشدة بعد انتقال الرسول صلي الله عليه وسلم.. ولتحقيق هذا الهدف رسم أئمة الفكر المتطرف استراتيجية تحقيقه على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: فكرة الهجرة والانفصال عن المجتمع الكافر: وصم أئمة الفكر لمتطرف ـ وعلى رأسهم سيد قطب ـ جميع المجتمعات الاسلامية المتواجدة على الأرض بالكفر بدعوي أن الحكام لا يطبقون الشريعة الإسلامية.. واستتبع تكفير هذه المجتمعات استحلال حرمات أهلها من أرواح ودماء وأموال وأعراض رغم انهم مسلمون ويقيمون فروضه ويعتقدون بأركان الإيمان ويطبقونه فى حياتهم. لذلك حرص أئمة الفكر المتطرف على دفع أتباعهم الي الانفصال عن مجتمعاتهم ومقاطعتهم وألا يعملوا فيها وحتى لا يكونوا خلايا حية تمد هذه الجماعات بالقوة والنشاط.. والق?يعة مع تجاربهم وميولهم وهويتهم التى لا يجب فى نظر قادتهم أن تختلط بمحطتهم الجديدة.. وهو ما يفرض عليهم بعد ان هجروا مجتمعهم ان يهاجروا منه الى الأض التى تتشكل فيها نواة الدولة الاسلامية الجديدة.. وذلك بعد ان رسخوا فى معتقدهم ضرورة محاربة مجتمعهم الذى جاءوا منه لما يشكله من حائط صد بينهم وبينم إيمانهم الجديد.. وتحقيق سعادتهم فى الدنيا والآخرة.. وتساعدهم فى ذلك  مفاهيم الهجرة والولاء والبراء ودار السلام.. وما شابه ذلك من مفاهيم.. وهذا بالضبط ما يفعله تنظيم «داعش» من اجل استقطاب وجذب اتباع جدد من كافة بلاده ال?الم الى دولتهم فى العراق وسوريا.
المرحلة الثانية: نشر خطاب دينى متطرف: وهو خطاب يستهدف ترسيخ اهداف التحول الدينى فى عقول الاتباع.. حيث يكون خطاباً حسمياً تبشيرياً يحمل الكثير من الوعود بمزايا المدينة الفاضلة الجديدة.. ومن التمييز بين الحق والباطل.. وبين الهدى والضلال والصواب والخطأ والملائكة والشياطين.. كما يقوم هذا الخطاب على اعتبار  ان العدو هو كل الأنظمة الاسلامية الحاكمة القائمة..وخلال هذه المرحلة يحيا الشباب الجدد الذين دخلوا فى دائرة التطرف الجهنمية اغتراباً نفسياً وثقافياً يعبر عنه بازدواجية الهوية.. لاسيما وانهم يجدون فى دعايات ال?ماعات المتطرفة والجهادية النشطة على مواقع التواصل الاجتماعى ـ رغم فراغها النظرى والمرجعى ـ قدرة على الحسم وعدم الرتابة وامتلاء بالوعود والتحدى دعاوى الثورية وتغيير العالم.. وهى الدعاية التى تجذب العديد من الشباب فى المجتمع المسلم.. وهو ما يتسبب فى احداث جراح عميقة وتصدعات فى نفوسهم.
المرحلة الثالثة: تقويض وهدم المجتمعات الإسلامية التى تم تكفيرها: بعد ان ينجح الخطاب الدينى المتطرف فى تلويث عقول الاتباع بالمفاهيم المنظومة.. ومن ثم تربيتهم باعتبار انهم يملكون وحدهم الحقيقة الكاملة.. وانهم الفرقة الناجية التي بشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وأنهم على صواب والعالم كله على خطأ.. فليس غريباً أن ينشأوا أحاديى الفكر.. ظلامى البصيرة.. لا يرون الا ما قيل لهم.. ولا يشعرون بالحاجة الى البحث والتفكر والتساؤل.. هنا تبدأ المرحلة الثالثة من مهمتهم.. وهى تقويض وهدم المجتمعات التى جاءوا منها بعد ?كفيرها واستحلال حرماتها.. بمن فيها من أقارب وأهل ومقدسات وثروات ومصالح وتاريخ.. إلخ بزعم ان ما يرتكبونه من جرائم قتل وتخريب فى هذه المجتمعات لتقويضها هو أمر لازم وضرورى ليقام بعد ذلك على أنقاضها ما يطلقون عليه مجتمع المدينة الفاضلة.
وللرد على هذه المفاهيم الباطلة.. ومن واقع احداث التاريخ والواقع.. نقول ان ما يطلق عليه المتطرفون المدينة الفاضلة لم يتحقق أبداً من خلال الحروب والصراعات الدينية المسلحة.. بل على العكس من

ذلك.. حيث تفيد دروس التاريخ الاسلامى ان السلام والرقى والاستقرار والحضارة لم تتحقق فى البلدن التى دخلها الإسلام الا من خلال تطبيق أهلها لمبادئ وأخلاقيات الاسلام التى جاء بها التجار المسلمون الى هذه البلدان مثل الهند والصين وأفريقيا ـ ودون شن حروب.. ما الحروب التى شنها المسلمون فى الشام ومصر وأوروبا إلا  لتخليص أهلها من حكا? ظلمة ـ مثل الروم والفرس ـ بل وبدعوة من أهلها ـ كما حدث فى مصر عندما دعا المصريون سيدنا عمرو بن العاص الى تخليصهم من ظلم الرومان الذين كانوا يحكمونهم آنذاك.. أما الواقع الذى تحياه المجتمعات الاسلامية التى تعرضت لغزوات داخلية وأعمال إرهابية من قبل تنظيمات متطرفة بدعوى اقامة المجتمع الاسلامى من وجهة نظرهم.. فقد تسببت جماعة الإخوان التى خرجت منها جميع الجماعات المتطرفة الأخرى المتواجدة على الساحة العالمية فى إحداث فتن مسلحة أريقت خلالها دماء المسلمين أكثر من دماء غير المسلمين.. حيث لم تمس هذه الجماعات ـ التى ?فعت شعار الجهاد ـ إسرائيل بأى أذى أو ضرر..بل وجهت سهامها وضربها بكافة أسلحتها ضد المسلمين.. وعبر أكثر من نصف قرن من تاريخ هذه الجماعة فى مصر لم تنجح أو تعطى أى دلالة على نجاحها فى إقامة ما تزعم انه المدينة الفاضلة أو المجتمع الاسلامى.. بل على العكس  تسببت فى اراقة دماء المصريين من مسئولين وغير مسئولين.. وتخريب وهدم منشآت عامة وخاصة.. وسرقة أموال المصريين.. وتعطيل كل عمليات التنمية.. وحتى بعد ان وصلت الى الحكم فى عام 2012 ولمدة عام كامل لم يسمع المصريون منهم كلمة واحدة فى الدين تهدى الى الله تعالى.. بل كانت?كل خطاباتهم وممارساتهم تنحصر فى إحكام سيطرتهم على السلطة والحكم وعلى أيدى هذه الجماعات تعرضت مصر خلال العام الأسود الذى حكموها فيه الى عشرات الأزمات  السياسية والأمنية والاقتصادية.. بل وبسبب الخيانة المتأصلة فى دماء وعقول وقلوب جماعة الإخوان تعرضت مصر الى اقتطاع اجزاء من أراضيها لصالح دول وحركات تدور فى فلك جماعة الإخوان.. منها سيناء لصالح حماس ومنها حلايب وشلاتين لصالح نظام البشير فى السودان.. ومنها أيضاً محور قناة السويس لصالح قطر.. فضلاً عن التنازل عن حقوق غاز البحر المتوسط لصالح تركيا واسرائيل.
ولم يقتصر الأمر على ذلك.. بل ان القرار المصرى فى عهد الإخوان كان رهناً بتلبية مطالب ومصالح امريكا فى المنطقة،. فأين هى المدينة الفاضلة والمجتمع الاسلامى الذى وعدوا به المصريين فى ظل حكمهم!! لذلك ثار عليهم المصريون فى30 يونيه 2013 وأقصوهم عن الحكم وصاروا منعزلين فى المجتمع المصرى.. يصدرون له اعمال الارهاب تنفيذاً للمصالح الأجنبية.
واذا انتقلنا من الاطار المصرى الى الاطار العربى اليوم.. فسنجد أن أحد افرازات جماعة الإخوان.. والمسماة «بداعش» تنشر نيران الفتنة بكل انواعها واشكالها فى الأرض التى دخلتها فى سوريا والعراق.. ما ادى الى مقتل آلاف المسلمين على ايدى هذا التنظيم وبأبشع صور الوحشية التى أساءت للإسلام نفسه.. ما أدى الى هجرة أكثر من ثلاثة ملايين شخص من أراضيهم بعد ان افتقدوا فيها الأمن والأمان على أيدى هذه العصابة المسماة «بداعش».. ناهيك عما تسببت فيه هذه الصراعات الدموية من احداث تقسيمات عرقية وطائفية وجغرافية ضاعف معها استقلالية ?وحدة أراضى هذه الدول.. وتدخل الدول الأخري فى شئونها سياسياً وعسكرياً.. فأين هى المدينة الفاضلة التى وعدت بها «داعش» أتباعها الذين استدعتهم من مختلف دول العالم اليها.. وسط هذا الكم المتراكم يومياً من الخراب والدمار وبحور الدماء؟!!.
وعندما فشلت التنظيمات المتطرفة فى تحقيق ما وعدت به اتباعها من اقامة المدينة الفاضلة «اليوتوبيا» واستمراراً للعبث فى عقول أتباعهم.. تحولت الى خداعهم بوعود جنة الخلود والحور العين واللؤلؤ المكنون وانهار العسل والخمر فى الآخرة اذا ما اقدموا على تنفيذ عمليات انتحارية ضد مسئولى النظام الحاكم الذي كفروه ومؤسساته السياسية والأمنية والاقتصادية.. بل والمنشآت العامة والخاصة.. بل تحولت جماعة الإخوان وحلفاؤها فى مصر الى الانتقام من الشعب المصرى نفسه باستهداف أبنائه بالمتفجرات فى المدارس ووسائل النقل وابراج الكهرباء وم?طات القوى والمياه والصرف الصحى.. بل أيضاً تلويث مياه النيل بإدخال مياه الصرف الصحى لإحداث اكبر خسائر صحية فى المصريين.. هنا يفرض السؤال نفسه: أى اسلام هذا الذى تدعو اليه هذه الجماعة وهى ترتكب كل هذه الجرائم فى حق مصر والمصريين؟ وأى دولة اسلامية تلك التى يمكن ان تقام على أشلاء ودماء وخراب المسلمين فى مصر؟ وهل فى التاريخ الاسلامى كله ما يماثل ذلك الا فى زمن الفتن الكبرى على أيدى الخوارج.. والفترات المظلمة الأخرى على أيدى خوارج كل عصر.. وصولاً الى خوارج اليوم من جماعة الإخوان وافرازاتها؟!!.
لذلك يصعب بل يستحيل ان نسمى هؤلاء المجرمين مقاتلين بل هم قتلة وإرهابيون ومخربون وليسوا مجاهدين ابداً كما يدعون.. انهم لا يريدون مدينة فاضلة ولا غيرها كما يزعمون، بل يرغبون فقط في تغذية احتياجاتهم المرضية لقتل الآخرين..  وكما ان المتطرف لا يعرف الهزيمة لأن المقاييس اختلطت فى عقله وأقنعته بأنه منتصر على طول الخط.. فعندما يقتل عدداً من المسلمين يعتبر ذلك نصراً عظيماً.. وعندما يقتل منه عدد من اتبعاه يعتبر نفسه ايضاً منتصراً لأن قتلاه فى الجنة اما قتلانا نحن فهم فى النار علي حد زعمه.. وهو ما كانت ولاتزال تنشره ?ماعة الإخوان وافرازاتها فى مصر وليبيا والعراق وسوريا.

إعادة الوعى:
ان اعادة الوعى للأمة تعتبر مهمة رئيسية في السبيل نحو اصلاح المجتمع..وما نقصده بإعادة الوعى هو تبصير المصريين بحقيقة  واقعهم وما يراد بهم من قبل اعدائهم.. ما هى أهدافهم وما هى سياستهم واستراتيجيتهم وأساليبهم ووسائلهم لتحقيق هذه الأهداف.. وكشف مخططات الخداع التى تسعى لتضليل المصريين عن حقيقة ما يراد بهم.. واشعال الفتنة فى جنبات المجتمع المصري ليتحول الى ساحة حرب يقتل فيها المصريون بعضهم بعضاً. وهذه المهمة ليست سهلة ولا هينة.. بل شاقة من يضطلع بها ينبغى أن يكون من اصحاب الهمة العالية.. والنفوس النقية والقلوب ?لطاهرة والإرادة القوية والروح الوطنية الخالصة.. الذين يدركون اهمية مصر ودورها المنوط بها من قبل المولى عز وجل ورسوله فى الدفاع عن الاسلام وحرمات المسلمين.. وان هذا هو قدر مصر قديماً وواقعاً ومستقبلاً.. وهو يعنى الجهاد الذى أمر به الاسلام ضد أعدائه.. خاصة اذا ما تعرضت مقدسات المسلمين وحرماتهم لمؤامرات من قبل أعداء الإسلام فى الخارج وعملائهم فى الداخل كالتى نتعرض لها اليوم، تستهدف تفتيت الدول الاسلامية جغرافياً وسياسياً وعرقياً وطائفياً.. بعد اشاعة الفتن فى جنباتها على النحو الذى نراه ماثلاً بين ايدينا اليوم?وبما يسهل على أعداء الأمة السيطرة على مقدراتها والتحكم فى مسار واقعها ومستقبلها.. وما يخدم مصالحهم.. وأخطر ما فى هذا الأمر ان الكثير من المسلمين لا يدركون حقيقة هذه المخاطر ويستخدمهم أعداء الأمة وقوداً فى اشعال نيران الفتنة  وآلات وأدوات هدم وقتل وتخريب بدلاً من أن يكونوا أدوات بناء وتطوير فى جميع مناحى الحياة.. وهو ما يفرض على الدول الاسلامية «خاصة الدولة المصرية» أن تكرس جهودها لاعادة وعى الجماهير بكل هذه الحقائق.. وان تستنهض همم المصريين وتستنفر جميع قواهم الحضارية لمقاومة وصد هذه الهجمات العاتية الشرسة?التى تحيط بنا شرقاً وغرباً وليس قولاً فقط.. بحيث تنعكس هذه الروح فى اشعال حماس المصريين للاشتراك فى الحرب ضد الإرهاب  كل حسب الدور الذى يناسبه.. وبحيث لا تكون تلك الحرب قاصرة فقط على أجهزة الأمن والجيش.. بل مهمة كل أجهزة ومؤسسات الدولة.. السياسية والأمنية والإعلامية والثقافية والقضائية والاقتصادية والدينية.. وفى اطار استراتيجية شاملة تتحدد فيها العدائيات فى الداخل والخارج وأهدافهم وخططهم وأساليبهم ووسائلهم.. الغايات والأهداف القومية المصرية لمواجهة هذه العدائيات.. حشد وتعبئة جميع قدرات الدولة الجيوبوليتيكي?، ونكرسها لتحقيق هذه الأهداف القومية والتصدى للعدائيات وحرمانها من تحقيق أهدافها.