عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصر أم الدنيا

بوابة الوفد الإلكترونية

تتوزع الجالية التركية فى العديد من المناطق المتفرقة فى العالم، فيوجد جزء منهم فى آسيا الوسطى.

التى تقع بين الهند والصين وروسيا من ناحية، مرورا بالدول العربية فى منطقة الهلال الخصيب مثل العراق والأردن وسوريا وإيران من ناحية أخرى، وصولا إلى دول أوروبا وأبرزها بلغاريا والنمسا وقبرص واليونان وأبرزها المانيا، مثلت كل من مصر وألمانيا علامات فارقة فى تاريخ الأتراك من القرن السادس عشر حتى الآن، كما لعب الأتراك فى المقابل دورا مؤثرا فى تاريخ وحاضر البلدين، وعلى الرغم من ابتعاد المانيا عن مصر من الناحية الجغرافية، إلا أننا نستطيع رصد أثر التجربتين الفارقتين فى تاريخ الأتراك القادمين من تركيا والبلقان إلى مصر وألمانيا على النحو التالى:
< مصر="" تستقبل="" الأتراك="" فى="">
أول خاصية يمكن أن نرصدها من نزوح الأتراك إلى البلدين هو أن مصر استقبلت الأتراك استقبال الفاتحين المسلمين القادمين مع السلطان سليم الأول فى عام 1517، فى الفتح العثمانى عندما هزم سليم شاه أو الأول السلطان الغورى فى معركة الريدانية ومرج دابق فى شمال سوريا بالقرب من حلب، وكان الغورى ينتمى إلى الدولة الطولونية التى كانت تحكم مصر فى ذلك الوقت، كما يذكر الدكتور أكمل الدين أوغلو التركى فى كتابه عن «تاريخ الترك فى مصر»، والذى تم نشره فى عام 2006. ومنذ ذلك التاريخ تبادل المصريون والأتراك الأسفار والانتقال فيما بينهما، حيث اصطحب سليم الأول الخبرات المصرية إلى الأناضول وإسطنبول لنقل خبراتهم وتجاربهم المعمارية والصناعية، حيث كان يتسم العامل المصرى بالمهارة والتقنية، ومن الجانب الآخر تدفق آلاف الأتراك من أنحاء تركيا والبلقان إلى مصر، بحثا عن فرص عمل أفضل أو للتعلم فى الأزهر أو للإقامة المستديمة والزواج وتكوين أسر، فتصاهر المصريون والأتراك فى كثير من الزيجات التى أثمرت خليطاً من العرق التركى والمصرى مازالت آثاره موجودة حتى الآن فى المجتمع المصرى.
< الأتراك="" فى="" مكانة="" اجتماعية="" عالية="" فى="">
ثانى خاصية وهى أن الأتراك كانوا فى مكانة اجتماعية وعلمية رفيعة المستوى فى مصر حيث كان لهم إسهاماتهم فى الصحافة والثقافة والترجمات والنهضة العلمية والتعليمية فى مصر، حيث أنشأ محمد على باشا المدارس التى تدرس اللغات ومن بينها التركية التى اعتبرت لغة الذوات والطبقة الأرستقراطية، حتى إن عدد الإصدارات الصحفية آنذاك وصل إلى 672 دورية، كما كانت جريدة الوقائع المصرية تصدر باللغتين العربية والتركية، بالإضافة إلى أن الرتب العسكرية ظلت مماثلة للتركية حتى عام 1958 كما يقول الباحث نظام الدين إبراهيم فى عام 2013، حيث ظلت الرتب العثمانية كما وضعها محمد على باشا مثل «بكباش، أفندم، سلام دور، السوارى» وغيرها.
وكان لوجود بعض العائلات التركية فى الصعيد وخاصة محافظة قنا أثره على الأسماء المتداولة والألقاب وحتى أشكال المعمار والجبانات. ووصل عدد الجالية التركية فى مصر إلى ذروتها فى عام 1923 ثم الشوام فاليونانيين واليهود والأرمن أخيرا، وتبادلت مصر وتركيا البعثات الدبلوماسية التى ترقى إلى درجة سفير مع أول إعلان للجمهورية التركية على يد كمال أتاتورك وسقوط الخلافة والإمبراطورية العثمانية فى نفس العام، ومنحت على أثر المصاهرة والإقامة للأتراك فى مصر الجنسية، والعكس لمن يقيمون من الأتراك فى مصر، وانتشرت الكلمات والمصطلحات التركية فى اللغة اليومية الدارجة لدى المصريين مثل كلمة «أجزخانة» أو مدرسة المهندس خانة مثلا، كلمة ديوان المقصود بها وزارة الآن، وكشرى وغيرها من الكلمات.
< المجتمع="" المصرى="" يستوعب="">
وهنا نلاحظ حالة الذوبان الطبيعى أو تحقق مبدأ المواطنة والانسجام بين المصريين والأتراك فى المجتمع دون صدام دون الشعور بالاغتراب من الأتراك وسط المصريين، أو أنهم مواطنون درجة ثانية أو مضطهدون، على العكس تماما، فقد كان مرحباً بهم وآخذين اعتبارهم الذى يرقى عن المصريين أصحاب البلد أنفسهم، وكان المجتمع المصرى يستوعب كل غريب ويجعله يتطبع بطباعه حتى إنك مع الوقت يصعب عليك التفرقة بين الغريب وابن البلد.
واشتغل الكثير من الأتراك فى مصر فى مجالات الفنون مثل شادية وعادل أدهم وزينات صدقى وفريد شوقى وليلى طاهر وبوسى ونورا، ومن الكتاب والشعراء حافظ إبراهيم وإحسان عبد القدوس وروزاليوسف، ومن تكريمهم وحب المصريين لهم تولى الأتراك أكبر المناصب الإدارية فى مصر ووصل العديد منهم إلى منصب رئيس الوزراء مثل مصطفى باشا فهمى وسنان باشا، وقام العديد ممن عمل فيهم فى الاقتصاد والمال بالتصرف بشكل وطنى وفضل إفادة مصر «بلده» بإمكانياته عن «تركيا» واعتبار مصر بلده الأول والوحيد كما فعل طلعت باشا حرب وإنشاء بنك مصر وعبدالخالق باشا ثروت.
إلا أنه يمكننا ملاحظة نزوح أو خروج الجاليات الأجنبية من مصر بعد ثورة 1952 و هزيمة 1967 وتوجه الدول العربية وعلى رأسها مصر نحو القومية العربية والتى تتركز حول فكرة العروبة، ما ولد شعوراً بالاغتراب عند هذه الجاليات فى مصر بعد أن كان الكثيرون منهم اعتبرها وطنه وليس بلده الأصلى، فالكثير منهم لم يعد إلى موطنه أو مسقط رأسه، وفضل الهجرة إلى الولايات المتحدة أو أوروبا.
< الأتراك="" فى="">
الخاصية الثالثة وهى تختص بوجود الأتراك فى ألمانيا، نجد هنا الصورة تتبدل إلى العكس فقد نزح الأتراك إلى أوروبا وأولاها ألمانيا فى الفترة من  1945 حتى 2002 على فترات متفرقة وفى موجات هجرة منفصلة، وذلك بعد الحرب العالمية الثانية، حيث فقدت ألمانيا فى ويلات الحرب شبابها ورجالها الذين من المفترض أن تقوم على أكتافهم ثورتها ونهضتها الصناعية التى كانت بدأتها قبل نشوب الحرب مباشرة، وبعد اكتشاف الفحم فى أراضيها كم يقول «لوكاز هيرزوير» فى كتابه ألمانيا الهتلرية والمشرق العربى»، وكانت ألمانيا قد ذهبت إلى تركيا والصين لإنشاء مصانع «سيمنز» فى عام 1800 وما بعدها أى فى بداية القرن التاسع عشر، توفيرا لبعض عناصر الخسارة فى أراضيها وتسهيل النقل من مقر التصنيع إلى أنحاء أوروبا للتصدير، وكان هذا التعاون هو أولى محاولات التعاون الألمانى التركى، ثم أعقبه معاهدة أو اتفاقية بين ألمانيا وتركيا عام 1965، وكذلك تم إبرام اتفاقيات بين ألمانيا والمغرب وتونس فى نفس الفترات، كما يقول الدكتور محمد كمال الدسوقى فى كتابه «تاريخ ألمانيا» إن الفترة

بين 1958والستينيات من القرن الماضى سميت فى تاريخ ألمانيا «بمعجزة العمل» أو «المعجزة الصناعية» التى انطلقت فيها ألمانيا نحو التقدم الصناعى والاقتصادى بسرعة شديدة بعد هزيمة ساحقة فى الحرب العالمية الثانية.
فتوالت اتفاقياتها بين جاراتها فرنسا وإسبانيا وروسيا وشيكوسلوفاكيا لاستيراد العمالة فيما بينها وحتى بينها و بين ألمانيا الشرقية وأوروبا فى هذا الجانب الشرقى، والتى كان ينزح منها الآلاف إلى ألمانيا إثر عمليات الإبادة  العرقية، فاستقبلت ألمانيا اللاجئين حيث كان ينص الدستور الألمانى آنذاك فى مادته السادسة عشرة: على أنها تستقبل كل من يطلب اللجوء إليها هاربا من الاضطهاد العرقى أو السياسى فى بلاده، وعلى أثر ذلك وصل عدد النازحين الآن لأكثر من خمسة ملايين من بينهم 3 ملايين تركى فى آخر إحصائية فى 2011.
< الأتراك="" عمال="" وأغراب="" فى="">
الخاصية الرابعة وتتركز حول معاملة الأتراك كعمال هم واليوغوسلافيين والإسبان وغيرهما، ولكن كان الأتراك مميزين حيث كان مسموحاً لهم بتجديد عقود أعمالهم وإقامتهم كل سنتين ثم كل خمس سنوات حتى منح مواليدهم الجنسية الألمانية فى آخر تعديل قانونى فى 2002، ظل الأتراك يشعرون أنهم مواطنون من الدرجة الثانية وأنهم مضطهدون بسبب ديانتهم الإسلام، حتى طالبوا بحقوقه فى موجة من الاحتجاجات فى أوائل التسعينيات 1991، فتم إنشاء المدارس الخاصة بهم وتم تدريس اللغة التركية وتم بناء المساجد، ومع الوقت تقبلهم الشعب الألمانى وذابوا فى المجتمع.
ولكن ما زال يوجد متشددون ومتعصبون للجنس الآرى الذى ينتمى إليه الألمان منذ أيام هتلر، والذين كانوا يعترضون على منح إقامة للأتراك وغيرهم من الجنسيات الأخرى خوفا من ضياع نقاء جنسهم واختلاف الأديان، وبالفعل اعترض العديد من الأحزاب السياسية على زيادة أعداد المهاجرين واستجابت الحكومة فى المقابل ووضعت الكثير من المحاذير خاصة بعد زيادة أعداد المهاجرين حتى وصلت إلى ملايين بزيادة مواليدهم، ونقصان مواليد الألمان أهل البلد الأصليين، وتشجع الآن الحكومة الألمانية مواطنيها على الإنجاب وتمنحهم الحوافز عندما ينجبون أكثر من طفل.
أصبحت هناك علاقات مصاهرة بين الجانبين الألمانى والتركى كثيرة، كما أصبح هناك من يعملون بالسياسة حتى وصلوا إلى قيادة أحد فروع حزب الخضر الأوروبى الألمانى، كما تعدد الفنانون الأتراك فى مجالات الغناء والتمثيل خاصة من الجيل الثالث.
< عمار="" يا="">
ومما سبق عرضه للظاهرتين فى حياة وتاريخ الأتراك فى مصر وألمانيا يمكننا ملاحظة قدر التكريم والارتقاء الاجتماعى والمادى والثقافى والمعنوى الذى كان يتمتع به الأتراك فى مصر منذ لحظة دخولهم عام 1517 حتى خروج معظمهم مع باقى الجاليات فى الستينيات من القرن الماضى، وتم منحهم الجنسية المصرية من خلال حكم الملكية، قبل أن تمنحهم بلدهم الأصلى تركيا الجنسية فى عهد الجمهورية الأولى فى عهد كمال أتاتورك عام 1923، بينما ظلوا يكافحون فى ألمانيا للحصول على الإقامة القانونية ثم الجنسية لأولادهم بعد أكثر من 35 سنة من الإقامة والخدمة.
اعتلوا أكبر المناصب وتم تكريمهم منذ لحظة دخولهم أرض مصر، بينما اشتغلوا عمالاً وخادمين وفى الأعمال التى رفض الألمان أن يعملوا بها، اندمجوا وانصهروا فى مصر فكانت نفس العادات والأعياد والتقاليد الدينية والاجتماعية حيث كان الدين واحداً وهو الإسلام، بينما تمت محاربتهم واضطهادهم فى المدارس والجامعات والأعمال فى المصالح الحكومية بسبب دينهم فى ألمانيا واشتغال الكثير منهم مع المغاربة والتونسيين فى تجارة المخدرات. كما يقول آخر في كتاب بعنوان «المهاجرين المنبوذين أو المكروهين» صادر هذا الشهر فى دار جامعة «أكسفورد» فى إنجلترا والذى يتحدث عن عينة من 5 آلاف مهاجر فى دراسة لمدة 5 سنوات فى مدينة فرانكفورت الألمانية، والتى تقول إنهم ويقصد المهاجرين يعيشون حالة من التناقض بين تمسكهم بدينهم الإسلامى واعتزازهم به فى الوقت الذى يفعلون فيه ما يخالفه.
وما زال الكثير منهم لا يتعامل أو يفضل معاملاته مع الأتراك فقط وليس الألمان حتى بعد مرور كل السنوات من إقامتهم هناك، ففى استطلاع للرأى فى 2011 فى ألمانيا وجد أن 62% منهم لا يتعامل مع الألمان، و72% مسلمون و6% لا يدينون بدين و25% يشعرون أنهم غير مرغوب فيهم.