رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"هيكل" متلون بكل عصر طمعًا في القوة والنفوذ

محمد حسنين هيكل
محمد حسنين هيكل

دعَّم الإخوان ثم انقلب عليهم وساند ثورة 30 يونية

"كوبلاند" يكشف عمالة هيكل للمخابرات الأمريكية
طموحات العبقري أفسدت علاقات مصر مع دول عربية وأفريقية
حاول التقرب للرئاسة فزعم أن لديه رؤية جديدة ونسي أن الزمن لن يعود إلي "الميثاق"
يدس السم في العسل.. يشيد بالسيسي ثم يزعم أنه يحكم بنظام وقوانين مبارك والإخوان

تناولنا في حلقة الأمس مسئولية هيكل عن هزائم عبدالناصر في سوريا واليمن وعن نكسة 1967، ولفتنا إلي تحريضه للرئيس علي قرارات مصيرية فاشلة وكشفنا كيف انقلب «الأستاذ» علي السادات، وهو ما انتبه إليه مبارك مبكراً، فرفض التعامل معه، وأغلق في وجهه كل الأبواب.

واليوم نواصل كشف افتراءات هيكل وكيده السياسي وإهانته القضاء بتعليقه علي أحكامه وانتقاده وسخريته من رئيس محكمة «المستشار الرشيدي» بقوله «روح منك لله».
ونرصد هنا أيضا عمالة الأستاذ للمخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، وإفساده علاقات مصر مع بعض الدول.
بعد أن رحل مبارك إلى شرم الشيخ، خاف هيكل من نجاة الرئيس الأسبق، فخرج من على شاشة التليفزيون يحرض عليه بشكل مباشر، محذرًا مما اسماه «بؤرة شرم الشيخ التي تتيح لمبارك أن يتواصل مع أصدقائه الإسرائيليين»، وقتها قال المعلقون إن ما قاله هيكل كان بوازع من أمير قطر الذي تجمعه بهيكل الكراهية الشديدة لمبارك ولكل ما يتصل به. وحتى عندما قال هيكل في حوار مطول نشرته الأهرام أن لديه وثائق تثبت أن ثروة مبارك تقدر بـ119 مليار دولار - كان يفعل ذلك من باب الكيد السياسي وتشويه مبارك حتى النفس الأخير. وكان هيكل يتصور أن الأمر سيمر مرور الكرام، لكن جهاز الكسب غير المشروع الذي كان يحقق في كل ما يتعلق بثروة مبارك، استدعاه وحقق معه المستشار خالد سليم، وقتها اهتز عرش هيكل، فلم تكن لديه وثيقة واحدة تثبت ما يقول، بل قال إنه استند فيما قاله إلى بعض ما نشرته الصحف الأجنبية. يومها أصر خالد سليم على أن يصدر قرارًا بحبس هيكل، لولا تدخل رئيس الجهاز وقتها، الذي رأى أن حبس هيكل يمكن أن يسبب مشكلة أكبر، لكنه تحدث في مؤتمر صحفى بما أهان هيكل، حيث سخر من معلوماته التي يجمعها من قصاصات الصحف!! ثم كشفت المعلومات بعد ذلك أن مبارك كان متاحا له طائرتان إحداهما في شرم الشيخ، والأخرى في مطار ألماظة كان يمكنه أن يستقل أي منهما للهروب خارج مصر كما فعل رئيس تونس السابق على زين العابدين، ولكنه لم يفعل لاعتقاده الراسخ أنه «لم يفعل شيئا مشينا يهرب منه» - على حد قوله، وأبدى استعداده للمثول أمام محكمة نزيهة، وهذا ما حدث بالفعل عندما أصدرت محكمة الاستئناف أخيرًا حكمها ببراءته من التهم الموجهة إليه، بل إن مبارك أعلن في حديث مسجل له في قناة العربية أنه ليس لديه أي حساب في أي بنك في الخارج ولا لزوجته، وأن كل ما يملكه نحو 50 مليون جنيه مصرى في البنوك الرسمية للدولة، وقدم تفويضاً مكتوبا للنائب العام بالحصول على أي أموال قد يجدها في حساب له أو لزوجته بالخارج. وإذا كان نائب الرئيس الأمريكى بايدن قد امتلك الشجاعة لينفى ويعتذر عما سبق أن صرح به ونشرته صحيفة الجارديان بأن مبارك يمتلك 70 مليار دولار في الخارج، وأنه كان يقصد شخصا آخر غير مبارك، فلماذا لا يملك هيكل نفس الشجاعة الأدبية التي مارسها بايدن، ويعترف بأن ما قاله عن اتهام مبارك بامتلاك 9-11 مليار دولار في الخارج، هو خطأ ويعتذر عنه. ولكن لأن هيكل لا يمتلك مثل هذه الشجاعة الأدبية، بل يملك كراهية وحقدًا دفينا ضد مبارك يأبى إلا أن يكابر ويستمر في هرتلته بتوجيه الاتهامات الباطلة لمبارك.
- ولنتأكد من حقيقة هيكل، وأنه إنسان يتلون بلون كل عصر لعله يستطيع أن يركب وينفذ إلى قمته، نجده بعد أن جالس قادة الإخوان في بداية ثورة 25 يناير مراهنا عليهم، عاد هيكل بعد أن كشف الشعب المصرى حقيقتهم الإرهابية وأسقطهم في ثورة 30 يونية، خرج علينا داعما ومساندا قويا لثورة 30 يونية، ناقدًا ومهاجمًا جماعة الإخوان. ثم يطلع علينا أخيرا في حديثه مع لميس الحديدى ليكرر الحديث عن محاكمة مبارك بقوانين مبارك، مثيرًا للنزاعات والخلافات العميقة، ومحرضا على العمل بالمحاكمات السياسية، ومفجرًا للخلاف عن عودة رجال مبارك في البرلمان القادم، رافضا أن تهنأ مصر بقدر من الاستقرار والهدوء، وترك الأمور للقضاء يبت في الطعن على الحكم بالقبول أو الرفض كما هو الحال في جميع الدول المتقدمة والمستقرة، ولكن هيكل لا يقبل العودة إلى الهدوء بقدر ما يفضل أن ينكأ الجراح من مناطق تحريضية متكررة. والمثير في أمر هيكل أنه يغيب حين تهب الدنيا، ثم يعود ليثير الزوابع عندما تبدأ الأمور تستقر ويعود الهدوء إلى البلد.. والدليل على ذلك أنه رغم اعترافه أكثر من مرة بأن عهد مبارك انتهى ولن يعود، إلا أننا نجده -أي هيكل- هو الذي يعود ليثير الزوابع ويدفع بالبلد مرة أخرى إلى دائرة الفوضى وعدم الاستقرار بإثارة قضايا تم حسمها أو تحت التحقيق ولم يبت فيها بعد، وذلك بهدف التأثير فيها، هذا رغم أن الكثيرين من رجال نظام مبارك أعلنوا أكثر من مرة اعتزالهم السياسة. وحتى الوزير الأسبق رشيد محمد رشيد الذي دافع عنه هيكل في حديثه الأخيرة، وهو هارب خارج مصر، واعتبره هيكل «كبش فداء لنظام مبارك للتغطية على محاكمة رموز النظام»، فإن ذلك أمر يثير الضحك والسخرية من قائله.. فكيف يكون مبارك وأبناؤه وبعض رجاله سجناء، والهارب رشيد كبش فداء؟ ولكن الأمور تتضح عندما نعلم أن رشيد يعمل حاليا مستشارًا لأمير قطر وعضو اللجنة الاستشارية العليا للاستثمار في تركيا، وحصل على الجنسية القطرية، وكان الإخوان يسعون للمصالحة معه، فلا عجب أن يدافع هيكل عنه.
إهانة هيكل للقضاء
- وكعادته في خلط الأوراق، وتتويه الناس في مواضيع جانبية، تعمد هيكل الخروج عن جوهر الموضوع الذي كان يتحدث فيه، متجاهلاً مبدأ عدم التدخل في أحكام القضاء، وفى إطار استمرار كيده للرئيس الأسبق مبارك، نجده يزعم أن مبارك يحاكم بقوانين من صنعه!! وهو قمة الإفك والكذب والتدليس والافتراء، بل والجهل أيضا، لأن محاكمة مبارك تمت بموجب قانون العقوبات الذي صدر عام 1937، ووفقا لأحكام قانون الإجراءات لسنة 1950 وتم العمل به منذ عام 1951.. أي قبل ثورة 23 يوليو 1952، وهى نفس القوانين التي يحاكم بها كل المصريين. ثم يعاود هيكل التنفيث عما في نفسه من كراهية لمبارك فيتساءل في خبث: كيف يحاكم مبارك على خمس فيلات وهناك 350 مليون دولار في سويسرا؟ معيدًا ومكررًا القصة الخيبانة عن أموال حَّولها مبارك إلى الخارج والتي ثبت وتأكد بطلانها، ولكنها عادة هيكل في الكذب والافتراء.
- ولا يكتفى هيكل بهذه الأباطيل.. بل نجده في حديثه يزعم أيضا أن رئيس المحكمة حكم بالقانون ولم يحكم بالعدل!! ما هذا التلاعب بالألفاظ وما الهدف من ورائه، أليس تنفيذ القاضى لأحكام القانون هو عين الحكم بالعدل، لأن العدل هو مقصد القانون وهدفه؟ لقد أراد هيكل أن يستدرج الدولة المصرية في عهد السيسى إلى إسقاط القانون، وهى نفس اللعبة القذرة التي مارسها هيكل في عهد عبدالناصر وخدعه بها عندما حرضه على قضاة مصر - بعد ثورة الشباب في عام 1968 نتيجة هزيمة 1967 وكذلك ثورة القضاة بسبب عدم الاحتكام للقانون والبعد عن القضاء - مما أدى إلى ما عرف في 31 أغسطس 1969 بمذبحة القضاة، حين أبعد عبدالناصر عددًا كبيرا منهم بعد أن اتهمهم بعدم الولاء لنظامه بتحريض من هيكل آنذاك، وهو ما يريد الأخير تكراره حاليا بالتشكيك في أحكام القضاء، وعدم مناسبتها لثورة 25 يناير. وهذا هو الشر بعينه، لأن هيكل بذلك يريد زعزعة استقرار أحد أهم مؤسسات الدولة المصرية، وهى المؤسسة القضائية، فضلا عن التهوين من عزيمة الشعب المصرى بإقحامه في متاهات لا أول لها ولا آخر.
- ولا يكتفى هيكل بذلك، بل نجده يحاول أن يثير مشاعر الجمهور بانتقاد لا يليق بمستشار جليل رأس محاكمة مبارك الأخيرة، فيقول معلقا على الحكم ببراءة مبارك: «لا أفهم أن يقوم القاضى كما يقول بأنه أجّر منزلا على حسابه ثم يطوف بمحطة فضائية في أرجائه، ولا أفهم أن يجلس على المنصة قاض يقوم بتوزيع نياشين وشهادات، ويقول إنه مريض ويحتاج إلى جراحة عاجلة»، ثم نجد هيكل بعد ذلك يسخر من رئيس المحكمة المستشار الرشيدى بتعليق غير لائق يكشف فيه عن مكنون ما في قلبه الأسود من غل وحقد وكراهية لمبارك، بقوله «روح منك لله»!! ما هذا السخف وقلة الأدب؟! إنه نوع من الابتزاز الرخيص للنظام، فضلاً عن كونه تطاولاً على الهيئة القضائية توجب حسابه ووضعه تحت طائلة القانون. أما عندما يقول هيكل إن «أي شىء عند مبارك لم يوضع في النظام البنكى» فإننا نطالب أيضا في المقابل أن يحاكم هيكل وأبناؤه بنفس القوانين التي حوكم بها مبارك، بعد أن تخضع جميع أقواله للتحقيق.
ربما لا يعلم معظم شباب مصر حقيقة كون هيكل عميلا لجهاز المخابرات المركزية الأمريكية، وينكرون ذلك إذا ما صارحتهم بها، ولكنك تصدمهم إذا ما عرضت عليهم الكتابات والكتب الأجنبية التي تناولت علاقات هيكل القديمة مع جهاز المخابرات الأمريكية، وأشهرها كتاب (لعبة الأمم - Game of Nations) لـ«مايلز كوبلاند» الذي كشف فيه حقيقة علاقات هيكل بالمخابرات الأمريكية من خلال السفارة الأمريكية في القاهرة، وكيف أنه فتح قناة اتصال بين المخابرات الأمريكية وعبدالناصر من قبل وقوع ثورة يوليو 1952. وأن رجل المخابرات «كريميت روزفلت» - حفيد الرئيس الأمريكى الأسبق «تيودور روزفلت»، كان يعد لثورة في مصر على غرار ثورة مصدق ضد الشاه في إيران، ونجحت هذه الثورة في إعادة الشاه من منفاه في روما إلى طهران ومحاكمة مصدق. وقد حاول إحداث ثورة مماثلة في مصر من خلال الملك فاروق ولكنه فشل لكون الملك كان غارقا في الفساد، ثم حاول الاتصال بالضباط الأحرار في مارس 1952، لكن عبدالناصر رفض مقابلته وأرسل مندوبا عنه، ثم انقطعت الاتصالات بعد ذلك حتى قامت ثورة 1952. وبعد نجاحها حاولت المخابرات الأمريكية فتح قناة اتصال مع ضباط الثورة من خلال صديقهم هيكل.
- وقد أثار هذا الكتاب ضجة كبيرة في العالم عند صدوره عام 1969، وحاولت المخابرات الأمريكية منع طبعه إلا أن كوبلاند أعاد طبعه في لندن. حيث يصور هذا الكتاب الأمم كقطع شطرنج يجرى تحريكها من قبل وزارة الخارجية الأمريكية وحسب سيناريوهات تتفق والمصالح والأهداف الأمريكية، وأساليب وكالة المخابرات الأمريكية في اختراق أنظمة الحكم فيها. وفى صـ97 من الكتاب يؤكد كوبلاند أن هيكل كان صديقا للمسئول السياسي في القارة الأمريكية «ويليام ليكلاند»، وعمل على تقديمه للضباط الأحرار. وتقوية علاقته بهم، وأصبح هيكل من المقربين فيما بعد لعبدالناصر بسبب علاقته بأمريكا، رغم أنه كان مجرد صحفى صغير في صحيفة يملكها مصطفى أمين. وأصبح هيكل بعد ذلك عرّاب المخابرات الأمريكية في مصر، وهمزة الوصل بينها وبين نظام حكم الثورة، وحامل الرسائل الأمريكية الموثوق به، وأثنت السفارة الأمريكية على الجهود التي قام بها هيكل في إقناع عبدالناصر بأن الولايات المتحدة هي الداعم الوحيد له. وفى المقابل ساعد هيكل الأمريكيين في دراسة شخصية عبدالناصر وطباعه وثقافته وكيفية اتخاذ قراراته، حتى يمكن إدراجه في لعبة الأمم وتطويعه والسيطرة عليه والتنبؤ بقراراته.
- ثم يشرح كوبلاند بعد ذلك كيف أن هيكل كان المسئول عن متابعة عبدالناصر ونظامه بعد نجاح ثورة يوليو، وتقديم التقارير لصانعى القرار في واشنطن. فيقول في صـ108 من كتابه «القلق بقى ينتاب المسئولين عن وضع خططنا في واشنطن بخصوص أفكار عبدالناصر، وكانت مثل هذه الأفكار تصلهم من خلال هيكل - ليكلاند». وعندما بدأ عبدالناصر يتحرك بمفرده، لتغيير أركان حكمه وتثبيت الثورة، أرسلت الخارجية الأمريكية الخبير العسكري وأستاذ العلوم السياسية «جيمس أنجلبوجر» لدراسة الوضع عن كثب ومعرفة عبدالناصر ووضع برنامج التعامل معه من أجل إقناعه بتغيير سياساته، وكان هيكل هو الشخص الأبرز على رأس قائمته، حيث التقى به لمعرفة كيف يفكر عبدالناصر، وكيف يمكن التعامل معه ومناقشة كتابه «فلسفة الثورة» الذي كتبه له هيكل.
- وبلغت قوة هيكل بالمخابرات ووزارة الخارجية الأمريكية أنه كان يعلم بزيارات المسئولين الأمريكيين والعملاء السريين للقاهرة قبل السفير، وأحيانا يحضر اجتماعاتهم السرية في غير وجود السفير الأمريكى بالقاهرة. ومما يؤكد ذلك أن الكتاب في صـ210 يشير إلى أن كوبلاند ورجل المخابرات كريميت وصلا إلى القاهرة في سبتمبر 1955 لمناقشة صفقة الأسلحة السوفيتية التي ستحصل عليها مصر من الروس، وأنهم التقوا بهيكل لمناقشة كيفية التعامل مع عبدالناصر بعد حصوله على هذه الأسلحة، وكيفية الإبقاء على وجودهم في مصر بعد هذا التطور الكبير. وأكد الكاتب أن السفير الأمريكى (بايرود) لم يكن يعلم بأمر هذه الزيارة، وأنه علم بها من هيكل نفسه.
- وشارك هيكل الرأى بأن أمريكا يمكن أن تستمر في دعم مصر اقتصادياً وصرف معونة أمريكية مقابل أن يوافق عبدالناصر على عقد صلح مع إسرائيل. وكتب هيكل في خطاب لعبدالناصر كان سيلقيه في حفل تخريج دفعة جديدة في الكلية الحربية عام 1955، أن مصر ستستخدم الأسلحة التي ستحصل عليها من روسيا لأغراض دفاعية، وأنه على استعداد لقبول الصلح مع إسرائيل للوصول بالمنطقة للسلام. وقد شارك كل من كوبلاند وهيكل في كتابة هذا الجزء، وهو ما رفضه عبدالناصر وطالب بتخفيف العبارات إلى القول «بتخفيف حدة التوتر بين العرب وإسرائيل»، ولكن ناصر قرر في النهاية شطب هذا الجزء تماما ولم يذكره في خطابه.
إفساد العلاقات
- ساهم هيكل من خلال نشر أكاذيبه في إفساد علاقات مصر مع الدول العربية والأفريقية، من ذلك الرواية الكاذبة والخائبة بأن اللواء عمر سليمان مدير المخابرات العامة -رحمه الله- خطط لاغتيال رئيس وزراء إثيوبيا ميليس زيناوى ثلاث مرات، وهو الادعاء الكاذب الذي لم يعلنه هيكل إلا بعد وفاة عمر سليمان، ووسط مرحلة انتقالية بالغة الصعوبة، وأجواء أزمة عنيفة تضرب العلاقات المصرية - الإثيوبية وتهدد مصالحنا الحيوية الاستراتيجية بسبب استمرار إثيوبيا في بناء سد النهضة على النيل الأزرق بما يؤثر سلباً على حصة مصر من مياه النيل - وقد رد عليه عمر قناوى وكيل أول جهاز المخابرات العامة ومسئول الخدمة السرية السابق في حوار مع عادل حمودة نافيا الواقعة جملة وتفصيلا، مدللا على النفى بقيام زيناوى بزيارة مصر ثلاث مرات خلال هذه الفترة، وعقده خمسة لقاءات خاصة مع سليمان، ولو كانت هذه الوقائع صحيحة ما كان لزيناوى أن يقبل بالاجتماع مع الراحل عمر سليمان، بل كيف كان يأتى أصلاً إلى مصر.. البلد الذي خطط لاغتياله؟
- كما كان هيكل أيضاً وراء الإعلان عن عملية أمريكية ضد إيران تنطلق من سلطنة عمان. وأن عبدالسلام محجوب الذي كان آنذاك وكيلا لجهاز المخابرات العامة قام بمعاينة الموقع، ثم اتجه إلى واشنطن واجتمع برجال المخابرات المركزية الأمريكية في لانجلى ليقنعهم بعدم جدوى العملية، فقرر مبارك طرده من المخابرات، ثم تبين بعد ذلك أن الرجل أكمل خدمته في هذا الجهاز حتى انتهى عمله وفقا لقانون المخابرات ولم يطرد، وتم تعيينه بعدها محافظا للإسماعيلية ثم الإسكندرية ثم وزيرا للحكم المحلى. ناهيك عما هو معروف من افتراءات وأكاذيب أطلقها هيكل ضد نظم الحكم في دول الخليج العربية، ولولا معرفة حكام هذه الدول بحقيقة هيكل وأكاذيبه المكشوفة، وألا علاقة له بدوائر الحكم في مصر، لأصاب علاقات مصر بهذه الدول أضرار بالغة.
- ونلاحظ في كلام هيكل أنه يشير -ولو من بعيد- لشخصيات معادية لمصر والسعودية تدعمها قطر، ويشوه السياسة السعودية والإماراتية فيما بين السطور، ثم يعود إلى أهمية الدور السياسي لإيران، وضرورة عودة العلاقات المصرية مع إيران دون توضيح المطلوب أولاً من إيران. ولا يستنكف الإشادة بحزب الله واحترامه دون أدنى اعتبار للجرائم الإرهابية التي ارتكبها هذا الحزب ضد مصر، حيث يعتبره هيكل «فصيلاً محترفاً ضد إسرائيل»، متجاهلاً دور هذا الحزب ومعه حركة حماس في قضية قيام 22 عنصراً من حزب الله وحماس على رأسهم القيادى بحزب الله «سامى شهاب» بتهريب أسلحة إلى داخل مصر لتنفيذ عمليات إرهابية في منطقة قناة السويس وسيناء في أواخر نوفمبر 2008 وتمت محاكمتهم وعقابهم في 28 إبريل 2010 بالسجن 15 عاماً، ثم قضية اقتحام السجون المصرية أثناء ثورة 25 يناير والإفراج عن كوادر الإخوان والإرهابيين والمجرمين الذين عاثوا في أرض مصر قتلاً وتخريباً وحرقاً وتدميراً، وهنا يلح السؤال لماذا ولصالح من يقوم هيكل بهذا التضليل والإثارة والتشكيك، إن لم يكن ينفذ دوراً مطلوباً منه لتخريب الساحة الداخلية في مصر، فضلا عن تلميع صورة إيران وخدمة للاستراتيجية التوسعية الإيرانية التي أصبحت تمتد من لبنان وسوريا إلى اليمن وباب المندب، وقبولها بعد فترة كأمر واقع كدولة تملك سلاحا نوويا، وهو ما يخدم سياسة أوباما في الاعتماد على إيران لحل مشاكل المنطقة، خاصة في مسألة التعاون للقضاء على داعش مقابل الموافقة على سلاحها النووى. أما تلميع هيكل لدولة قطر وحكامها، فالجميع أصبح على علم ودراية بعلاقات هيكل المشبوهة بهم وبقناتهم الجزيرة. من هنا يمكننا أن نفهم لماذا يخرج علينا هيكل بين فينة وأخرى ليحلل ويشرح وبما يبرر ويمهد لقرارات هدامة تتخذ في الخارج، تستغل أبناء المنطقة لتخريبها بأيديهم ولخدمة أهداف ومصالح دول أجنبية، أما دور هيكل في كل هذا فهو ينحصر في اللعب بعقول شعوب هذه المنطقة وحكامها.
- ما يجمع بين هذه الوقائع كلها وتوقيتات إطلاقها أو الإعلان عنها، فهو ارتباطها زمنيا بلحظات معقدة تختلط فيها القضايا وتتقاطع الأزمات وتتشابك، أما دور هيكل فهو استغلال كل ذلك الخلط والتشابك في الإساءة لنظام الحكم في مصر والإضرار بالمصالح المصرية.. لكن يبقى السؤال: لصالح من يسعى هيكل لتعميق الأزمات وتوسيع نطاقها بين مصر والدول الأخرى؟!
حكاية الثورة الثالثة
- وكأنه لم يكن كافياً ما أصاب مصر من سقوط ضحايا وأعمال تخريب وتدمير وإحراق واستنزاف اقتصاد وانقسام وتفسخ اجتماعى واختراقات خارجية خلال ثورة 25 يناير.. وهو ما كاد يصل بمصر إلى مشارف حرب أهلية لولا لطف الله تعالى ورسوله بهذا البلد، وقيام شعب مصر وجيشها بالإطاحة بنظام حكم الإخوان البغيض في ثورة 30 يونية.. فنجد هيكل يدعو الرئيس السيسى للقيام بثورة ثالثة على نظامه، بدعوى القضاء على الفساد وامتصاص غضب الشباب الذي نفد صبره، وأن من حق الثورة أن تضع دستورها وتسن قوانينها طبقا لرؤى جديدة، متهما المجلس العسكري السابق والنظام الجديد الذي ولد بعد ثورة 30 يونية بأنه غير دستورى، وأنه يتعين محاكمة مبارك سياسياً حتى «لا تتحول مصر إلى بلد فاشل».. على حد قول هيكل الذي أرجع ذلك إلى احتمالات تسلل رجال مبارك إلى مؤسسات الدولة، وبزعم أن «مستقبل مصر يحتاج إلى رؤية جديدة وتغيير شامل»، ثم يعود هيكل مرة أخرى لممارسة هوايته في خلط الأوراق.. فيتهم المجلس العسكري السابق بأنه «أراد أن ينتقم من مصر بتسليمها للإخوان». ويهاجم حكومة المهندس محلب، لا لشىء سوى أن محلب رفض أن يحج لمكتبه أو مزرعته، ثم يطالب السيسى بالتخلص من رجاله، لا لشىء سوى أن هؤلاء الرجال الذين يحيطون بالسيسى لم يتركوا له فرصة لينفذ إليه، وليفرض وصايته عليه.
وفى إطار حرص هيكل على تيئيس المصريين من تحقيق أي إنجازات، نجده يستخف بما حققه وبما بدأه السيسى من مشروعات استراتيجية عملاقة.. مثل قناة السويس الثانية، والاكتتاب الشعبى فيها، وإنشاء مصانع جديدة، وشق طرق، وبناء مدن سكنية جديدة... إلخ، فيقول: «لا يمكن أن يبنى المستقبل على مصنع وطرق وقناة» وطالب هيكل بوضع كل ذلك ضمن «رؤية ونظرة نقدية لكل شىء، والاستجابة لصوت التغيير والإجابة عن الأمور المعلقة». كما طالب هيكل السيسى أيضاً بأن يستغل احتفالات ثورة 25 يناير القادمة بأن «يفتح جميع الملفات.. خاصة ما جرى في عهد المجلس العسكري، وأن يقدم رؤية وأن يقف بجوار ما يعتقد أنه صحيح». ولم ينس هيكل أن يواصل أكاذيبه بالادعاء أن الرئيس استدعاه واجتمع به أكثر من مرة وسمع منه، وهو ما نفاه أحد مساعدى الرئيس، مؤكدًا أنه لم يتصل بهيكل إلا مرة واحدة للاطمئنان على زوجته

بسبب مرضها، وأن هيكل هو الذي كان حريصاً على الاتصال بالسيسى طوال الوقت، حيث يُصدِّر نفسه كوصى على الرئيس ويعطى الإيحاء بأنه يرشده، وأن السيسى يستشير هيكل في كل كبيرة وصغيرة». وهو ما أغضب المسئولين في قصر الاتحادية، خاصة عندما أهان هيكل رجال الرئيس بشكل غير مباشر قائلاً إن من يعملون بجواره لا يمتلكون شيئاً يقدمونه له، وقد أكد هذا المعنى أحد حوارى هيكل عندما كتب في إحدى الصحف «إن المشكلة ليست في الرئيس ولكن فيمن يعملون إلى جواره». وعندما أثار كلام هيكل غضب الكثير من المصريين، وعكسته الكثير من وسائل الإعلام المصرية، حاول هيكل الاتصال بالرئيس 4 مرات دون أن يتلقى أي رد، إلى أن اتصل باللواء أحمد جمال الدين مستشار الرئيس للأمن وطلب منه وقف الحملة الإعلامية ضده منذ تصريحاته، فأجابه جمال الدين إن ذلك ليس من اختصاصه، مذكرًا هيكل بأن ذلك أحد مظاهر الديمقراطية التي طالما نادي بها هيكل كثيراً.
- وعندما سألت المذيعة هيكل عن رأيه فيما أطلق عليه إعلاميا «قضية التسريبات» وما حوته من تسجيلات مفبركة منسوبة لقادة القوات المسلحة، نجد هيكل كعادته دائما يستبق التحقيقات الجارية حول هذا الموضوع، ويزعم مؤكدًا أنها «حقيقية وعلى الدولة الاعتراف بها دون خوف»، وهو في ذلك يحاول مرة أخرى النيل من القوات المسلحة، والتشكيك في أخلاقيات أجهزتها الأمنية.
- وللرد على هذه الافتراءات والتـُرَّهات، ومحاولة هيكل ربطها بعهد مبارك رغم انتهاء هذا العهد، وهو ما أكد عليه الرئيس السيسى بقوله أكثر من مرة «لا عودة إلى الوراء». وبالتالى فلا علاقة بين كل ما أثاره هيكل حول دعوة السيسى للثورة على نظامه، وبين عهد مبارك. ولكنه إصرار هيكل على أن ينكأ الجراح، ويثير النفوس، ويشعل الفتن لأى سبب ودون أي سبب أو مبرر. فقد أعلن كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة عن وضع استراتيجية جديدة لمحاربة الفساد والقضاء عليه، وقد بُدأ فعلا في تنفيذ ذلك. كما أوضح السيسى أن مصر ليست في حاجة إلى ثورة جديدة ولكن في حاجة إلى اصطفاف الجميع ومشاركتهم، وإلى التماسك وتضافر جهود جميع أبنائها من أجل تحويل الآمال المرجوة في بناء مصر الجديدة إلى واقع على الأرض. أما ما يطالب به هيكل من ثورة جديدة فهى دعوة إلى الفتنة وإثارة الصراعات والتناقضات السياسية والمجتمعية.. تهدم ولا تبنى، وتشتت ولا توحد.
الرؤية الجديدة
- أما دعوة هيكل السيسى لوضع رؤية جديدة وهى إحدى تخاريفه الأخيرة، فيمكن أن نحيلها أيضا إلى رغبته المحمومة لفرض نفسه على الرئيس والالتصاق به، وذلك بأن يكتب له هذه الرؤية.. كما كتب من قبل لعبدالناصر (الميثاق) و(بيان 30 مارس)، ومحاولة منه للاحتفاظ بصورته الأسطورية ككاتب قريب من مركز صنع القرار، وأن البلد لا ينهض إلا برؤية يكتبها هيكل، وهى إحدى تخاريفه كما قلنا، وهى الصورة التي أصبحت أبعد ما تكون عن الواقع، بعد أن اكتشف الجميع أن أسطورة هيكل شاخت في موقعها. وإذا عدنا لموضوع «رؤية جديدة» التي زعم أن النظام الجديد في مصر يفتقدها، وهو قول فيه تعسف كبير على نظام جديد لم يكمل بعد ستة أشهر في الحكم، ورغم قصر هذه المدة فإن الرؤية كانت ولا تزال واضحة تماما أمام الرئيس السيسى وحكومته، وهو ما أشار إليه المهندس محلب رئيس الوزراء الجديد أكثر من مرة، وتتمثل هذه الرؤية الجديدة والشاملة في تحقيق أهداف مصر القومية في المديين القريب والبعيد. ففى المدى القريب يعتبر القضاء على الإرهاب وعودة الأمن والاستقرار كاملين في ربوع مصر هدفاً قومياً له أولوية مطلقة، يترتب عليه استغلال مناخ الأمن والاستقرار في جلب استثمارات محلية وعربية وأجنبية للاشتراك في مشروعات استراتيجية عملاقة تزيد من موارد مصر الاقتصادية، وتستقطب الكثير من الأيدى العاملة العاطلة، وتعيد لمصر علاقاتها وهيبتها في الدائرتين الإقليمية والدولية، وذلك دون ضجيج وبتنشيط الدبلوماسية الهادئة، وذلك بعد استعادة الشعب ثقته في نفسه وفى قيادته وجيشه، وهو ما يترتب عليه استعادة الدول الأخرى الثقة في النظام الجديد في مصر، خاصة بعد أن تتمكن الدولة المصرية الجديدة من القضاء على الفساد وإقامة نظام اجتماعى يتسم بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية. أما على المدى البعيد فإن رؤية الرئيس السيسى تنصب على استغلال قدرات مصر الجيوبوليتيكية المعطلة وغير المستغلة وما أكثرها من أجل إقامة مجتمع الأمن والعدل والرفاهية في مناطق جديدة، لم تـُعمر بعد في صحراوات مصر الشرقية والغربية وسيناء، وتزخر بالموارد المائية والأراضى الصالحة للزراعة، والمعادن.. والموارد الأخرى.
الاستعانة بالشباب
- وفى إطار محاولات هيكل لفرض وصايته على السيسى.. طالبه ببناء تحالف جديد من الشباب والمثقفين والإعلام والأحزاب، فضلاً عن قوى 25 يناير، مستبعداً كل من تجاوز السبعين من العواجيز، وهو أولهم، على أن يبقى لهم دور استشارى فقط. وحقيقة الأمر أن الرئيس السيسى، كان منذ اللحظات الأولى لتوليه الحكم أول من طالب بإشراك الشباب في كل أمور الدولة، بما في ذلك دوائر الحكم. وقد نفذ ذلك فعلا باختيار وزراء شباب، ثم تعيين نواب الوزراء من الشباب، كذلك اجتمع بممثلى الشباب أكثر من مرة، مستمعًا وموجهًا وناصحًا. ويضع السيسى نصب عينيه عندما يتعلق الأمر باتخاذه قرار لشغل منصب معين، ثلاثة اعتبارات رئيسية: أن يكون المرشح من الشباب، وأن يكون نزيها متين الخلق وحسن السمعة، وأخيرا أن يكون ذا خبرة وتجربة كافية.
- ولكن يعترض طريق شغل الشباب مناصب رئيسية في الدولة مشاكل عديدة أبرزها توفر الكفاءة والموهبة والقدرة على تحمل المسئولية. ناهيك عما يتسم به الجيل الحالى من الشباب من خصائص تشكل خطرا عليهم أنفسهم قبل الدولة.. فهو جيل لا يقرأ ولا يسمع، ومستوى تعليمه محل شك، هزله يفوق جده، سعيه أقل من شكواه، حديثه عن الثورة أكثر من حديثه عن السلوكيات والقيم، ولديه أيضا مشكلة انتماء، وعندما تواجهه مشكلة يسارع بإلقاء اللوم على الكبار.. وهذا ما نشاهده ونلمسه ممن يسمون أنفسهم بالنشطاء السياسيين.
- إن الاستعانة بالشباب وحسن الانتقاء من بينهم لمن يصلحون لتولى مناصب قيادية أمر مهم وضرورى، بل حتمى من أجل تحقيق التواصل بين الأجيال، ولكن كيف يمكننا الاستعانة بالشباب الذين نجحت أمريكا في تجنيدهم، وقامت بتدريبهم في «فريدم هاوس» وأكاديمية التغيير في لندن ثم في الدوحة، وفى منظمة أوتبور في صربيا.. لكى ينفذوا مهاماً تخريبية في مصر تخدم المصالح والأهداف الأمريكية في مصر. لذلك لم تتردد أمريكا في إنفاق ملايين الدولارات عليهم، وبلغ الأمر بهم أن دعوا الإدارة الأمريكية إلى قطع المساعدات العسكرية عن مصر للضغط على الجيش حتى ينسحب من الحياة المصرية، بل تظاهروا ضد المجلس العسكري في المدن الأمريكية رافعين وزاعقين بشعارهم القذر «يسقط حكم العسكر»: فهل يتوقع أن يكون ولاء هؤلاء لبلدهم مصر، أم لأمريكا التي أنفقت عليهم ولا تزال توفر لهم الحماية؟، وهل يمكن أن يطمئن الشعب المصرى لهؤلاء لكى يسلمهم زمام الحكم؟، إنهم لا يختلفون عن جماعة الإخوان التي كانت على وشك أن تبيع أراضى مصر لدول ومنظمات أخرى.
- لذلك ينبغى عندما نتحدث عن الشباب وضرورة إشراكهم في الحكم، أن ندقق جيدا في من يصلح من بين الشباب المصرى للاضطلاع بهذه المهمة الخطيرة، وأن تكون أول شروط الانتقاء مدى توافر عامل الولاء والانتماء الوطنى فيهم، فضلاً عن التميز بالأخلاق القويمة، والنزاهة والشرف، أما التجربة والخبرة السابقة فهى ممكن أن تتاح بالتدريب، ولكن طهارة اليد ونقاء القلب لا يمكن تأمينها إلا من خلال التربية الأسرية والدينية السليمة، وتنمية هذه الروح بواسطة مؤسسات الدولة التعليمية والدينية والثقافية.
خلاصة القول
- حقيقة الأمر في الحديثين اللذين أطلقهما هيكل مع الإعلامية لميس الحديدى، أنه قد خانه الصواب وابتعد عن جادة الطريق، حيث نعت نظام حكم السيسى بما ليس فيه، وأظهر إصراره على أن يعيد مصر إلى عهد الناصرية عندما وظـَّف نفسه كاهنا لنظام عبدالناصر، ووصياً عليه. وإذا كان هيكل وحواريوه يسعون إلى تطبيق ذلك على نظام السيسى، فهم خائبون وفاشلون، لأن المصريين صاروا على درجة عالية من الوعى والإدراك وبما يمكنهم من التمييز بين السمين والغث، واكتشاف من يحاولون خداعهم من خلال اللعب بعقولهم باستخدام ألفاظ وكلمات ضخمة ومعقدة كالتي يطلقها هيكل ليشُعِر الآخرين أنه أعلى منهم علما وثقافة، وهو ما ليس بحقيقى، فضلاً عن شعارات براقة عن الديمقراطية والحرية والإصلاح والتغيير.. في حين أنها كلمات حق كثيرا ما يراد بها باطلا يتمثل في إشاعة الفوضى والخراب والهرج والمرج في ربوع البلاد. لذلك لن يحقق المصريون أهداف وآمال هيكل ومن هم وراؤه خلف الحدود في الثورة على الرئيس السيسى، وأمام الإنجازات المادية التي يحققها السيسى وحكومته على الأرض يوما بعد يوم، فضلا عن رفعه الروح المعنوية للمصريين وإعطائهم الأمر في مستقبل مشرق، وليست مجرد نظريات ورؤى فلسفية معظمها عقيم لا تخرج عن نطاق أغلفة الكتب، وبهذه الإنجازات المادية والمعنوية سيزداد تأييد المصريين ودعمهم للسيسى وحكومته رغم أنف هيكل وحوارييه.
- إن من يتابع كلام هيكل وكتاباته، يدرك ببساطة أنه أشهر من يدس السم في العسل، فهو من جهة يظهر حبه للرئيس السيسى ويشيد بنظامه، في حين من جهة أخرى يقول إنه يحكم بنظام وقوانين مبارك والإخوان. وفى موضع آخر من أحاديثه يقول إنه يرى بنفسه حجم الإخلاص والتحدى الذي يواجهه الرئيس، ثم ينقلب فجأة ويثير روح التشاؤم واليأس والإحباط من عام 2015 القادم، الذي أطلق عليه هيكل «عام المصير أو عام الحقيقة»، بعد أن قللّ من قيمة المشاريع الاستراتيجية والقومية العملاقة التي دشنها السيسى. وهكذا ينتقل هيكل من قضية إلى أخرى ليثير الغبار هنا وهناك دون أن يحسم شيئاً، وذلك بوعى كامل يستهدف إطلاق ستائر من الضباب والخوف على كل ما يقوم به السيسى، وتأليب المصريين على رئيسهم نتيجة ما يوجهه من سهام ضده ونعته بما ليس فيه، متجاهلا الأخطار الداخلية والخارجية المحيطة والمحدقة بمصر. وهيكل في دعاويه الفوضوية هذه لا يدرك حقيقة مهمة، وهى أن الشعب المصرى سئم الثورات والمعارك (الدونكيشوتيه)، وضاق ذرعا بمن يبتذلون الحديث عن دماء شهداء الثورة ويصنعون منها (قميص عثمان) يتلقون مقابله ملايين الدولارات والدنانير والدراهم من أسيادهم في الخارج.
- وإذا كان هيكل في إطار كيده وحقده الدفين لمبارك، وسعيه للتشفى فيه لأنه أهمله ولم يعره اهتماما طوال سنوات حكمه.. لذلك يريد هيكل محاكمته سياسياً - وهو ما ليس بقانونى- فإننا نطالب في المقابل أن يتم محاكمة عبدالناصر سياسيا لتسببه في إحداث أكبر هزيمة لحقت بالجيش وبمصر والعرب كلهم نتيجة قراراته الكارثية التي اتخذها عشية حرب 1967 وأثنائها، ومازلنا نعانى من تبعاتها حتى اليوم سياسيا وعسكريا واقتصادياً. كذلك علينا أن نحاكم عهد عبدالناصر على الهزيمة التي تسبب فيها باليمن، وهزيمته أيضا في الوحدة مع سوريا، وقبلها هزيمة الجيش في حرب السويس 1956، بل نطالب أيضا بمحاكمة هيكل نفسه باعتباره كان المستشار السياسي له، وصانع قراراته، والمُروِّج لها سياسياً وإعلامياً، والمسئول عن تبرير هزائمه. بل ونطالب أيضاً بالتحقيق مع هيكل في كل ما يثيره من مسائل تعرض أمن مصر القومى للخطر بسبب حملات التضليل والأخبار الكاذبة التي تنال من أمن القوات المسلحة واستقرار وأمن مصر، على أن يشمل التحقيق كل القضايا التي أثارها هيكل أخيراً حتى يتعرف الشعب على حقيقتها وحقيقته، وأن هيكل ليس هو المصدر الذي ينبغى على الشعب أن يستمع له، لأن كل ما يصدر عنه شر مستطير أشبه بفحيح الأفاعى، بما يثيره من بلبلة وشائعات وشكوك في كل شىء، وتؤدى إلى كسر الروح المعنوية للشعب والجيش. خاصة وأن دعوته الرئيس السيسى أن يغير نظام حكمه، بزعم أنه نفس نظام مبارك، ما هي إلا دعوة خبيثة يستهدف هيكل من ورائها هدم الدولة المصرية نفسها، وهى أشبه بدعوة (الأناركية) التي يتبناها اليوم من يطلقون على أنفسهم (الثوريين الإشتراكيين) الذين يطالبون بهدم كل مؤسسات الدولة بدعوى إعادة بناءها من جديد، لأن نظام مبارك انتهى فعلا منذ تنحيه عن الحكم في فبراير 2011.
- وأختم كلامى بأن أوضح حقيقة مهمة فيما يتعلق بما أثاره هيكل عن حرب أكتوبر وقواتنا المسلحة، إن خطورة ما ذكره هيكل في هذا الشأن وغيره من مواضيع إنما يدخل في إطار ما أصبح يعرف بـ«حرب الجيل الرابع»، والتي تستهدف هدم الدولة بأيدى أبنائها وذلك من خلال شن الحروب النفسية وما تحويها من شائعات كاذبة، ودس معلومات زائفة تضع المصريين في دائرة الغموض والمعانى الهلامية ويثير الفتن والصراعات الطائفية والعرقية والعربية والمذهبية والسياسية. وبذلك نجد أن هيكل في كل ما قاله إنما يخدم أعداء مصر وما أكثرهم في الداخل والخارج، ذلك لأنه لا يكتفى بتضليل المصريين، ولكنه يعمل على زرع اليأس والقنوط والنظرة التشاؤمية من الواقع الذي نحياه وفى المستقبل الذي ننتظره، ولا يطرح الأمل والتنوير ولا يتحدث عن الإيجابيات إطلاقا. هذا في حين يدرك كل مصرى اليوم أن الجيش أصبح هو المُعَبِّر عن الضمير الوطنى الجامع للأمة المصرية بكل ألوان طيفها، ويقدم أبناءه بأقصى ما يمكن أن يقدمه إنسان لبلده من تضحيات تشمل الأرواح والدماء فضلاً عن الجهد والعرق من أجل أمن واستقرار وتنمية مصر. ولأن هيكل يعمل عكس كل ذلك فإن مصالح الأمن القومى المصرى تفرض على المسئولين في الدولة أن يحجروا عليه سياسياً ويمنعوه من الكلام، وكفانا ما فعله في تاريخنا تزويراً وتشويهًا، ونسأله الرحيل رحمة بمصر وشعبها.