رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ثورة إسرائيل .. الشعب يريد إسقاط نتنياهو !

مظاهرات تضم 300 ألف اسرائيلي تجوب أشهر شارع وميدان في تل ابيب تطالب بالتغيير وتهتف بسقوط نتنياهو .. الهتافات تدوي : (أرحل) .. (الشعب يريد العدالة الاجتماعية) .. "احتجاجات الخيام" .. لافتة كبيرة تقول (مصر أصبحت هنا) في إشارة إلى تأثر الثوار الإسرائيليين ضد نيتنياهو بالثورة المصرية .. البورصة تتأثر بفعل المظاهرات .. الاحتجاجات تتزايد .. ما يطرح السؤال : هل تنضم اسرائيل للثورات الشعبية العربية ؟ وهل يعاني الصهاينة أيضا من حكم ديكتاتوري ومشكلات اقتصادية وفساد ؟ وما هو البديل ؟

القصة كلها بدأت مع سياسات حكومة نتنياهو التي سعت لزيادة معدلات النمو الاقتصادي والقضاء علي البطالة ورفعت نسب الضرائب بصورة كبيرة .. ولكنها بالمقابل أنفقت الكثير لإرضاء التيار الديني المتطرف ببناء المستوطنات التي كلفت الخزينة كثيرا ، ما أنعكس – خصوصا مع تدهور اقتصاد امريكا الذي يدعم اسرائيل – علي تضرر الاف الاسرائيليين بسبب ارتفاع أسعار السلع والمساكن فخرجت تظاهرات حاشدة للمطالبة بإحقاق العدالة الاجتماعية بين الإسرائيليين، وتندد بغلاء أسعار الشقق السكنية داخل الخط الأخضر (اسرائيل 1948) .

المشاركون في التظاهرة التي بدأت مساء السبت 6 أغسطس في تل ابيب والتي انضمّ إليها المعلمون والعاملون الاجتماعيون ونساء العاملين في شرطة الاحتلال ومؤسساته، رفعوا شعارين مركزيين؛ الأول "الشعب يريد العدالة الاجتماعية"، والثاني "دولة رفاه وتوزيع عادل للموارد" ، وجري تنظيم مظاهرة مماثلة أخرى في القدس المحتلة، بالقرب من منزل بنيامين نتنياهو، ومن المتوقع أن تنطلق مظاهرات أخرى في هود هشارون وعسقلان وإيلات وحيفا وبئر السبع وكريات شمونا وكريات ملاخي، وغيرها من المناطق المتفرقة في أرجاء أراضي الـ 48 .

الكثير من الصحف والخبراء والمسئولين الإسرائيليين قالوا أن الثورة الإسرائيلية تشبه في الكثير من جوانبها الثورة المصرية، وهو ما دفع بعدد من المسؤولين الإسرائيليين إلى التأكيد أن مصر هي السبب في الثورة على نيتانياهو الآن وأن الشعب الاسرائيلي يتعلم من الشعب المصري الثورة علي حكامه !.

والملفت أن هذه المظاهرة لم تخرج عفويا ولم تكن الأولي فقد دخلت حركة الاحتجاج في إسرائيل أسبوعها الثالث بعد أن تحولت إلى تحرك شعبي واسع النطاق يغطي أنحاء عدة في إسرائيل ويشمل فئات اجتماعية مختلفة ويرفع مطالب معيشيه واسعة النطاق تعدت الاحتجاج على ارتفاع أسعار المساكن لتشمل غلاء المعيشة وارتفاع أسعار الوقود والمواصلات والاتصالات، والمطالبة بتحسين الظروف المعيشية لأبناء الطبقة الوسطى في إسرائيل التي تشكل العمود الفقري لهذا التحرك لا سيما فئة الشباب منها.

حاكم مصرف إسرائيل المركزي ستانلي فيشر قال :" إن التطورات الأخيرة كانت مفاجئة، ولم يكن هناك اشارات تدل عليها، فوضع الاقتصاد الإسرائيلي كان جيداً جداً، ونسبة البطالة هي الأقل منذ سنة 1987. لكن لا يمكننا تجاهل مغزى مشاركة نحو 159 ألف شخص في تظاهرات مساء السبت في القدس وتل أبيب، كما لا يمكننا تجاهل اعتصام الخيم في المدن الكبرى في إسرائيل". واعتبر فيشر أن التحرك الاحتجاجي يعبر عن قلق الطبقة الوسطى على وضعها، لا سيما الشباب منهم، ورأى أن" جوهر المشكلة يتلخص في ثلاثة موضوعات أساسية: الأسعار المرتفعة للمساكن، غلاء المعيشة، قدرة الحكومة على تقديم الخدمات التي ينتظرها الجمهور ويطالب بها ويريدها أن تكون متلائمة مع الواقع المتغير" وحذر فيشر من قرارات حكومية متسرعة قد تنعكس سلباً على نمو الاقتصاد الاسرائيلي .

المتطرفون الصهاينة السبب !

صحيفة "هآرتس" كتبت تقول في افتتاحية (1/8/2011) : "إن نتنياهو هو المسؤول عن الوضع الحالي ، وأنه خلال 28 شهراً من ولايته كان لديه ائتلاف حكومي مستقر، ومعارضة مشلولة، وهدوء أمني، وازدهار اقتصادي، وتأييد جماهيري، وتوفرت لديه الشروط الأفضل لقيادة دولة إسرائيل، لكنه كان مشغولاً بأمر آخر هو ارضاء شركائه السياسيين (من اليمين اليهودي الديني المتطرف) من أجل ضمان بقائهم في الحكومة أطول مدة ممكنة ، فضيع وقته على سياسة سلبية بدلاً من المخاطرة بطرح مبادرات وكانت هذه هي السياسة التي انتهجها على الصعيدين الخارجي والأمني وكذلك على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. واليوم يدفع رئيس الحكومة ثمن هذه السياسة، فتشهد شعبيته تراجعاً كبيراً، ويتصرف كما لو أن حكمه يوشك على السقوط."  

المعلق السياسي عكيفا ألدار كان أكثر وضوحا في تشخيصه للمشكلة بقوله : "عندما يتعهد رئيس الحكومة بدولتين لشعبين ويواصل انفاق الأموال على المستوطنات فهو يفقد صدقيته في نظر الجمهور وليس مستغرباً ألا يصدقه الناس عندما يقول بين ليلة وضحاها إنه وجد حلاً لمشكلة ارتفاع أسعار السكن."

ولكن بدلا من البحث عن حلول أنخرط مؤيديو ومعارضو نتنياهو في طرح سؤال : ما هو الهدف من هذه المظاهرات هدفهم هو إسقاط الحكومة وإسقاط نتنياهو أم مجرد  تغيير سلم الأولويات وتحسين وضع الطبقة الوسطى ورفع مستوى حياتها ؟.

أسباب الثورة الاسرائيلية

والحقيقة أنه يبدو أن السبب الرئيسي لهذه الثورة الاسرائيلية هو إن الحكومة تواصل دعمها للمستوطنات وللجمهور المتدين فقط لبقاء نتنياهو وتحالفه في الحكم ما يعني أنها – بعد تفجر الاحتجاجات ستلاقي صعوبة في الاستمرار في الحكم .. فلا يجب أن ننكر أن أحد أسباب الاحتجاجات الرئيسية هو إرضاء نتنياهو للمدتينين اليهود وتحالفاتهم السياسية التي تضمن بقاؤه في الحكم عبر برامج اقتصادية تخدمهم ولكنها تظلم العديد من الاسرائيليين أقتصاديا .

ولهذا فأهمية هذه الثورة الاسرائيلية – اذا جاز التعبير – بالنسبة للفلسطينيين والعالم العربي تتمثل في نقطتين : (الأولي) انها ترفض دعم المتطرفين اليهود والمستوطنين علي حساب رجل الشارع العادي ، ما قد يدفع باتجاه حركة اسرائيلية اجتماعية معادية للاستيطان الصهيوني في الارضي الفلسطينية وطلب بناء مساكن للاسرائيليين داخل الخط الاخضر فقط (أرض 48) لا الارض المحتلة

في القدس عام 1967 .

وربما ينعكس هذا علي ايقاف أو تعطيل المخططات الإسرائيلية الجديدة التي أعلن عنها لبناء سبعة آلاف وحدة استيطانية إضافية في مختلف أرجاء مدينة القدس المحتلة التي أعلنت عنها صحيفة (يروشاليم) الأسبوعية العبرية، وتتضمن بناء نحو 1328 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة "رمات شلومو" المقامة على أراضي شمال مدينة القدس،وإقامة 625 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة "بسغات زئيف"، وبناء 983 وحدة إضافية في "هار حوما" المقامة على أراضي جبل أبو غيم بجنوب القدس وإقامة 900 وحدة استيطانية في مستوطنة "غيلو" بشرقي المدينة المقدسة.

أما الأهمية (الثانية) لهذه الثورة أو الاحتجاجات الاسرائيلية ضد حكومتهم فهي انها تعكس ضمنا الانهيار الاقتصادي الامريكي الذي ينعكس علي الاقتصاد الاسراتئيلي في صورة دعم أمريكي متتالي قد يتأثر مستقبلا بحيث لن تجد الدولة العبرية مفرا من الاعتماد علي نفسها والضغط علي اقتصادها القائم منذ قيام هذه الدولة المغتصبة عام 1948 علي دعم أمريكا ويهود العالم .

وهناك أصوات اسرائيلية تؤكد أن هناك ثورة بالفعل ذات طابع سياسي من قبل أرباب الاعمال الاسرائيليين الذين يخشون من ان استمرار عناد قادة اسرائيل برفض السلام واحتلال الاراضي العربية – بخلاف الأراضي المحتلة عام 1948 – سيؤدي لحروب مستمرة وعدم استقرار وضياع لمشاريعهم الاقتصادية وتدمير للدولة العبرية ، ولهذا يدعمون مع حركات السلام الاسرائيلية هذا التوجه للثورة ضد الحكام الذين يرفضون السلام مثل نتنياهو .

(نافا ماشيا) الرئيسة التنفيذية لِـ M.E. Links ومحررة MEDABIZ الإخبارية الاقتصادية علي سبيل المثال كتبت تقول مثلا في نشرة common ground news في أول يوليه الماضي 2011 أن (ما تحتاجه إسرائيل اليوم هو الثورة) كما يقول العديد من الشباب الاسرائيلي الذي يبحث عن السلام والاستقرار وينتقد تسويف قادة مثل نتنياهو .

وتؤكد – قبل مظاهرات السبت بشهر كامل - أن "بذور الثورة في إسرائيل تتنامى الآن في قاعات الاجتماع والصالونات الخاصة، وهي تحصل كذلك على بعض الاهتمام من الاعلام وهي تشكّل مطالبة متنامية بأن تنقذ الحكومة إسرائيل من مستقبل من الحروب اللانهائية، وأن تقترح حل الدولتين على حدود عام 1967" .

بل أنها لفتت الانظار لأن من يقفون وراء "مبادرة السلام الإسرائيلية" هم من رجال الاعمال الذين يخشون علي أموالهم لا السياسيين .. فهذه الحركة للسلام تأسست تحت قيادة (كوبي هوبرمان)، وهو صناعي كبير في صناعة التقنية العالية وصاحب أعمال ريادي في المجتمع المدني، و(ياكوف بيري)، الرئيس السابق للخدمات الأمنية الإسرائيلية العامة، و(يوفال رابين)، ابن رئيس الوزراء الراحل يتسحاق رابين ، وأن مهمة "مبادرة السلام الإسرائيلية" ورسالتها هي حث الحكومة على قبول مبادرة السلام العربية لعام 2002 البارزة، التي تعرض نهاية للنزاع وتطبيعاً كاملاً مقابل انسحاب إسرائيل الكامل من المناطق المحتلة، كأساس لمفاوضات إقليمية.

وتضم هذه الحركة الأن مواطنين بارزين ورؤساء أعمال يخشون - كما تقول نافا ماشيا – من تاثير ما اسمته "الانتفاضة الاقتصادية من جانب المجتمع الفلسطيني للضغط على مؤسسات الأعمال العالمية للانسحاب من التعاون الاقتصادي مع إسرائيل، وهم يحذرون من أن انعدام وجود العملية السلمية قد يثبت كونه مدمراً للاقتصاد الإسرائيلي المزدهر حالياً .

الثورة الاسرائيلية الحالية قد تبدو بالتالي ذات أهداف اقتصادية بحتة تتعلق بالدعوة لتحسين أحوال الطبقة الوسطي ولكن الوجه الأخر لها سياسي عميق يتعلق بمخاوف حقيقية من أن استمرار حالة اللاحرب واللاسلم مع الفلسطينيين والعرب واندلاع الحروب باستمرار هو الخطر الحقيقي علي الاقتصاد الصهيونية ، ولهذا تظهر دعوات لاسقاط نتنياهو ليس فقط لأنه يهتم بالاغنياء والمستوطنين المتطرفين دينيا علي حساب باقي الشعب ولكن لأن وجوده معناه استمرار الجمود في عملية التسوية السلمية واستمرار الحروب التي تضر الاقتصاد ككل .. اقتصاد الاغنياء والمستوطنين والطبقة الوسطي معا .