رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تشريعات "الصحة" جعلت المواطن سلعة

بوابة الوفد الإلكترونية

يشهد ملف الصحة في مصر تدهورا لا مثيل له في القطاع العام والخاص علي حد سواء وأصبحت الصحة سلعة وليست حقا للمواطنين الذين يختارون بين الموت فقرا أو الموت في مستشفيات الحكومة، حتي الأغنياء أصبح الموت حليفهم في أوقات كثيرة بكبري المستشفيات الخاصة إما بسبب الإهمال أو الجهل.

فالرعاية الصحية في مصر من سيئ الي أسوأ، ورغم ظهور كيانات ثورية كثيرة للدفاع عن الأطباء وعن حقوق المواطن الصحية إلا أن هذا القطاع يحتاج الي ثورة علي القوانين المنظمة له بعدما تحول بها ومعها المرضي لمجرد متسولين للعلاج والدواء أو معاقين بسبب خطأ وإهمال طبي لا يتجاوز العقاب عنه سوي الإيقاف لـ6 أشهر فيما تساعد القوانين علي هروب الكفاءات من الأطباء بجانب وجود موازنة للصحة لا تغني ولا تسمن من جوع، فهل آن الأوان لتصحيح مسار قطاع الصحة بعد تأكيدات وتعليمات الرئيس السيسي ومساعي حكومته علي أن مصر بحاجة الي ثورة تشريعات لكافة قطاعات وخدمات الدولة ومنها الصحة.

حقائق وأرقام
قبل التعرض للتشريعات الواجب تعديلها في قطاع الصحة نستعرض بعض الأرقام التي توثق تردي الأوضاع الصحية فمصر من أقل الدول إنفاقا علي الصحة ونصيبها في موازنة 2011 /2012 و2012 /2013 و2013 /2014 لم يتجاوز 4.9٪، رغم أن النسبة التي تم إقرارها في قمة الألفية بالأمم المتحدة هي 15٪ من الموازنة وهي وقد وقعت مصر علي هذه النسبة عام 2001 بل المثير أن أفغانستان المدمرة تنفق 7.6٪ من موازنتها علي قطاع الصحة والعراق 8.4٪ وبوروندي الأفريقية النامية 11.7٪ وتعاني المستشفيات من عجز عدد الأسرّة الخاصة بالمرضي وتراجعت أعدادها من 125457 سريرا عام 1998 الي 115735 في 2011، وذلك رغم الزيادة الرهيبة من عدد المرضي، وتبلغ نسبة الأسرّة الي السكان في مصر 1.6 سرير لكل 1000 مواطن بينما تبلغ النسبة في الهند 5 أسرة لكل 1000 مواطن وفي أمريكا 10 وفي  السويد 12 وتراجع معدل دخول المرضي للمستشفيات الحكومية من 2468871 حالة في عام 2009 الي 2011619 في 2011، وفي المقابل ارتفعت معدلات الوفيات من المرضي من 0.84٪ عام 2009 الي 1٪ عام 2011، الذي شهد وفاة 20038 مريضا في المستشفيات الحكومية فقط كما تكشف الأرقام أن عدد أسرّة العناية المركزة في مصر كلها لا يزيد علي 7000 سرير ويقل عدد المرضي الممكن استقبالهم بغرف العناية المركزة في المستشفيات الحكومية في المقابل ارتفعت نسبة الموتي باضطراد من 5.19٪ عام 2009 الي 6.14٪ في عام 2011، الذي شهد وفاة 3533 مريضا في غرف العناية المركزة بالمستشفيات الحكومية. كما بلغ عدد المواليد المحتاجين للحضانات عام 2010، 238 ألف طفل فيما لا تستوعب حضانات الوزارة إلا 111 ألف فقط وهناك أكثر من 100 ألف طفل يجدون بديلا بصعوبة في المستشفيات الاستثمارية أو التابعة للجمعيات الشرعية أو ببساطة يموتون.
وبلغ عدد الأطباء في مصر عام 2011 حوالي 62 ألفا و76 طبيبا بنسبة 0.7 طبيب لكل 1000 من السكان بينما المعدل العالمي وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هو 3 أطباء لكل 1000 من السكان وبالمثل بلغ عدد هيئة التمريض في مصر عام 2011 حوالي 11 ألفا و744 بنسبة 1.7 لكل 1000 من السكان بينما النسبة في الدول أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هي 8.9 ممرضة لكل 1000 من السكان.
ما سبق من أرقام وبيانات وفقا لتقرير لجنة الدفاع عن الحق في الصحة وعن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يكشف بوضوح واقع الرعاية الصحية للمصريين، وتحول الرعاية الصحية الي تجارة بالمرضي وصلت لحد الاتجار بأرواحهم وأعضائهم ودمائهم ورغم مزاعم إضراب الأطباء المتكرر من أجل صحة أفضل لجميع المواطنين إلا أن المستشفيات الحكومية تحولت الي مقابر جماعية للفقراء وانضمت اليها بعض المستشفيات الخاصة في ظل ميزانية متدنية وحكومة تطالعنا يوما بعد الآخر بقرارات وقوانين غير مدروسة آخرها التأمين الشامل لكافة المواطنين وخصخصة المستشفيات الجامعية!

إعادة تأهيل
وقد ورد مؤخرا علي لسان المتحدث الرسمي لوزارة الصحة الدكتور حسام عبدالغفار اعتراف أكد خلاله أن 50٪ من المستشفيات الحكومية تحتاج الي إعادة تأهيل لتحسين مستوي الخدمات المقدمة للمواطنين فهناك 139 مستشفي تقدم خدماتها بنسبة كفاءة تصل الي 100٪ فيما تتراوح كفاءة نحو 131 مستشفي ما بين 50 و70٪ لذا تم إدخال معظم المستشفيات مرحلة التطوير ورفع الكفاءة منذ أول يناير الماضي وأنه سيتم الانتهاء من تطوير المستشفيات الباقية خلال عامي 2015 و2016.
لكن هل سينفذ بالفعل هذا التطوير وهل سيؤدي الي رفع مستوي الخدمات الصحية وهل ستتمكن الدولة من التوسع في مظلة التأمين الصحي دون توفير الإمكانيات التي تسمح بتقديم الرعاية المطلوبة وفي ظل غياب الرقابة عن الإعلانات ملء السمع والبصر وتتلاعب بصحة المواطنين بأدوية وأعشاب وأغذية لا تخضع لأي رقابة إضافة الي ضرورة وجود قانون جديد للتعامل مع مزاولة مهنة الصيدلة والتي أصبح لها بدورها ضحاياها، كل هذا يستوجب ضرورة تعديل التشريعات الصحية التي تلزم الدولة بتدريب الأطباء خاصة مع تفاقم أعداد الخريجين من كليات الطب وهم دون المستوي لانخفاض الامكانيات أيضا وتدني أجور الأطباء والتي لا تمكنهم من البحث والمعرفة التي ترفع من كفاءتهم المتدنية والتي يدفع المرضي ثمنها حياتهم، وعلي اختلاف تخصصات الأطباء بدءا من الكشف ونهاية باختلاف نتائج معامل التحاليل ومراكز الأشعة ومن ثم مطلوب تشريع يضمن إجراء امتحانات دورية للحكم علي كفاءة الأطباء والممرضين علي حد سواء من حين لآخر.

حزمة إجراءات
وقد أجمع معظم الأطباء والمختصين علي أن منظومة الصحة في مصر لا تحتاج الي إعادة نظر من خلال قوانين وتشريعات بل تحتاج الي نسف وإعادة تشكيل فهي تفتقد للتمويل الكافي وللإدارة والتخطيط.
الدكتور محمد جمال الدين عبدالسلام استشاري بإحدي كبري شركات التأمين أكد أن مشكلة الصحة الأساسية في مصر ليست في القوانين والتشريعات المنظمة لها بل في الميزانية المخصصة.

الحق في الصحة
الدكتور محمد حسن خليل منسق لجنة الدفاع عن الحق والصحة يطالب بتفعيل بنود المادة 18 من دستور 2013، والتي تقضي بأن لكل مواطن الحق في الصحة والرعاية الصحية المتكاملة وفقا لمعايير الجودة من خلال إعادة النظر في كل إجراءات وقوانين المنظومة الصحية المصابة بالكثير من التخبط والعشوائية مثلما حدث مؤخرا في مشروع قانون خصخصة المستشفيات الجامعية وتحويلها لمنشأة تهدف الربح وبالتبعية سيكون ذلك علي حساب المرضي الفقراء من المترددين علي تلك المستشفيات وهي محاولات قديمة منذ عام 2010، عندما كانت هذه المستشفيات مجرد منشآت صحية لا تهدف الربح وإنما الرعاية الصحية الكاملة دون تكبيد المرضي البسطاء تكلفة تذكر وهو الأمر الذي يقتضي إعادة النظر

في مشروع قانون خصخصة المستشفيات الجامعية، كذلك قانون العلاج علي نفقة الدولة في حاجة لتطويره لضمان وصوله لمستحقيه.
ويطالب الدكتور خليل باستبدال ما يتم حاليا بالتأمين الصحي من علاج بالقطعة بتأمين صحي اجتماعي شامل يقدم جميع الخدمات لكل الأمراض وكل السكان وأن يظل التأمين الصحي كما هو هيئة غير ربحية شريطة توافر التمويل اللازم لتقديم خدمة ورعاية صحية مطابقة للمواصفات والاشتراطات الدولية والعالمية فالتأمين الصحي وفقا له ضرورة والتزام دستوري رغم ما يشوبه من عيوب ومميزات وهو لا يزال الغطاء الأساسي للحماية من كل الأمراض الوبائية والخطيرة فلا يوجد في مصر مثلا مريض فشل كلوي ويحتاج للغسيل ولم يوفر التأمين الصحي ذلك ولكننا ضد توسيع مظلته في مشروع القانون الجديد دون ضمان التمويل، فالتوسع في مظلة التأمين الصحي بميزانية أقل من نصف ما يحتاجه يعني انهيار ميزانيته بل والمنظومة بأكملها، لذا - والكلام للدكتور محمد خليل - علي الدولة تحديد أولوياتها في هذا الإطار.

انفصال تام
يطالب الدكتور خالد سمير أمين الصندوق بنقابة الأطباء بضرورة التعجيل بمشروع قانون التأمين الصحي الجديد الشامل مؤكدا أن أوضاع التأمين الصحي الحالي رغم أهميته إلا أنه يعاني من الانفصال التام بين المريض والممول ومقدم الخدمة مما يقود كل الأطراف الي متاهة لذا يري أن حل مشاكل المواطنين الصحية تبدأ بالإصلاح الهيكلي للمنظومة الصحية ككل مما يتطلب الجمع بين الجهات المقدمة للخدمة الصحية سواء التأمين الصحي أو المستشفيات الحكومية التعليمية والجامعية وجميعها جهات حكومية في هيئة عامة لتكون مسئولة عن كل مقدمي الخدمة التابعين للدولة وبالتبعية ستتم الهيكلة الإدارية ومن ثم لا يضطر المريض للتنقل بين كل هذه الجهات وقد يموتون وهم يبحثون عن الرعاية ولا تخصص ولذلك جعل دستور 2013 بمقتضي المادة 18 لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة علي أن تكفل الدولة الحفاظ علي مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل علي رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل.
كما يري الدكتور خالد سمير ضرورة أن يتضمن مشروع قانون التأمين الصحي الشامل الجديد اشتراكات يتحملها المرضي من المواطنين وفقا لأحوال وظروف كل مريض اقتصاديا واجتماعيا وأن يراعي المشروع الجديد للقانون الفصل بين جهة التمويل عن مقدم الخدمة الصحية علاوة علي ضرورة تحديد أسعار الخدمات المقدمة وفقا لآليات مناسبة تتماشي مع أسعار السوق والتي اختلفت عن سنوات مضت فلا يعقل أن تظل أسعار الخدمات في المستشفيات الحكومية كما هي منذ 25 سنة دون حساب لفرق العملة للمستلزمات والأجهزة الطبية وباقي الخدمات والمرافق وهو أمر يستلزم  ضرورة فرض ضرائب تحصل لحساب الرعاية الصحية والعلاجية بشكل مباشر كأن تفرض علي المخدرات والخمور والسجائر والمحروقات.

العلاج الآمن
ويؤكد حافظ أبوسعدة عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان ضرورة تفعيل تطبيق القوانين اللازمة لوقف الإعلانات المستمرة في انتهاك صحة الإنسان وتهدد حقوقه الأساسية وعلي رأسها العلاج الآمن ومراجعة القوانين المعنية بالصحة والغش التجاري والعمل علي تعديلها بما يتفق مع المواثيق الدولية وفقا لأحكام دستور 2013، بهدف حماية صحة المواطن المصري من الإعلانات المضللة التي لاتزال تروج للدجل والشعوذة والتضليل وهو ما يتطلب ضرورة وضع عقوبات رادعة للفاسدين من خلال زيادة قيمة مبالغ الغرامات بالإضافة لعقوبة الوقف والغلق.
وأشار أبوسعدة الي توصيات ورشة عمل حول إعلانات الأدوية والسلع غير المرخصة من وزارة الصحة والتي عقدها المجلس القومي لحقوق الإنسان بمشاركة وزارات الصحة والصناعة والاستثمار والتجارة وحماية المستهلك ونقابات الصيادلة والأطباء والعديد من المهتمين بالحقوق الصحية في مصر وأوصوا جميعا بالعمل علي قصر بيع الدواء في الصيدليات فقط واستحداث آلية للرقابة الذاتية بين وكالات الإعلانات تعمل علي مراقبة تطبيق المواصفات القياسية للإعلان كذلك ضرورة النظر في إمكانية انشاء المنظمة المصرية للأغذية والأدوية ويكون لها الحق دون غيرها في منح شهادة الصلاحية لأي منتج طبي أو غذائي يصنع في مصر أو يتم استيراده من الخارج وإلزام القنوات بإتاحة مساحة أمنية بهدف توعية المواطنين بما هو ضار بالصحة ومخاطر الأدوية والسلع والأغذية المغشوشة التي تروجها تلك الإعلانات المضللة وعلي وجه الخصوص المنتجات الغذائية ذات الآثار الجانبية والتي يجب إلزام المنتجين بالإعلان عنها علي عبوة المنتج والعمل علي ضرورة تطبيق المسئولية التضامنية بين مالكي تلك القنوات ومنتجي الإعلانات أو الوكيل الإعلاني وبما يتيح للقنوات التحقق من حصول المعلن علي موافقة وزارة الصحة والجهات المعنية.