وهم الباحثين عن الجنة
الالتحاق بالتنظيم الإرهابي يبدأ من تركيا بعد «غسيل المخ» في الزوايا الصغيرة.. والإنترنت
لواء فؤاد علام خبير الأمن: مطلوب مجلس قومي عربي لمواجهة الإرهاب
لواء هاني عبداللطيف: ضبط 60 مصرياً من العائدين من سوريا والعراق
مختار نوح: الشباب بحاجة لمشروع قومي للالتفاف حوله
مشاهد دموية تطالعنا يومياً لتنظيم مسلح يرفع رايات سوداء ويذبح ويقتل بدم بارد ويهدد ويتوعد هذا وذاك، ويضم في صفوفه مقاتلين من كل أنحاء العالم وبينهم مصريون كانوا في الأصل أناس عاديين ولكنهم تحولوا بفعل عمليات «غسيل المخ» إلي أدوات للقتل والإرهاب، معتقدين ان العنف هو الطريق الوحيد للتغيير فلجأوا إلي «الجهاد المسلح» بحثاً عن «الجنة الموعودة» وفقاً لمعتقداتهم المغلوطة، منهم من سافر إلي العراق وسوريا ومنهم من ظل في مصر ليشارك في هجمات ضد الجيش والشرطة تطبيقاً «لفكرة الجهاد»!، فما هو سر انضمام الشباب المصري إلي تلك التنظيمات الإرهابية؟ وكيف يتم ذلك؟
في البداية يجب أن نشير إلي أن الشباب الذي ينضم إلي «داعش» لديه اعتقاد بأن لـ«الداعشيين» قضية بل يرون أنفسهم «أبطالاً» يجاهدون لنصرة الحق وإحياء دولة الإسلام وهو منهم بريء! هؤلاء لا تمنعهم صرخات الأطفال وتوسل النساء من إقامة حفلات قتل وحشية ماجنة يذبحون في كل من يخالفهم الرأي والفكر ويمثلون به في وحشية لا تعرفها الحيوانات، انهم «تتار» هذا العصر ومن المؤسف انضمام بعض المصريين إلي صفوفهم.
وتكشف المعلومات الأمنية المصرية انه منذ قيام ثورة 25 يناير وحتي سقوط نظام «مرسي» كان الالتحاق بـ«داعش» يتم عبر الحصول علي فيزا سياحية إلي تركيا ومنها إلي الحدود السورية وقد لجأ العديد من الشباب المصري الغاضب أو الذي يعاني مشكلات اجتماعية أو اقتصادية أو حتي فكرية إلي هذه الطريقة للوصول إلي «داعش»، وقد سبق عملية السفر لـ«داعش» خضوع هؤلاء الشباب إلي ما يشبه غسيل مخ وتزييف للإرادة والواقع. من خلال تعرض هؤلاء لأفكار شيوخ جهلاء أو نصف متعلمين من المتطرفين الذين أهملت الدولة في السنوات الأخيرة انتشارهم في الزوايا والجوامع بالمناطق العشوائية وهو ما أدي إلي انصياع البسطاء لآرائهم التكفيرية فأصبح من السهل تجنيد هؤلاء الشباب للسفر، ومؤخراً ومع شن الداعشيين وأعوانهم لحرب الكترونية عالمية لاستقطاب الشباب إلي صفوفهم أصبحت هناك طريقة أخري يسلكها الشباب المصري للسفر لـ«داعش» عبر الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي خاصة «الفيس بوك» حيث يتم التواصل معهم وإقناعهم بالانضمام للتنظيم.
ومما يلفت النظر هو ما نشره موقع التليفزيون الألماني «دويتشيه فيليه» من تقرير يشير إلي تزايد أعداد التحاق الشباب المصريين بمناطق القتال في سوريا والعراق إلي آلاف تحت عنوان «تنظيمات جهادية مصرية تضع مقاتلين بالآلاف لداعش»، وكشف التقرير أن عدد المصريين الذين يقاتلون في سوريا والعراق ما بين 8 و10 آلاف وذلك بحسب ما قدرته المصادر الأمنية!
وعلي إحدي صفحات الانترنت يتحدث محمد محمود- 22 عاماً- عن كيفية الانضمام لصفوف «داعش» قائلاً: «ان السفر لا يستلزم أكثر من 2000 جنيه نحو (250 دولاراً) ويكون عن طريق تركيا حيث يغادر الشباب تحت ستار السفر للسياحة ويصل إلي الحدود التركية- السورية ومنها يقوم أحد المجاهدين- حسب قوله- في سوريا بتهريبهم عبر الحدود» وهناك لا يحتاج المصري للأموال فكل خدماته وما يحتاج إليه سيجده متاحاً ويتم في الفترة الأولي إخضاعه لعمليات تدريب قوية، ويتابع «محمد»: «السفر والانضمام إلي تنظيم (داعش) للشاب أقل من 20 سنة يكون أسهل حيث يسافر الشاب إلي تركيا دون تأشيرة ومنها إلي الحدود حيث يجري التنسيق مع أحد المجاهدين» حسب قوله وفي حالة وصوله يتم الاتصال به عن طريق «الفايبر» أو «الواتس آب» حتي لا تتم مراقبة الاتصال.
وبمتابعة «الوفد» لبعض المواقع الراعية للجهاد نجد هذا الشاب المصري علي أحد المواقع وهو يرمز لنفسه بحرفي (ي.م) وهو يروي قصة انضمامه وقتاله في صفوف تنظيم «داعش» قائلاً: «تركت منزلي الكائن في حي المعادي جنوب القاهرة للانضمام إلي تنظيم (داعش)». وأشار إلي انه تم التواصل معه عبر «الفيس بوك» وانه نجح قبل سفره إلي سوريا في إقناع ما يصل إلي (100) شاب بفكرة «الجهاد» ومنهم من سافر إلي العراق وسوريا وآخرون بقوا في مصر، لافتاً إلي أن الانضمام للتنظيم مباشرة ليس سهلاً إذ لا يسمح للمصري بالانخراط في صفوفه إلا بعد حصوله علي تزكية عناصر في «داعش» بعد تسجيل وجوده في احدي الكتائب التي تقاتل في سوريا تلك التي يصلها عن طريق تركيا.
والغريب الذي رصدته أجهزة الأمن المصري مؤخراً هو انضمام ضابط سابق يدعي «أحمد الدروي» إلي صفوف «داعش» رغم ان هذا الضابط سبق وكان مرشحاً للبرلمان في عهد «مرسي» وشارك في اعتصام «رابعة» ثم أصبح فيما بعد القائد العسكري لجماعة «جند الخلافة» باللاذقية ويترد الآن ان «الدروي» قتل اثر قيامه بعملية انتحارية خلال مشاركته القتال بـ«داعش»، وعمليات تجنيد الشباب عبر الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي باتت لخطورتها ظاهرة لافتة للنظر في الغرب خاصة أوروبا تلك التي بادرت دولها مؤخراً باتخاذ اجراءات أمنية عديدة لمحاصرة الجهاديين تبدأ بسحب جوازات سفرهم لمنعهم من السفر وسحب الجنسيات منهم وطردهم حال عودتهم من الجهاد وصولاً إلي فرض رقابة أمنية صارمة علي مواقع التواصل والرسائل الالكترونية لمحاصرة هؤلاء وملاحقتهم بأشد القوانين وأحكام السجن. في ظل هذا نجد أن الأن المصري بعيد تماماً عن مثل هذه الاجراءات وقد تم ترك المواقع ووسائط التواصل كالحبل علي الغارب ليسقط الشباب المصري فرائس لـ«داعش» وغير «داعش».
مجلس قومي عربي
يقول اللواء فؤاد علام- الخبير الأمني- لا شك أن هناك بعض الشباب المصري الذين تم تجنيدهم من قبل «داعش» وذلك بسبب
(مطلوب.. مشروع قومي)
يقول مختار نوح- القيادي الإخواني المنشق وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان: يجب أن نعترف، مصر ليس لديها مشروع قومي ضخم يمكن أن يلتف حوله الشباب أو عقيدة وطنية قوية منذ أيام جمال عبدالناصر والذي كان وحده قادراً علي خلق جيل مؤمن بالفكر الاشتراكي، وإذا نظرنا إلي «السادات» نجده لم ينجح في خلق مثل هذا المشروع فلم يكن يملك الأدوات التي تساعده علي تحقيق ذلك، كما أن «مبارك» كان ضعيفاً فكرياً وبالتالي كان وزراؤه في نفس مستوي ضعفه لذا تواجد الشباب في حالة من الفراغ الوطني.. النفسي.. العقائدي مما دفعهم للبحث عن «الإشباع النفسي» وعن الشيء الذي يمكن أن يشعرهم بأهميتهم وقد بدأت عمليات استقطاب الشباب منذ عام 1970 وكانت أكبر جماعة هي «التكفير والهجرة»، لكن لم يلتفت أحد لخطورتها ثم ظهرت «الجهاد».. وقد التف الكثيرون حولهم وعندما ظهر الإخوان انضم لهم عدد كبير من الشباب إيماناً منهم بأفكارهم في إصلاح المجتمع ونتيجة ما يعانيه الشباب من حالة «الفراغ» والتي أحذر من استمرارها حتي الآن، والمطلوب هو عمل مشروع قومي يلتف حوله الجميع.
(دور المؤسسات التعليمية)
ويقول الشيخ شوقي عبداللطيف- نائب وزير الأوقاف سابقاً- إذا أردنا معرفة أسباب انضمام الشباب لتلك الجماعات فيجب أن نشير إلي مسئولية الأسرة والتنشئة الاجتماعية فهي الأساس فقد تركنا أبناءنا دون رقابة، كما أن المؤسسة التعليمية أيضاً لها دور في توعية الأطفال ثم يأتي دور الجامعة أيضاً في عملية التثقيف، والمشكلة ان المادة الدينية في تلك المؤسسات خالية من المضمون الحقيقي للدين الإسلامي وتحتوي فقط علي القشور والمطلوب هو إعادة صياغة تلك المواد الدينية واعتبارها مادة رسوب ونجاح.
ومن ناحية أخري يجب الاهتمام بالمؤسسة الدينية التي تعاني من الانقسام والتشوهات بما فيها «الأزهر» خاصة بعد الثورة حيث لم يهتم الخطاب الديني للأسف بمعالجة القضايا التي ظهرت مؤخراً علي الساحة مثل التكفير والجماعات الجهادية مثل «داعش» ثم يأتي دور الإعلام المرئي والمسموع حيث ظهرت للأسف بعض النماذج المشوهة التي تناقش قضايا عقائدية بطريقة سطحية تسيء إلي الإسلام كانت هذه الأرض خصبة لدفع الشباب إلي براثن تلك الجماعات المتطرفة.