عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

محاكمة مبارك أمام المحكمة الجنائية الدولية

بوابة الوفد الإلكترونية

طالبت دراسة أعدها المستشار محمد صلاح أبورجب، الخبير فى القانون الجنائى الدولي، وحصل بها على درجة الدكتوراه بامتياز من كلية الحقوق جامعة عين شمس

حول ما شهدته المنطقة العربية من ثورات شعبية طالبت بالحرية أو احتجاجاً على سوء وتردى الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، أو تعبيراً عن المطالبة بتغيير نظام الحكم بإخضاع القادة المتورطين في جرائم ضد الإنسانية للقانون الدولى الذى يحكم بمعاقبتهم، إذا ثبت تورطهم سواء شفهياً أو كتابياً, خاصة أنها فتحت الباب أمام المجتمع الدولى للتدخل لمنع ارتكاب المزيد من المجازر ضد المدنيين العزل.
وأشارت الدراسة إلى أن الأمر لم يتطور فى مصر إلى هذا الحد كغيرها من الدول العربية، بل وقف الجيش إلى جانب الشعب ليحقن المزيد من دماء المصريين بعد أن سقط منهم قرابة الألف شهيد وأكثر من 6500 قتيل.
وقالت الدراسة: إن الثورات العربية أدت إلى أحداث جسام وتمخض عنها العديد من التساؤلات ذات البُعد القانوني، كما أثارت تلك الأحداث مسائل قانونية، خصوصاً فى ظل ما أحدثته من دوى هائل فى الأوساط الحقوقية، داخلياً ودولياً.
وأكدت الدراسة أن المسئولية الجنائية الدولية للقادة على درجة كبيرة من الأهمية خصوصاً فى الوقت الراهن الذى تتداول فيه أوساط دولية وعربية اتهامات للرئيس المصرى الأسبق محمد حسنى مبارك ووزير داخليته اللواء حبيب العادلى ومعاونيه، والرئيس السورى بشار الأسد وقادة الجيش السوري، والرئيس اليمنى على عبدالله صالح وعدد من مرءوسيه، ومن قبلهم العقيد الليبى الراحل معمر القذافى ونجله سيف الإسلام ومدير الاستخبارات الليبية عبدالله السنوسى بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، إثر قتل الثوار فى دولهم وتعذيبهم. 
وتعرضت الدراسة إلى الجرائم الجنائية الدولية المرتكبة من قبل الدولة أو الأفراد التى تمثل خطورة كبيرة على المجتمع الدولي، خصوصاً مع انتشارها بحكم سهولة الانتقال من بلد إلى آخر، واتخاذها أشكالاً متعددة، لاسيما جرائم الإرهاب التى تؤدى إلى إثارة الفزع والخوف فى نفوس المواطنين الأبرياء، لذا كان لابد من وجود قانون جنائى دولى يحدد الجرائم الدولية، ويبين المسئولية المترتبة على انتهاك قواعده والعقاب المصاحب لهذه المسئولية.
وتشير الدراسة إلى أن جريمة الإبادة الجماعية، تعد إحدى الجرائم شديدة الخطورة التى تثير قلق المجتمع الدولى بأسره لما تنطوى عليه من قسوة ووحشية، تستهدف القضاء الكلى أو الجزئى على جماعة عرقية أو وطنية أو دينية أو غيرها من الجماعات، وهى إحدى الجرائم التى يمكن محاكمة العديد من الرؤساء العرب عنها جراء ما ارتكبوه ضد الثوار كل فى دولته، كما يمكن محاكمة القادة الأمريكان بها جراء ما ارتكبوه من جرائم فى أفغانستان والعراق، والإسرائيليين جراء ما ارتكبوه من جرائم ضد الشعب الفلسطيني.
وأضاف «أبورجب» في دراسته أن هؤلاء القادة أو الرؤساء لا يرتكبون الجرائم بأنفسهم، بل هم الذين يأمرون أو يخططون أو يحرضون أو يسهمون بشكل أو بآخر فى ارتكابها، الأمر الذى يعنى أن القانون الجنائى الدولى يعرف نظام المسئولية الجنائية المباشرة للقادة بجميع صورها، أى سواء أكان هؤلاء القادة فاعلين أصليين «مباشرين»، أم فاعلين غير مباشرين ارتكبوا الجريمة عن طريق الغير، إما بأمر منهم أو تحريض، أو إسهام، أو مساعدة أو أى شكل آخر من أشكال الارتكاب.
ومضي «أبورجب» قائلاً: تتخذ المسئولية الجنائية الدولية المباشرة للقادة صوراً شتي، إذ يمكن مساءلة القادة أو الرؤساء جنائياً عن الجرائم الدولية التى يرتكبونها أو يأمرون بارتكابها سواء بإصدار أوامر مباشرة كتابية أم شفوية، ويمكن أيضاً تحميلهم المسئولية الجنائية عن الإسهام فى ارتكاب هذه الجرائم، أو تسهيل ارتكابها، أو المساعدة، أو التحريض عليها، كما يمكن ملاحقتهم قضائياً بسبب التخطيط لارتكاب تلك الجرائم أو التحريض عليها أو الاتفاق عليها أو مجرد الشروع فى ارتكابها، وهذه الصورة من المسئولية هى المتهم بها الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، حيث اتهمته النيابة العامة بأنه اشترك بطريق الاتفاق مع المتهم حبيب إبراهيم العادلى، وزير الداخلية وقتئذ والسابق إحالته للمحاكمة الجنائية بارتكاب جنايات الاشتراك فى قتل المتظاهرين عمداً مع سبق الإصرار المقترنة بها جنايات أخري، بأن عقدا العزم وبيتا النية على قتل عدد من المتظاهرين فى المظاهرات التى اندلعت فى عدد من المحافظات احتجاجاً على تردى الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية فى البلاد والمطالبة بإصلاحها عن طريق تنحيته عن رئاسة الدولة وإسقاط نظامه المتسبب فى تردى هذه الأوضاع، وسمح له باستخدام الأسلحة النارية والمركبات التى تعين قوات الشرطة على تنفيذ الجريمة.
وأشار الباحث إلي أن هناك صورة أخرى لمسئولية قادة رؤساء الدول وهى المسئولية الجنائية غير المباشرة التى لا توجد فى قوانين العقوبات الوطنية، وتتمثل هذه المسئولية فى مسئولية القادة عن الجرائم الدولية المرتكبة من قبل مرءوسيهم والقائمة على أساس تقصير القادة فى اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع أو معاقبة من يقوم بارتكاب هذه الجرائم، وهذه المسئولية هى التى لا يمكن أن يفلت منها الرئيس المصرى الأسبق محمد حسنى مبارك وأعوانه، حيث تتوافر كل شروطها فى حقهم، لذا أؤيد وبشدة محاكمة

الرئيس الأسبق أمام المحكمة الجنائية الدولية، لأن فرصة إفلاته من العقاب فى ظل القانون الوطنى واردة بعكس محاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية، ففرصة إدانته أمامها واردة وبقوة.
ويشير الباحث إلى أن الأوامر التى تصدر من القادة المدنيين أو العسكريين محكومة بإطار القانون الدولى الإنساني، فلا يجوز أن تخرج عن هذا الإطار، وإذا نفذ المرءوس أمر الرئيس، ووقعت الجريمة، بمقتضى هذا التنفيذ فإن الرئيس يعتبر مسئولاً عن ارتكابها بوصفه شريكاً، ولا يحول دون مسئولية الرئيس - إذا توافرت شروطها - أن يكون، وعلى المستوى الدولى لا يعفى الشخص من المسئولية الجنائية فى حالة ارتكابه لجريمة دولية، إذا كان ارتكابه لتلك الجريمة قد تم امتثالاً لأمر حكومة أو رئيس، عسكرياً كان أو مدنياً إلا إذا كان الشخص التزم قانونياً بإطاعة أوامر الحكومة أو الرئيس المعني، ولم يكن الشخص على علم بأن الأمر غير مشروع، أو لم تكن عدم مشروعية الأمر ظاهرة.
وأخيراً تعرضت الدراسة لمسئولية الثوار الذين قد يرتكبون جرائم فى حق السلطة الحاكمة أو فى حق الدولة عن طريق حرق منشآت الدولة أو قتل رجال من المؤسسات الأمنية فى الدولة، أو قتل أفراد من السكان المدنيين، فلا يسأل رؤساء وقادة الدول فحسب بل يسأل أيضاً الثوار عن جرائمهم، وقد أخذت بوجهة النظر هذه المحكمة الجنائية الدولية فى محاكمة الرئيس السودانى عمر البشير حيث لم تحاكمه هو ومسئوليه فحسب، بل إنهاً أيضاً تحاكم قادة حركة التمرد المعارضة للنظام السوداني.
وانتهت الدراسة بأن طالبت بضرورة النظر فى تطوير وتحديث التشريعات الوطنية الداخلية بشأن سياسات التجريم والعقاب، فى ضوء الأحداث الأخيرة فى عالمنا العربي، على النحو الذى حققته دول أخرى عديدة، وفقاً للالتزامات الواردة بالعديد من الاتفاقيات الدولية السارية مثل اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لعام 1984، والنظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية.
كما أوصت الدراسة بأن تكون هناك آليات للمحاسبة القوية والفعالة لظاهرة الإفلات من العقوبة سواء على المستوى الداخلى أم الدولي.
ويؤكد د. أبورجب أن استخدام أسلوب العنف والتنكيل لقمع المعارضين أو استهداف المتظاهرين بالتعدى يعكس سياسة بائدة ولت منذ زمن، ليس فقط فى الدولة المتقدمة، بل أيضاً فى دول العالم الثالث، وإن التعدى على المدنيين بالإيذاء والقتل والتعذيب فى ظل سياسة عامة منظمة يشكل جرائم جسيمة تخضع للمساءلة الجنائية على المستويين الوطنى والدولي، وإذا كانت نصوص التشريعات الجنائية الوطنية بوضعها الحالى تعجز عن ملاحقة مرتكبى الجرائم الجسيمة ضد أبناء الأمة العربية بوصفها جرائم ضد الإنسانية، فإننا لابد أن نعيد النظر فى التشريعات الجنائية القائمة فى العالم العربى لسد هذه الفجوة، وإلا تركنا الباب موارباً للتدخل الخارجي، وأن المشكلة تكمن فى أن التعويل على التشريعات الداخلية للتصدى للجرائم الجسيمة التى ترتكب وفقاً لتنظيم مدروس على نطاق واسع يؤدى إلى نتيجة شاذة، وهى أن المخططين أو المصممين لهذه النوعية من الجرائم - الذين يتحملون المسئولية الكبرى عنها - يمكن أن يفلتوا من العقاب، أو يحاسبوا فى نهاية الأمر كشركاء فيها، بينما يعتبر المنفذون لها سواء كانوا من الأفراد العاديين أم أقل الجنود درجة هم الفاعلين الأساسيين لها، ويطبق عليهم فقط العقاب، وهو أمر يأباه المنطق القانونى السليم.