رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المغزى السياسى من زيارة "السيسى" للسعودية

بوابة الوفد الإلكترونية

زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى للمملكة السعودية امتداد وتأكيد لحرص الدولتين على دعم التعاون السياسى والاستراتيجى بين البلدين، خاصة على الأصعدة الأمنية والاقتصادية، وذلك انطلاقاً من عقيدة استراتيجية قديمة وحديثة بأن كلاً من الدولتين تشكل عمقاً استراتيجياً للأخرى

وقد أرسى هذا المفهوم بشدة مؤسس المملكة السعودية الراحل الملك عبدالعزيز آل سعود عندما أوصى أبناءه بالحرص على العلاقة مع مصر ودعمها وتطويرها لكونها تشكل قلب العالم العربى ما فى شك فى ذلك، وهو ما انعكس فى سلوك الملك فيصل مع مصر بعد هزيمة 1967 عندما سارع فى مؤتمر القمة العربية بالخرطوم عقب الحرب إلى الدعوة لتعويض مصر عن دخل قناة السويس الذى فقدته بسبب غلق القناة وقيمته 20 مليون دولار، ودوره أيضاً إبان حرب أكتوبر 1973 عندها لم تقتصر مساعدات السعودية لمصر على الدعم المالى والاقتصادى، بل واستخدام المملكة السعودية لسلاح النفط ضد الدول الغربية المؤيدة لإسرائيل لإجبارها على الانسحاب من سيناء، وعندما قامت ثورة 30 يونية 2013 سارع الملك عبدالله إلى إعلان دعمه للنظام الجديد فى مصر الذى أطاح بجماعة الإخوان الإرهابية والتى تعانى المملكة أيضاً من إرهاب هذه الجماعة التى تسعى لتعميق ونشر نفوذها فى جميع الدول العربية، ومما يشكل تهديداً خطيراً لأمن وكيانات جميع الدول العربية بلا استثناء، وذلك لعدم اعتراف الإخوان فى معتقدهم الدنىء السياسى بالأوطان ولا الحدود بينها، ولا أيضاً بالقومية، وتستنكر الولاء والانتماء للوطن، وتستبدله بالولاء للجماعة.
ولم يقتصر دعم المملكة السعودية على إعلان الدعم السياسى لمصر فى مواجهة الإخوان، وهو ما أرفقته بإعلان تصنيف هذه الجماعة، إرهابية مثلما فعلت مصر، وحظر جميع أنشطتها فى السعودية، واتخذت إجراءات أمنية ضد هذه الجماعة وحلفائها ودعم خارطة الطريق، بل وساعدت أيضاً مصر فى تخطى عقبات اقتصادية صعبة كانت تواجهها عقب الإطاحة بنظام حكم الإخوان، أبرزها أزمة تآكل احتياطى العملة الحرة لأقل من 10 مليارات دولار، إلى جانب أزمة الوقود والغاز الخانقة التى كانت تؤرق المصريين، فقدمت السعودية ومعها دول الإمارات والبحرين والكويت منحاً مالية وشحنات وقود وغاز بما تزيد قيمتها على 20 مليار دولار، مما قفز باحتياطى العملة الحرة إلى حوالى 19 مليار دولار وحلت أزمة الوقود والغاز، بل وأيضاً وقفت السعودية فى مواجهة دول أمريكا وأوروبا عندما حاولت هذه الدول فرض عقوبات على مصر لقيامها بالقضاء على نظام حكم الإخوان، وهددت السعودية بأن مثل هذا الإجراء سيكون له عواقب خطيرة على علاقات هذه الدول بالسعودية، كذا أعربت السعودية عن استعدادها لتمويل أى صفقات أسلحة تعقدها مصر مع روسيا لتعويض قطع المساعدات الأمريكية عن مصر، كما دعا الملك عبدالله لعقد مؤتمر للدول المانحة لدعم اقتصاد مصر «مؤتمر أصدقاء مصر»، بل وحذر من لم يؤد واجبه فى هذا المؤتمر، فلن يجد من يساعده مستقبلاً إذا طلب المساعدة.
أهداف الزيارة
أعلن الرئيس السيسى حتى قبل انتخابه رئيساً لمصر أن أول زيارة له خارج مصر ستكون السعودية اعترافاً بفضلها فى الوقوف إلى جانب مصر إبان أزمة ما بعد ثورة 30 يونية فى مواجهة الإخوان وأعوانهم فى الداخل والخارج، إلا أن الملك عبدالله رغم ظروفه الصحية حرص على أن يبادر أثناء عودته من المغرب بزيارة مصر والتوقف فى مطار القاهرة فى 20 يونية الماضى، لتقديم التهنئة بشخصه للرئيس السيسى على انتخابه، وقد حرص السيسى على صعود الطائرة وعدم إرهاق الملك بالنزول منها إلى قاعدة المطار، وشكره على كل ما قدمه لمصر من دعم ومساندة، حيث جرت أول محادثات ثنائية بين الطرفين فى هذا اللقاء الأول، مع تنفيذ وعده بزيارة السعودية فى أقرب فرصة لإجراء مباحثات موسعة، وقد استمرت مباحثات الطائرة 40 دقيقة فى حضور وفدين من البلدين.
وتنبع أهمية الزيارة فى هذا التوقيت بالذات من اعتبارين:
الاعتبار الأول: خطورة الأوضاع التى تلم بدول العالم العربى فى غزة وليبيا والعراق وسوريا واليمن، وتأثيرها سلباً ليس فقط على الأمن القومى العربى فى بعده الإقليمى، ولكن أيضاً على أمن كل دولة عربية فى بعده القُطرى، ومنها مصر والسعودية.
الاعتبار الثانى: وحدة التهديدات والمخاطر الأمنية التى تتعرض لها كل من مصر والسعودية، سواء النابعة من الداخل أو القادمة من الخارج، وذلك فى المديين القريب والبعيد.
لذلك تأتى هذه الزيارة تتويجاً للاتصال والتشاور المستمر بين القائدين، وتبادل وجهات النظر فيما يتعلق بالمواجهة المشتركة لهذه المخاطر والتهديدات، والوصول إلى تنسيق مشترك ورؤية موحدة تجاه تلك القضايا، فضلاً عن تدعيم العلاقات الثنائية بين البلدين فى جميع المجالات.
وقد سبق أن وضع الملك عبدالله مع الرئيس السيسى خلال اتصالاتهما الثنائية قواعد وأسساً لإنقاذ الأمة العربية من حالة الاقتتال المسلح الداخلى الذى بدأ يضرب الدول العربية، ومواجهة رغبات الدول الغربية فى تفتيت المنطقة والانقضاض عليها لإعادة رسم خريطة المنطقة، والعمل سوياً لإحباط هذه المخططات الخبيثة، وتحقيق الأمن والاستقرار فى بلدان الأمة العربية، ووقف نزيف الدماء الذى يشكل خطراً داهماً على المنطقة بأسرها، والحفاظ على وحدة الأمة العربية وتماسكها ضد المخططات الخارجية التى تهدف لتقسيم المنطقة.
مخاطر وتهديدات موحدة تواجه البلدين
1 - مخاطر بعيدة المدى: تتمثل فى هدف الولايات المتحدة بسط سيطرتها وفرض نفوذها على دول المنطقة، لتكون ركيزة سياسية وأمنية واقتصادية لها فى صراعها الكونى المقبل مع أعدائها التقليديين روسيا والصين للسيطرة على مقدرات العالم، وذلك لما تتمتع به هذه المنطقة من ثروات اقتصادية ومزايا جيواستراتيجية مهمة تخدمها فى صراعها الكونى المقبل، أما التى وضعتها الإدارة الأمريكية لتحقيق هذا الهدف فتتمثل فى إضعاف دولها، خاصة الكبيرة منها مثل مصر والسعودية والعراق وسوريا، من خلال تقسيمها على أسس عرقية وطائفية ومذهبية، وبالتالى تقسيم جيوشها على هذه الأسس، وهو ما عبّر عنه الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش عام 2003، فيما أطلق عليه الشرق الأوسط الجديد، وتعكس خرائط التقسيم التى عرضها الخبير الاستراتيجى الأمريكى برنارد لويس وغيره من الخبراء الأمريكيين والإسرائيليين، أما أسلوب تنفيذ هذه الخطة فهو ما كشفت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس عام 2006، فيما أطلقت عليه الفوضى الخلاقة، بمعنى استغلال النزاعات السياسية والطائفية والعرقية المتواجدة داخل كل دولة عربية، فضلاً عن المشاكل الأمنية والاقتصادية والاجتماعية القائمة فى تضخيمها وإشعالها وتحويلها إلى فتن وصراعات مسلحة فيما يمكن الادعاء بأنها ثورات اجتماعية، وبما يقوض أمن واستقرار كل الدول العربية بإشاعة القتل والتخريب والعنف والإرهاب فى ربوعها، وبما يضعف جميع هذه الفرق والأحزاب والجماعات المتناحرة، ويفقد الدولة قوتها بتقسيم جيشها وإقحامه فى هذه الصراعات الداخلية، ومن سينجح من هذه الجماعات فى نهاية الصراع المسلح سيكون منهكاً وضعيفاً، وفى حاجة إلى الولايات المتحدة لتدعمه وتسانده فى إدارة الدولة، وعند ذلك يمكن لأمريكا أن تفرض نفوذها وسطوتها على مثل هذه الدولة، وتبقى فى النهاية الوسيلة التى يمكن أن تعتمد عليها أمريكا لتحقيق كل هذه الأهداف والخطط والأساليب وهو ما تمثل فى جماعة الإخوان وحلفائها من منظمات الإسلام السياسى، وجماعات وفرق وأحزاب ومنظمات اتخذت من الإرهاب والعنف أسلوباً لتحقيق أهدافها فى الاستيلاء على السلطة والوصول إلى الحكم فى البلدان العربية بعد الإطاحة بالأنظمة والحكومات القائمة، وهى من أجل تحقيق أهدافها هذه على استعداد لبيع نفسها للولايات المتحدة، وخدمة أهدافها وتحقيق خططها، مقابل ضمان استمرارها فى الحكم ولو على بقعة صغيرة من الأرض بعد تفتيت الدولة، وقد انعكس ذلك واضحاً فى الاتصالات واللقاءات التى جرت بين قيادات جماعة الإخوان وقيادات أمريكية فى الإدارة والكونجرس فى الولايات المتحدة وفى مصر، قبل وأثناء تولي الجماعة الحكم فى مصر، وحتى بعد سقوطها فى مصر، وتمثل فى استمرار دفاع إدارة أوباما عن الجماعة والمطالبة بإشراكها فى حكم مصر، وتقليص مساعداتها العسكرية والاقتصادية لمصر استجابة لمطالب جماعة الإخوان من أجل الضغط على النظام الجديد القائم فى مصر.
أ - مخطط تفتيت مصر: ينقسم إلى مرحلتين المرحلة الأولى قريبة، وتعنى باستقطاع 720 كم2 من شمال سيناء وضمها إلى قطاع غزة لإقامة ما يسمى «غزة الكبرى»، حيث تضاعف مساحة القطاع ثلاث مرات من 365 كم2 حالياً إلى 1085 كم2 على حساب شمال سيناء، حيث تشمل مناطق رفح، والشيخ زويد بمحاذاة ساحل البحر، وجنوباً حتى الرويسات وغرباً حتى شرق العريش، وعلى أن تأخذ مصر مساحة مساوية من صحراء النقب وعلى أن يتم ضم المنطقة الغربية إلى المملكة الأردنية، وبذلك يمكن تفريغ الصراع العربى - الإسرائيلى من فحواه، بعد إنهاء الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى.
وقد وافقت حكومة الإخوان خلال عام حكمها لمصر على تنفيذ هذا المخطط، بل وصل الأمر إلى إعطاء مرشد الجماعة وعداً لقيادة حماس، وهى فرع جماعة الإخوان فى قطاع غزة بتوطين الفلسطينيين فى شمال سيناء ومنح 50.000 فلسطينى الجنسية المصرية، هذا فضلاً عما سمح به نظام حكم الإخوان لحركة حماس بشق الأنفاق لتهريب الإرهابيين والأسلحة والبضائع والوقود إلى سيناء، وما طالبت به حماس أيضاً من إقامة منطقة حرة على جانبى الحدود لتساعدها على الانتشار فى شمال سيناء، أما المرحلة الثانية، فهى تهتم بتقسيم مصر إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول وهى مصر الإسلامية وتمتد فى منطقة الدلتا وجنوباً حتى المنيا وعاصمتها القاهرة، والقسم الثانى هو مصر القبطية وتمتد من غرب الدلتا حتى الحدود الغربية وجنوباً حتى أسيوط وعاصمتها الإسكندرية، أما القسم الثالث فهو دولة النوبة وتمتد من جنوب أسيوط وجزء من شمال السودان ليشمل نوبة السودان وعاصمتها أسوان، أما سيناء فتدخل تحت الاحتلال الإسرائيلى بما فى ذلك منطقة القناة بمدنها الثلاث.
ب - مخطط تفتيت السعودية: ويدخل فى إطار مخطط أمريكى أوسع لإشعال صراع مسلح بين ما تطلق عليه أمريكا دول «الهلال الشيعى» الذى يشمل إيران والمناطق التى تسكنها جماهير الشيعة فى بلدان الخليج، وهى المنطقة الشرقية من السعودية وباقى دول الخليج وهم شيعة العراق والكويت والإمارات وقطر والبحرين، وإدخالهم فيما يطلق عليه «دولة شيعة العرب»، يضاف إليهم شيعة لبنان والعلويون فى سوريا، أما الطرف الآخر للصراع فيضم الدول العربية السنية التى يطلق عليها المخطط الأمريكى «دول القوس السنى»، وتشمل العراق السنى والأردن والسعودية ومصر والسودان ودول المغرب الغربى، أما باقى أراضى المملكة السعودية الحالية فينزع منها المخطط منطقة «تبوك» فى شمال السعودية لتضم إلى الأردن الكبير، وأيضاً محافظات جنوب السعودية لضمها إلى شمال اليمن مع إنشاء ما يسمى «الدولة الإسلامية المقدسة» والتى تضم مكة والمدينة وجدة، أما باقى أراضى السعودية فتمثل المملكة السعودية وعاصمتها نجد.
2 - مخاطر قريبة ومتوسطة المدى: عبّر عن هذه المخاطر مؤخراً الملك عبدالله فى لقاء له عقد منذ أسبوع مع رجال الدين والدعوة فى السعودية، طالب خلاله قادة الأمة الإسلامية وعلماءها بأداء واجبهم والوقوف فى وجه من يحاولون اختطاف الإسلام وتقديمه للعالم بأنه دين التطرف والكراهية والإرهاب، وتحذيراته من فتن وجدت لها أرضاً خصبة فى عالمنا العربى والإسلامى، وسهل لها المغرضون الحاقدون على أمتنا كل أمر، حتى توهمت أنه اشتد عودها، وقويت شوكتها، فأخذت تعيث فى الأرض إرهاباً وفساداً، وأوغلت فى الباطل، وهو ما يعبر عن إدراك عميق لعاهل السعودية بخطورة الوضع فى المنطقة، والحالة المتدهورة للأمن الإقليمى لأكثر من سبب سواء فيما نشاهده فى العراق أو فلسطين أو ليبيا أو سوريا أو اليمن أو لبنان، وغيرها من البلدان العربية، وهو ما يفرض مناقشته بين زعيمى الدولتين مصر والسعودية بكل تعقيداته المذهبية والطائفية والأمنية وما تواجهه الدول العربية من تهديدات ومخاطر ومكافحة الإرهاب بما فى ذلك مقترح الملك عبدالله بإنشاء مركز دولى لمكافحة الإرهاب المتفشى فى معظم الدول العربية، وبناء ركائز جديدة للأمن القومى العربى فى بعده الإقليمى.
وتتعدد الملفات التى سيناقشها الجانبان، فبجانب الملفات المتعلقة بالأزمات القائمة فى ليبيا وغزة والعراق وسوريا واليمن والبحرين إلى جانب ملف الإرهاب، والتهديد الذى تمثله داعش لكل الأمة العربية، خاصة بعد أن أعلنت هدفها التالى بعد العراق وسوريا يتمثل فى الكويت، كما أعلنت عن وجودها فى مصر ومبايعة أنصار بيت المقدس لزعيم داعش، ونواياها لاقتحام السجون المصرية، هذا إلى جانب التهديد الإيرانى لدول منطقة الخليج بعد أن سيطرت إيران تماماً على جنوب العراق، وأصبحت توجه تهديداً مباشراً للبحرين، وتعمل من خلال عملائها على التسلل إلى باقى دول الخليج لتخريبها من الداخل باستغلال جماهير الشيعة فيها، إلى جانب التهديد الذى برز من جانب تحالف قطر وتركيا والتنظيم الدولى للإخوان لتهديد مصر ودول الخليج المتعاونة معها، وانعكس فى تصدير عوامل العنف والفوضى والاضطراب إلى داخل هذه الدول، وما تلقاه جماعة الإخوان من دعم مادى من جهات تابعة لها فى دول الخليج، وسعى قطر لتنفيذ المخطط الأمريكى لإثارة الفوضى فى الدول العربية من خلال تمويل المنظمات المتطرفة والإرهابية ومهاجمة الحكومات القائمة إعلامياً من خلال قناة الجزيرة، مما أدى إلى سحب دول الخليج سفراءها من قطر.
والتقارب المصرى السعودى ليس بغريب ولا بجديد على الدولتين فبجانب البعد التاريخى المشار إليه آنفاً، فإن هناك إيماناً منهما بأهمية حماية الأمن القومى العربى، والأمن يبدأ من مصر التى إن تضررت يتضرر معها الوطن العربى بأسره، كما أن مصر والسعودية تدركان أن تكاملهما وتعاونهما قادر بشكل كبير على حماية الأمن القومى العربى، وذلك بالنظر لتطابق رؤيتهما لما يحدث من متغيرات فى منطقة الشرق الأوسط.
فالسعودية إدراكاً منها بخطورة الأطماع الإيرانية فى بسط هيمنتها على كل منطقة الخليج، خاصة الأماكن المقدسة فى مكة والمدينة، والادعاء بزعامتها للعالم الإسلامى، واعتماد إيران فى ذلك على جماهير الشيعة المنتشرة فى بلدان الخليج، بدءاً بدولة البحرين لذلك قامت السعودية بإدخال قواتها هناك لإنقاذ البحرين من السقوط فى براثن إيران، وذلك فى إطار قوات درع الجزيرة واتفاقية الدفاع المشترك لدول مجلس التعاون الخليجى، لإعادة الأمن والانضباط إليها، وللرد على محاولات إيران لإثارة الحوثيين ضد حكومة اليمن، واستيلائهم على شمال اليمن وإقامة دويلة منفصلة فيه يتم منها تصدير الإرهاب إلى جنوب السعودية كما حدث منذ ثلاثة أعوام، مما اضطر السعودية إلى التدخل عسكرياً لضع حد لهذا التدخل حفاظاً على وحدة أراضيها، وسعى السعودية بعد ذلك إلى تنفيذ انتقال سلمى للسلطة فى اليمن

من عبدالله صالح إلى قوى المعارضة هناك، وحتى لا تقع حرب أهلية هناك تؤثر بشكل مباشر على دول الجوار، فضلاً عن الموقف السعودى الرافض استمرار احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث عند مضيق هرمز بالخليج، كل هذه المخاطر زادت بظهور داعش التى بعد أن استولت على شمال وشرق سوريا زحفت على غرب العراق واستولت على الموصل، وبدأت تهدد كردستان العراق وتحاصر بغداد، وأعلنت زعيمها خليفة للمسلمين، وطالبت الجميع بمبايعته، بل وكشفت عن نواياها الخبيثة فى تغيير بعض آيات القرآن الكريم وهدم الكعبة، وهو ما يشكل تهديداً خطيراً للإسلام ذاته، ناهيك بالطبع عما تعانيه السعودية من محاولات تسلل إرهابيين تابعين لتنظيم القاعدة إلى داخل أراضيها، رغم نجاح قوى الأمن هناك فى ضرب وإجهاض هذه المحاولات، فعلى حدود السعودية مع العراق أطلق ما يسمى جيش المختار العراقى قذائف هاون على الأراضى السعودية، أما على الحدود الجنوبية للسعودية مع اليمن فقد ألقت السلطات الحدودية فى السعودية القبض على 62000 متسلل فى العشرة أشهر الأخيرة، حيث يصل معدل التسلل اليومى من 400 إلى 600 ويقبض عليهم، كما وقعت عدة حوادث إطلاق نار من الأراضى اليمنية تجاه الأراضى السعودية إلى جانب إلقاء القبض على عناصر إرهابية تحاول التسلل عبر منفذ الوديعة وقتل عدد منهم.
أما بالنسبة لمصر فإنها أيضاً تعانى صراعات حادة على حدودها سواء من الشرق من جانب حماس فى قطاع غزة أو من الغرب من جانب جماعة إخوان ليبيا وحلفائها، أو من الجنوب حيث نظام البشير فى السودان، وهو أيضاً جزء من نظام الإخوان، فضلاً عما تواجهه مصر من أعمال إرهابية فى الداخل بفعل جماعة الإخوان وحلفائها وتنظيم بيت المقدس وغيره، ومحاولات تصدير الإرهاب الأسود إلى أراضيها وتهريب المسلحين من سوريا واليمن والعراق إلى الداخل، فضلاً عن تهريب الأسلحة والذخائر والأموال، وبما يعرض الأمن والاستقرار السياسى والاجتماعى والاقتصادى للخطر.
إذن من الواضح أن الحالتين المصرية والسعودية متطابقتان تماماً تجاه التهديدات التى تواجههما من إرهاب واشتعال المناطق الحدودية، لذلك فإدراكهما لكل تلك التهديدات وحدّت فكرهما الاستراتيجى لمواجهتها، والاعتماد على قدراتهما الذاتية والعربية، مع رفض تدخل أطراف دولية فى شئونهما الداخلية، أو ممارسة ضغوط عليهما.
والمتابع للأحداث المتلاحقة فى الأسابيع القليلة الماضية، سيجد أن زيارة الرئيس السيسى للسعودية ليست فقط مجرد زيارة شكر أو مجاملة أو بروتوكولية، بل تأتى فى ظروف إقليمية شديدة الخطورة أبرزها قرار الرئيس الأمريكى أوباما بشن هجمات جوية ضد مواقع داعش فى شمال العراق والتقارب الأمريكى الإيرانى والذى قد يتوج بالاتفاق فى جنيف على تسوية الملف النووى الإيرانى، الأمر الذى قد يكون له آثار سلبية على الأمن القومى العربى مستقبلاً، لذلك فإن السؤال المطروح عربياً هو إذا كانت إيران تفعل كل ذلك وهى ليست بعد دولة نووية، فماذا سيكون عليه حالها من التدخل ضد العالم العربى، وتهديده بعد أن تتحول إلى دولة نووية؟!، أما على الصعيد الإقليمى فتبرز على السطح تعرقل محادثات الهدنة فى القاهرة لوقف إطلاق النار فى غزة واستمرار التهديد الإسرائيلى لها، وتفاقم حالة الفوضى المخيفة فى ليبيا، وآثارها السلبية على مصر وتونس والجزائر، إلى جانب تدهور الوضع الأمنى فى شمال لبنان باقتحام عناصر إرهابية مدينة عرسال هناك وأسر عدد من رجال الأمن وتدخل الجيش اللبنانى لإعادة السيطرة على المدينة، ناهيك عن فشل القوى السياسية فى الاتفاق على رئيس جمهورية البلاد، ما أدى إلى أن هذا المنصب الرئيسى والحساس صار شاغراً منذ عدة شهور مضت، الأمر الذى دفع الرئيس سعد الحريرى للعودة إلى بيروت بعد غياب طويل، عقب دعم سعودى قوى بمبلغ مليار دولار لدعم الجيش اللبنانى فى مواجهته للإرهاب وكلها تطورات ترسم صورة سيئة لما تعانيه المنطقة العربية من فوضى وارتباك بفعل مؤامرات داخلية وخارجية لا يمكن لمصر والسعودية إلا مواجهتها بكل حزم وحسم باعتبارهما القوتين الفاعلتين الوحيدتين فى المنطقة، والقادرتين على مواجهة المخططات التآمرية التى تستهدف تدمير المنطقة، ومن هنا برزت حتمية التعاون الاستراتيجى بين البلدين، والذى قد يتطور إلى تحالف استراتيجى عربى متعدد الأقطاب تشارك فيه دول عربية أخرى مثل الإمارات والبحرين والكويت، لذلك لم يكن غريباً أن تثير زيارة الرئيس السيسى للسعودية هاجساً سياسياً لدى قوى إقليمية ودولية ومحلية لا تريد خيراً لهذا الأمة، فى مقدمتها قطر وتركيا والولايات المتحدة ناهيك عن حماس والسودان.
أبعاد التحالف الاستراتيجى المتوقع
لم يكن تصريح الرئيس السيسى قبل توليه الرئاسة حول استعداد مصر لتلبية أى نداء من جانب السعودية أو الإمارات أو غيرهما من دول الخليج، لمساندتها عسكرياً لمواجهة ما قد تتعرض له من مخاطر وتهديدات فى المستقبل، وأن زمن الاستجابة المصرية لمثل هذا النداء هو مسافة السكة، لم يكن هذا التصريح من قبيل المجاملة أو الدعاية السياسية، ولكن له واقع نابع من إدراك واعٍ أن أى تهديد لأمن دول الخليج هو تهديد لأمن مصر يفرض عليه التدخل لدفعه، كما حدث فى دفع العدوان العراقى على الكويت عام 1991، بل وإجهاضه قبل أن يقع.
وهذا الاستعداد المصرى للتدخل فى الخليج، استجابة لطلب حكوماتها لا يأتى من فراغ، فله ترتيبات أمنية سابقة ولاحقة تمثلت فى التعاون الاستخباراتى فى مجال تبادل المعلومات حول التهديدات القائمة والمحتملة سواء داخلية أو خارجية وتدريبات مشتركة جوية وبرية وبحرية تمت فعلاً بين قوات مصرية وأخرى خليجية، وتصور مشترك لشكل مسرح العمليات المستقبلى فى الخليج، وما يتوقع أن يكون فيه من عدائيات محلية تحظى بدعم دولى وأحجام قواتها ونواياها العدائية، ثم وضع خطط عملياتية دفاعية وهجومية لإجهاض المخططات العدائية ودفعها إذا ما وقعت، وهو ما يفرض إعداد مسرح العمليات لاستقبال قوات مصرية، ووسائل نقلها وإعاشتها وتدريبها على طبيعة القتال فى المسرح الجديد، وتحديد طبيعة المهام القتالية التى ستكلف بها فى إطار المهمة القتالية العامة للقوات المشتركة، فضلاً عن ترتيبات القيادة والسيطرة والأمن القتالى.. إلخ.
كل هذا يستدعى أن تبرم اتفاقية تحالف استراتيجى مشترك بين مصر والدول الخليجية التى تسعى للحصول على مساعدة مصر عسكرياً فى حال تعرضها لتهديدات خارجية أو داخلية، وإجراء تمهيد سياسى لهذا التحالف يبرز أهميته بالنسبة لدول وشعوب المنطقة والحاجة إليه بالنظر لما يتهدد هذه الدول من عدوانات داخلية وخارجية مشتركة ويضع الأسس السياسية والاستراتيجية العسكرية المشتركة فيما يتعلق بأحجام القوات وتسليحها وتدريبها وقياداتها ومناطق انتشارها وإعاشتها وتمويلها.. إلخ.
إن إرساء قواعد تحالف استراتيجى مصرى - خليجى بعيداً عن الحديث عن المساعدات والمنح لمواجهة الأخطار الإقليمية التى تواجه دول الشرق الأوسط إنما يعد ترجمة واقعية مباشرة للتغيير الذى حدث فى القرار السياسى المصرى الخارجى اتجاهاً لدول منطقة الخليج العربى من جهة وإلى دول حوض نهر النيل والقارة الأفريقية، وأيضاً إلى دول المغرب العربى من جهة أخرى، وهو ما عبرت عنه زيارة الرئيس السيسى للجزائر أخيراً، وانعكاساً لتوجه شعبى عربى مطلوب نحو ضرورة حدوث تكاتف عربى حقيقى لتوجيه ضربة قاصمة لتنظيم داعش الذى يشكل تهديداً داهماً لجميع دول المنطقة، ويعتبر الهدف المباشر لأى تحالف مصرى - خليجى، وبعد ما ثبت من أن مصر والسعودية هما جناحا الأمة العربية، وبتعاونهما تستطيعان أن تمرا بها إلى بر الأمان فى ظل الظروف الخطيرة المحيطة بها حالياً ومستقبلاً.
العلاقات المصرية - السعودية الثنائية
تشهد العلاقات الثنائية المصرية - السعودية تقدماً كبيراً بعد ثورة 30 يونية فى جميع المجالات، خاصة فى المجال الاقتصادى، حيث تمثل السعودية أكبر شريك تجارى عربى لمصر، واستثماراتها هى الأكبر عربياً فبجانب ما قدمته السعودية لمصر من منح لا ترد سواء نقدية أو فى شكل شحنات بترول وغاز، فإن ما أعلنه الملك عبدالله حول دعوته لمؤتمر لأصدقاء مصر (المانحين فى السابق) لتقديم كل ما تحتاجه مصر من دعم اقتصادى فى شكل منح وقروض سهلة، واستثمارات مشتركة فى مشروعاتها التنموية والخدماتية، يعتبر علامة مهمة على طريق العلاقات الثنائية بين البلدين، لذلك من المتوقع أن يحظى الترتيب لهذا المؤتمر، بحيز مهم فى محادثات القائدين السعودى والمصرى، بالنظر للتوقعات المتفائلة بنتائج، حيث يقدر الخبراء إمكان حصول مصر على مساعدات تنموية تصل فى إجماليها إلى حوالى ستين مليار دولار، والأمر الذى يتطلب إجراء ترتيبات جادة ودقيقة لإنجاحه أبرزها تقديم قائمة بالمشروعات التنموية والخدماتية التى تحتاجها مصر والجدوى الاقتصادية لكل منها، حتى تكون جاهزة أمام المشاركين فى هذا المؤتمر، لذلك يتوقع أن يعقد هذا المؤتمر فى شهر نوفمبر المقبل، أو بداية عام 2015، وسيكون مجالاً لجذب استثمارات عربية ودولية، وتشجيعها على ضخ المزيد من رؤوس الأموال بالسوق المصرية، وبجانب توقع حضور مستثمرين سعوديين لطرح رؤاهم ومشروعاتهم فى مصر خلال المرحلة المقبلة، فيتوقع أن يحضر أيضاً عدد من الشركات السعودية العاملة فى مجال البورصة والبنوك، ومن حسن الحظ أن يعقد هذا المؤتمر عقب الإعلان عن مشروعى حفر قناة السويس الثانية، وتنمية محور القناة وكلاهما يعدان انطلاقة حقيقية للاقتصاد المصرى.
كذلك يتوقع فى إطار التعاون الاقتصادى الثنائى بين البلدين أن يبحثا مشروعين لهما أهمية خاصة، الأول يتعلق بإنشاء محور برى يمتد فوق خليج العقبة يربط بين البلدين، ويفيد كثيراً فى تيسير سفر المصريين للحج والعمرة، فضلاً عن تسهيل التبادل التجارى بين البلدين، وربط مصر بجميع دول الخليج براً، وأيضاً مشروع الربط بين شبكتى الكهرباء فى مصر والسعودية، لاسيما فى ظل ما تواجهه مصر من أزمة انقطاع الكهرباء حالياً.