عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

9 مليارات جنيه فقط حققها صندوق "تحيا مصر"

بوابة الوفد الإلكترونية

«هتدفعوا.. هتدفعوا» كلمة قالها الرئيس عبدالفتاح السيسي مازحاً موجهاً حديثه للمقتدرين ورجال الأعمال المصريين في خطابه أثناء افتتاح مشروع تطوير قناة السويس، وجاء حديث الرئيس كإشارة واضحة لهؤلاء بأن مصر في حاجة لدعمهم اليوم بعد أن حصلوا منها علي الكثير خلال السنوات الماضية وقد جاء اليوم ليردوا لها الجميل.

ورغم أن تبرعات رجال الأعمال والمصريين لم تكن بالقدر الكافي خلال السنوات الماضية إلا بعض المشروعات التي شاركوا فيها لأغراض خاصة في نفوسهم إلا أن الرئيس السيسي يعول هذه المرة علي الحس الوطني لهؤلاء لانجاز طفرة اقتصادية حقيقية في مصر سواء من خلال صندوق دعم الاقتصاد المصري الذي أطلق عليه اسم صندوق «تحيا مصر» أو من خلال مشروع قناة السويس الجديدة الذي سيعتمد في جزء كبير من تمويله علي مساهمات المصريين فهل يخذل رجال الأعمال الوطن كما كانوا يفعلون دائماً؟ أم يكون لهم موقف آخر، وهل تمتلك الدولة وسائل أخري لتمويل نهضتها الاقتصادية بدلاً من الاعتماد علي حصان رجال الأعمال غير المضمون وصوله لنهاية سباق انقاذ الوطن؟
منذ تدشين صندوق «تحيا مصر» لدعم الاقتصاد المصري عقب تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي مهام منصبه في شهر يوليو الماضي توقع الجميع أن الأموال ستنهال علي هذا الصندوق من كل حدب وصوب خاصة من رجال الأعمال الذين حصدوا الملايين بل والمليارات خلال السنوات الماضية إلا أن ما حدث كان عكس المتوقع ففي حين أعلن عدد من رجال الأعمال عن تبرعهم بمبالغ مالية لهذا الصندوق خاصة بعد أن أعلن الرئيس السيسي تبرعه بنصف دخله ونصف ثروته للصندوق إلا أن هذه التبرعات لم تكن علي قدر المتوقع بل إن هناك رجال أعمال أحجموا تماماً عن التبرع للصندوق وهو ما دفع بعض النشطاء إلي تكوين عدة ائتلافات لدعم الصندوق هددت بنشر قائمة سوداء بأسماء رجال الأعمال الذين لم يقدموا شيئاً. وكان الرئيس السيسي يهدف إلي جمع 100 مليار جنيه من خلال هذا الصندوق وأكد السفير إيهاب بدوي المتحدث باسم رئاسة الجمهورية بعدها انه سيتم توجيه أموال الصندوق لتحقيق تنمية حقيقية تضيف للاقتصاد المصري تتضمن اعادة تشغيل العديد من الاستثمارات المتوقعة واقامة مشروعات وطنية جديدة لدفع عجلة الاقتصاد المصري بالاضافة إلي تطوير المناطق العشوائية والفقيرة ومكافحة ظاهرة أطفال الشوارع.
9 مليارات جنيه.
وتشير الأرقام إلي أن حجم الأموال الموجودة بالصندوق حتي الآن يصل إلي 9 مليارات جنيه حصيلة تبرعات «السيسي» وعدد من رجال الأعمال المصريين وإذا قورن هذا الرقم بالرقم المستهدف وهو 100 مليار جنيه فإن هذا لا يساوي سوي 9٪ من المستهدف ومن ثم خرج علينا الرئيس السيسي في خطابه إبان افتتاح مشروع تطوير القناة مخاطباً المقتدرين ورجال الأعمال قائلاً: «هتدفعوا يعني هتدفعوا.. لأن البلد أعطتكم الكثير»، مؤكداً ان الصندوق بحاجة إلي 100 مليار جنيه وأن مصر لن تقوم إلا بجهود المصريين، وقال الرئيس «مصر أعطت القادرين من أبنائها الكثير.. هتدفعوا لصندوق تحيا مصر يعني هتدفعوا لأن البلد أعطتكم الكثير».
وفي إشارة واضحة إلي أن هذه التبرعات ستكون لصالح مصر ولن يكون لها مقابل قال «السيسي»: «بقول هتدفع يعني هتدفع.. خلي بالك يعني إيه صندوق أنا أشرف عليه يعني لو خدت جنيه مني يبقي لك الكلام».
جدير بالذكر ان تبرعات رجال الأعمال في الفترة السابقة كانت دائماً تحمل أغراضاً أخري فقد تبرع هؤلاء لمشروع إسكان المستقبل الذي كفلته سوزان مبارك في تسعينيات القرن الماضي والهدف لم يكن حق المصريين في السكن طبعاً ولكن الحصول علي مزايا والتقرب من السيدة التي كانت تحكم مصر من وراء ستار، وبالفعل حصل هؤلاء المتبرعون في المقابل علي أراضٍ وامتيازات لم يكونوا يحلمون بها كما تسابق هؤلاء وغيرهم في التبرع لمستشفي سرطان الأطفال الذي كانت تشرف عليه سوزان مبارك لنفس الأغراض واستمر المستشفي يحصل علي تبرعات تنقذ حياة الأطفال الموجودين به حتي الآن، كما تبرع رجال الأعمال لمشروع «مبارك» للإسكان القومي لإرضاء الرجل الذي يحمل المشروع اسمه في حين اكتفي عدد منهم ببعض المشروعات الخيرية التي تخدم دوائرهم الانتخابية لضمان مقعد البرلمان في حين لم تشهد مصر قيام مشروعات تنموية لتشغيل العاطلين اعتماداً علي هذه التبرعات وتناسي رجال الأعمال دورهم الاجتماعي في خلق فرص عمل ومشروعات تنموية للاقتصاد لذا استمرت مشكلات العشوائيات والفقر والبطالة.
قائمة سوداء
ولما كان الرئيس السيسي يعلم هذا جيداً فقد أكد في خطابه علي أن أحداً لن يأخذ منه شيئاً مقابل تبرعه ولأنهم يعلمون هذا جيداً فقد أحجم عدد منهم عن التبرع ومن ثم قام بعض شباب الأحزاب والائتلافات بتدشين حملة «القائمة السوداء لرجال الأعمال.. صرخة وطن» وقاموا باعلان أسماء عدد من رجال الأعمال الذين رفضوا التبرع لصندوق «تحيا مصر» وعلي رأسهم محمد أبوالعينين وعائلة السويدي وياسين منصور وأحمد الوكيل رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، وحسين صبور وعلاء عرفة رئيس مجموعة العرفة جروب. وأكد المسئولون عن الحملة أن هدفهم توصيل المعلومات للمواطنين المصريين وتعريفهم برجال الأعمال الذين وقفوا بجانب البلد مقارنة برجال الأعمال الذين امتنعوا عن التبرع لصالح الصندوق، وأكدوا ان الهدف من الحملة ليس إرهاب رجال الأعمال والضغط عليهم ولكن توضيح مواقفهم لكي يقوموا برد الجميل للبلد الذي منحهم فرصاً استثمارية كبري.
من ناحية أخري بدأت عدة جهات في ممارسة ضغوطها علي الدولة للحصول علي مكاسب مقابل التبرع لصندوق تحيا مصر، حيث قدمت جمعية المضارين من قانون الإيجارات القديمة خطة للخروج بالاقتصاد المصري من نفق الأزمة ودعم صندوق تحيا مصر وذلك بالغاء قانون الايجارات القديمة وانشاء صندوق لدعم إسكان الفقراء مقابل أن يقوم الملاك بالتبرع لصالح صندوق تحيا مصر بمبلغ يتراوح بين 80 إلي 100 مليار جنيه خاصة أن الوحدات التي تخضع لهذا القانون يتراوح عددها بين 8 إلي 10 ملايين وحدة سكنية وبعد أن يتم تحريرها يتبرع ملاكها فوراً لدعم صندوق تحيا مصر بمبلغ 5 آلاف جنيه عن كل شقة في المناطق الشعبية و10 آلاف في المناطق الراقية والمحلات في المناطق الشعبية يتبرع ملاكها بـ15 ألف جنيه وفي المناطق الراقية بـ25 ألف جنيه لتتراوح الحصيلة بين 80 إلي 100 مليار جنيه. وطالبت الجمعية باصدار قرار جمهوري بالغاء كافة القوانين الايجارية الاستثنائية رقم 49 لسنة 77 و36 لسنة 81 و6 لسنة 1977 والعمل بالقانون رقم 4 لسنة 1996 والغاء جميع عقود الايجارات المحددة بالقوانين الملغاة علي ألا يقوم الملاك بالتبرع لصالح الصندوق إلا بعد تسليم الوحدة المستأجرة أو المشغولة طبقاً للقوانين الملغاة وتسليمها خالية ونهائياً لملاكها بموجب محضر تسليم من النيابة المختصة وبقسم الشرطة ولم تحدد الجمعية عقوبات واضحة لمن يمتنع من الملاك عن سداد التبرع!
قناعة خاصة
الضغوط التي يحاول بعض المقتدرين ورجال الأعمال ممارستها علي الدولة للتبرع لصالح الصندوق جعلت الدكتور صلاح الدسوقي الخبير الاقتصادي ومدير المركز العربي للدراسات الإنمائية يؤكد علي انه يجب ألا تعول الدولة علي تبرعات رجال الأعمال والمقتدرين للقيام بنهضتها الاقتصادية، فالدور الاجتماعي لرجال الأعمال لابد أن ينبع من قناعتهم الخاصة بأن قيامهم بهذا الدور واجب وطني يحميهم ويحمي الوطن من ظهور اضطرابات

اجتماعية ناتجة من انتشار الفقر والبطالة وانعدام الخدمات وهذه الاضطرابات تهدد الأغنياء في المقام الأول ولكن التجارب أثبتت أن هذه الفكرة فاسدة ولا تقوم علي أساس واقعي فلم يثبت خلال الأعوام الماضية أن رجال الأعمال قاموا بدور في تنمية المجتمعات، فهذا دور الدولة باعتبارها القاطرة التي تقود عملية التنمية. ومن هنا حتي الدول الرأسمالية ذاتها وجدت لها أدوات تمكنها من القيام بهذا الدور منها الضرائب التصاعدية التي تصل في بعض الدول إلي 45٪ مثل أمريكا وفي دول أخري تصل إلي 60٪ من الدخل دون اتهام لهذه النظم بتعطيل آليات السوق، وأضاف: أنا مع مناشدة رجال الأعمال بالتبرع ولكن هذا لن يكون وسيلة حقيقية لتوفير الأموال اللازمة لتحقيق النهضة الاقتصادية ومن هنا لابد أن تسعي الدولة لتوفيرها من خلال الضرائب التصاعدية واسترداد الأموال المنهوبة والتي تقدر بالمليارات، فعلي الدولة أن تتخذ موقفاً تجاه هذه الأموال التي تم تهريبها للخارج وإعادتها بالاضافة إلي مواجهة الفساد الذي يؤدي إلي ضياع الكثير من الأموال علي الدولة خاصة الفساد في تخصيص الأراضي للمحاسيب والمقربين بأسعار رمزية ثم يقومون بتسقيعها وبيعها بالمليارات بعد ذلك فعلي الدولة استرداد هذه الأراضي واعادة بيعها بالمزاد العلني لمن يدفع أعلي سعر فهذا سيوفر للدولة مليارات الجنيهات التي يمكن استخدامها في مشروعات تنموية تفيد المواطنين، كما يجب الاستفادة من منتجات المناجم والمحاجر التي تباع بأبخس الأسعار وبعضها يباع بأسعار عام 1954 حتي الآن، فعلي الدولة أن تبسط سيطرتها علي مواردها الطبيعية واعادة النظر في أسعارها.
وأكد علي ضرورة اعادة الحياة للقطاع العام الذي تم تدميره واعادة الحياة للمشروعات المتعثرة فهذا سيدر موارد هائلة للدولة بدلاً من التبرعات التي ينتظر أصحابها المقابل دائماً.
إجراءات أخري
ويتفق مع هذا الرأي الدكتور فتحي مصيلحي أستاذ التنمية البشرية بالمعهد القومي للتخطيط مشيراً إلي انه لا يمكن التعويل علي التبرعات وحدها لاقامة المشروعات التنموية الكبري خاصة ان هذا التبرع يؤدي إلي الخصم من الضرائب المقررة للدولة وبالتالي تقل موارد الدولة، لذلك لابد من وجود اجراءات أخري تقوم بها الدولة لتوفير الأموال اللازمة لتحقيق النهضة الاقتصادية، ومن هذه الاجراءات اعادة النظر في القيمة المحددة للكيلو متر المربع من المناطق الصحراوية فيما يتعلق بشأن التعدين والبحث عن الثروات الطبيعية خاصة ان مدخلات هذا البند تقدر بـ28 مليون جنيه فقط في حين انه يمكن مضاعفتها عشرات المرات إذا تم اعادة النظر في هذه التسعيرة، كما يجب اعادة النظر في أسعار الأصول الرأسمالية كالأراضي التي تم توزيعها علي بعض رجال الأعمال بقيمة متدنية جداً ثم قاموا بتغيير الغرض من شرائها وتحويلها من أراضٍ زراعية إلي منتجعات سكنية مما أدي إلي اهدار قيمة الأرض ولم تحصل الدولة علي قيمتها الحقيقية مع ضرورة اعادة تنظيم موارد الدولة وتوجيهها للمشروعات التنموية بالاضافة إلي تنظيم الاقتصاد الموازي وضمه إلي منظومة الاقتصاد المصري وتحصيل ضرائب عنه. وأضاف أن رجال الأعمال الذين اعتادوا الاستفادة من الدولة طوال الأعوام الماضية بكافة الوسائل واستفادوا من سياسات الدعم والاعفاءات الضريبية طويلة المدي لن يتغيروا اليوم فجأة ويقرروا التنازل عن مكتسباتهم لصالح البلاد أو التبرع بما يملكون لذلك يجب ألا نعول عليهم كثيراً بل علي الدولة أن تقوم بدورها في تنظيم مواردها واعادة توجيهها لصالح المشروعات التي تحقق تنمية حقيقية مع ضرورة القضاء علي البيروقراطية والفساد الإداري الذي يفسد كل شيء.
في حب مصر
رجال أعمال كثيرون منهم من حقق ثروات طائلة ومنهم من حقق المال والسلطة والنفوذ معاً، جميعهم استفادوا من هذا الوطن بعضهم أفادوه بالفعل وبعضهم لم يقدم له أي شيء واليوم الوطن في حاجة إلي هؤلاء وإلي كل المقتدرين من أبنائه، فمصر علي شفا حفرة من الجحيم إذا لم تقم بها مشروعات تنموية حقيقية تنهض بها اقتصادياً وتنقذ مواطنيها من الفقر ويكفي أن نذكر أن أمريكا حامية الرأسمالية في العالم حينما قررت في خمسينيات القرن الماضي عمل مشروع تأمين صحي شامل طرحت أسهمه بدولار واحد ليشارك فيه جميع مواطنيها وهو ما تحاول مصر فعله الآن ومن هنا يطالب محبو «بدراوي» رئيس اللجنة الاقتصادية بالوفد المصريين جميعاً بالتبرع لصالح المشروعات القومية المصرية في حب مصر وبعضهم يريد الانتظار حتي تستقر الأوضاع الاقتصادية بعد أن تعثرت أعمالهم في الآونة الأخيرة بسبب ما شهدته البلاد من أحداث ولكن كل هؤلاء سيقدمون علي التبرع إذا ما شاهدوا مشروعات ملموسة تقام أمامهم أما بالنسبة لرجال الأعمال فيمكن للدولة أن تشجعهم علي التبرع ليس بتقديم اعفاءات ضريبية كما كان يحدث من قبل لأن هذا سيقلل من موارد الدولة وإنما بتسهيل الاجراءات الروتينية التي تعوق أعمالهم أو منحهم مزايا إدارية لتشجيعهم علي التبرع.