رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

بديل شرف .. فوضي وأحكام عرفية !


مئات من الشباب يغلقون مجمع التحرير الذي يقطع آلاف المصريين البسطاء مئات الأميال من قراهم للحضور إليه لإنهاء مصالح خاصة بهم .. شباب آخرون علي التليفزيون المصري يعلنون أن من أغلقوا المجمع ليسوا منهم ولكنهم (شباب مستقلون) !، ثم مئات آخرون بالإسكندرية يغلقون بورصة الأوراق المالية بشارع طلعت حرب بمنطقة محطة الرمل ويعلقون على مدخلها لافتة : "مغلق لحين تحقيق مطالب الثورة" ، فتنهار البورصة وتخسر ملياري جنيه في دقائق (!) ..

فريق ثالث في السويس يهدد بغلق قناة السويس (التي قال الجيش إنها خط أحمر) ويغلق طريق السويس السخنة ويعطل العمل في الميناء ، فتتوالي الخسائر الاقتصادية .. وتهديدات أخري تتواتر بغلق كوبري أكتوبر ومجلس الوزراء ذاته والمزيد من المؤسسات الحيوية في حال استمرار تجاهل مطالب الشعب .

والسؤال هو : هل هذه هي الثورة ؟ هل من يفعلون هذا يريدون كما يقولون تحقيق مطالب الثورة ؟ وما هي مطالب الثورة ؟ وهل ما قدمته حكومة الثورة المفترضة (حكومة شرف) منذ توليها يشفع لأن نصبر عليها أم لا ؟

بالطبع لا خلاف بين المصريين الذين ثاروا علي الظلم علي مطالب محددة أبرزها الانتصار لدماء الشهداء والقصاص من قاتليهم الظلمة ، وكذا القصاص من المسئولين والوزراء الفاسدين .. ولا خلاف علي أن حكومة شرف حاولت خدمة هذه المطالب وأن الجيش هو حامي هذه المطالب وحامي الثورة – برغم حملة التشكيك المشبوهة في الجيش لهدم عامود الخيمة التي لا تزال تحمي مصر من الانزلاق للفوضي – ولكن الخلاف هو حول طريقة وأسلوب الوصول لهذا الهدف .

فنسبة من التيارات الثورية تري أن هناك بطئا ربما يكون متعمدا أو بحسن نية في محاكمة الظلمة وقتلة الثوار ، وتطالب بتسريع هذه المحاكمات ، ونسبة أخري متحمسة – ولكن يختبئ خلفها تيار الثورة المضادة الراغب في إشعال الاوضاع – تتوجس من أن يكون هناك في السلطة الآن صف ثان أو ثالث من أنصار النظام البائد والحزب الوطني (في المحليات والمحافظات وبعض الوزارات) يحاول إجهاض مطالب الثورة عبر هذا التأخير المتعمد للمحاكمات وعدم علانيتها وعدم شفافية الأخبار الخاصة بمحاكمة الرئيس السابق ونجليه .

190 إئتلافا ثوريا !

والمشكلة أنه ظهر حتي الان 190 إئتلافا ثوريا في مصر بعضها يضم العشرات من الشباب فقط ، وكل بضعة إئتلافات منها تقود مظاهرة أو وقفات إحتجاجية وتتصرف بحماس زائد مندفعة لغلق مصالح حكومية أو طرق أو التهديد بوقف مترو الأنفاق وغلق ماسبيرو وغلق الكباري مثل كوبري 6 أكتوبر ، دون أن نسمع آراء باقي الائتلافات والقوي السياسية ، ودون أن تتوقف هذه الائتلافات وهؤلاء الشباب ليسألوا أنفسهم : ما هي مطالب الثورة الحقيقية ؟ أليست هي هذا الانسان المصري البسيط الذي طحنه النظام السابق وظلمه سياسيا وإجتماعيا واقتصاديا ؟ لماذا إذن نحيل حياته لمزيد من الجحيم عندما نغلق الميادين والطرق والكباري والمصالح الحكومية ونساهم في هدم الاقتصاد ونزيد التضييق عليه ؟!.

أليست بعض المطالب المزايدة علي مطالب أسر الشهداء ، والتي رفعها البعض في التحرير والسويس والاسكندرية ، ومنها : اقتحام مجلس الوزراء وعزل شرف وتنصيب محمد البرادعي رئيسا للوزراء بدلا منه وتعطيل المصالح الحكومية ، ليس لها سوي معني واحد هو الصدام مع الجيش الذي يحمي هذه المصالح الحكومية وجر الثورة لمرحلة الفوضي الكاملة .

فالسؤال الذي لم يسأله أحد من إئتلافات الثورة هو : هل انتصرت الثورة وتغير النظام القديم أم لا ؟ وإذا كانت الثورة انتصرت وتغير النظام ونعيش حاليا مرحلة التحول والانتقال من نظام لآخر فلمن توجه الدعوات لعصيان مدني أو غلق الطرق والمصالح الحكومية والكباري والبورصة وقناة السويس ؟ وهل هناك محاكمات تجري بالفعل لمنتسبي النظام السابق أم لا ؟ .. فواقع الأمر أن المشكلة الحقيقية ليست في نجاح الثورة من عدمه ، ولكنها عدم قناعة البعض بأن الثورات لا تنتج تغييرا بين يوم وليلة .وأن الأمر يحتاج وقتا . وأنه إذا كان ظلمة النظام السابق قد عاثوا في الأرض فسادا وظلموا المصريين لسنين طويلة ، فقمة العدالة الحقة التي علمنا إياها الاسلام هي في تقديم أعلي درجات العدالة في محاكمة من ظلمونا (ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا) .. فلا معني للحديث عن تسريع العدالة وسلق جلسات المحاكمة وصولا لحكم قد يكون بالبراءة (كما حدث ببراءة خمسة من الوزراء من إحدي القضايا لا كل القضايا) .

وليس أمام التصعيد ضد حكومة شرف والمجلس العسكري بمزاعم أن كبار قادة الجيش هم من بقايا النظام السابق (!) أو أن "الثوار ما عادوا يأتمنون الجيش على الثورة " كما قال الإعلامي حمدي قنديل بفضائية 'أون تي في' ، سوي إدخال شباب الثورة في مواجهة مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة ، ما يعني انتشار الفوضي والعنف ومن ثم عودة مصر الي المربع رقم صفر ونزول قوات الجيش مرة أخري بكثافة للشوارع وفرض الأحكام العرفية ، وبدلا من أن تسير البلاد في طريقها نحو الانتخابات ووضع دستور جديد كما تفعل تونس حاليا ، تستمر حالة الفوضي والتصعيد والتحريض خصوصا ضد الجيش ، ما يبهج اسرائيل ويسعدها لأن جيش مصر سيتورط لو تصاعد التوتر في الداخل بدلا من تفرغه لحماية الجبهة الخارجية !.

ربما لهذا أكد الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء احترامه جميع الآراء والتظاهرات والاعتصامات السلمية، مطالبا في الوقت نفسه بضرورة عدم تعطيل الحياة العامة وقال ـ فى تصريحه للقناة الأولى بالتليفزيون المصرى اليوم الثلاثاء ـ إن "الاعتصام حق من حقوق المواطن ولكن يجب فى الوقت نفسه الحفاظ على المرافق فى جميع المواقع التى تشهد اعتصامات" ، وتأكيده علي (أهمية الحوار فى هذه المرحلة) و(أن يدرك المواطنون أن الحكومة تبذل قصارى جهدها لتحقيق أهداف ثورة 25 يناير) ، والتحذير ضمنا من أن (تعطيل الموظفين عن عملهم أمر لا يرضى الكثير من المواطنين).

تحذير الجيش والمستقبل

والحقيقة أنه لا يمكن النظر للبيان الذي أصدره المجلس الاعلى للقوات المسلحة صباح اليوم الثلاثاء 12 يولية وتلاه اللواء محسن الفنجرى ، والذي توعد فيه الخارجين عن القانون والشرعية الدستورية بإجراءات عنيفة وانه لن

يسمح بأى عمل من شأنه الإضرار بالوطن ، سوي علي أنه بيان تحذيري لهؤلاء الذين خرجوا عن الخطوط الحمراء بالحديث عن غلق قناة السويس أو مجلس الوزراء والبورصات والكباري وأغلقوا بالفعل طرقا حيوية ومجمع التحرير للخدمات الجماهيرية ، وبدأوا يصعدون ضد الجيش بطريقة لن تؤدي في النهاية سوي لهدم وتفتيت الصخرة الوحيدة التي يستند لها أمن مصر .

فالبيان الذي ألقاه اللواء محسن الفنجرى قال إن انحراف البعض بالتظاهرات والاحتجاجات عن النهج السلمى يؤدى إلى الإضرار بمصالح المواطنين، وتعطيل مرافق الدولة، وينبئ بأضرار جسيمة بمصالح البلاد العليا وحذر من ترديد الشائعات والأخبار المغلوطة التى تؤدى إلى الفرقة والعصيان، وتخريب الوطن، وتشكك فيما يتم من إجراءات وتثير النزاعات وتزعزع الاستقرار ، وطالب بتغليب المصالح العليا للبلاد على المصالح الخاصة المحدودة، ودعا : "المواطنين الشرفاء للوقوف ضد كل المظاهر التى تعيق عودة الحياة الطبيعية لأبناء شعبنا العظيم والتصدى للشائعات المضللة" ، وشدد على أن القوات المسلحة لن تسمح بالقفز على السلطة أو تجاوز الشرعية لأى من كان و"سيتم اتخاذ ما يلزم من إجراءات لمجابهة التهديدات التى تحيط بالوطن، وتؤثر على المواطنين والأمن القومى من أى عبث يراد بها، وذلك كله فى إطار من الشرعية الدستورية والقانونية" .

وكلمات البيان مثل : (الوقوف ضد كل المظاهر التى تعيق عودة الحياة الطبيعية) و (الخارجين عن القانون والشرعية الدستورية) و(اتخاذ ما يلزم من إجراءات لمجابهة التهديدات التى تحيط بالوطن) .. كلها تشير لتحذيرات مبطنة من جانب الجيش لبعض ائتلافات الثورة التي تقود أعمال التخريب بغلق مصالح حكومية وكباري وطرق والبورصة وتهدد بغلق قناة السويس ومجلس الوزراء بل وتعيين رئيس وزراء بديل لعصام شرف ، والقفز فوق الاعلان الدستوري الذي صوت لصالحه 77% من المصريين .

ومع هذا فقد حوي بيان المجلس الأعلي إشارات للاستجابة لمطالب المعتصمين والقوي السياسية المعارضة المطالبة بفكرة الدستور أولا ، وفي الوقت ذاته إرضاء المطالبين بالانتخابات أولا ، حيث نص بيان الجيش علي إعداد وثيقة مبادىء "حكيمة" لاختيار الجمعية التأسيسية لإعداد دستور جديد للبلاد وإصدارها فى إعلان دستورى بعد اتفاق القوى والاحزاب السياسية عليها ، وهو ما يبدو أنه حل وسط بين دعاة الدستور أولا (الخائفين من سيطرة نواب الاخوان الفائزين في الانتخابات المقبلة علي تشكيلة الجمعية التأسيسية للدستور) ، وأنصار (الانتخابات أولا) عبر : الاستمرار في إجراءات الانتخابات ، وفي الوقت نفسه السماح للقوي السياسية والأحزاب بالتوافق فيما بينها علي مبادئ عامة تحكم كيفية اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية التي ستعد الدستور (سواء كانت من أعضاء البرلمان أو القوي السياسية والأحزاب أو غير ذلك ) .

وحرص الجيش مع هذا علي التأكيد علي الاستمرار فى سياسة الحوار مع كافة القوى والأطياف السياسية وشباب الثورة لتلبية المطالب المشروعة للشعب ، وبالمقابل التزام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بما قرره فى خطته لإدارة شئون البلاد خلال الفترة الانتقالية من خلال إجراء انتخابات مجلسى الشعب والشورى ثم إعداد دستور جديد للبلاد وانتخاب رئيس للجمهورية وتسليم البلاد للسلطة المدنية الشرعية المنتخبة من الشعب .

وقال إن حرية الرأى مكفولة للجميع ولكل مواطن الحق فى التعبير عن رأيه "فى حدود القانون" ، مع "إعمال أحكام القانون عند إحالة الجرائم للقضاء المختص" ، في إشارة واضحة للخطوط الحمراء التي وضعها الجيش لمنع انزلاق البلاد للفوضي .

بديل حكومة شرف في ظل عدم الصبر عليها - وبرغم تصحيح بياني شرف الأخيرين الكثير من الأخطاء - هو بالتالي الفوضي الأمنية ، لأن جانبا من المصريين أصبح ينظر للتصعيد غير المبرر في التحرير – برغم استجابة الحكومة لمطالب المحاكمات السريعة وعزل الضباط القتلة – وهذه الفوضي وسعي ائتلافات الثورة لفرض أمر واقع بالقوة لا يقبله كل المصريين وخرق دوائر حمراء تمس أمن مصر ، سوف يدفع الجيش دفعا لنزول الشارع وفرض الأحكام العرفية ما يعني الحكم المباشر للجيش ، ومن ثم تعطيل الانتخابات وتعطيل وضع دستور جديد واستمرار نزيف الاحتياطي النقدي الأجنبي في الخزانة العامة ونزيف الاقتصاد ، وتشويه الثورة ودخولها مرحلة جديدة من التخبط .