عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

جنوب السودان ينفصل .. مصر تعطش !

اليوم السبت 9 يوليو 2011.. يحتفل الجنوبيون في السودان بإعلان دولتهم الانفصالية .. اليوم يزرف أبناء السودان والعرب الدموع علي انفصال جزء عزيز من أرض العروبة ظل الاستعمار الغربي القديم والحديث يشجع علي انفصاله حتي تحقق له ما أراد .. دولة جنوب السودان أو (السودان الجنوبي) التي سيتم تدشينها السبت 9 يوليو ستكون أول حالة انفصال طائفي وعرقي تشهده دولة عربية عضو في الجامعة العربية منذ استقلال الدول العربية، وهناك مخاوف أن تتكرر هذه التجربة السوداء ويتبع هذا الانفصال تصاعد دعوات طائفية وعرقية أخري للانفصال في دول عربية وأفريقية.

انفصال الجنوب سيترتب عليه ضرران بالنسبة لمصر: (الأول) أن انفصال الجنوب قد يزيد الضغط علي مصر فيما يخص ملف المياه بسبب رفض دولة الجنوب طلب مصر استئناف حفر قناتي (جونجلي) و(مشار) اللتين يمكن أن توفران لمصر وحدها 10 مليارات متر مكعب مياه إضافية، أما الضرر (الثاني) فهو أن إسرائيل سيكون لها نفوذ سياسي واقتصادي وعسكري كبير في الجنوب السوداني حسبما يقول المشير سوار الذهب الرئيس السوداني الأسبق ما يهدد أمن مصر والسودان معا خصوصا بعدما أعلنت الخارجية الإسرائيلية أنها سوف تعترف بدول الجنوب وستوليها اهتماما خاصا !!.

وعندما سألت البروفيسور (حسن مكي) مدير جامعة أفريقيا العالمية – في زيارة سابقة للخرطوم - عن سر وقوف أمريكا والغرب بقوة وراء انفصال جنوب السودان ورعايته لحد استصدار قرار من الكونجرس باستثناء الجنوب من العقوبات الأمريكية وبقائها علي الشمال (!) ، ثم قرار من مجلس الأمن بنشر قوة دولية من 7 آلاف جندي لحماية الدولة الجنوبية الوليدة .. قال لي إن:"السودان يعاقب أصلا لأنه جنوب مصر "(!)، وأن "فصل الجنوب هو محاولة لمعاقبة مصر لأن الجنوب يعني التوسع المياهي المرتقب أو المستقبلي لأمن مصر المائي باعتبار أن كل قنوات المياه كقنوات "جونجلي" و"مشار" وغيرها من القنوات المستهدف من وراء حفرها زيادة كميات مياه النيل لمصر تقع في جنوب السودان .. والحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب ترفض حفرها بما سيضر مصر ويمنع زيادة مواردها المائية.

والحقيقة أن ما ذكره البروفيسور "مكي" سمعته من الكثير من المسئولين والخبراء السودانيين والمصريين الذين أكدوا أن انفصال دولة الجنوب - الذي سيعلن رسميا السبت 9 يوليه 2011 – سيعود علي مصر بخسائر كثيرة، برغم ما يعلن من نوايا حسنه، أبرزها خسائر ملفي : (المياه) و(الأمن القومي) بسبب التكالب الصهيوني علي دولة الجنوب بعد الانفصال بعدما كانوا يعملون من خلف الستار، فهناك سيطرة إسرائيلية مبكرة علي قطاع الفندقة في الجنوب السوداني، ليس فقط لأن الفندقة تبيض ذهبا للشركات الإسرائيلية، وإنما لأن الشركات الإسرائيلية التي تشرف علي هذه الفندقة في الجنوب (عبر وكلاء أفارقة لشركاتها في أوغندا وكينيا وأثيوبيا ) تستطيع عن طريق هذا الكنز من المعلومات التي تحصل عليها من كشوف نزلاء هذه الفنادق أن تراقب المنطقة بدقة أكبر ! .

تعطيش مصر !

فأخطر تداعيات شطر السودان وسلخ ربع مساحته لصالح الدولة الجنوبية المستقلة هو تضرر ملف المياه واستمرار أزمات نقص مياه النيل الواردة لمصر، برغم ما يعلن رسميا من أن انفصال الجنوب لن يؤثر علي حصة مياه النيل الواردة لمصر، ولكن السؤال هو : كيف ستتضرر مصر في ملف المياه ؟!.

سعيت لتقصي الحقائق والتفاصيل عبر عدد من الخبراء في هذا المجال، من بينهم مسئول سياسي سوداني رفيع المستوي من حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الخرطوم، لأعرف حقيقة هذا الضرر، وكان ما قيل يثير القلق بصورة غير معقولة علي أمن مصر المائي !.

بداية نشير – كما يؤكد الدكتور سلمان محمد أحمد سلمان خبير قوانين وسياسات المياه في محاضرة له عن (جنوب السودان ومياه النيل) - أن حوالي 45% من مياه حوض النيل يقع في جنوب السودان كما أن حوالي 90% من جنوب السودان يقع داخل حوض النيل، وأن حوالي 28% من مياه النيل تعبر الحدود من جنوب السودان إلى الشمال ومن ثمّ إلى مصر، كما أن كمية المياه التي يمكن استخلاصها من مستنقعات جنوب السودان وإضافتها لنهر النيل (في حالة موافقة الجنوب علي بناء قناتي جونجلي ومشار) قد تصل إلى حوالي 20 مليار متر مكعب ، علما أن هناك تقديرات أخري وفقا لتقرير لوزارة الري السودانية عام 1979م تؤكد أن حوالي 42 مليار متر مكعب من المياه تفقد سنوياً في إقليم جنوب السودان ، منها حوالي 14 مليار تضيع في مستنقعات بحر الجبل وبحر الزراف ، و12 أخري تضيع في حوض بحر الغزال ،و19 مليار ثالثة تضيع في حوض السوباط ومستنقعات مشار ) .

نشير هنا أيضا لتأكيد دراسة (المياه : مأزق الأمن القومي والإقليمي في حوض النيل) الصادرة عن مركز دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا بالخرطوم أن قيام دولة مستقلة في الإقليم الجنوبي سيكون معناه دولة إضافية جديدة في حوض النيل – أي عضو جديد وإضافي لدول حوض النيل (الدولة رقم 10 بخلاف المراقب الاريتري) – وهذه الدولة (الجنوبية) الجديدة سيكون لها موقف رافض– مثل دول منابع النيل - لاتفاقيات مياه النيل القديمة التي تضمن حقوق مصر المائية (اتفاقات 1929 و1959) ، وبالتالي سيكون لها الحق – كدولة مستقلة الآن - في المطالبة بنصيب في المياه برغم ما أعلن عن أنها ستأخذ حصتها من حصة شمال السودان ، وذلك لن يتم إلا بإعادة توزيع حصص المياه بين جميع دول الحوض مرة أخري ، والمشكل ان دول المنبع تدعو إلي ذات الدعوة ما يعني زيادة عدد الدول التي تعادي الموقف المصري في حوض النيل إلي 8 دول من 10 ، والمتضرر الوحيد من إعادة توزيع المياه سيكون هو بالتالي مصر اذ كان لها ما لا يقل عن 75% من الحجم الكلي لمياه النيل (عند المصب) !.

وعندما راجعت اتفاقية مياه النيل بين مصر والسودان لعام 1959 وجدت أن الفقرة 2 من البند (خامساً) تعترف "بحق الدول الأخرى المشاطئة للنيل في حصص من مياهه". حيث تنص هذه الفقرة علي أن (يبحث السودان ومصر معاً مطالب الدول الواقعة على النيل بنصيب من مياهه ويتفقان على رأي موحد بشأن هذه المطالب، وإذا أسفر البحث عن تخصيص أي قدر من إيراد النهر لأي من هذه الدول، فإن هذا القدر يقتطع مناصفة من حصة الدولتين) ، وهو ما يعني أن من حق دولة الجنوب المستقلة الجديدة

في أي وقت أن تطالب بحصة من مياه نهر النيل الواردة لمصر والسودان !.

والمشكل هنا أنه لو اتفقت مصر والسودان علي إعطاء دولة الجنوب الجديدة المفترضة 10 مليارات متر مكعب من نصيبهما (كمثال) ، ستأخذ دولة الجنوب 5 مليارات متر مكعب مياه من نصيب مصر و5 من السودان ، في حين أن مصر تعاني أصلا من عجز حالي ومتوقع في المياه وفي نصيب الفرد وتحتاج لأكثر من 22 مليار متر مكعب إضافيا لتعويض هذا العجز مستقبلا ، وربما لهذا جري اتفاق سوداني شمالي – جنوبي لأن يحصل الجنوب علي نصيبه من حصة السودان لا مصر مؤقتا !.

والمشكلة هنا أن رفض مصر إعطاء دولة الجنوب الجديدة أي كمية من نصيبها من المياه (55 مليار متر مكعب) وأخذ نصيبها من نصيب السودان (18 مليار متر مكعب) سيزيد من عناد دولة الجنوب ورفضها تشييد قناتي : "جونجلي" و"مشار" اللتان ستوفران ما بين 20 -42 مليار متر مكعب (كما جاء في الدراسات السابقة) والمفترض أن تعود بالفائدة علي كل من مصر وشمال وجنوب السودان ، وهذا الرفض والخلافات التي قد تنشأ عنه – في ظل التخوف من ارتهان دولة الجنوب للنفوذ الغربي والإسرائيلي- يمكن أن يؤدي لحرب مياه إقليمية ، خاصة إذا سعت دولة الجنوب لاقتطاع حصة خاصة لها من مياه النيل التي تمر عبر أراضيها بوسائل مختلفة، أي أن مصر خاسرة مائيا في كل الأحوال لو أنفصل الجنوب !.

فبرغم أن دولة جنوب السودان لا يحتاج لمياه النيل حيث تتمتع بالأمطار الغزيرة، ذات التوزيع المتجانس مكانياً وزمانياً (9 أشهر في العام) بإجمالي حوالي 850 مليار م3/سنة (أى ما يمثل 75% من أمطار السودان) ، كما يتمتع الجنوب بالسهول الفيضية الواسعة، والحاجة الوحيدة للنيل بالنسبة للجنوب هي (أقل من نصف مليار) لأغراض الشرب، ويمكن تعويض ذلك من المياه الجوفية المتجددة .. برغم هذا رفضت دولة الجنوب طلبا مصريا باستئناف العمل في قناة جونجلي (التي ستجمع الفاقد من مياه النيل الذي يذهب للمستنقعات ويضيع ) بدعاوي أن هذا سيؤثر علي الطبيعة الجغرافية للجنوب ما يعني أن مصر ستكون رهينة لحصة الـ 55 مليار متر مكعب فقط التي لا تكفيها أصلا ، والتي تسعي دول منابع النيل لاقتطاع أجزاء منها حاليا عبر ما يسمي الاتفاقية الإطارية لمياه النيل ما يعني تعطيش مصر في نهاية المطاف.

الخطر الصهيوني

بجانب تضرر مصر المائي من نشوء دولة الجنوب ، هناك خطر لا يمكن إغفاله يتعلق بالمخاوف من أن تتحول دولة الجنوب الي مركز متقدم للدولة الصهيونية يحاصر السودان ومصر من الجنوب ، وهي حقيقة يؤكدها العديد من المسئولين السودانيين ، فالدكتور (حجازي إدريس) المستشار الاقتصادي والمفكر السوداني ومؤلف كتاب "السودان وكارثية انفصال الجنوب"، يؤكد أن انفصال جنوب السودان ليس صناعة سودانية وإنما صناعة غربية إسرائيلية، ويؤكد أن أمن مصر القومي في خطر بعد انفصال دولة الجنوب لأن إسرائيل ستعود إلي السودان بغية تحويله إلي ساحة حرب جديدة مع العرب تدار علي أرض الغير في حالة مماثلة لما يحدث في لبنان، إضافة إلي تحويل مياه النيل إلي ورقة سياسية بطريقة غير مباشرة، مع ضمان فتح جبهة حرب ضد جنوب مصر في حال حدوث حرب مصرية إسرائيلية جديدة.

أيضا انفصال السودان سيكون له أثر سيئ علي مصر؛ بسبب السعي الإسرائيلي لبناء قاعدة عسكرية في جنوب السودان بما يمكن إسرائيل من أن تعتدي علي مصر في أي وقت .

أيضا أشار لهذا الخطر الناجم عن دور إسرائيلي نشط في الجنوب يضر مصر ، الرئيس السوداني السابق المشير عبد الرحمن سوار الذهب الذي يؤكد أن الدور الإسرائيلي والغربي في انفصال الجنوب كان رئيسيًا، وأن إسرائيل أصبحت بفعل الأمر الواقع جارا للسودان الشمالي، كما "سيكون لإسرائيل نفوذ سياسي واقتصادي وعسكري كبير في الجنوب السوداني !؟

الترحيب بدولة الجنوب الوليدة التي أصبحت أمر واقع بحلول 9 يوليه 2011، قد يكون مشوبا بالتالي بمخاوف تتعلق بخطر قادم إن عاجلا أو أجلا علي ملف نقص المياه الواردة من منابع النيل لمصر، وملف الوجود الإسرائيلي في الجنوب الذي سيضر بلا شك أمن مصر القومي أو بمعني اصح يفتح جبهة تهديد جديدة لمصر !.