رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لهذه الأسباب .. نجت الجزائر من الربيع العربى وعاد "بوتفليقة" المريض

بوتفليقة
بوتفليقة

"بوتفليقة عنده 77 عاما ومريض بمرض خطير ونراه بالكاد في الأماكن العامة ومع ذلك يترشح لفترة رئاسية رابعة.. يمكن أن يكون ذلك بمثابة المزحة في بلد آخر ولكن هذا يحدث فعليا في الجزائر"  ... هذه كانت كلمات شاب جزائرى عمره 26 عامًا يدعى "حامد" عندما تحدث ساخرًا لصحيفة " التايمز " البريطانية عن رأيه فى ترشح الجنرال عبد العزيز بوتفليفة لفترة رئاسة رابعة فى الجزائر.

وبالفعل أوجز الشاب الجزائرى فأحسن التعبير عن هذا الوضع المثير للسخرية والاستغراب فى هذا البلد الذى عانى كثيرا ولا زال يعانى ومع ذلك نجا مما سقط فيه الجيران ألا وهو الربيع العربى الذى ضرب معظم إن لم يكن كل الأنظمة العسكرية الديكتاتورية التى ينتمى لها "بوتفليقة" فى المنطقة.
                         
فوز محسوم

فخلال أسابيع قليلة وبالتحديد فى السابع عشر من أبريل المقبل تشهد الجزائر انتخابات رئاسية ، وحسبما أعلن المجلس الدستوري في الجزائر أسماء المرشحين النهائيين لانتخابات الرئاسة، هناك ستة مرشحين سيخوضوا هذه الانتخابات وفي مقدمتهم الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة.
ولأول مرة في العالم العربي وفي الجزائر ستخوض غمار هذه الانتخابات امرأة هي " لويزا حنون" التي تمثل التيار اليساري
ويغيب الجدل عن البرامج الانتخابية للمرشحين هذا العام، ليدور بدلا من ذلك جدل حول الشخصيات المرشحة وخاصة الرئيس بوتفليقة ومعاناته مع المرض.
ويعتبر كثير من الجزائريين سباق الرئاسة محسوما ، حتى قبل انطلاقه، لصالح بوتفليقة، وأن مجرد ترشحه يعني فوزه بانتخابات الرئاسة ، وهو ما لخصه لكاتب والباحث الجزائري "صابر أيوب" فى إحدى مقالاته:  " بإن نتيجة الانتخابات محسومة مسبقا لصالح الرئيس " بوتفليقة" ، وأن "صناعة الرؤساء في الجزائر لعبة محبوكة مسبقا، وأن الانتخابات تعبر عن رغبة السلطات الحقيقية الحاكمة في البلاد، لا عن رغبة الشعب".
وإضافة إلى كل من بوتفليقة وبن فليس وحنون، سيشارك في هذه الانتخابات لأول مرة المرشح عبد العزيز بلعيد، رئيس حزب جبهة المستقبل.
ويعود موسى تواتي، رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية للمنافسة في هذه الدورة الانتخابية، بعد مشاركته في انتخابات 2004 و2009، وكذلك بالنسبة للمرشح علي فوزي رباعين، رئيس حزب "عهد 54 ".
                       
ذريعة الأمن والاستقرار

ومنذ أن حسم الجنرال "بوتفليقة" أمره وترشح لولاية رابعة، دخل الاعلام والفضائيات في سجال حول سبب ترشح هذا الرجل المريض جدا للرئاسة خصوصا فى ظل ظروف ومعطيات داخلية وخارجية ، كان يتوقع معها أن يبتعد الرجل عن المشهد ليس لمرضه فقط بل ، كونه يمثل نموذجا قديما من الحكام لم يعد يتناسب مع متطلبات المرحلة . إلا ان هذا الجنرال الذى لم يقدم من بين اوراق ترشحه شهادة تفيد تمتعه بصحة عقلية وبدنية جيدة ، تشبث بالسلطة متذرعا بأنه يمثل الأمن والاستقرار الذى تفتقد له بلدان الربيع العربى فى ليبيا وتونس ومصر وغيرهم.
أى أن السبب الذى كان من المفترض أن يكون داعما لرحيله واختفائه من المشهد وهو التغيرات التى طرأت على المنطفة ورحيل معظم الأنظمة العربية القديمة ، أصبح هو ذاته حجة لبقائه فى سدة الحكم ، مستخدما فزاعة غياب الأمن والاستقرار فى حاله رحيله واحتمال مجىء نظام راديكالى للحكم ، وان يتحول الوضع فى الجزائر إلى ما هو الحال فى ليبيا أو تونس المجاورتين.

الشعبية الزائفة

إلا أن الحقيقة عكس ذلك تماما .. ومثله مثل بقية الأنظمة العسكرية المستبدة ، يدافع نظام بوتفليقه عن ترشحه.
وقد علل ذلك بأنه تم جمع أربع ملايين استمارة من 48 ولاية لصالح بوتفليقة، وأن أغلب الجزائريين يساندون مبدأ العهدة الرابعة
وفي الحقيقة هذا السيناريو هو عادة الحكام العرب، الذين يتقنون مبدأ صناعة الأرقام الخيالية التي تجعلك تتوهم أنهم إنما ظلوا على سدة الحكم بتفويض شعبي، وأن وصولهم إلى ذلك المنصب تم بمنتهى الشفافية والديمقراطية.
والحال أنه بمجرد إلقاء نظرة متفحصة على الواقع ستدرك العكس ، حيث أعلنت العديد من الأحزاب والشخصيات الجزائرية مقاطعتها الانتخابات الرئاسية المقبلة في الجزائر بسبب عدم نزاهة الحملة الانتخابية، ودعت الشعب للانخراط في المقاطعة، وكما هو الحال في الحملات الانتخابية العربية المزيفة، يخرج رجال "بوتفليقة" ليرددون :" إن الرجل أحبه الجزائريون، بسبب نجاحه في ضبط الأمن في البلاد منذ توليه السلطة، مقارنة بما كان عليه الوضع في الحقبة التي يصح تسميتها بحقبة الموت على أرض المليون شهيد".
ولكن هذا الكلام لن يكون مبررا ليختصر النظام في الجزائر على شخص "بوتفليقة".

 مغالطات

وهناك مغالطات يسوقها أتباع بوتفليقة وحاشيته حول مزاعم العودة النسبية للأمن والإستقرار فى عهده ، والواقع ان الفضل يعود بالأساس لإتفاق الهدنة الذي أبرمه "مدني مزراق" الأمير الوطني للجيش الإسلامي للإنقاذ والجنرال إسماعيل العماري الرجل الثاني في المخابرات عام 1997 وقبل مجيء بوتفليقة عام 1999 والذي قطف ثمار المفاوضات بين الطرفين المتصارعين وأدى إلى نزول 15 ألف مسلح من الجبال ، ولكن السلطة لم توفي بوعودها ، وحرمت قادة وانصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ من حقوقهم السياسية والإجتماعية ، وخدعت قيادة الجيش الإسلامي للإنقاذ وتنكرت لبنود الإتفاق ، حتى الجنرال إسماعيل العماري الذي صعد إلى الجبل للتفاوض مع الجناح العسكري توفي عام 2007 في ظروف غامضة ..كما أن عمليات التفجير والكمائن والإغتيالات والذبح لم تتوقف وبلغت ذروتها عند تفجير قصر الحكومة عام 2006 ومحاولة إغتيال بوتفليقة عام 2007 فى مدينة باتنة وتفجير المجلس الدستوري عام 2008 و ثكنات الدرك بيسر والبحرية ببومرداس عام 2009 وأكاديمية شرشال العسكرية عام2011 .
وثكنة الدرك والأمن بكل من تامنراست وورقلة عام 2012 وعملية إختطاف الرهائن عام 2013 بإن أميناس… والتي راح ضحيتها الآلاف من القتلى والجرحى…
فقد فشل بوتفليقة في إستتباب الأمن وإرساء الوئام والمصالحة التي كان يتغنى بها خلال عهدته الأولى ، وفشل في التنمية الإقتصادية والإجتماعية رغم ضخه قرابة 700 مليار دولار من أجل إنعاش الإقتصاد ورفع النمو خلال فترة حكمه التي كانت هزيلة وسلبية ومليئة بالفضائح المالية بشهادة خبراء الإقتصاد في الداخل والخارج ، كقضية مجموعة الخليفة التي سميت بفضيحة القرنو البنك التجاري والطريق السيار شرق-غرب ،  وسوناطراك 1و2 التي تورط فيها رجالات ووزراء الرئيس والمقربين منه وعائلته وجنرالات الجيش.

 لماذا وكيف نجت الجزائر ؟

ويدور سؤال فى أذهان الكثيرين كيف ولماذ نجت الجزائر من أحداث وثورات الربيع العربى التى طالت الجميع .  فقد طغت كثيرا من التحولات الديمجرافية بمختلف أبعادها السياسية على مسرح الأحداث بمناسبة الحراك السياسي النوعي الذي

تعيشه المجتمعات العربية منذ سنة 2011 بدءا من تونس وصولا إلى سوريا, وعاد الحديث بقوة عن جيل الشباب ودوره السياسي بمناسبة اندلاع هذه الأحداث التي أدت إلى تهديد وإسقاط أنظمة هرمة ومشاريعها في التوريث ، أنظمة سيطرت فيها العائلة بوضوح على الفعل السياسي الرسمي فاحتكرت المال والسلاح والسياسة.
وظهرت فئة الشباب كمبادر في هذا الحراك قبل أن تتمكن من كسب تجنيد شعبي قوي من فئات اجتماعية واسعة ومتنوعة في غفلة عن أجهزة الدولة القمعية وجزء من المعارضة الرسمية التي تحدثت عن التغيير والإصلاح طويلا دون أن تنجزه على أرض الواقع

 حالة شاذة

إلا أن الجزائر صارت تظهر كحالة شاذة في منطقة الشمال الأفريقي بعد أن عرفت كل أنظمتها السياسية تغييرات متفاوتة العمق وبأشكال مختلفة، ليفرض السؤال نفسه: لماذا يستعصي التغيير السياسي في الجزائر؟ ولماذا يجعل أي محاولة للتغيير مكلفة ولا تحقق المطلوب منها في نهاية المطاف؟.

 المؤسسة الأمنية

وفقا للمعطيات فأن النظام السياسي الجزائري تميزه السرية وسيطرة مؤسسة الجيش ومخابراتها على القرار السياسي وتبعية المدني في علاقاته بالعسكري، والازدواجية بين مظهر مدني ثانوي يستعمل كمكان لإخراج وتبليغ القرارات وباطن عسكري وأمني مسيطر فعليا.
كما إن صناعة القرار داخل نظام سياسي بهذه الصفات ، سمته ضعف مشاركة المؤسسات التمثيلية كالبرلمان، وحتى بعد الانتقال إلى التعددية فقد بقي البرلمان على هامش النواة الفعلية للسلطة فلم يتحول عمليا إلى مركز لصناعة القرار حتى عندما منحه الإطار الدستوري والقانوني هذا الحق. يكفي التذكير هنا بالكثير من القرارات الاقتصادية منها، قانون المحروقات 2005، أو السياسية كقانون الجنسية والأحوال الشخصية، وتلك القوانين المتعلقة بالمصالحة الوطنية، وقبلها قانون الوئام المدني.
فقد اختار الرئيس بوتفليقة تمرير كل هذه القوانين عن طريق أوامر رئاسية بعد اللجوء إلى الاستفتاءات الشعبية الأحادية فيما يخص البعض منها على الأقل، دون أن يتمكن المواطن المعترض أو حتى المتحفظ من إبداء رأيه والمشاركة في نقاش عام بمناسبة هذه الاستفتاءات.

غياب الأحزاب والشعارات السياسية

ويظل التساؤل إذا كانت ظروف تونس لا تختلف كثيرا عن الجزائر، فلماذا نجحت ثورة تونس على الرغم من الهدوء الذي ميز هذا البلد تقليديا، وتعثرت احتجاجات الجزائر الكثيرة في تحقيق أهدافها؟
ويرجع العض السبب إلى افتقار الحركات الاحتجاجية في الجزائر إلى شعارات محددة ذات طابع سياسي أو اجتماعي، وهو ما جعل الخطاب الإعلامي الرسمي ينفي عنها أي توجه سياسي ويحصرها في احتجاجات ضد رفع أسعار بعض المواد الغذائية، ويرفع من الفاعل الرئيس -وهم الشباب والمراهقون- صفة تمثيل المجتمع ملصقا به قابلية التضليل والقصور عن التمييز.
وفي المقابل رفضت السلطة الزج بالشرطة في مواجهات مع الشباب المحتجين والاكتفاء بالدفاع، مما قلص من الخسائر البشرية.
كما أن الاحتجاجات الحاصلة في الجزائر بدءا من أكتوبر 1988 إلى يناير 2011؛ تميزت بضعف تنظيمها وغياب أي جهة للأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات في قيادتها حتى بعد انطلاقها، وهذا عكس ما حصل في تونس. وإذا كانت العوامل الاقتصادية والاجتماعية هي الشرارة المحركة، إلا أن حالات الفساد التي انتشرت في السنتين الأخيرتين جراء مشاريع استثمارية كبيرة بادرت بها الدولة بعد التحسن المالي كان لها أثر كبير في توليد حالة تذمر تعبر عن أزمة في توزيع الثروة الوطنية بين الطبقات والفئات، وهذا أدى بالحركات الاحتجاجية إلى قابليتها لتكرار نفسها بالأشكال نفسها تقريبا وفي سبيل المطالب نفسها.
هذه التكرارية تؤكد عجز القوى الشعبية في التعبير عن مشكلاتها من خلال وسائل تمثيل عصرية، وهو العجز الذي يشير إلى أن عملية الانتقال السياسي في الجزائر قد تكون مكلفة إذا لم تنجح عمليات الإصلاح التي دعت إليها السلطة بعد التطور في المشهد العربي. فقد اعتاد الخطاب السياسي الرسمي أن يصف الاحتجاجات بأنها أعمال شغب قام بها شباب، حتى أحداث أكتوبر التي تحولت فجأة إلى أول ثورة ديمقراطية في العالم العربي قبل عشرين سنة من ثورة تونس ومصر، وصفت بأنها أعمال شغب واستطاعت السلطة شراء نوع من الأمن الاجتماعي ليختفي بعد ذلك هذا الحراك الذي لم يعمر طويلا، واختفت قبله بوادر الربيع الأول في الجزائر.
فهل القدر أن يخلو الشارع من السياسة والأداة السياسية، ليستمر مسلسل الصراع الأخرس والأصم في هذا البلد الذي تعود دفع الثمن غاليا مع كل تحول. ؟