رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

التصفية الجسدية منهج سيد قطب ضد معارضيه

سيد قطب
سيد قطب

من يتمعن قليلاً فى كلام محمد مرسى، وعدم اعترافه بالمحكمة التى تحاكمه على جرائمه فى حق الشعب المصرى خلال سنة حكمه السوداء،

وأيضاً فى البيان الذى بعث به مع فريق المحامين الإخوان وأعلنوه فى مؤتمر صحفى، يكتشف أمراً خطيراً له مدلوله فى سلوك جماعة الإخوان يتمثل فى انقيادهم الأعمى دون إعمال عقل لكل ما يصدر لهم من أوامر وتعليمات من قياداتهم فى كتب الإرشاد أو فى التنظيم الدولى، أياً كان منصب الإخوانى حتى وإن كان رئيس الجمهورية المعزول محمد مرسى، فهو مجبول منذ التحق بالجماعة على الانصياع التام لإلههم المرشد وزمرته فى مكتب الإرشاد، وذلك بموجب قانون (السمع والطاعة) الذى يقسم الإخوانى عليه عند التحاقه بالجماعة، وتنفيذ كل ما يكلف به دون مناقشة، حتى وإن كان هذا التكليف يودى به إلى التهلكة، بنفس أسلوب قسم الماسونيين على السمع والطاعة، والخروج عليه يعنى التصفية الجسدية.
فمما لا شك فيه أن الجرائم التى يحاكم عليها «مرسى»، تتعلق بإصداره أوامر صريحة بقتل متظاهرين، والتخابر مع دول ومنظمات أجنبية، يصل فيها الحكم للإعدام، وهو أمر يتعلق بحياة ومصير شخص محمد مرسى، وبالتالى يفرض عليه أن يكرس كل جهوده وإمكاناته لتشكيل فريق دفاع قوى يدافع عنه فى مواجهة هذه التهم الخطيرة، وذلك حرصاً على حياته، إلا أن الغريب فى الأمر أن مرسى ورغم أن ذلك من أخص خصوصياته الشخصية المتعلقة بحياته، أبى إلا أن يستجيب لأوامر رؤسائه فى مكتب الإرشاد والتنظيم الدولى برفض توكيل محامين عنه ورفض المحكمة والدخول فى مواجهة مع رئيسها، بل واستجاب أيضاً لأوامرهم فيما يتعلق بالبيان الذى بعث به مع سليم العوا وألقى فى مؤتمر صحفى، وثبت أن هذا البيان أيضاً ليس من صنع مرسى بل أرسل إليه من التنظيم الدولى للإخوان عن طريق ابنه عند زيارته له ليلقى فى مؤتمر صحفى وإذا كان مرسى بموجب قانون السمع والطاعة لا يأبه حتى بمصيره مُلقياً بنفسه فى التهلكة، فهذا شأنه وهو أمر لا يعنينا وإن كانت دلاته خطيرة، حيث تدل على أن من كان رئيساً لمصر لمدة عام من منتصف عام 2012 حتى منتصف عام 2013، إنما هو شخص فاقد الإرادة والقدرة على اتخاذ القرار ويتحرك وينطق طبقاً لما يمليه عليه مكتب الإرشاد، بل كان فى حقيقته «دُمية» وألعوبة يحركها مكتب الإرشاد الذى عينه رئيساً لمصر طبقاً لمصلحة الجماعة، وأن كل ما صدر عنه من قرارات خلال هذا العام كان لصالح هذه الجماعة، وبعيداً تماماً عن مصالح مصر وأهدافها القومية.
وهنا يبرز السؤال المهم: هل مثل هذا الشخص ــ محمد مرسى  المُنصاع تماماً لمكتب الإرشاد حتى فيما يخص حياته ومصيره، والفاقد تماماً لإرادته وقراره، يمكن أن يصلح رئيساً لمصر، وتصدر عنه قرارات فى صالحها عندما تتعارض مع مصالح الجماعة وأهدافها؟! ولأن الإجابة طبعاً لا، كان من رحمة المولى عز وجل أن خلَّصنا وأنجانا من هذا الرجل التائه ومن جماعته الفاشية المُنقادة ــ كقطيع الدواب الذى لا يسمع ولا يعقل ــ لأوامر مكتب الإرشاد، تعيث فى الأرض فساداً وخراباً وإجراماً أينما حلت، ويبرز لنا أيضاً ــ كما يفسر لنا ــ خطورة ما يقوم به قطيع الدواب هنا ــ المسمى بجماعة الإخوان ــ من أعمال قتل وتخريب وتدمير وإثارة شائعات صادرة تعليمات بشأنها من قيادات الإخوان فى الداخل والخارج، وذلك بموجب قانون (السمع والطاعة).
قاعدة السمع والطاعة عند الإخوان
لقد عبث كل من حسن البنا وسيد قطب بعقول الإخوان وحوَّلاهم إلى مسُوخ مُشوَّهة بعد أن أوهماهم ــ وقادة الجماعة من بعدهما ــ بأن المرشد يتحدث بالحق الإلهى، وأنه يد الله الباطشة فى الأرض والتى يبطش بأعداء الجماعة، وأظهروا لله ــ حاشا لله ــ ما لم يكن أبداً له، ونشروا ديناً ومذهباً لم يأت به أى من الرسل والأنبياء، فأبعدوا المسلم عن كل ما يهديه ويوصله حقاً إلى الله، ولقّنوا أتباعهم أن على الإخوانى أن يسمع ويطيع كل ما يصدر إليه من قادته، ولا يحق له أن يسأل أو يناقش وأن يكون بين أيدى مرشده أشبه بـ«الميت بين يدى مغسّله» دون إعمال العقل فى كل ما يصدره له من أوامر وتعليمات حتى وإن كان فيها هلاكه.
وبعد أن رسّخ البنا ومن بعده سيد قطب ثم مرشدو الجماعة قاعدة السمع والطاعة، صاروا يشحنون عقول وقلوب أتباعهم بكل ما هو باطل من عقائد وأفكار ومفاهيم خاطئة وباطلة، وأبعد ما تكون عن الإسلام، بل ولا تمت له بصلة، ربما أخطرها أن الإخوانى يعيش فى مجتمع جاهلى يضم كفرة، وأن جماعة الإخوان وحدهم هم المسلمون حقاً، وأنهم وحدهم أيضاً أصحاب رسالة فى تقويض هذا المجتمع الجاهلى وإقامة المجتمع الإسلامى على أنقاضه وهو ما لن يتحقق إلا بوصول الإخوان للحكم، وهو ما ينبغى أن تسعى له الجماعة بكل الطرق والأساليب حتى وإن كانت دموية وفاشية ولا أخلاقية، وذلك على أساس قاعدة «الضرورات تبيح المحظورات»، والضرورة عند الإخوان التى لا ضرورة أخرى تسبقها هى وصولهم إلى السلطة والحكم، وأن استخدام القوة هو وسيلة الإخوان الوحيدة لنشر الدعوة، وهذا ما حذّر منه الكاتب عباس العقاد فى مقال له بجريدة «الأساس» فى 2 يناير 1949 عندما قال: «سيستخدم الإخوان القوة لفرض رأيهم»، هذا فضلاً عن شحن العقول أيضاً بكل الأكاذيب والأباطيل والأوهام التى بها يتم تلميع صورة المرشد ورفعه إلى مرتبة الأنبياء والرسل، بل وإلى عبادته من دون الله حتى إن المؤرخ الإخوانى محمود عبدالحليم قال فى كتابه «الإخوان المسلمون ــ أحداث صنعت التاريخ) ص4 «لم أقُدّر النبوة حق قدرها إلا لما رأيت هذا الرجل ــ يقصد حسن البنا ــ وجلست إليه ولازمته وعاشرته»، ولا ندرى كيف يمكن لمسلم أن يصل فى تمجيده لقائد سياسى أو حتى دينى إلى مستوى يضاهى «النبوة»؟! ثم يواصل «عبدالحليم» امتداح «البنا» بمبالغات شديدة فيقول: «كان حسن البنا هو الداعية الذى أهله الله تعالى بكل هذه المؤهلات»، أما المؤرخ الإخوانى الآخر أحمد عادل كمال، وكان أحد قادة الجهاز السرى للجماعة، فقد قال فى كتابه «النقط فوق الحروف» ص66: «كان الإمام حسن البنا فى أحاديثه يرتفع إلى سماوات علا من الروحانية، وكان يقدم من نفسه نموذجاً سامياً ومثلاً عالياً للرجل الربانى.. فتكون إزاء إمام قل نظيره بين أئمة الهدى النادرين، بل وكان من أولياء الله»!!
ولكى يزيد حسن البنا من نفوذه وهيمنته على نفوس أتباعه ليحقق فيهم ما يريده من سمع وطاعة عمياء لكل ما يصدر عنه من أوامر وتعليمات، لجأ إلى نسج هالات من القداسة والغموض والخوارق والمعجزات حول نفسه، وبالغ أتباعه فيها ونشرها فى صفوف الجماعة وخارجها، فقالوا عنه إن «حلول المشكلات تأتيه عفو الخاطر بإلهام سماوى»، كما أن باستطاعته رؤية وقراءة المستقبل، وأن العناية الإلهية غير المرئية تحيط به دوماً تنجيه وتنقذه وترعاه!!، بل لقد وصل الأمر بأخيه عبدالرحمن البنا إلى تشبيه حسن البنا بالرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك فى قوله بمجلة «الإخوان المسلمون» العدد الممتاز عام 1948: «كان حسن البنا يحقق سيرة رسول الله فى نفسه»!! ثم يصل به الأمر بألا يقبل من الأزهريين ولا من الصوفيين أو غيرهم مشاركة له ولجماعته فى كونها «جماعة المسلمين» أى أنها صاحبة الحق فى تمثيل مصالح جموع المسلمين!! لذلك كان هو وأتباعه حريصين على شن هجمات متتالية ضد رجال الأزهر والصوفيين.
ولقد حرص «البنا» ومن بعده سيد قطب وباقى مرشدى الجماعة على أن تتسم علاقة عضو الجماعة بالمرشد بالمبالغة الشديدة فى الاعتقاد فيه والولاء والتقديس له بما يملك عليه نفسه فيجعله مطيعاً طاعة عمياء متصوراً أنه كلما ازداد طاعة وخضوعاً للمرشد وحاشيته فى مكتب الإرشاد ازداد إيماناً، وازداد قرباً من طاعة الله، وبالتدرج يشعر عضو الجماعة وكأنه يستمد وجوده المادى وحياته من الجماعة ومرشدها حتى يتخلى العضو عن صلته بأى هيئة أو جماعة لا يكون الاتصال بها فى مصلحة الدعوة، حتى يصل الأمر بسيد قطب إلى أن يدعو الإخوان إلى مقاطعة المجتمع المصرى الذى وصمه بالجاهلية، بل ومحاربته قائلاً فى ص157 «معالم فى الطريق» «يحاربها المسلم ولو كان فيها مولده وفيها قرابته من النسب، وصهره وفيها أمواله ومنافعه»!! والرد على هذه الأباطيل والترهات لمقاطعة القرابة والنسب والصهر والتى يروجها سيد قطب بين أتباعه، نورد قوله تعالى: «وإن جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما فى الدنيا معروفاً»، حيث يأمر المولى عز وجل الأبناء بمصاحبة والديهم بالمعروف حتى وإن كانوا كافرين ويدعون أبناءهم للشرك.
ويروى حسن البنا فى مذكرات «الدعوة والداعية» كيف أن أحد الشيوخ نصحه بأن يُعمِّق عبق السلفية فى جماعته بأن يشبه إخوانه وأصحابه ومنشآته بأسماء من تاريخ النبوة «قل لهذا إنك تشبه أبابكر، ولهذا إنك تشبه عمر، فإن هذا يبعث فيهم الحمية، وسَمِّ منشآتك معهد حراء للبنين، ومدرسة أمهات المؤمنين للبنات، ونادى الخندق» واستمرت هذه الدجالة باسم الدين تسرى فى الجماعة حتى إن «البنا» أطلق على جماعته «رهبان الليل وفرسان النهار»، ثم نجده يتخلى عنهم بعد أن اغتالوا النقراشى باشا بأوامره، وتم الزج بهم فى السجون، فينكرهم قائلاً: «ما هم بإخوان ولا مسلمين»!! حتى الإسلام ينفيه عن أتباعه!!
محمد مرسى فى إطار السمع والطاعة
ليس هناك من يدل على حقيقة رسوخ قاعدة السمع والطاعة فى نفوس وعقول الإخوان، إلا من عايشهم مثل د. ثروت الخرباوى وكان لفترة من الزمن واحداً منهم حتى أنقذه الله من براثنهم بعد أن كشف له حقيقتهم، فيحدثنا د. «الخرباوى» عن رصده ومشاهدته لسلوك محمد مرسى، من كان رئيساً لمصر لمدة عام أسود، ومدى ترسخ قاعدة السمع والطاعة فى نفسه، فنجده يقول فى مقاله بصحيفة «الوطن» فى 10 نوفمبر 2013: «أعجب ما رأيت عبر حياتى هو إعجاب البعض بمرسى.. المهم لك أن تعرف أن محمد مرسى رجل شديد السطحية، يفتقد لأى قدر من الثقافة العامة، مفرداته اللغوية سوقية، يشعر بالدونية تجاه قياداته، فهو فى ضميره أقل منهم قدراً وقيمة، وفى الوقت ذاته يشعر بالفوقية والاستعلاء على من هم خارج جماعته، وقد ظهر من خلال ما رأيناه منه أنه يعتبر بالنسبة لباقى إخوانه من أعضاء مكتب الإرشاد من سقط المتاع، ومن نكد الدنيا علينا أن كل مكتب الإرشاد بالنسبة للشعب المصرى هم من سقط المتاع، فهذا الرجل سقط من سقط من سقط، ولكن لأنه كان مجهولاً من المصريين فقد ظن البعض أنه على شىء، ثم بعد أن جربناه اتضح لنا جميعاً أنه لا شىء».
ثم يصف «الخرباوى» سلوك محمد مرسى فى تبعيته لمكتب الإرشاد، ولم يكن من أعضائه، فيقول: «لم يكن محمد مرسى أكثر من دودة شرهة فى تفاحة الإخوان الفاسدة، مرسى فى الحقيقة لم يكُ شيئاً، وكان الكل ينظر إليه باعتباره شخصية تنفيذية يصلح لأعمال السكرتارية، محدود الأفق والذكاء، طبيعته منفرة، عشوائى، سوقى فى عباراته، فظ، إلا أنه ظل عمره كله فى التنظيم وهو يعيش بمبدأ «أنا عبدالمأمور»، فحيثما كان مصطفى مشهور (المرشد) يضعه يوضع، وحيثما يحركه خيرت الشاطر يتحرك، كل اهتمامه فى نهاية كل شهر أن يتقاضى المكافأة الشهرية المقررة له من الإخوان، مثله مثل أعضاء مكتب الإرشاد، وكم جاهد من أجل أن يعطيه الإخوان سيارة وحصل عليها بالفعل بعد أن أراق ماء وجهه للشاطر.
ويوضح «الخرباوى» أن اختيار مكتب الإرشاد محمد مرسى مرشحاً للرئاسة كان بسبب طاعته العمياء لرؤسائه فى مكتب الإرشاد، فيقول: «ولمزاياه

فى الطاعة رشحه الإخوان للرئاسة، فهو لا رأى له بل الرأى لسادته، وللأسف فإن من عصروا الليمون كانوا يظنون أن مرسى من الممكن أن يكون رئيساً لمصر كلها، ولكنهم كانوا لا يعرفون مرسى ولا يفهمون الإخوان، فمرسى لا يستطيع ذلك، فهو كغيره من الإخوان لديه مسئول، ومسئوله هو الذى يقوده ويوجهه، وهو المتصرف فى كل أحواله حتى فى أموره الشخصية، أما عن الإخوان فهم يتعبدون لله بالتنظيم (السرى) فهو عندهم الإسلام، لذلك فإن مرسى لم يكن يستطيع الانفصال عن الجماعة أبداً إلا إذا كان يستطيع الانفصال عن الإسلام». وفى ضوء سلوك محمد مرسى الذى اتسم بالسمع والطاعة والتبعية لمكتب الإرشاد، لم يكن غريباً حتى بعد أن صار رئيساً للجمهورية أن يجتمع يومياً فى منزله بقيادات من مكتب الإرشاد ليلاً فيما بين الساعة الثانية عشرة وحتى صلاة الفجر يملوا عليه ما سيقوله ويفعله فى اليوم التالى، وهو ما كانت ترصده أطقم الحراسة التى كانت مكلفة بحراسته، ويؤكد أن محمد مرسى لم يكن يملك إرادته ولإقراره فيما يتعلق بشئون مصر، بل كان ذلك يُفرض عليه من مكتب إرشاد الجماعة، وما على محمد مرسى إلا أن يقوله ويفعله، لذلك لم يكن غريباً أيضاً طوال فترة احتجاز محمد مرسى قبل المحاكمة أن يكرر طلبه لقاء خيرت الشاطر أو المشرد أو حتى محمد البلتاجى أو عصام العريان وحتى داخل قفص الاتهام أثناء الجلسة الأولى لمحاكمة مرسى، كان العريان يملى على مرسى فى أذنه ما يقوله للمحكمة، ووسائل الإعلام، ويذكره برفع يديه مشيراً بإشارة رابعة!! إلى هذا الحد كان مرسى خاضعاً لقاعدة السمع والطاعة، التى زرعها البنا وقطب فى نفوس أتباعهما، وألغيا عقولهم وحرماهم من نعمة التعقل والتدبر والتفكير.
تعمد تجهيل الإخوان بأمور دينهم حتى لا يسألوا ولا يناقشوا
حقيقة الأمر أن الإسلام الذى دعا إليه كل من حسن البنا وسيد قطب، إسلام لا يستند إلى دراسة ومعرفة أمور الدين، وتفهم التعاليم والأوامر والنواهى وحكمتها، ولا حتى إلى حفظ القرآن وإدراك مقصد الهداية فى آياته عملاً بقوله تعالى: «إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم»، وإنما إلى مجرد قشور تكون مبرراً للطاعة العمياء فى (المنشط والمكره) وهو جوهر القسم الذى يقسم عليه الإخوانى بقبوله فى الجماعة وعندما كان كثير من أصدقاء البنا يحثونه على تأليف كتب فى التفسير، وغيرها من علوم الدين، كان يرفض بدعوى «أن المكتبة الإسلامية متخمة بالمؤلفات فى جميع العلوم والفنون، ومع هذا فإنها لم تفد المسلمين شيئاً حين قعدت هممهم وثبطت عزائمهم، وركنوا إلى الدعة والخمول»، ثم أضاف البنا موضحاً حقيقة هدفه وسياسته لتحقيق هذا الهدف قائلاً: «والوقت الذى أضيعه فى تأليف كتاب أستغله فى تأليف مائة شاب مسلم يصير كل منهم كتاباً حياً ناطقاً عاملاً مؤثراً، أرمى به بلداً من البلاد فيؤلفه كما ألف هو».
وعند تحليل هذه العبارات نجدها تكشف أن البنا كان يقيم حزباً سياسياً (يرمى) به البلاد، وما الإسلام إلا قشرة جاذبة. يؤكد هذا المفهوم محمود عبدالحليم فى كتابه «الإخوان المسلمون ـ- أحداث صنعت التاريخ) ص345، فيقول: «الإسلام شقان أحدهما للمعلومات والآخر للتنفيذ والتطبيق، ولم يشغل الشق الأول بكل ما فيه من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا جزءاً من ألف جزء شغلها الشق الأخير»، ثم يمضى قائلاً: «فالإسلام ممارسة وعلم وصبر وجهاد قبل أن يكون معلومات يتعمق فى دراستها ويتبحر فى الخوض فيها»، هنا يتبنى لنا نوع (الأخ المسلم) الذى أراده حسن البنا، إنه ببساطة يريد إنساناً لديه أقل قدر من المعلومات عن الدين، ثم ممارسة عملية، ولأن الممارسة لابد لها أن تستند إلى مرجعية، فالمرجعية هنا تصير «السمع والطاعة للمرشد فى المنشط والمكره»، ولكى تكون الطاعة ممكنة فإنها تُعطى بقشرة إسلامية، أو ما يسمونها «المعلومات الأساسية القليلة من أحكام الدين»، ثم يكفيه بعد ذلك أن يتحرك، أو بالدقة تحريكه لصالح الجماعة بدعوى أنه يتحرك للدين، ومن هنا كان بالإمكان إقناع شباب الإخوان أمس واليوم وغداً، وعلى مدار تاريخها بأن الإرهاب هو من الدين، والقتل هو من الدين، وأن الغضب على أعداء الجماعة هو غضب الدين، إذن فالجهل بالدين كان عند البنا وقطب ومن بعدهما جميع مرشدى وأقطاب الجماعة مقصوداً لذاته، فما كان بالإمكان أن يقبل شاب عارف بأحكام الشرع وتعاليم الإسلام أن يكون مجرد أداة فى يد المرشد وقيادة الجماعة يتم تحريكها لأهداف ومصالح حزبية وشخصية ضيقة، بل ما كان بالإمكان لشاب يعرف أصول دينه أن يتحول إلى أداة قتل وتخريب وتدمير وانتهاك جميع حرمات المسلمين بعد تكفيرهم، فى حين أن أول مبادئ الإسلام ينهى عن كل ذلك، من هنا كان حرص مرشدى الإخوان عبر تاريخهم على عدم توعية كوادر الجماعة بحقيقة دينهم، لأنهم لو أدركوها لسألوا وناقشوا قادتهم فى مكتب الإرشاد وغيره من مكاتب الجماعة حول ما يأمرونهم بارتكابه من جرائم، ولرفضوا تنفيذ تلك الأوامر لأنها ليست من الدين فى شىء، ولما سمعوا ولا أطاعوا لهم أمراً، لذلك حرص قادة الجماعة على إبقاء كواردها على جهل تام بالدين إلا ما ورد فى رسائل البنا وكتب سيد قطب من أفكار هدامة حول تكفير المجتمعات الإسلامية ورميها بالجهالة، وضرورة قيام الجماعة بتقويض تلك المجتمعات والاستيلاء على السلطة بدعوى إقامة دولة الخلافة الإسلامية، ولقد نجحوا فعلاً فى تلويث عقول شباب الإخوان، وحوّلوهم من أدوات بناء وتعمير إلى أدوات هدم وتخريب، وصاروا قطعاناً من الدواب لا تعى ولا تعقل ما يُصدر لها من أوامر وتعليمات، وتسأل أنفسها: هل هذا من الدين أم ضد الدين؟!
وفى مواجهة افتراءات الإخوان فيما يتعلق بتكريس قاعدة «السمع والطاعة» دون تعقل أو تدبر، نقول إن إغلاق نافذة العقل كان أكبر نكبة ابتلى بها الإسلام فى تاريخه، حيث ينكر عليهم القرآن ذلك إنكاراً تاماً ويصفهم الله تعالى بأنهم «لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون»، بل إن القرآن ينكر على المسلم أن يتبع ما يملى عليه من غيره، كبيراً كان أم صغيراً، دون تعقل أو تدبر، مصداقاً لقوله تعالى: «وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون»، بل يوضح القرآن أن السمع دون تدبر وتمعن سيهوى بالإنسان إلى مهاوى الدواب والأنعام التى تشير إليها آية قوله تعالى: «إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون»، فالمقصود بالدواب التى توصف بصفة البشر هو ذلك الإنسان المنحرف عن صفات البشرية فيما تهوى فيه نفسه من محرمات كالتى يرتكبها الإخوان من قتل وسفك دماء وتعذيب وسحل لمسلمين آخرين، فضلاً عن سرقة أموال وتخريب منشآت من أجل السلطة والحكم باسم الدين، وما هو من الدين فى شىء، بل يُحرمه ويجرمه الدين، ومن ثم فإن الإخوانى الذى يسلم نفسه لقاداته، وينفذ أوامرهم دون تدبر أو تعقل، فإنه يتدنى إلى أدنى مراتب المخلوقات، بل يمكن وصفه حقاً بالمخلوق الدابة الذى لا يعى ولا يعقل لأنه يمشى كما يصفه القرآن «مكباً على وجهه»، بل ويصل إلى مرتبة الوحوش فيما يرتكبه من جرائم على النحو الذى ارتكبه الإخوان فى رابعة والنهضة وكرداسة.. وغيرها على كل الساحة المصرية، وهو ما يعنيه قوله تعالى: «إذ الحوش حُشرت»، فالآية لا تتحدث عن أسد ونمر وضبع، ولكن عن أناس تدنت صفاتهم فوصلت بدمويتها إلى مرتبة الوحوش، فمن البديهى أن الأسد والنمر والضبع مخلوقات غير مكلفة، وبالتالى فليس عليها من حساب وليست محلاً لخطاب الله تعالى لها، ولكن الآية تتحدث عن نفوس آدمية توحشت فوصلت إلى مرتبة الوحوش.