رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

محاكمة سيد قطب الثانية تحت قناع محمد مرسى

سيد قطب
سيد قطب

بين مشهدي احتفال جماعة الاخوان بفوز محمد مرسى فى ميدان التحرير ومشهد محاكمته المرتقب تنبت أسئلة كثيرة، وتنهمر أفكار عدة، وتظهر تحليلات متنوعة لما جرى وما كان وربما ما هو كائن، لكن معظم تلك الرؤى تتفق على حقيقة وحيدة هى أن الرجل يستحق نهايته.

التفتيش فى دماغ محمد مرسى يكشف ارتباطه الوثيق بسيد قطب . تلميذ متيّم بأستاذ لم يره ولم يعرفه الا عبر أفكار مُلغمة تركها لأجيال من الحركة الاسلامية لتصبح مانفيستو حركى لأعمالها ومبرراً شرعياً لانتهاجها العنف.
فى أكثر من لقاء يعترف الرجل بتلمذته على يد كلمات المفكر المتطرف الذى قسّم المجتمع قسمين: قسما اسلاميا والآخر جاهليا، واعتبر كافة المجتمعات القائمة مجتمعات جاهلية حتى لو ادعت أنها مسلمة، وأن مهمة طليعة الايمان أن تخاصم مجتمع الجاهلية، وتخالفه، وتهاجمه وتُغير عليه (بنفس تعبير سيد قطب فى كتابه الظلال).
إن ظروف ظهور سيد قطب فى تاريخ الجماعة معروفة للجميع، فبعد عقود من التحالف مع السلطة ضد الشعب، وضد الحرية، تحولت سلطة ثورة يوليو لتنقض على الاخوان بعد وصول الخلاف معها إلى حد القتل (محاولة اغتيال عبد الناصر فى المنشية 1954) وهو ما دفع النظام لممارسة قمع منظم ضد الجماعة دخل على أثره الصديق المقرب لعبد الناصر وهو سيد قطب إلى السجن ليكتب بتأنٍ أفكار العزلة والتكفير، ثم يخرج بعفو صحى ليشترك فى خلية سرية لقلب نظام الحكم وتتم محاكمته عسكريا ويعدم فى اغسطس 1966 مما يمنح أفكاره قدسية وذيوعا.
كان قطب قد أطلق صيحته الشهيرة «بجاهلية الانظمة الحاكمة والمجتمع» من خلال كتابى «معالم فى الطريق» و«فى ظلال القرآن» وتلقف شباب الحركة الاسلامية فى بداية السبعينيات تلك الكتب ونشروها وآمنوا بها واعتبرها بعضهم تفسيرا صحيحا للاسلام بل هى الاسلام ذاته.
ولم يكن غريبا أن كافة شباب الحركة الاسلامية فى السبعينيات مارسوا فكر التكفير والاقصاء ورفض الآخر ومعاداة الأقباط كما لم يمارسه غيرهم من كوادر الحركة فيما قبل، لذا ظهر متعصبون قساة مثل: شكرى مصطفى، ومحمد عبد السلام فرج، وعبود الزمر، ولم يكن شباب الاخوان بعيدين عن ذلك.
إن ثروت الخرباوى المتحرر من الاخوان يكشف فى كتابه «سر المعبد» أن مجموعة من الشباب المتيّم بسيد قطب تدارسوا أفكاره وآمنوا بها واتخذوا لهم تجمعا فرعيا داخل الاخوان ،وهو ما دفع عمر التلمسانى مرشد الجماعة الثالث لأن يكتب عام 1977 رسالة إلى اخوان الخليج يحذرهم فيها من تنظيم «العشرات». لقد وصفهم بذلك لأن أعدادهم لم تتجاوز العشرات داخل الاخوان وهم ممن يؤمنون بأفكار التكفير القطبية تماما ويتحينون الفرصة للانقضاض على سلطة الجماعة كخطوة اولى قبل الانقضاض على الحكم. الغريب والمثير أن تلك الرسالة تضمنت أسماء بعض تنظيم «العشرات» وعلى رأسهما محمد بديع ومحمود عزت.
لقد نجح هؤلاء فيما بعد فى الاستحواذ على مكتب ارشاد الجماعة والتحكم فيها بل الاطاحة بمحمد مهدى عاكف المرشد السابق نفسه وتسكين تلامذتهم ورجالهم وعلى رأسهم خيرت الشاطر ومحمد مرسى فى مواقع قيادية داخل الجماعة.
ولم يكن غريبا أن يكون الإسمان اللذان رشحتهما الجماعة لمنصب رئيس مصر ينتميان إلى جماعة القطبيين الذين يؤمنون أن الاسلام هو ما يقوله سيد قطب. فخيرت الشاطر المرشح الأول يعتبر سيد قطب مجددا للاسلام وشهيدا عظيما، ويقول محمد مرسى صراحة بأنه وجد الاسلام فيما يقوله قطب جليا.
فى عام 2009 قال الدكتور يوسف القرضاوى كلاما واضحا فى ندوة بنقابة الصحفيين حول أفكار سيد قطب أعتبرها تدعو إلى التكفير وتتسم بالغلو والتشدد، وبعد أيام اختارت جماعة الإخوان ــ التى صارت وقتها قطبية تماما ــ كلا من محمود عزت المتهم فى قضية تنظيم 1965 مع قطب، والدكتور محمد مرسى التلميذ المطيع للقطبيين ليدافعا عن قطب ويردا على القرضاوى، وكان من المثير للدهشة أن يظهر الرجلان معا فى قناة «الفراعين» مع ضياء رشوان ليدافعا عن فيلسوف العنف. يومها قال مرسى نصا:
«قرأنا فى سيد قطب الفهم الحقيقى، والرؤية الصائبة للاسلام. كنا صغارا فى السبعينيات ولم نر فيه تكفيرا ولا هجرة أو عزلة أو اعتزالاً للمجتمع. لقد فتح الله على  سيد قطب بكلام يحرك الوجدان ويمس القلب ويتحدى العقل, ومن يرد أن يقرأ سيد قطب فعليه أن يصبر . هذا هو الاسلام. وليس لديه تكفير للمجتمع. أنا ابحث عن الاسلام ووجدته فيما كتبه سيد قطب جليا. تحريت الدقة فى ذلك، ووجدت الرجل يريد عرض الاسلام بالصورة التى يجب أن يكون عليه».
انتهى كلام الرجل لكن عودة سريعة لبعض أقوال قطب التى اعتبرها مرسى تمثل الاسلام نفسه تكشف لنا خطورة وصول هذا الرجل لحكم مصر. فمن أقواله:
ــ الناس ليسوا مسلمين كما يدعون وهم يحيون حياة الجاهلية . ليس هذا اسلاما وليس هؤلاء مسلمين. «معالم فى الطريق ص 173»
ــ إما أن يلتزم الناس الاسلام دينا أى منهجا للحياة ونظاما وإلا فهو الكفر والجاهلية. «خصائص التصور الاسلامى - طبعة الشروق ص 85».
ــ القوى الانسانية نوعان ،قوة مهتدية ،تؤمن بالله وتتبع منهجه وهذه يجب أن نؤازرها ونتعاون معها على الخير والحق والصلاح.. وقوة ضالة لا تتصل بالله ولا تتبع منهجه. وهذه يجب أن نحاربها ونكافحها ونغير عليها. «فى ظلال القرآن ج1. ص25»
ــ إن الرجعية لن تقف مكتوفة الأيدى وهى تشهد مصرعها، فلنضرب بسرعة. أما الشعب فعليه ان يحفر القبر وأن يهيل التراب. «مقال بجريدة الأخبار اغسطس 1952».
ــ لأن نظلم عشرة أو عشرين من المتهمين خير من أن ندع الثورة

كلها تذبل وتموت. «مقال بمجلة روزاليوسف 10 سبتمبر 1952».
إن المتابع لعام الظلام الذى سقط فيه محمد مرسى خلسة على ظهر مصر يكتشف تشابها كبيرا فى كثير من مقولات مرسى مع عبارات قطب. لقد كان أستاذه ومنه نهل وعنه أخذ وتحت توهج معالمه ضل وما اهتدى.
يقول مرسى:
"أنا رئيس بعد ثورة و ممكن نضحى بشوية علشان الوطن كله يمشي" خطاب مؤتمر المرأة 24 مارس 2013
"أنا ضد أى اجراءات استثنائية، لكننى لو اضطررت سأفعل وهأنا أفعل". 27 يناير 2013
"إن على الناس أن تقول «نعم» للدستور الذى أعددته تأسيسية «الإخوان» كى ينتهى الاعلان الدستورى". حواره مع  التليفزيون المصرى بعد الاعلان الدستورى المكمل.
إن تحليل أداء الرئيس السابق سواء على الساحة المحلية أو الخارجية يظهر تطبيقا متعجلا لأفكار قطب الشاذة بدءاً من فكرة عدم الاعتراف بحدود الوطن إلى أن منهج الجهاد فى الاسلام هو الاغارة على الآخرين وقتالهم وعدم الاعتراف بحقوق المواطنة للأقباط.
إن قطب يقول صراحة فى كتاب «المعالم»: «لا وطن للمسلم إلا الذى تقام فيه شرائع الله فتقوم الروابط بينه وبين سكانه على أساس الارتباط فى الله، ولا جنسية للمسلم إلا عقيدته التى تجعله عضوا فى الأمة المسلمة فى دار الاسلام»، وربما كان ذلك السبب الذى جعل الرئيس السابق يقف مجاملا لدولة السودان بالتسليم بمنحها اقليم حلايب المصرى دون أدنى مشكلة. فالوطن عنده، كما عند أستاذه بلا حدود ولا خصائص ولا نشيد قومى وانما هو وطن العقيدة وحدها.
وربما كان ذلك أيضا وراء خصام الرئيس مرسى غير المعلن للأقباط رغم تصريحاته الملتوية باحترام حقوقهم واعتبارهم إخوة. إننى اذكر فى  عيد الميلاد المجيد أن سرت أنباء عن اعتزام مرسى زيارة الكنيسة للتهنئة به، وتحديت كثيراً من الأصدقاء أن ذلك لن يتم لأننى أعرف يقينا أن دماغ سيد قطب المزروعة فى رأس الرئيس مرسى تأبى تماما أى اعتراف أو محبة أو مودة تجاه أى مواطن غير مسلم. إن سيد قطب  قال لنجيب محفوظ يوما: «لا تتصور  أننى يمكن أن أنصف ابداع  أى مبدع  قبطى حتى لو كان يستحق الانصاف». لقد كان يحمل بغضا غريبا وشديدا تجاه فكرة الوطن والمواطنة.
الخطير فى الأمر أن مرسى عندما أفرج عن ارهابيين وقتلة مارسوا العنف وسفكوا دماء الأبرياء تحت لافتة الدين كان يستهدف بذلك انشاء طليعة دفاعية دعا إليها قطب، بل حاول إنشاءها بالفعل وتم احباط المحاولة وكانت حياته ثمنا لذلك.
وبذات الأحادية ونفس فكرة الاستعلاء التى دعا إليها قطب خاصم محمد مرسى كافة القوى السياسية الأخرى واعتبرها قوى تخريبية وأطلقت المواقع الالكترونية الإخوانية على جبهة الانقاذ وصف «جبهة الخراب»، ولم تمض شهور قليلة على اختياره رئيسا حتى أصدر اعلانا دستوريا يمنحه السلطة المطلقة ويحصن قراراته ضد أى طعن وكأنه إله.
إن الكاتب البريطانى المتخصص فى الاسلام السياسى «جيم توث» يتعجب كيف وصل القطبيون إلى حكم مصر رغم عدم ايمانهم بالديمقراطية ورفضهم المطلق للآخر. لقد تغلغل هؤلاء شيئا فشيئا فى شرايين الحركة الاسلامية ثم سيطروا تدريجيا على أكبر تنظيم فى تلك الحركة وهى جماعة الاخوان المسلمين ،ومارسوا التقية السياسية فقبلوا بانتخابات كانوا يرونها تنقل الحكم من الله إلى الشعب ،ومارسوا السياسة ــ بذات الانتهازية التى مارسها الحزب الوطنى المباركى فقدموا الزيت والسكر والمال لشراء أصوات الفقراء واختطاف مصر.
فى قفص المحاكمة يقبع مسئول سياسى أساء إلى مصر وشعبها وحضارتها  ووسطيتها، لكن فى حقيقة الأمر فإن المتهم الحقيقى خارج القفص. المتهم الحقيقى مات منذ 40 عاما، لكن كلماته مازالت تضل وتضلل وتسفك دماء الوطن. إن المحاكمة الحقيقية ليست لمحمد مرسى العياط ،لكنها لسيد ابراهيم قطب.