رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

السحابة السوداء.. مسلسل كل عام

بوابة الوفد الإلكترونية

في مثل هذا الوقت من كل عام تكسو سماء القاهرة والمحافظات سحابة دخانية معروفة إعلامياً باسم «السحابة السوداء»، تزكم رائحة دخانها أنوف المصريين، وتلهب عيونهم، ويزداد معها عدد الإصابات بالأزمات الصدرية، كما يزداد معدل حوادث الطرق في المحافظات، خاصة محافظات الدقهلية وكفر الشيخ والغربية.

أما في القاهرة فتزداد السماء كآبة، وتختفي السحب الطبيعية وراء هذه السحابة القاتمة، كما تختفي معالم القاهرة في بعض الأحيان وراءها ويختنق المواطنون برائحة الدخان التي تنتشر أثناء الليل.
ورغم تغيير الوزراء، ومحاولات وزارات البيئة والزراعة والتنمية المحلية السيطرة عليها، فإنها جميعاً فشلت في مواجهة هذه الظاهرة التي دخلت عامها الرابع عشر، وكأن مصر أصبحت علي موعد شبه دائم معها.
شهدت الأسابيع القليلة الماضية انتشار رائحة الدخان في سماء القاهرة ومحافظات الدلتا، حتي وصلت إلي الإسكندرية، ورغم أن حدة سحابة الدخان السنوية لم تكن مثل الأعوام الماضية، فإن كثيرين شعروا بها، خاصة مرضى الأمراض الصدرية كالربو والحساسية المزمنة، ففي المساء يشعر الجميع برائحة الدخان منتشرة في كل مكان، أما في المحافظات فالأمر أخطر من ذلك، حيث تسببت أعمدة الدخان الكثيف الناتج عن حرق قش الأرز في محافظات الدقهلية وكفر الشيخ والغربية في اصطدام سيارة نقل بأخرى ملاكى علي طريق جمصة بسبب انعدام الرؤية، ما أودى بحياة قائد السيارة الملاكى.
كما استقبل مستشفي الأطفال الجامعى بالدقهلية حوالى 12 طفلاً مصاباً باختناق بسبب الدخان للأسبوع الماضى.
ورغم أن وزارتي الزراعة والبيئة وقعتا بروتوكول تعاون لتدوير 100 ألف طن من المخلفات الزراعية، خاصة قش الأرز، فإن هذا المشروع لم يؤت ثماره بعد، فمازال قش الأرز يعتبر مشكلة لكثير من المزارعين، خاصة أن وجوده في الأرض يؤدى إلي تجمع الفئران والقوارض والثعابين ويحول دون استفادة الفلاح من المساحة التي يتم تشوين القش فيها، ورغم إعلان «الزراعة» عن شراء طن القش بـ100 جنيه من الفلاحين فإن كثيراً منهم لا ينتظر دوره في عملية الكبس ثم النقل، ويقوم بحرق القش، وهو ما يزيد من مشكلة السحابة السوداء.
يرجع تاريخ ظهور السحابة السوداء إلي شهر أكتوبر 1999، إبان تولي الدكتورة نادية مكرم عبيد حقيبة البيئة، وعندما تكررت الظاهرة تمت الإطاحة بها، ومع ذلك فشل كل وزراء البيئة بعدها طوال الأربعة عشر عاماً الماضية في مواجهة هذه الظاهرة، ورغم أن الدراسات أكدت أن قش الأرز لا يمثل سوى 20٪ فقط من أسباب هذه الظاهرة، فإنه أصبح الشماعة التي يعلق عليها الجميع أسباب الظاهرة، والواقع والدراسات يؤكدان أن الأسباب الأخري للسحابة السوداء هي عوادم السيارات التي وصل عددها إلي 2.5 مليون سيارة في القاهرة وحدها، والتي أصبحت من أكثر مدن العالم تلوثاً، بالإضافة إلي غبار مصانع الأسمنت، ومخلفات المصانع والورش ومسابك الحديد والصلب، ومكامير الفحم، والحرق المكشوف للقمامة، حيث تنتج القاهرة 12 مليون طن قمامة يومياً، يتم التخلص من 7 ملايين منها فقط بطريقة علمية، أما الباقى فيتم التخلص منه بطرق ملوثة للبيئة.
ورغم أن الدكتورة نادية الطيب، أستاذ تلوث الهواء بالمركز القومى للبحوث، تري أن المشكلة أصبحت أقل بشكل كبير عن ذي قبل، فإنها أكدت أن تكرارها من عام لآخر يعد مشكلة حقيقية يجب ألا يستهان بها نظراً لتأثيراتها الخطيرة علي الصحة العامة.
وأضافت: نجحت جهود وزارتي البيئة والزراعة في تقليل حرق قش الأرز والاستفادة منه، ولكن السحابة السوداء مستمرة لأن لها أسباباً أخرى، منها الملوثات الأخرى، مثل عوادم السيارات، والانبعاثات الناتجة عن المصانع، ومحطات الكهرباء، والحرق المكشوف للقمامة، بالإضافة إلي ظاهرة الاحتباس الحرارى التي يحدث معها سكون في حركة الهواء، وهو ما يؤدى إلى زيادة الإحساس بالملوثات.
وأشارت «الطيب» إلي ضرورة العمل علي تقليل هذه الملوثات من خلال التوسع في تشغيل محطات إنتاج الكهرباء والمصانع بالغاز الطبيعى، وضرورة السيطرة علي مصادر التلوث الأخرى، مع التوسع في إنشاء مصانع تدوير المخلفات الزراعية.
وأكدت أن الشعور بالسحابة سيقل أكثر في الأعوام القادمة بسبب مصانع تدوير المخلفات الزراعية التي يتم إنشاؤها الآن، ولابد أن يصاحب هذا تقليل الملوثات الأخرى مثل عوادم السيارات وأبخرة المصانع.
وأرجع محمد ناجى، مدير مركز حابى للدراسات البيئية السبب الرئيسي لاستمرار ظاهرة السحابة السوداء إلي انتشار الملوثات بشكل عام، خاصة عوادم السيارات التي تتزايد كل عام بسبب زيادة أعداد السيارات، بالإضافة إلى الملوثات الناتجة عن المصانع، فهذه الملوثات هي السبب الرئيسى في ظهور السحابة السوداء وتكرارها طوال الأعوام الماضية، ولن تنتهي هذه الظاهرة إذا استمرت الملوثات بهذا الكم.
وطالب «ناجي» وزارة الداخلية بضرورة تفعيل قانون المرور، وتقليل الانبعاثات الخارجة من السيارات، ومنع سير أي سيارة تلوث البيئة لحماية البيئة، وضمان عدم تكرار ظاهرة السحابة السوداء.
ورغم الدراسات الكثيرة، والأسباب المعلومة للجميع والتي ذكرها الخبراء عن أسباب السحابة السوداء، فإن الحكومات المتعاقبة فشلت في مواجهتها منذ عام 1999 حتي الآن، وحتي الدكتورة ليلي إسكندر وزيرة البيئة الحالية، صرحت بعد توليها المسئولية بأن الوزارة خصصت غرفة عمليات مركزية لمواجهة مشكلة السحابة السوداء، من خلال خطة كاملة للتحكم في مصادر التلوث، مشيرة إلى تبني منظومة متكاملة للحد من تلوث الهواء، والقضاء علي مصادره، والاستعداد المبكر لمكافحة السحابة السوداء من خلال إحكام السيطرة علي عمليات المراقبة والتفتيش الليلي علي حرائق قسم الأرز منذ منتصف سبتمبر حتي منتصف نوفمبر.
ومع ذلك، فشلت الوزيرة كسابقيها في مواجهة هذه الظاهرة التي عادت للظهور خلال الأسابيع القليلة الماضية، ومع استمرار الملوثات، فمن المتوقع أن تظهر في الأعوام القادمة أيضاً.
وإذا كانت الدراسات تؤكد زيادة معدلات التلوث في القاهرة على كل مدن العالم، فإن معدلات التلوث وقت السحابة السوداء تصل لعشرة أضعاف معدلاتها العادية، وهو ما يزيد من شعور المواطنين بها. ويقدر البنك الدولي تكلفة التدهور البيئى بحوالى 24 مليار دولار سنوياً، نتيجة الأمراض الناجمة عن التلوث، والتي يؤكد الدكتور حمدي عبدالفتاح استشاري الأمراض الصدرية أنها تتراوح بين الإصابة بالأمراض الصدرية كالأزمات الربوية والشعبية وازدياد معدلات الإصابة بأمراض التحجر الرئوى والتي تؤدى إلي الوفاة، كما أن أمراض التلوث قد تصل للإصابة بأمراض السرطان والفشل الكبدى والكلوى، وهو ما يبرر ارتفاع معدلات الإصابة بهذه الأمراض، بالإضافة إلى التهابات العيون.
وأشار إلي أن تكلفة هذه الأمراض لا تقتصر علي تكاليف العلاج المرتفعة فقط والتي تتحملها الدولة، إنما تمتد أيضاً لإعاقة أصحابها عن العمل، والذين يصبحون عبئاً علي الدولة والمجتمع، ومن هنا يطالب الدكتور حمدي بضرورة الحد من الملوثات، حفاظاً علي صحة المصريين وأموالهم وميزانية دولتهم.