رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حرب أكتوبر بعيون إسرائيلية.. من داخل غرفة العمليات

بوابة الوفد الإلكترونية

علي مدي 40 عاماً، قرأنا حرب أكتوبر بعيون مصرية، وسمعناها من لسان عربي، وأنصتنا إلي عسكريين من بني وطننا.. ولكن ماذا لو أبحرنا إلي مكان آخر وقرأنا نفس الحرب بعيون إسرائيلية ولسان عبري..

هذا ما فعله الكاتب المتخصص في الشئون الإسرائيلية «إسلام الشافعي» الذي رصد الحرب من واقع الوثائق الإسرائيلية ومن داخل غرفة عمليات الجيش الإسرائيلي وجمع كل هذا في كتاب جعل عنوانه «حرب الأيام الأربعة - نصر أكتوبر من داخل غرفة عمليات الجيش الإسرائيلي».
يأخذنا الكتاب في رحلة لا تخلو من صورة سينمائية مشوقة لرصد أحداث حرب أكتوبر ومعايشتها يوما بيوم، من داخل غرفة عمليات الجيش الإسرائيلى.. ويستعرض وقائع الحرب من خلال اليوميات التى حرص على تسجيلها قائد الجيش الإسرائيلي شاموئيل جونين طوال أيام الحرب. ويخلص القارئ من الكتاب إلى نتيجة تمثل مفأجاة كبيرة للمصريين والإسرائيليين علي السواء، فيقول «المصريون فعلوا كل شيء فى حرب أكتوبر إلا شيئاً واحداً وهو معرفة حجم الانتصار الذى حققوه وعظمة تلك الحرب التى خاضها الجيش المصرى».
والمؤكد أيضاً أن ذات النتيجة تفضح كذب الإسرائيليين الذين ألقي بهم إدمان الكذب والخداع إلي الزعم أنهم انتصروا في حرب أكتوبر!
ويبرهن الكاتب من خلال الوثائق الإسرائيلية علي نجاح الجيش المصرى فى تدمير الجيش الإسرائيلى بشكل كامل خلال الأربعة أيام الأولى من الحرب، مشيرا إلى التصريحات الشهيرة لوزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك موشى ديان التي طالب فيها بسحب من تبقى من جنوده من سيناء، وتسليح الإسرائيليين في تل أبيب للدفاع عنها إذا ما حاول الجيش المصري احتلالها، وهى التصريحات التي قررت بسببها  رئيسة الوزراء جولدا مائير منعه من التحدث لوسائل الإعلام على إثرها.
ويقول الكاتب: إن تلك التصريحات لم تكن مجرد رد فعل هستيري لصدمة الحرب غير المتوقعة، بقدر ما كانت رؤية عسكرية لقائد عسكري محنك، تؤيدها شهادات ورؤية قادته في ميدان المعركة، وإن كان لا يعلم أن هناك جيشا آخر  وقوات أخرى ستكمل المعركة عوضاً عن جيشه الذي أبيد عن بكرة أبيه مع انكسار الهجوم المضاد الإسرائيلى الذى خطط له وأشرف على تنفيذه من داخل غرفة العمليات كبار قادة الأركان الأمريكيين بنهاية يوم 9 أكتوبر.
ويسرد الكتاب اعترافات قائد اللواء 217 الإسرائيلي العقيد نتان نير (ناتك)، الذي يقول فيها إنه في أعقاب فشل الهجوم المضاد الذي شنه الجيش الإسرائيلي على القوات المصرية لم يكن هناك بين الجيش المصري وتل أبيب سوى ثماني دبابات فقط منتشرة على طول الطريق من قناة السويس وحتى حدود إسرائيل. وهنا يتدخل الكاتب برأيه ليدعم موقف كل من قائد غرفة العمليات الفريق عبدالغنى الجمسى ورئيس الأركان الفريق سعدالدين الشاذلى في مواجهة موقف وزير الدفاع المشير أحمد إسماعيل الذى تمسك بالخطة الموضوعة حرفياً وأصر على عمل وقفة تعبوية قبل مواصلة الحرب.
إذ أكدت الحقائق أن الجيش الإسرائيلي كان في حالة انهيار تام، وكان بإمكان الجيش المصري تطوير هجومه كيفما شاء، وربما إلى دخول تل أبيب كما قال ديان، فقد تبين لاحقا أن تلك الوقفة التعبوية التي بدأت بانتهاء قتال يوم 9 أكتوبر لم تكن في صالح أحد غير الجانب الإسرائيلى، إذ منحته ومنحت حليفته الولايات المتحدة الوقت الكافى لعمل جسر جوى بمعنى الكلمة عوض كل الخسائر الإسرائيلية من المعدات والرجال، إذا وصلت الأسلحة الأمريكية بأطقمها القتالية كاملة إلى سيناء، وهو ما أتاح لإسرائيل مواصلة القتال حتى قرار وقف إطلاق النار.
ويشير الكتاب إلى شهادات ضباط إسرائيليين تفيد بأن الجيش المصرى خاض باقى أيام الحرب أمام الولايات المتحدة الأمريكية بما يتضمنه ذلك من مشاركة جنود أمريكيين فى ميدان المعركة.
    
حقيقة الثغرة
ويفرد الكاتب فصلاً كاملاً لمناقشة ما أثير حول الثغرة.. باعتبارها أكثر ما شهدته حرب أكتوبر وأثارت جدلاً لم ينقطع حتي الآن ويقول: منذ اليوم الثاني لحرب أكتوبر بدأ قطبا العالم «الاتحاد السوفيتي وأمريكا» في التحرك والتفكير جدياً في إصدار قرار لمجلس الأمن بوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات مباشرة.. ولكن على أي وضع سيتم وقف إطلاق النار؟.. كانت إجابة ذلك السؤال هي المحرك الرئيسي «من وجهة النظر الأمريكية» للعمليات العسكرية بدءاً من يوم 15 أكتوبر.
وكانت الولايات المتحدة قد تأكدت من الهزيمة الكبيرة لجيش الاحتلال كما لم تكن لتقبل بانتهاء الحرب ووقف إطلاق النار على ذلك الوضع الذي يظهر جلياً تفوق السلاح الروسي في يد المصريين على السلاح الأمريكي في يد الإسرائيليين.. وعن ذلك يقول هنري كسينجر في مذكراته: «لم يكن يخالجني الشك في أن هزيمة إسرائيل بفضل التسليح السوفييتي ستكون كارثة جيوبوليتيكية للولايات المتحدة».. ومن هذا المنطلق تحدد الهدف الاستراتيجي للحرب بالنسبة للولايات المتحدة في تحسين أوضاع القوات الإسرائيلية في ميدان القتال قبل وقف إطلاق النار بأي ثمن.. فقد أصبحت هزيمة الجيش المصري وسلاحه السوفييتي حلماً بعيد المنال بعد المعارك التي دارت في الأيام السابقة.. وبما أن المطلوب هو إنقاذ سمعة الولايات المتحدة.. فقد انحصرت الأهداف في تحسين أوضاع القوات الإسرائيلية وعمل تحرك عسكري يمكن تضخيمه إعلامياً وعلى ماكينات الإعلام الصهيوأمريكية استكمال المهمة.. مهمة إنقاذ السمعة الأمريكية وقدرتها على حماية حلفائها.
وقد وضحت تلك الحقيقة جلية فيما كشفت عنه الوثائق فيما بعد من إصرار كسينجر على تحسين أوضاع القوات الإسرائيلية وضغطه على رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير بضرورة تحرك القوات الإسرائيلية لمواقع أفضل لتحقيق أي مكاسب حتى بعد قراري  مجلس الأمن 338 و339 بوقف إطلاق النار على الرغم من تعهد الجميع بالالتزام بهما وتعهد الولايات المتحدة نفسها بضمان تنفيذهما.
ولم تتوقف الخروقات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار بمساندة أمريكية عند هذا الحد فقط، بل امتدت إلى الدفع بقوات جديدة محمولة جواً إلى غرب القناة لدعم تلك الخروقات وتحديداً دعم تحركات أجوداه برن.. ولم يكن ذلك العمل الدعائي العسكري سوى عمل ثغرة بين الجيشين الثاني والثالث عند منطقة الدفرسوار وعبور القوات الإسرائيلية من خلالها إلى الضفة الغربية بأي ثمن.. وعلى ماكينة الإعلام أن تصور الحرب على أنها لم تخرج عن عبور الجيش المصري شرقاً، واستيلائه على الضفة الشرقية للقناة وعبور الجيش الإسرائيلي غرباً والاستيلاء على الضفة الغربية للقناة.
وبالطبع كانت هذه الصورة المبتسرة هي ما سعي الإعلام الصهيوأمريكي لنشرها تشويهاً للحقيقة وتغطية للفضيحة الكبرى والهزيمة التي ألحقت بالسلاح الأمريكي والجيش الإسرائيلي.. فما هي الحقيقة؟.. وكيف حدثت الثغرة؟.. وهل يمكن اعتبارها نجاحا عسكرياً للجيش الإسرائيلي؟
والحقيقة – يواصل الكاتب - أنه لتقييم «الثغرة» تقييماً دقيقاً يبعد كل البعد عن التحيز أو العاطفة لابد أولاً من دراسة عدة نقاط رئيسية وهي:
- ما هي الأهداف العسكرية الإسرائيلية من «الثغرة» أو العبور غرباً؟
- هل تحققت تلك الأهداف؟
- وما هي أوضاع القوات الإسرائيلية غرب القناة وإلى أي مدى كان يمكنها الاستمرار والبقاء؟
- أي الجيشين كان في وضع أفضل على الضفة الغربية .. والشرقية أيضاً؟
- والسؤال الأخير والأهم هو هل لو كانت عملية الثغرة في صالح إسرائيل أو كانت الحرب بأكملها تشكل نصراً أو وضعاً مطمئناً لها؟
- هل كانت لتقبل بوقف إطلاق النار مع سيل إمدادات الأسلحة الأمريكية؟
- وهل كانت إسرائيل لتنسحب من باقي سيناء فيما تم بعد ذلك من مفاوضات؟

ثلاثة أخطاء قاتلة
دائماً ما تكشف النتائج عن حقيقة الأحداث التي سبقتها وطبيعتها.. من هذا المنطلق نبدأ حديثنا عن الثغرة.. وهنا يحسم المشير الجمسي الأمر بجملة واحدة إذ يقول «وجاء الاتفاق المصري الإسرائيلي للفصل بين القوات وظهرت حقيقة الثغرة عندما طلبت إسرائيل ترك الثغرة وسحب قواتها شرقاً بعيداً عن القناة.. ففي النهاية قد تحولت القوات الإسرائيلية الموجودة غرب القناة من سلاح تضغط به علينا إلى رهينة نضغط بها نحن على إسرائيل ومصدر استنزاف لأرواح ومعدات واقتصاد إسرائيل».
نعم كانت تلك هي الحقيقة المجملة لعملية الاختراق الإسرائيلي إلى غرب القناة.. وإن كان هذا لا يعفي القيادة المصرية في تلك الفترة من 3 أخطاء ارتكبتها كنا في غنى عنها ولولاها لما وجد الإعلام الصهيوأمريكي ما يطنطن به ويداري عاره خلفه.. أول هذه الأخطاء خطأ سياسي والثاني عسكري والثالث إعلامي.. أما الخطأ السياسي فيتحمل الرئيس السادات تبعاته وحده.. فخطة الاختراق الإسرائيلية الأمريكية كانت تعتمد على اندفاع قواتهم من جهتي الشمال والجنوب لتلتقي عند نقطة تكون أضعف النقاط في خطوط الجيش المقابل.. وتحددت هذه النقطة عند منطقة الدفرسوار بين الجيشين الثاني والثالث.. ليضغط الجيش الإسرائيلي بكل ما أوتي من قوة عند هذه النقطة مستخدماً فرق عملياته الثلاث المتواجدة في سيناء لإحداث الثغرة والاختراق المطلوب.. وسبق أن اتضح نفس التكتيك في الهجوم المضاد الذي شنته إسرائيل في اليومين الثالث والرابع من الحرب وصدته القوات المصرية باقتدار ثم عاود الجيش الإسرائيلي تكرار نفس العملية في يوم 15 أكتوبر.. والحقيقة أنه لولا إعلان الرئيس السادات للسوفييت والأمريكيين اعتزامه عدم تعميق الاشتباكات أو توسيع الهجوم «وهي نفس الرسالة التي نقلها مستشار الأمن القومي المصري حافظ إسماعيل إلى هنري كسينجر يوم 7 أكتوبر وبالطبع كانت في تل أبيب فور وصولها للأمريكيين»..فلولا هذا الإعلان لما مضت الأحداث على هذا النحو.. ولولا علم إسرائيل المسبق بعدم اعتزام القوات المصرية تعميق الهجوم لما جرؤت على تحريك قواتها المواجهة للجيش الثاني جنوباً إلى الدفرسوار أو تحريك قواتها المواجهة للجيش الثالث شمالاً إلى نفس النقطة تاركة دفاعات واهية وقوات محدودة أمام الجيشين الثاني والثالث.. إنها السياسة عندما تتدخل في العمل العسكري.. فربما أراد الرئيس السادات طمأنة أمريكا وأن يأمن جانبها إلى حين بهذه الرسالة، إلا أنها أضرت بالقوات في ميدان المعركة من حيث لم يحتسب.
أما الخطأ العسكري والذي أقرت به القيادة المصرية فكان خطأ المعلومات الواردة من الجبهة عن حجم القوات الإسرائيلية التي نجحت في التسلل إلى غرب القناة ليل 15/ 16 أكتوبر.. فبينما أكد المشير الجمسي أن تقدير اللواء تيسير العقاد (قائد الجيش الثاني بالإنابة) لحجم القوات المتسللة أقل من العدد الحقيقي بكثير.. وكان البلاغ أن من 7 إلي 10 دبابات فقط هي التي تمكنت من التسلل إلى الضفة الغربية.. كانت الحقيقة أن حجم القوات المتسللة كتيبة دبابات «30» دبابة و750 عنصراً من المظليين.. وكان لوصول مثل تلك المعلومات الخاطئة للقيادة المصرية أكبر الأثر في عدم اتخاذ القرار المناسب في وقته بتحريك القوات الكافية للقضاء على القوة الإسرائيلية المتسللة المعزولة قبل أن تبدأ في التخفي والانتشار، فقد عانت هذه القوة من وضع شديد الحرج بعد أن انعزلت غرب القناة نتيجة تعثر باقي قوات الجيش الإسرائيلي في القتال شرق القناة.. وهو الأمر الذي تسبب في إرباك وإخافة القيادة الإسرائيلية بشكل عنيف.
وأعرب عن ذلك الموقف موشيه ديان بحثه للقادة الميدانيين على سرعة العبور غرباً قبل أن تبيد القوات المصرية قواتهم المتسللة.. لكن ذلك لم يحدث ولم تعلم القيادة المصرية بالحجم الحقيقي للقوة المتسللة إلا بعد أن بدأت في التحرك ومهاجمة قواعد صواريخ الدفاع الجوي المصرية والتخفي وسط المزارع.
وقد أدى ذلك التأخير النسبي في رد الفعل المناسب لاحتواء التسلل إلى التأخر خطوة عن القوات الإسرائيلية في باقي الإجراءات التي اتخذت لتحقيق الهدف ذاته.. وعلى سبيل المثال عندما تحرك اللواء 23 مدرع من شرق القاهرة لمواجهة القوات المتسللة فوجئ بلواءين مدرعين في انتظاره، هما لواء جابي ولواء نتكا من أجوداه أدان «برن» الذي كان قد نجح بالفعل في العبور غرباً.. بل وفوجئ اللواء 23 المصري بقصف جوي عنيف من قبل المقاتلات الإسرائيلية التي بدأت في استغلال الخرق الذي أحدثته القوة المتسللة في حائط الصواريخ المصري.
ومن تبعات ذلك الخطأ أيضاً «خطأ تقدير حجم القوات المتسللة» أن وضع الحجم الحقيقي للقوة المتسللة أمام القيادة المصرية مع اشتباك الفرقة 16 مشاة بقيادة العميد عبدرب النبي في معارك عنيفة مع القوات الإسرائيلية الرئيسية «أجوداه شارون ثم شارون وبرن» شرق القناة عند الجانب الأيمن للجيش الثاني.. كان من شأنه أن يدفع القيادة المصرية مبكراً لاستنتاج أن الحرب كلها أصبحت في تلك النقطة وبالتالي تحريك المزيد من القوات من الجيشين الثاني والثالث مبكراً لمساندة الفرقة 16 في التصدي لذلك الكم الكبير من القوات الإسرائيلية وكسر محاولة الاختراق في منطقة الدفرسوار.
وعندما اتخذت القيادة المصرية قرار سد الثغرة من الشرق بتحريك لواء مدرع من الجيش الثاني جنوباً واللواء 25 مدرع من الجيش الثالث شمالاً.. كانت قواتنا قد تأخرت خطوة عن القوات الإسرائيلية في تحركها.. وكانت القوات الإسرائيلية قد استعدت

تماماً لهذا التحرك المصري يوم 17 أكتوبر وتعرض اللواء 25 مدرع لقصف جوي شديد بينما هاجمت الدبابات الإسرائيلية ميمنته مما اضطره للتوقف.
ولو أن قواتنا تحركت لتنفيذ ذلك القرار «سد الثغرة من الشرق» أو دعم قواتنا في تلك المنطقة ليلة 15 أكتوبر أو صبيحة 16 أكتوبر لتغير الموقف تماماً.. فالحقيقة تشير إلى أنه لو نجحت هذه القوات في الوصول إلى منطقة الثغرة قبل ذلك التوقيت لأمكن سد الثغرة من جهة الشرق ولنجحت قواتنا في كسر الهجوم المضاد الإسرائيلي للمرة الثانية وتدمير القوة المتسللة.. لكنه خطأ بسيط كلفنا الكثير وبالطبع يضاف إلى ذلك ترك منطقة التسلل خالية بشكل كامل مما سهل وصول القوة المتسللة إلى تلك النقطة غرب القناة دون أدنى مقاومة على الرغم من توقع فرضية محاولة التسلل الإسرائيلي للضفة الغربية.
أما الخطأ الثالث وهو الخطأ أو الإخفاق الإعلامي فكان في ترك الساحة الإعلامية خالية لماكينة الإعلام الصهيوأمريكية تكذب وتطنطن كيفما تشاء مصورة بالإفك ذلك الاختراق بالنصر الكبير بينما حرصنا نحن على جعل الحقيقة سراً لا يمكن الاقتراب منه لفترة غير قصيرة.. وهذا ما فتح الباب أمام الحاقدين والمشككين لتشويه النصر المصري الكبير.

رحلة إلى الجحيم
على قدر ما كانت محاولة إسرائيل الفاشلة لاحتلال مدينة السويس أسوأ ختام لحرب 1973 «حسب تعبير قادتهم» على قدر ما مثلته من ذكرى أليمة في نفوسهم.. على قدر ما كانت ذكرى جميلة وعيداً حقيقياً لبطولات أبناء الشعب المصري.. لقد صنع الفدائيون بمعاونة بعض أفراد الفرقة 19 مشاة فخاً كبيراً للقوات الإسرائيلية علموهم فيه كيف يكون القتال وكيف يكون حب الوطن والذود عن ترابه.
وقد تناولت العديد من الأقلام بطولات الفدائيين في السويس وتضافر كافة القوى لتعزف سيمفونية البطولة والفداء بداية بالعميد يوسف عفيفي قائد الفرقة 19 مشاة الذي أمد الفدائيين بكل ما يحتاجونه من سلاح وذخيرة دون انتظار أوامر من قادته وانتهاءً بالأعمال البطولية لرجال المقاومة..
ويشير الكاتب هنا إلي نغمة أخرى.. جاءت من بعيد.. من خلف خطوط العدو الإسرائيلي لتتلاحم مع سيمفونية البطولة داخل مدينة السويس.. فهناك خلف خطوط العدو كان عشرات الأسرى من الضباط والجنود المصريين في أيدي قوات الاحتلال الغاشم تذيقهم كافة صنوف وألوان العذاب.
وأثناء تخطيط القيادة الإسرائيلية لاحتلال مدينة السويس «كما تقول أوراق جونين» قررت استجواب الأسرى المصريين كل على حدة لاستخلاص أي معلومات منهم عن الأوضاع داخل المدينة وحجم القوات والمقاومة داخل السويس.. إلا أن جميعهم «الأسرى» فطنوا إلى مغزى تلك الأسئلة وأجاب الجميع على قلب رجل واحد أنه لا توجد قوات او مقاومة داخل السويس.. فدون اتفاق مسبق صور الأسرى المصريون للاحتلال الإسرائيلي مدينة السويس على أنها ساحة خالية من البشر وسيحقق لهم دخولها كل ما يحلمون به من أمجاد ونصر «وفرقعة إعلامية» بعد أن أقنعوهم أن قواتهم لن تواجه هناك بأي شكل من أشكال المقاومة.. وبناء على تلك المعلومات بدأ الإعداد لدخول مدينة السويس لتصبح تتويجا لعملية العبور غرباً بالإضافة إلى قطع خط أنابيب المياه عن الجيش الثالث.
وقد كلفت القيادة الإسرائيلية أجوداه أدان بتنفيذ المهمة فكلف لواءي جابي وأرييه بالتوجه إلى المدينة واقتحامها من الشمال والغرب.. وقد سبق ذلك التحرك قصف جوي ومدفعي متواصل لمدينة السويس خلال  يومي 23 و24 أكتوبر للقضاء على أي مقاومة محتملة بالمدينة.. وانطلقت المدرعات الإسرائيلية المدعومة بوحدات المظلات لدخول المدينة في عدة تشكيلات.
وبالفعل وصلت القوات الإسرائيلية إلى ساحة محافظة السويس وميدان الأربعين دون مقاومة تذكر وظن القادة الإسرائيليون أن المدينة خاوية على عروشها كما سبق وصورها لهم الأسرى المصريون.. وفجأة انشقت الأرض من كل جهة ليخرج منها الرجال يصبون حمم النيران على رؤوس جنود الاحتلال من كل جانب.. ولتتحول نزهتهم العسكرية إلى رحلة للجحيم.. وبدأت دباباتهم تحترق يميناً ويساراً وبدأ أشاوس المظلات الإسرائيليون وأطقم الدبابات في البحث يميناً ويساراً عن مهرب للخروج من ذلك الجحيم أو الاحتماء بأي من المباني المهجورة بعيداً عن أعين رجال المقاومة.. وفقد لواء أرييه بأكمله القدرة على الحركة بعد أن دمرت أغلب دباباته وقتل عدد كبير من رجاله.
وقد نجح رجال المقاومة في تدمير الـ20 دبابة التي تمكنت من الوصول لميدان الأربعين وقتل وإصابة قادتها وكانت تشكيلات إسرائيلية أخرى قد اصطدمت بالمقاومة عند مداخل المدينة فارتدت هاربة، بينما بقيت باقي القوات التي لم تكن قد وصلت إلى المدينة خارجها.
وتبخرت أحلام شاموئيل جونين قائد الجيش الإسرائيلي وبدلاً من الاحتفال داخل غرفة العمليات أصبحت مهمته هي توجيه جنوده عبر اللاسلكي لسبل الفرار من جحيم السويس.
ويسجل جونين تلك الذكرى الأليمة بقوله «في هذه الأثناء دخل الجيش في معارك شرسة ومؤلمة خاصة في مدينة السويس بهدف قطع خط إمداد المياه للجيش الثالث والذي كان يمر عبر مدينة السويس وكنا نعلم أنها مدينة خالية من السكان عقب حرب 67 وما تلاها من قصف الطائرات الإسرائيلية للمدينة والذي أجبر سكانها المدنيين على مغادرتها».
ويتابع «لكن الحقيقة التي لم نكن نعلمها أنه لا يزال هناك عدة آلاف من سكان المدينة ومن الجنود المصريين بداخلها.. وقد دعم جهلنا بهذه الحقيقة سيل المعلومات الخاطئة التي أمدنا بها الأسرى المصريون حول المدينة كنا نعتقد أنها ستكون خير ختام لحرب أكتوبر ولكن سرعان ما تبين لنا أنها كانت أسوأ ختام للحرب.. فقد أعد المصريون فخاً كبيراً لدباباتنا ومركباتنا وانقضوا علينا من داخل بيوت ومباني المدينة وحولوا ذلك النجاح إلى مسيرة فشل.. وخلال ساعات قليلة قتل وأصيب العديد من جنودنا وأصبحت عمليات إخلاء الجرحى أمراً في غاية الصعوبة»
وتسجل أوراق جونين المكالمة اللاسلكية التالية بينه وبين العقيد أرييه كاران قائد اللواء 500 مدرع:
جونين: كيف تسير الأمور عندك؟
أرييه: آمل أن نخرج الرفاق من هنا.
جونين: كم أخرجت منهم حتى الآن؟
أرييه: أغلبهم عدا مجموعة.
جونين: وأين هذه المجموعة؟!
أرييه: في طريق مغلق قرب المياه وعلى بعد 250 متراً من تقاطع طرق.
جونين: هل تعتقد أن هناك مشاكل في إخراج تلك المجموعة؟ 
أرييه: المجموعة السابقة أخرجناها سيراً على الأقدام لأنه لم يكن بينهم جرحى. 
جونين: وماذا يجب ان نفعل من وجهة نظرك؟
أرييه: هناك طريقان.. إما أن يخرجوا سيراً على الأقدام أو نتركهم حتى الصباح في أماكن اختبائهم وأعتقد أنهم يرغبون في البقاء مختبئين.. أتحب أن تتحدث مع أحدهم؟! 
جونين: نعم.. لو أمكن ذلك
الضابط: إننا نختبئ ببيت محصن بشكل جيد وحالتنا داخل المنزل جيدة والمشكلة أن خروجنا من هذا المنزل سيجعلنا عرضة للقوات المصرية.. لقد رأينا طوال اليوم والليلة قوات كثيرة في الخارج على هذا الطريق.. لذلك اطلب من سيادتكم أن تسمح لنا بالبقاء مختبئين حتى الصباح.. لقد سمعنا أنكم سترسلون لنا قوات كبيرة من الدبابات لإنقاذنا غداً.
جونين: ما موقف ذخيرتكم والمؤن.. هل هي كافية؟
الضابط: الموقف سيئ للغاية.
جونين: حسناً.. ابقوا في أماكنكم حتى الصباح حتى نكون قد فكرنا فيما يجب أن نفعله.
وتؤكد أوراق «جونين» أن القوات المختبئة داخل المنازل في السويس ظلت كما هي حتى خرجت مع باقي القوات الإسرائيلية من داخل مدينة السويس في حماية الصليب الأحمر الدولي عقب وقف إطلاق النار وتبين أن أعداد القتلى والجرحى خلال تلك المعركة زادت على 200 قتيل وجريح بالإضافة إلى خسائر المعدات بالطبع.
ويختتم الكاتب إسلام الشافعي مؤلفة بقولة «الدرس الأكبر الذي استوعبته إسرائيل من تلك الحرب هو أن الشعب المصري ليس هو ذلك العدو خامل الذهن محدود القدرات.. وأنه يستحق الإبقاء دوماً على أعلى درجات اليقظة والانتباه في مواجهته مهما كثر الحديث عن السلام الساخن.
ويضيف: «أيقنت تل أبيب أن أي مواجهة مباشرة أو معارك تصادمية مع الجيش المصري ليست في صالحها.. وقد أدت تلك النتيجة إلى تدعيم الاتجاه القديم بضرورة تحقيق التفوق العسكري المطلق وامتلاك تلك النوعية من الأسلحة المتطورة وبعيدة المدى التي تمكنها من تلافي مثل ذلك الصدام المباشر.. ولهذا بدأت الحكومات الإسرائيلية في تدعيم ترسانة أسلحتها بالعديد من الأسلحة الاستراتيجية بعيدة المدى من صواريخ بعيدة المدى يتخطى مداها ألفا كيلو متر.. والمقاتلات (F16I) (F15) بعيدة المدى، بالإضافة إلى امتلاك الجيل الجديد من الغواصات النووية «دولفين» لتدخل بذلك نادي «الضربة النووية الثانية»، بالإضافة إلى تطوير شبكة الصواريخ الدفاعية «حيتس» و«باتريوت» وإجراء العديد من التجارب لاستخدام مدفع الليزر كبديل للمضادات الجوية التقليدية.