عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

سياسة "صفر مشاكل" تسقط أمام الثورات العربية

أردوجان يدعم مرسي
أردوجان يدعم مرسي بالمظاهرات في شوارع تركيا

منذ جاء أحمد داود أوغلو وزير الخارجية التركي إلى منصبه، اعتمد على سياسة سميت بـ «صفر مشاكل» لتكون الإطار العام الذي يحكم السياسة الخارجية التركية مع الدول المجاورة لها،

والتي تعني الوصول بدرجة حرارة أزمات أنقرة مع الدول المجاورة المحيطة بها إلى نقطة الصفر، إما بحل هذه المشكلات تماما أو تجمد كافة تفاعلاتها لتبدو العلاقات بين تركيا وغيرها من البلدان طبيعية. و بدا الهدف من تلك السياسة بناء روابط اقتصادية وسياسية واجتماعة قوية مع جيران تركيا المباشرين. بينما في الوقت نفسه تقوم تركيا بتخفيف اعتمادها على الولايات المتحدة الامريكية.
لكن ثورات الربيع العربي وضعت هذه السياسة على المحك، وقلبت الفرص التي كانت تنشدها حكومات حزب العدالة والتنمية من النظرية المسماة بنظرية العمق الاستراتيجي، إلى تحديات واختبارات كبيرة وجمة. كانت حكومات رئيس الوزراء رجب طيب أردوجان تعلن تمسكها بكونها دولة سنية تدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، ووجدت في دعم هذه الثورات  فرصة كبيرة لتوسيع مجالها الحيوي وتعظيم مصالحها في المنطقة من خلال تسويق نموذجها الذي أطلق عليه نموذج الإسلام المعتدل، كمرحلة أولى تمهيدا لما يسمى بعثمانية جديدة تحيي دولة آل عثمان التي قادت العالم الإسلامي وسيطرت عليه لقرون عدة.
ومع تقليب ثورات الربيع العربي لتربتها أكثر من مرة تتلمس اتجاها صحيحا نحو بناء دولها على اساس ديمقراطي، وقعت هذه السياسة في حيرة حقيقية ورطت أنقرة في أزمات عدة، لم تكن فقط مع نظم استبدادية ترفض أن ترحل كما هو الحال مع بشار الأسد في سوريا، بل ومع عدد غير قليل من شعوب المنطقة، مع انحيازها المطلق للنخب الإسلامية التي تزعمتها جماعة الإخوان المسلمين، والتي وصلت إلى سدة الحكم، خاصة في مصر وتونس، مع وجود رفض متصاعد لطريقة الأداء التي تحكم بها هذه النخب.
الدعم غير المحدود الذي قدمه أردوجان للمعارضة السورية وجيشها الحر، أوقع أنقرة في مواجهة سياسية تطورت إلى عسكرية مع دمشق تصاعدت ميدانيّا إلى حد قيام المضادات السورية بإسقاط طائرة عسكرية تركية كانت في مهمة تدريبية، فضلا عن وقوع أكثر من صاروخ وهجوم سوري على مناطق تركية متاخمة لحدود سوريا.
إذن مصطلح صفر مشاكل مع الجيران كان يعني حتى بداية الانتفاضات العربية صفر مشاكل مع الأنظمة السلطوية الراسخة في الشرق الأوسط. وشكلت الثورة الليبية التحدي الأول لتركيا، التي بدت مترددة في البداية رغم أن شركاءها الغربيين قطعوا علاقاتهم مع معمر القذافي سريعًا، وكان مبدأ صفر مشاكل يقتضي أن تحتفظ الحكومة التركية بعلاقات مع النظام القديم، وبعد أن قامت في بادئ الأمر بتبني موقف محايد، أدركت سريعًا أن ترددها يضر بصورتها، خاصة أنها عضو في الناتو الذي قدم دعمه للشعب الليبي.
أما سوريا فتحولت إلى مسمار آخر في نعش سياسة تركيا الإقليمية. في البداية، عولت حكومة أردوجان على دفع الرئيس السوري بشار الأسد باتجاه الإصلاحات الديمقراطية، لكن عندما لمست تصلبًا في موقفه تعلمت سريعًا من الخبرة الليبية، فلم تتردد هذه المرة في فرض عقوبات أحادية ضد النظام السوري. وتغيرت لهجة خطاب الحكومة التركية أيضًا، فقدمت دعمها الكامل للمعارضة السورية، كما بدأ القادة الأتراك في التعبير عن واجب بلدهم بحماية المضطهدين

في الشرق الأوسط، وهو ما وضع تركيا في مواجهة مباشرة مع سوريا، وبالتبعية مع كل من إيران وحكومة نوري المالكي في العراق، اللتين تدعمان الأسد، ليبدو الأمر وكأنه صراع سني – شيعي. كما أن دعم حقوق مواطني سوريا، يتطلب من أردوجان، كي يكون أكثر مصداقية، ألا يتجاهل الانتهاكات المماثلة في إيران المجاورة. ولو حدث هذا، فإنه سيضغط بقوة على المصالح الاقتصادية الكبيرة بين البلدين.
لكن مصداقية دفاع تركيا عن حقوق الإنسان تجلت في بعدين أحدهما داخلي وآخر خارجي. وتمثل الداخلي برفض حكومة حزب العدالة والتنمية مظاهرات مئات الآلاف من الأتراك المنددة بخططه لإعادة تطوير ميدان تقسيم، والتعامل الوحشي للشرطة مع المتظاهرين. وبدت حكومة أردوجان مثلها مثل الحكومات الاستبدادية في المنطقة ترفض الإصغاء إلى مطالب مواطنيها، وبالتالي فإن مطالباتها المستمرة لحكام المنطقة لم تعد محل ثقة أو اهتمام أحد، فالكل أصبح في الهم سواء.
أما البعد الخارجي، فهو موقف أنقرة الاستفزازي وتدخلها في الشأن الداخلي المصري، برفضها ثورة 30 يونية التي خرج فيها أكثر من 30 مليون مصري في مدن مصر وقراها يطالبون برحيل الرئيس محمد مرسي عن سدة الحكم، وهو عدد أكبر بكثير جدا من تلك الجموع التي خرجت في يناير تطالب برحيل حسني مبارك. لقد كان موقف الجيش المصري واحدا في الثورتين، وهو الانحياز للإرادة الشعبية، وعزل الرئيسين بأمر الشعب. كان موقف أردوجان في ثورة يناير مؤيدا لتحركات الجماهير ومطالبها، لكن رفضه لثورة يونية أظهر أن انحياز رئيس الوزراء التركي ليس للديمقراطية، وإنما لمصالحه هو الشخصية، ذلك لأن وجود الرئيس محمد مرسي على سدة الحكم في مصر ـ الرئيس الإسلامي الضعيف غير الكفء والذي لا يجد من يسانده سوى الطامعين في الفوز بنفوذ المنطقة عبر بوابة مصر ـ يسهل له أن تقود أنقرة القاهرة، وتقود الأخيرة بقية عواصم المنطقة في ركابها، مما يضمن لهذا المهووس بأحلام الخلافة أن يحقق حلم بعث سلطان آل عثمان، ويكون هو الخليفة العثماني الجديد.  
للأسف سقطت سياسة صفر مشاكل أمام الاختبارات الجدية، كما فشلت في امتحان المبادئ التي لا تتجزأ.