رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصر المحبوسة فى سجون الإخوان

بوابة الوفد الإلكترونية

خلال أقل من عام من حكمه أصبح الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية مرشحاً لدخول موسوعة «جينيس» للأرقام القياسية، إذ استطاع أن يحطم أرقام سابقيه من حيث عدد المعتقلين

فإذا كانت السجون قد عمرت بـ 18 ألف معتقل خلال عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك الذي بلغت فترة حكمه 30 عاماً، فقد استقبلت السجون 3462 معتقلاً خلال أقل من عام، هي فترة حكم أول رئيس مدني منتخب لمصر ما بعد الثورة، وإذا أقسم الرئيس بأنه لم يصدر قرار اعتقال لأي مواطن فهو صادق، ولكنه لا يستطيع أن ينكر أن تلفيق التهم للسياسيين والنشطاء أصبح ظاهرة ملحوظة في عهده.. بل إن الرئيس الذي أعلن من قبل إبان سباق الانتخابات الرئاسية أن عهده لن يشهد حبس أي معارض، بدأ عهده بحبس وسحل المتظاهرين ضده، بل وقتلهم أيضاً.
وقال الأيام القليلة الماضية عادت ظاهرة زوار الفجر من جديد للتخلص من المعارضين، بل إنه تمت إحالة عدد من النشطاء إلي محكمة الجنايات.. كل هذا حدث قبل 30 يونيو، وخلال الأيام القليلة القادمة من الشهر الجاري من المتوقع أن تشهد البلاد إجراءات عنف شديدة ضد المعارضين، فالرئيس وجماعته يشعرون بالفزع من مظاهرات 30 يونيو ويعملون علي حبس مصر قبل هذا التاريخ.
«مين اللي يقدر ساعة بحبس مصر؟».. جملة شهيرة وردت في قصيدة «اتجمعوا العشاق» للشاعر أحمد فؤاد نجم، وتغني بها الشيخ إمام مردداً:
«مهما يزيد الظلم بالسجانة.. مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر؟»
مقولة خالدة.. ولكن الرئيس محمد مرسي الذي فشل في قراءة التاريخ جيداً، فشل أيضاً في استيعابها، فقد اتسمت فترة حكم الرئيس المخلوع مبارك بأنها كانت حكماً بوليسياً، نجح فيه الأمن في تكميم أفواه ملايين المصريين، وحبس كل من يعارض النظام، حتي وصل عدد المعتقلين في عهده لأكثر من 18 ألف شخص، ومع ذلك قامت الثورة، ولم يستطع أحد حبس مصر.
خرجت الأصوات عالية ساخطة ضد الدولة البوليسية وأسقطت النظام في 18 يوماً فقط.
وبدلاً من أن يعي الرئيس محمد مرسي الدرس كرر نفس الأخطاء، بل شهدت فترة حكمه التي لم تكمل عامها الأول بعد نفس الخطايا، نظام قمعي لا يسمع للمعارضة، داخلية تابعة تعمل علي حفظ أمن النظام لا المواطنين، سحل وضرب وقتل للمعارضين، واستهداف النشطاء السياسيين وقتلهم في المظاهرات، أو القبض عليهم وسجنهم.
ومع اقتراب يوم 30 يونيو - يوم الفزع الأكبر لدي الإخوان - تزداد مخاوفهم، ومعها تزداد رغبتهم في حبس المعارضين، ومن ثم شهدت الأيام القليلة الماضية حملة مسعورة للقبض علي المعارضين، وإحالتهم لمحكمة الجنايات بتهم مطاطة، كان آخرها إحالة 12 ناشطاً سياسياً منهم: نوارة نجم وحازم عبدالعظيم وعلاء عبدالفتاح وأحمد دومة وكريم الشاعر وأحمد عيد، إلي محكمة الجنايات بتهمة تحريض المواطنين علي التعدي علي مكتب الإرشاد التابع لجماعة الإخوان المسلمين بمنطقة المقطم في شهر مارس الماضي، ووجهت لهم تهم إتلاف الممتلكات العامة والخاصة والتعدي علي قوات الشرطة وإشاعة الرعب والفوضي بين المواطنين.
لم تكن هذه القضية هي الأولي من نوعها ولكن سبقتها عشرات القضايا، كان المتهمون فيها نشطاء سياسيين ومعارضين، والتهم كانت جاهزة دائماً وهي: قلب نظام الحكم وتحريض المواطنين وإشاعة الرعب والفوضي أو إهانة الرئيس.
وتحت هذه المزاعم تم حبس 3462 مواطناً مصرياً - حسب ما ذكره مختار نوح - القيادي الإخواني السابق والمستشار القانوني لحزب مصر القوية خلال مؤتمر «الجمهورية الرابعة تقييم وتقويم»، مشيراً إلي أن عهد السادات شهد 1536 حالة تحفظ، بينما وصل هذا العدد إلي 3462 معتقلاً خلال أقل من عام في عهد مرسي، منهم فتيات وأطفال.
كما أن عهد السادات شهد تعذيب 114 شخصاً، بينما تم سحل حوالي 1000 مواطن في عهد مرسي، منهم 39 شخصاً تتراوح أعمارهم بين 15 إلي 18 عاماً.
وإذا كان النظام الأمني القمعي في عهد «مبارك» يقوم بمفرده بإلقاء القبض علي المعارضين، فقد تغير الوضع في عهد «مرسي» حيث شاركت «ميليشات» الإخوان في القبض علي المواطنين وسحلهم وتعذيبهم، وهو ما حدث في أحداث الاتحادية في شهر ديسمبر الماضي، ثم في أحداث المقطم في شهر مارس الماضي.
وكشفت «جبهة الدفاع عن متظاهري مصر» أن عدد المعتقلين منذ الذكري الثانية للثورة وحتي شهر مايو الماضي بلغ 1915 شخصاً، في محافظات القاهرة والإسكندرية والمنصورة وبورسعيد وطنطا وكفر الشيخ والإسماعيلية والسويس، وأن من بين المعتقلين حوالي 453 قاصراً و18 فتاة، وأن عدداً كبيراً منهم تعرض لانتهاكات متعددة وتعذيب.
كما كشف التقرير القانوني الأول عن أوضاع المعتقلين السياسيين في سجون محمد مرسي أنه تمت إحالة 52 ناشطاً سياسياً إلي القضاء العسكري في 9 قضايا، بل إن هذه الفترة شهدت اعتقال وتحقيقات ومحاكمات لعدد من النشطاء خلال يوم ونصف اليوم، وهو ما حدث يوم 30 إبريل الماضي، حيث تم القبض علي 7 مواطنين أمام محكمة التجمع الخامس، وتم التحقيق معهم في نفس اليوم وصدر قرار من النيابة في اليوم التالي بحبسهم 4 أيام علي ذمة التحقيقات، ثم أحيلوا للمحاكمة في اليوم التالي، وحكم عليهم بالحبس 5 أعوام و6 أشهر، وكفالة 30 ألف جنيه، وغرامة ألف جنيه لكل منهم.
أما ما يحدث داخل السجون والمعتقلات من تعذيب، فهو لا يختلف كثيراً عما كان يحدث إبان عصر الرئيس المخلوع، فالإخوان الذين عانوا الأمرين من التعذيب في معتقلات مبارك، خرجوا ليمارسوا نفس الأفعال تجاه معارضيهم.
وقضية الشهيد محمد الجندي خير مثال علي ما يحدث في المعتقلات من تعذيب حتي الموت - كما حدث مع خالد سعيد قبل الثورة - كما كشف الناشط الحقوقي أنس العسال، أحد المعتقلين السياسيين في عهد مرسي، والمفرج عنهم عن وجود آليات جديدة للتعذيب ما بين الصعق بالكهرباء والحرق، وأكد أن بعض الضباط أصبحوا يتفننون في أدوات التعذيب، بالإضافة إلي التعذيب النفسي مثل التهديد بالقتل أو التعذيب الجنسي الذي وصل لإرغام المعتقلين أنفسهم بالمشاركة في تعذيب زملائهم حتي لا يتعرضوا هم لهذا التعذيب.
وأكد «العسال» خلال ندوة لحملة «أنا ضد التعذيب» التي نظمها مركز «ابن خلدون للدراسات الانمائية» أن الحملة تهدف إلي كشف ما يحدث من تعذيب داخل المعتقلات بهدف دفع الجهات المعنية لتطبيق القانون علي الضباط الذين يشاركون في هذه الأفعال.
وكشفت الحملة عن وفاة 27 شاباً مصرياً داخل المعتقلات، بالإضافة إلي وجود 8 حالات وفاة علي يد مؤيدي الرئيس أثناء أحداث الاتحادية، بالإضافة إلي الاعتداء علي الصحفيين والمصورين الذين يقومون بتغطية الأحداث، ومقتل الصحفي الحسيني أبوضيف خير دليل علي ذلك.
وأمثلة المعتقلين داخل السجون في عهد الرئيس مرسي كثيرة، منهم من قضي حتفه، ومنهم من ينتظر من ألقي القبض عليه بتهمة المشاركة في المظاهرات المعارضة للرئيس، ومنهم من ألقي القبض عليه من منزله من خلال زوار الفجر المنتمين لجهاز الأمن الوطني أو أمن الدولة بعد التعديل!
مركز «النديم لعلاج ضحايا التعذيب» أصدر تقريراً مؤخراً يرصد بعض هذه الحالات التي تعاني التعذيب داخل سجون الرئيس مرسي، بطل أحد القصص التي وردت بالتقرير هو الشاب خالد مقداد الذي أكد في رسالته للمركز أنه منذ دخوله المعتقل وهو مقيد بالكلبشات، ويتعرض لأبشع أنواع السب والشتائم من الضباط والجنود.. كما قام أحد الضباط بإدخاله إلي غرفة تفوح منها رائحة كريهة ومليئة بالفضلات، وطلب منه تنظيفها بالزحف علي صدره، كما طلب منه أحد الضباط خلع ملابسه والنوم علي ظهره، وحينما رفض قام الضباط بسبه عدة مرات، فنفذ الأمر، فقام الضابط بوضع حذائه علي وجهه وانهال عليه ضرباً حتي فقد الوعي.
وأكد المركز في تقريره أن السجناء يتعرضون

لأنواع عديدة من التعذيب منها: منع دخول الأدوية للسجناء، والضرب والتعذيب الذي يؤدي لإصابتهم بأخطار بالغة، وهو ما حدث مع الشاب عمر أحمد مرسي الذي ألقي القبض عليه يوم 27 يناير الماضي بميدان التحرير، وتم احتجازه بقسم قصر النيل ثم اختفي بعد ذلك، وعلم والده بوجوده في جهاز الأمن الوطني، ثم تم نقله إلي معسكر الدرب الأحمر، ثم علمت الأسرة بعد البحث عنه في كل مكان أنه موجود بمستشفي الهلال الأحمر، وتبين إصابته بشلل نصفي بالإضافة إلي ضبابية في الرؤية، ووجود أثار صعق كهربي علي جسده، وكما حدث مع الشهيد محمد الجندي لم تستطع أسرة «عمر» إثبات ما حدث له من تعذيب، وما زالت المعاناة مستمرة.
معاناة السجناء في عهد أول رئيس مدني منتخب بعد الثورة خرجت من دهاليز التقارير الحقوقية إلي فضاء الإنترنت الواسع، حيث قرر مجموعة من النشطاء المتضامنين مع المعتقلين في عهد مرسي بإنشاء مدونة علي الإنترنت تحمل اسم «أدب السجون» يقومون فيها بتجميع رسائل المعتقلين المعذبين، كان منها رسالة محمد عاطف، أحد المعتقلين الذي كتب فيه لأسرته: «خلف هذا الباب يكمن مستقبلي وتاريخي.. عيد ميلادي وأصدقائي القدامي».. بينما كتب أسامة صبري شعراً بالعامية جاء فيه:
مرمطي في يا بلدي ومسحتي بيا الأرض
لا أخدتي بإيدي ولا سبتي بدني يشد
كل اللي فيكي باعوكي ووقفوا ند بند
وإنتي يا عيني غلبانة ولا ليكي حد يرد!
وبعيداً عن أدب السجون قام عدد من شباب الأحزاب والحركات السياسية المعارضة بتدشين عدة حملات للإفراج عن المعتقلين السياسيين في عهد الرئيس مرسي، منها حملة «هنحررهم» التابعة للجبهة السلمية للتغيير السلمي، وحملة «حقي يا دولة»، التي قام بتدشينها مجموعة من شباب الثورة والنشطاء السياسيين، مؤكدين أن حملتهم تهدف إلي تعريف الرأي العام بثلاثة قضايا هي: الشهداء وحقهم في القصاص العادل، والمصابين وحقهم في العلاج والرعاية، والمعتقلين الذين يعانون أشد أنواع العذاب، كما كان يحدث في العصر البائد.
ورغم أن الناشط الحقوقي محمد زارع، رئيس الجمعية المصرية لحقوق السجناء، يري أنه بعد إلغاء قانون الطوارئ لا يستطيع أحد اعتقال أي شخص دون تهمة، لكن ما حدث علي أرض الواقع، يؤكد أن الوضع لم يتغير كثيراً عن النظام السابق، فالآن وبعد إلغاء الطوارئ أصبح المواطنون يتم القبض عليهم في قضايا مختلفة، ومعظمها تهم مطاطة.
كما أن معظم من ألقي القبض عليهم كانوا في مواجهات مع عناصر إسلامية، إلا أن من تم تقديمهم للمحاكمة من النشطاء المعارضين، بينما الإسلاميون لم يقدم منهم أحد للمحاكمة.
ويؤكد «زارع» أن هناك عملية استهداف للشباب الثوري حيث يتم تقديمهم للمحاكمات، وهذه الحملة زادت ضدهم في الآونة الأخيرة، ومنهم من هو محبوس علي ذمة قضايا معينة، ومنهم من لم يقدم للمحاكمة بعد أو حتي يتم التحقيق معهم.
ومن هنا يشير «زارع» إلي أنه لا فرق بين مصر ما قبل الثورة، وما بعدها من حيث المعتقلين وما يتعرضون له من تعذيب داخل السجون.
ويلتقط الناشط الحقوقي إيهاب سلام، أطراف الحديث، مشيراً إلي أن الانتهاكات داخل السجون زادت في عهد الرئيس مرسي أو علي الأقل لم تتغير عما كانت عليه من قبل، بل إن عمليات التعذيب التي يتعرض لها المعتقلون أصبحت أكثر خطورة ونتائجها أخطر، حيث إن عدد المتوفين بسبب التعذيب في تزايد مستمر.. وأضاف: هناك ظاهرة أخري أصبحت واضحة جداً في عهد الرئيس مرسي وهي التخلص من بعض الأشخاص بسبب مواقفهم السياسية، وليس للحصول علي اعتراف كما كان يحدث من قبل.
وعن التعذيب داخل السجون، قال: الحالات زادت ومع ذلك فالقانون ما زال عاجزاً عن مواجهتها، إذ إن قانون العقوبات به ثغرات كثيرة تؤدي إلي خروج الشخص المدان بالتعذيب حيث ينص القانون علي منع استخدام القسوة ضد المواطنين، ووضع ضوابط للاحتجاز وإجراءات التحقيق، ومنح الشخص الذي يتعرض للتعذيب الحق في إقامة دعوي قضائية لعقاب الموظف أو الضابط الذي قام بالتعذيب، ولكن علي أرض الواقع، فهذا لا يحدث حيث ينص القانون علي أن التعذيب يكون بغرض الحصول علي اعتراف من المتهم، وبما أن المجني عليهم في معظم الأحيان لا يكونون متهمين علي ذمة قضايا، بالتالي يتحول الأمر من تعذيب إلي مجرد استعمال قسوة وتنتهي القضية، كما أن القانون ينص علي أن يكون التعذيب قام به أحد المواطنين التابعين للدولة، وبما أن الجماعة الآن تستخدم ميليشياتها لتعذيب المواطنين وسحلهم وضربهم في الشوارع، ففي هذه الحالة لا تكون هناك قضية تعذيب، إنما إذا تم إلقاء القبض علي أحدهم توجه له تهمة احتجاز بدون وجه حق أو الضرب أو حتي القتل، وبذلك يضيع حق المجني عليه الذي يفشل في إثبات تعرضه للتعذيب.
هذا هو الحال في سجون الرئيس المدني أسوأ مما كان عليه في عهد النظام البائد، ضرب وسحل في الشوارع من ميليشيات الجماعة، وتعذيب حتي الموت في سجون النظام، وحملة مسعورة من الدولة للقبض علي النشطاء خوفاً من 30/6.. وفي النهاية ما زال التساؤل مطروحاً: مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر؟