رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شنط رمضان وموائد الرحمن بين أحلام الفقراء وتقشف الأغنياء

بوابة الوفد الإلكترونية

اقترب شهر رمضان، واقتربت معه الرحمة والمغفرة والراحة والسكينة، فشهر رمضان عيد القلوب وشهر غفران الذنوب، ودائمًا يتسابق الكثيرون فيه للحصول على ثواب إفطار صائم من خلال موائد الرحمن أو بإخراج الصدقات والزكاة عن طريق إعداد‏ «شنط رمضان‏» والتى تُعدها الجمعيات الخيرية أو الأشخاص القادرون، وتحتوى على بعض المواد التموينية من سكر وزيت وبقوليات وياميش رمضان، فيما يعتبرها‏ علماء الدين نوعًا من أنواع التكافل الاجتماعى فى المجتمع‏ لمساعدة الفقراء والمحتاجين.

ولكن هذه الأعمال مهددة الآن بالتوقف بسبب الحالة الاقتصادية التى يعانى منها الجميع، حيث سقطت شريحة كبيرة من الطبقة الوسطى تحت خط الفقر، ليمتنع هؤلاء عن توزيع الشنط والمشاركة فى موائد الرحمن، وهو ما يهدد هذه الأوجه من أعمال الخير التى كان ينتظرها الفقراء من عام لآخر.

فقد كانت موائد الرحمن من أهم مميزات الشهر الفضيل، فهى أفصل صور التكافل الاجتماعى بين المصريين فى رمضان، ويرجع تاريخ أول مائدة رحمن فى مصر لعام 880م حينما أقامها أحمد بن طولون فى السنة الرابعة لولايته، وأخبر الجميع بأن تلك المائدة سوف تستمر طوال أيام شهر رمضان الكريم.

وبعد مرور فترة من الزمن اختفت موائد الرحمن، وعادت مرة أخرى فى عهد الخليفة الفاطمى المعز لدين الله، وأقام مائدة يبلغ طولها حوالى 175متراً، وكان يُخرج من قصره 1100 قدر من جميع أنواع الطعام لتوزيعها على الفقراء، وسميت فى ذلك الوقت «دار الفطرة»، ثم عاودت للاختفاء مرة أخرى، لتعود من جديد فى القرن العشرين، تحت رعاية حكومية لبنك ناصر الاجتماعى، الذى كان يُقيم مائدة رحمن بجوار الجامع الأزهر، يفطر عليها أربعة آلاف صائم، ويتم تمويلها من أموال دافعى الزكاة، وفى عام 1969م أقيمت فى رمضان أول مائدة قبطية بحى شبرا أقامها راعى كنيسة مارجرجس القمص «صليب متى ساويرس»، ومنذ ذلك الوقت بدأت موائد الرحمن فى الانتشار حتى أصبحت توجد فى معظم الميادين والشوارع.

تزامن مع ذلك ظهور شنط رمضان التى كان يحرص الكثيرون على إعدادها وتوزيعها على الفقراء، حيث كان المقتدرون يقومون بتوزيع هذه الشنط أو الكراتين على الفقراء والمحتاجين سواء بأنفسهم أو من خلال الجمعيات الأهلية أو المساجد التى تتولى هذه المهمة، وأصبحت هذه الظاهرة من أهم المظاهر الرمضانية كل عام.

ومع موجة الغلاء وارتفاع الأسعار، والأزمات الاقتصادية العالمية المتأثرة بتفشى وباء كورونا واندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، تأثرت هذه العادات الخيرية كثيرًا، وتراجعت حصة إعداد «شنط رمضان وموائد الرحمن» التى ينتظرها الفقراء وعابرو السبيل والمساكين، ويهرول إليها فاعلو الخير.

 

ثواب إفطار الصائم

‏وبسؤال الدكتور أسامة أمين مدرس الحديث وعلومه بجامعة الأزهر عن أهمية الصدقات فى رمضان وثواب إدخال البهجة على المحتاجين وثواب إفطار الصائمين، قال أن مواسم الخيرات والبركات تحل بقدوم شهر رمضان المبارك محملة بنسائم الرحمة، ورياحين الهدى، فيقول الله تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ» (البقرة: 185)، مشيرًا إلى أنه من أفضل الطاعات التى ينبغى أن يتسابق فيها الصالحون فى هذا الشهر الكريم هى إعانة المحتاجين من الفقراء والمساكين على أداء عبادتهم وكفاية حوائجهم، ومن يستغنى عن تفويت هذا الأجر العظيم الذى نادى له ربنا كما فى صحيح ابن حيان: «أنفق ينفق عليك».

وأضاف «أمين» فى حديثه لـ«الوفد» أنه لا شك أن الصدقات والنفقات فى أصلها من عطايا رب الأرض والسموات، وهى من أشرف الأعمال وأفضلها، ويزداد فضلها ويكثر شرفها بشرف الزمان وهو شهر رمضان أشرف الأزمان، واستشهد على حديثه بآيات من سورة الحديد، قال تعالى: {وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ}. (الحديد من الآية:7)، وقال تعالى فى بيان قيمة هذا العطاء: {مَّن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} (الحديد:11).

وتابع مدرس الحديث وعلومه بجامعة الأزهر أنه ثبت فى الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أول السابقين إلى الخيرات فى شهر البركات، فكان أجود بالخير من الريح المرسلة، وفيما دعا إليه أمته: «اتقوا النار ولو بشق تمرة». وفى الحث على نيل أجر إفطار الصائمين يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أفَطَّرَ صَائمًا، كانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أنه لاَ يَنْقُصُ مِنْ أجْر الصَّائمِ شيئا».رواه الترمذى وقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

 

حسن اختيار الفقراء

ومما ينبغى مراعاته فى الإنفاق وفقا للدكتور أسامة أمين: ضرورة حسن اختيار الفقراء والمساكين المستحقين للنفقة، فإن البلاء جرى فى هذا الزمان أن يدعى الفقر بعض من لا أخلاق لهم، ومنها: المبادرة بإخراج الزكاة فى وقتها دون تأخير، فإن الفقير أحوج لهذه الأموال خاصة مع كثرة متطلبات المعيشة فى الشهر الكريم، وليحذر المتخلف عن أدائها من العقاب الأليم، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ اللَّـهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}. ومنها أيضاً: إخفاء الصدقات قدر الإمكان دون تعريض الفقراء للتشهير، قال تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِى وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}. 

وأكد على عدم انتقاص الفقراء والضعفاء قدرهم، أو المنّ عليهم، ففى صحيح البخارى من حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِى رضى الله عنه، أنه قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لرَجُلٍ جَالِسٍ عنده: «مَا رَأْيُكَ فِى هَذَا» فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ إشراف النَّاسِ، هَذَا وَاللَّهِ حَرِى أن خَطَبَ أن يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أن يُشَفَّعَ، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا رَأْيُكَ فِى هَذَا» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،

هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِى أن خَطَبَ أن لاَ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أن لاَ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أن لاَ يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا».

 

معايير إعداد شنط رمضان

ووضع سالم فتحى أحد التجار أفكارًا جديدة لإعداد شنطة رمضان، لمساعدة أصحاب الخير المساهمين فى فعل الخير بأسعار تناسب فى استكمال جهودهم، فى ظل موجات الغلاء وارتفاع الأسعار التى تسببت فى عزوف الكثيرين عن أعمال الخير.

ونصح «فتحى» فى حديثه لـ«الوفد» المقبلين على إعداد شنط رمضان، بضرورة اتباع عدد من المعايير وتحديد الميزانية الخاصة بالشنط أثناء تجهيزها خلال الأيام المقبلة، قائلاً: «يفضل وضع بروتين نباتى أن لم تسمح الإمكانات بوضع الحيوانى، فالجسم خلال شهر رمضان يحتاج لتنوع العناصر، ويفضل وضع أصناف قليلة من السلع ولكن بكميات كبيرة، كما يجب شراء المكونات الجافة من أرز وحبوب وبقوليات، ومعرفة أن الأرز أفضل فى التوزيع من أكياس المكرونة، ولكن لا بأس من وضع كيسين أو ثلاثة منه فى كل شنطة، لتكفى احتياجات الأسرة.

وأضاف: يفضل وضع علب الفول كونه الطبق الرئيسى للسحور فى رمضان ووضع بعض الكماليات كالملح والدقيق والتوابل بها، بالإضافة لوضع علب من الأجبان لأنها وجبة يعتمد عليها الكثيرون، فوجودها فى شنط رمضان يزيد من فرحة الآخرين، واقترح فتحى أن تحتوى الشنطة على المكونات الجافة الآتية: ٤ كيلو أرز - كيلو فاصوليا - كيلو عدس - زجاجة زيت - ٢ كيس ملح - كيلو بلح - كيلو سكر»، أما بالنسبة للبروتين “كالحوم أو الفراخ” فيمكن استبدالها بمبلغ من زكاة المال يوفر للأسر بروتين ويغطى جزء لا بأس به من احتياجاتهم.

واعتاد الحاج محمد زكى صاحب إحدى محلات الجملة فى منطقة السيدة زينب تجهيز مائدة رحمن لإفطار الصائمين منذ ما يقرب من 10 أعوام، لتصبح عادة ينتظرها الجميع فى موعد شهر رمضان فى نفس المكان وحتى الآن.

وأكد زكى فى حديثه لـ«الوفد» أنه رغم ارتفاع الأسعار إلا أن أهل المنطقة حريصون كل الحرص على تنظيم هذه المائدة لتقديم خدمة للناس والتقرب مع الله.

وأشار إلى أن المائدة لم تتوقف المائدة منذ بدايتها إلا بسبب تفشى وباء كورونا خلال العامين الماضيين، إلا أنها ستقام مرة أخرى هذا العام ويحرص الجميع على إقامتها بنفس المستوى، بمشاركة مجموعة من الشباب لتتسع لأكبر عدد من الأشخاص وتحتوى الوجبات على اللحوم والدواجن والحلويات بدعم من أهل الخير.

وأضاف الحاج محمد أنه سيتم تجهيز وجبات مغلفة للناس البسيطة غير القادرين أو الممتنعين عن الحضور بسبب الخجل وإرسالها إليهم فى أماكنهم.

 

روابط اجتماعية

ومن جانبها قالت سامية خضر صالح أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس أن شنطة رمضان تشعر الفقراء بأن الأغنياء أو القادرين مهتمون بأمرهم، فهى تشبع احتياجاتهم نفسيا ومعنويا وماديا وتنمى شعورا بالانتماء والمحبة داخل المجتمع، وتنمى الروابط الاجتماعية بين الجميع.

وأكدت خضر فى حديثها لـالوفد على دور الإعلام فى توعية المواطنين للتبرع وزيادة أعمال الخير خلال شهر رمضان فى ظل الغلاء وارتفاع الأسعار الذى بات متفشيًا فى الآونة الأخيرة، موجهة بتحديد عدد الأسر التى يُرغب فى إهدائها شنط رمضان لترتيب الأمر وتحقيق الهدف المنشود، قائلة: «الصدقة من أجمل الأعمال الخيرية فى شهر رمضان، فهى تدفع البلاء عن الشخص الذى يحرص عليها، لذلك يجب على الجميع المشاركة فى تجهيز هذه الحقائب وتنظيم مثل هذه الفعاليات.

ووجهت أستاذ علم الاجتماع بضرورة أن تحتوى الشنطة على كميات كافية ونوعيات مطلوبة من السلع، بمعنى أن تشتمل على الأسآسيات بالدرجة الأولى مثل: الأرز, المكرونة, السمن والزيت, والسكر, وإذا كانت هناك سعة من الرزق فليكن هناك بعض اللحوم أو الدواجن، لمساندة الفقراء الذين يعانون بسبب ارتفاع الأسعار.