رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

»مزار الخالدين« حل ٌ لا يُرضى جميع الأطراف!!

بوابة الوفد الإلكترونية

أثار مقترح جهاز التنسيق الحضارى بتنفيذ مزار الخالدين فى العاصمة الإدارية الجديدة لتخليد ذكرى رموز مصر ونقل رفاتهم إليه، الكثير من الجدل فى الأوساط المجتمعية خلال الفترة الماضية، ما بين مؤيد ومعارض.

فالمؤيدون يرون أن المقترح جدير بالدراسة لكى نجد بديلا لأضرحة رموز مصر المتناثرة فى كل مكان، لعلها تتجمع فى مزار واحد يليق بأفضل ما قدمت مصر إبداعا واستنارة، وطالبوا بأن تضم رفات عظمائنا والخالدين فى تاريخنا من مختلف فروع المعرفة وأنواع التفوق وأسباب النبوغ، بدون أى تفرقة.

 

المؤيدون:يوفر بديلاً لأضرحة رموز مصر المتناثرة فى كل مكان

 

والمعارضون يؤكدون أن تخليد ذكرى أعلامنا ورموزنا يكون بالحفاظ عليهم فى أماكنهم، لأنها مزار الخالدين الحقيقى،وأى بديل سيصبح مسخا مثيرا للشفقة والعار، ومن يروج لهذه الفكرة يشارك فى جريمة غير مسبوقة، مشيرين إلى أن هناك بدائل أخرى لإنشاء الطرق والمحاور المخطط لها بدلاً من نقل رفات الموتى من أماكنهم إلى مزار الخالدين.

 

كان الجهاز القومى للتنسيق الحضارى برئاسة المهندس محمد أبوسعدة قد اقترح تنفيذ «مزار الخالدين»، كامتداد لمشروع ذاكرة المدينة، عاش هنا، حكاية شارع، ولحظات.

وأشار الجهاز إلى أن فكرة المزار، جاءت لتخليد ذكرى من أبدعوا وساهموا فى رسم ملامح هذا البلد العظيم، وتوفير مكان يليق بعظماء مصر يجمع رفاتهم ويليق بهم وبإنجازاتهم، ويكون فيه مساحات لخلق فرصة للأجيال الحالية والقادمة للاطلاع على إنجازاتهم.

 

المعارضون:  جريمة غير مسبوقة تؤدى إلى إزالة الجبّانات التاريخية

 

وأوضح الجهاز أن هناك عدداً من المشروعات العالمية الرائدة التى نفذت مثل هذا المقترح، وحققت إقبالاً ونجاحاً، ومنها حديقة فورست لاون التذكارية (هوليوود هيلز)، ألفيس بريسلى جاردن، موينت سايناى فورست، ومقابر العلمين التى تعتبر شاهداً على أهم معارك الحرب العالمية الثانية.

 

وقد خلصت الدراسة التى أجراها الجهاز إلى أنه تم اختيار العاصمة الإدارية لما تحمله من قيمة مستقبلية، وتتمثل أهمية المشروع فى تعزيز البعد الثقافى والهوية من خلال المزار، نتيجة دمج نواحى المعرفة المقدمة فى المزار بفكرة المناطق المفتوحة ودعم تحويل المزار إلى واجهة سياحية، واقترحت الدراسة أن يشمل المشروع مركزاً للزوار ومكتبة ومتحفاً يضم الكنوز العلمية والفنية والأدبية لشخصيات مؤثرة فى بناء تاريخ مصر القديم والحديث وقاعات تحكى تاريخ الشخصيات ونصباً تذكارية للمزار يعبر عن هوية وفكرة المشروع.

 

كما سيتم تشكيل لجنة من المعماريين والمتخصصين لعمل كراسة الشروط وطرحها كمسابقة والإشراف على المشروع، ويتم اختيار عظماء مصر من خلال لجنة مشكّلة من المجلس الأعلى للثقافة ومجلس الشورى والمراكز ذات الصلة.

كما دعا الدكتور مصطفى الفقى الكاتب والمفكر السياسى إلى إنشاء مقبرة جماعية للمتميزين فى تاريخنا الفكرى وأصحاب البصمات الواضحة فى حياتنا المعاصرة، أسوة بالأمم المتحضرة وفى مقدمتها فرنسا.

 

مطالب بعدم التسرع والدراسة والحوار المجتمعى قبل التنفيذ والاستعانة بأهل الخبرة والكفاءة

 

وقال الفقى إن هذه المقبرة يمكن أن تضم رفات عظمائنا والخالدين فى تاريخنا من مختلف فروع المعرفة وأنواع التفوق وأسباب النبوغ، مطالباً بأن تكون مقبرة مركزية وتضم أبناء الوطن الذين يراد تكريمهم، بغض النظر عن الفروق الدينية، أو التخصصات الثقافية، حيث يجرى تكريمهم بسبب الجهود الكبيرة والبصمات الباقية فى تاريخهم المشرق.

 

وأوضح المفكر السياسى، أنه سيكون للسياح والزوار مجالاً لارتياد تلك المواقع باعتبارها آثار عزيزة على الشعوب والقلوب فى كل الأحوال، ويومها تلتقى رفات الكبار طه حسين وعباس العقاد وسلامة موسى وأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وغيرهم، مضيفاً: «إذا كانت مدافن الأسرة المالكة ترقد فى مسجد الرفاعى فإن مقابر العظماء ممن خرجوا من صفوف الشعب هم أيضاً مصدراً للإلهام والتعبير عن الامتنان لمن أزاحوا الغيوم وفتحوا طاقات السماء أمام الأجيال القادمة، وإن ذلك أقل القليل وفاء لذكراهم الخالدة واحتراماً لتاريخهم الذى لا ينسى».

الشاعر فاروق

مقترح جدير بالدراسة

وقال الشاعر فاروق جويدة إن مقترح مزار الخالدين جدير بالدراسة لكى نجد بديلاً لأضرحة رموز مصر المتناثرة فى كل مكان، لعلها تتجمع فى مزار واحد يليق بأفضل ما قدمت مصر إبداعاً واستنارة.

 

وأضاف جويدة أن إكرام المبدعين فى حياتهم يجب أن يمتد بعد رحيلهم، لأنهم يمثلون القيمة والقدوة، أحياء كانوا أو فى رحاب الله، مشيراً إلى أنه يمكن الاسترشاد بمقابر العلمين عند إقامة المزار، كما أنه يساهم فى عدم ظهور مشكلة من وقت لآخر لإزالة مقبرة لكاتب كبير من أجل إقامة طريق وتثور الدنيا ولا تهدأ، كما حدث مع ضريح الدكتور طه حسين أو الكاتب يحيى حقى.

 

وأوضح جويدة أن إكرام هذه الرموز يتطلب أن نحافظ على مقابرهم، ولكنه أضاف أن هذا الاقتراح يمكن أن يواجه مشاكل كثيرة ظهرت أخيراً أمام التوسعات فى الطرق والمحاور وهى إصلاحات مطلوبة ولن نختلف عليها، ولكن المهم أن نواجه ما هو قادم، لافتاً إلى أن كل شعوب العالم تقدر رموزها وتسعى إلى توفير صور مناسبة لهم، خاصة أننا فى أحيان كثيرة لا نعرف مدافن هذه الرموز وأين استقر بها المقام. 

 

عميد تخطيط عمرانى: الأماكن التاريخية يحظر إضافة أى جديد إليها يغير من طبيعتها

الدكتورة جليلة القاضى

التاريخ لن يرحم

فيما قالت الدكتورة جليلة القاضى، المعمارية المتخصصة فى حفظ وإعادة إحياء التراث المعمارى والحضرى، إن مَن يروج لفكرة إنشاء مزار الخالدين فى العاصمة الإدارية لنقل رفات العظماء لن يرحمهم التاريخ. وأضافت القاضى أن الترويج لهذه الفكرة جريمة غير مسبوقة، تتمثل فى إزالة الجبّانات التاريخية وطمس معالم تاريخنا والعبث بالمدافن ورفات أجدادنا والاعتداء على حرمة الموتى.

 

وتساءلت القاضى: «عن أى رفات أو خالدين يتحدثون؟ عن تراكم على مدى أربعة عشر قرناً، يعنى لو نحينا جانباً صنايعية مصر وعمالها على مدى العصور، سوف نجد عشرات الآلاف من الأعيان والشخصيات العامة والرواد، ليس فقط على مستوى مصر، ولكن على مستوى المنطقة ككل، من رجال ونساء فى جميع المجالات، الفن والأدب والشعر والسياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم والعلم ورجال الدين المستنيرين، كلهم رواد وأيقونات».

 

وأضافت مستنكرة: «من أجل ماذا يتم نقل رفاتهم؟ من أجل شارع أو كوبري؟.. حتى على مستوى التكلفة الاقتصادية الأفضل تغيير المسارات أو إيجاد حلول بديلة بدلا من هذا الخراب غير المبرر».

وأكدت المعمارية المتخصصة فى حفظ وإعادة احياء التراث المعمارى والحضرى، أن تخليد ذكرى أعلامنا ورموزنا يكون بالحفاظ عليهم فى أماكنهم، هذا هو مزار الخالدين الحقيقى وأى بديل سيصبح مسخا مثيرا للشفقة والعار.

 

وتابعت: «لنفترض أنهم يريدون تخليد ذكرى هؤلاء بنصب تذكارى، حسناً افعلوا ذلك فى العاصمة الجديدة دون المساس بالمدافن التى يرقد بها الخالدون وأسرهم، واختلطت فيها رفات الجميع»، متسائلة هل أزلتم مقابر وادى الملوك والملكات بعد نقل المومياوات؟ هل أزلتم مقبرة توت عنخ أمون؟

وأشارت إلى أن جبانات القاهرة

أماكن مقدسة لا يجب المساس بها، موضحة أن قرافة المجاورين تحتوى على بستان العلماء ويضم رفات مئات العلماء والأعيان وأولياء الله والمتصوفة، مطالبة بدراسة هذا المقترح أولاً قبل تنفيذه.

 

وردت القاضى، على من يبرر نقل الرفات بتوسع العمران بالقول إن ذلك يعنى أننا بعد ذلك سنقوم بنقل الجبانات الحديثة الموجودة الآن فى العاشر من رمضان و15 مايو فى المستقبل من أجل التوسع فى العمران، وهكذا كل 50 عاماً نشرد وننقل رفات الموتى ونحولهم إلى بدو رحل.

 

وطالبت القاضى بالتروى والتفكير والاستعانة بأهل الخبرة لاتخاذ قرار سليم سيكون فى صالح الوطن والبشرية والموتى والأحياء، مشيرة إلى أنها ومعها عدد من المهتمين بالتراث تطالب منذ فترة طويلة بعدم هدم المقابر والجبانات التاريخية، ولا يسمع إليهم أحد، مؤكدة أنها لن تكف عن نشر الوعى الأثرى ونشر الحقائق وإدانة الجرائم المتمثلة فى الاعتداء على حرمة الموتى والتى ترتكب فى حق تاريخنا الذى هو حق للأجيال القادمة، وواجبنا أن نحافظ عليه ونورثه لهم كما فعل أجدادنا وآباؤنا.

 

وحول من يقول إن هناك دولاً أخرى نفذت نفس الاقتراح، أشارت إلى أن هذه الدول لا تهدم المدافن الأصلية المدفون فيها أصحابها حتى لو أنشأت مزاراً أو نصباً تذكارية أو أى شيء من هذا القبيل، ولذلك اقترحت القاضى أن يتم توفير تكاليف بناء مزار الخالدين فى العاصمة الإدارية، وتشجير الجبانات التاريخية الموجودة حالياً، وستكون جميلة الشكل فى النهاية وستحل مشكلة المياه السطحية فى المنطقة الموجودة بها.

حوار مجتمعى

 

وقال السفير فوزى العشماوى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن فكرة مزار الخالدين فكرة جيدة من حيث المبدأ، ولكنها حساسة لا بد أن تأخذ وقتها فى الدراسة والحوار المجتمعى والبرلمانى والاتفاق على معايير الدفن فيها وألا تكون بديلاً للمقابر التاريخية الحالية. وأضاف العشماوى أن قراراً بهذه الأهمية ويتضمن هدم مقابر ومزارات تاريخية يستحيل إعادة بنائها لا يجب أبداً التسرع فيه، ولا بد من تكوين لجنة تاريخية أثرية علمية هندسية محايدة تدرس الموضوع وتقرر القيمة التاريخية والأثرية للمقابر الحالية.

 

وأكد مساعد وزير الخارجية الأسبق أنه يجب دراسة إمكانية تفادى هدم المقابر القديمة، وفى ذات الوقت ضمان السيولة المرورية حتى لو تطلب الأمر بعض الحلول الهندسية الاستثنائية، كما يجب استشراف رأى أهالى المتوفين المدفونين بهذه المقابر والاطلاع على رغباتهم وتفضيلاتهم بالبقاء فى ذات المقابر أو الانتقال لمزار الخالدين.

تراث

الدكتور سامح العلايلى

أما الدكتور سامح العلايلى، عميد كلية التخطيط العمرانى بجامعة القاهرة الأسبق، قال إنه لا يجوز تغيير معالم التراث بنقلها إلى مكان آخر. وأضاف العلايلى أن المقترح هدفه تحسين الصورة أمام الرأى العام ويتضمن الموافقة على إقامة طرق فوق منطقة الجبانات التراثية بعد نقلها، مشيراً إلى أن القاهرة مدينة مليئة بالمناطق التراثية ذات القيمة الكبيرة، وعند التعامل معها يجب أن يكون هناك حرص ودراسات مسبقة عن طريق علماء متخصصين، لكن هذا لا يحدث فى المشروعات التى يتم تنفيذها حالياً. وأوضح عميد كلية التخطيط العمرانى الأسبق أن التدخل فى مقومات التراث المبنى مثل المقابر أو غيرها كحديقة الحيوان وقصر المنتزه دون علم خطأ كبير فى حق المجتمع.

 

وتابع: «التعامل مع المبانى والمناطق ذات القيمة التراثية يعتمد على قاعدة أساسية وهى إزالة الأضرار والتشوهات التى أصابتها بفعل الزمن وغيره، وفى الحالات ذات التاريخ البعيد يحظر تماماً إضافة أى جديد يغير من طبيعتها، بل يتحتم توفير بيئة محيطة محايدة المعالم تحافظ على الأثر وتحترم قيمته، والأفضل اعتبار الموقع بأكمله محمية تراثية تستدعى وضع نظام حماية يمنع أى أضرار مستقبلية».

وأشار إلى أن احترام الحالة الأصلية للتراث المبنى يأتى من منطلق أنها تمثل حقبة زمنية من تاريخ البلاد بكل ما تحويه من خصائص وعموميات، وعند التعامل معها يجب ألا نضيف للمحتوى الأصلى أشياء لم تكن واردة فى عصرها، مدللاً على ذلك بأنه عند احتراق سقف كاتدرائية نوتردام فى باريس منذ عامين وهى من أهم معالم المدينة التاريخية، دخل المجتمع المحلى والمتخصصون فى حوار كبير حول كيفية التعامل مع الحدث، ولم تقم السلطات الرسمية على وجه السرعة باستدعاء أكبر شركة مقاولات ولا الهندسة العسكرية لإصلاح الضرر، لأن الأمور فى هذا العالم يجب أن تأخذ حقها من البحث والاستشارة، مهما طال الوقت قبل الشروع فى إجراء أو تنفيذ أى عمل متسرع قد يبدو براقاً على غير الحقيقة.