رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أبى.. صياد القلوب

بوابة الوفد الإلكترونية

أول قارئ من مسجد «القنطرة شرق» بعد تحرير سيناء

 

لم تر دولة التلاوة فى مصر قارئًا امتلك قوة الأداء والثقافة الصوتية والمقامية والقرآنية، إضافة إلى ما حباه الله من جمال الصوت، غير القارئ الشيخ شعبان عبدالعزيز الصياد.. صاحب الأداء الفريد والحنجرة الذهبية التى جذبت الملايين من المستمعين عبر مدن العالم الإسلامى.

 

اجتمع على صوته كل القراء، ووصفوه بالمتفرد، سواء من جايلوه أو قرأوا معه فى مصر أو خارجها، وكذلك القراء الشباب من الجيل الذى جاء بعدهم، فقد كان صاحب لون خاص فى تلاوة القرآن، وكان مثقفًا وعالمًا أزهريًا، قال عنه الموسيقار الكبير الراحل عمار الشريعى فى برنامجه الشهير «غواص فى بحر النغم»: «إننى فوجئت بالأمس بصوت (كسَّر) كل قواعد الموسيقى المتعارف عليها فى دنيانا، سمعت شيخًا اسمه الشيخ شعبان الصياد، وهو يصعد فى تلاوته بانسيابية مطلقة، ثم ينزل بمنتهى السهولة واليسر كانسياب الماء من الصنبور».

 

رفض العمل معيداً بالجامعة ليتفرغ لعالم التلاوة

لم يرث «الصياد» الابن عن والده الشيخ عبدالعزيز «الأب» غير حب القرآن وتلاوته، فلم يرث مالًا ولا جاهًا ولا منصبًا، حيث ولد فى منزل ريفى متواضع كغالبية منازل قرية صراوة بمركز أشمون، وكان طبيعيًا أن ينشأ الشيخ «الصياد» فقيرًا، ويواجه اليتم فى سن الرابعة من عمره، لكنه لم يسمح للفشل أن ينال من عزيمته ودأبه، وكان يشعر أنه منذ صغره وهو رجل يتحمل ما يتحمله الرجال من أعباء، وكان دائمًا يتحصن بكتاب الله وسيرة النبى صلى الله عليه وسلم، بالإضافة إلى حرصه طوال حياته على مجالسة العلماء لينهل من علمهم.

 

«صياد القلوب» الذى سحر مستمعيه بتلاوته الفريدة، بعد أن ذاع صوته فى عموم مصر والعالم الإسلامى، قضى حياته فى خدمة كتاب الله تلاوة وتجويدًا بداية من قريته «صراوة» بالمنوفية حتى رحيله، الذى توافق مع أولى تكبيرات عيد الفطر المبارك، حيث كان الأهالى هناك ينتظرون إمامهم الشيخ شعبان الصياد ليؤمهم فى صلاة العيد، لكن مع إشراقة صبيحة أول أيام العيد وفى أولى التكبيرات صدحت الميكروفونات بخبر رحيل «صياد القلوب» الشيخ شعبان الصياد الذى وقع على الأهالى بالقرية كالصاعقة، حيث وافته المنية صباح الخميس غرة شهر شوال العام 1418هـ، الموافق 29 يناير 1998م.

 

مصطفى إسماعيل احتضنه فى الليالى والسهرات القرآنية

 

«الوفد» التقت نجله الأصغر عادل شعبان الصياد ليروى ذكرياته عن والده صياد القلوب، ملك الأمسيات الدينية ورحلته مع القرآن من قرية صراوة بالمنوفية حتى العالمية والرحيل.

 

فى البداية يقول «عادل» أصغر أولاد الشيخ شعبان الصياد وترتيبه السابع بين أبناء القارئ الراحل: ولد أبى فى قرية «صراوة» التابعة لمركز أشمون بمحافظة المنوفية فى عام 1940م وهى القرية التى لقبت بقرية القرآن لكثرة الكتاتيب بها، ونشأ وسط أسرة قرآنية كبيرة وورث حب وتلاوة كتاب الله عز وجل عن والده الشيخ عبدالعزيز الصياد (الأب) والذى كان ذا مكانة كبيرة بين أهل قريته والقرى المجاورة، وكان ممن تقدموا إلى اختبارات الإذاعة المصرية، إلا أنَّ القدر وافاه فى اليوم ذاته الذى جاءه فيه خطاب الاعتماد بالإذاعة فى عام 1944م وكان وقتها الشيخ شعبان (الابن) فى سن الرابعة من عمره. لكنه تأثر به كثيرًا، ليبدأ الابن الصغير فى استكمال مسيرة والده القرآنية، وقد ساعدته والدته كثيرًا حتى التحق بكتّاب الشيخ «جاد أبوغريبة» أحد علماء الأزهر الشريف، وأتم على يديه حفظ القرآن الكريم بقراءاته السبع، وهو فى عمر الطفولة، ثم انتقل وهو فى عمر 9 سنوات إلى مدينة منوف، حيث التحق بمعهد منوف الأزهرى، بالصف الخامس الابتدائى مباشرة تبعًا للنظام المعمول به آنذاك، حيث كان حفظة القرآن يتم استثناؤهم من الأربع سنوات الأولى، وأقام فى سكن بمفرده وقتها، وكان يفتتح كل المناسبات والاحتفالات التى يقيمها معهد منوف للقرآن، حتى أنه كان ينال إعجاب كل المستمعين له من أساتذته ومدرسيه وزملائه الطلاب، فبدأت تظهر شهرته حتى أنه كان يدعى لإحياء المناسبات الدينية بمدينة منوف والقرى المجاورة لها، واستمر بالمعهد حتى المرحلة الثانوية ثم أكمل الدراسة بالقاهرة والتحق بكلية أصول الدين قسم العقيدة والفلسفة، وكان متفوقًا جدًا.

 

«عبدالمطلب» أطلق عليه لقب «ملك الفجر».. و«الشريعى»: كسر كل قواعد الموسيقى

ويستكمل نجل الشيخ قائلاً: فى عام 1966م حصل والدى على درجة الليسانس فى كلية أصول الدين بتقدير جيد جدًا، وتم ترشيحه معيدًا بالكلية لكنه رفض التدريس بالجامعة وفضل التدريس بالمعاهد الأزهرية حتى لا يشغله التدريس بالجامعة عن هوايته وعشقه لتلاوة كتاب الله، فعمل فى عدة معاهد أبرزها المعهد الأزهرى بسمنود محافظة الغربية، ثم معهد الباجور، ومعهد منوف الثانوى، ثم عمل موجهًا فى علوم القرآن بمديرية أوقاف شبينالكوم حتى أصبح وكيلًا لوزارة الأوقاف بها، ومنذ تخرجه وحتى بلوغه سن (26) عامًا حتى بلغت شهرته مداها على مستوى الجمهورية، ولم يكن قد التحق بالإذاعة بعد.

 

مرحلة الإذاعة

يحكى نجل الشيخ خطوات التحاق والده بالإذاعة قائلًا: منذ أن كان والدى يدرس فى الأزهر كان يمكث كثيرًا فى الجامع الأزهر، وقد رآه ذات مرة قارئ مصر الأول آنذاك الشيخ مصطفى إسماعيل وهو ينام فى ركن الجامع الأزهر ممسكًا كتابًا فى يده فقال لمن معه «انظروا هذا الشاب النائم أمامكم إن له مستقبلا عظيما» فاقترب منه وعرّفه بنفسه فلما سمع صوته فى تلاوة القرآن أعجب به، واحتضنه وأصبح يصطحبه معه فى الليالى والسهرات القرآنية.

 

ويضيف «عادل» نجل «صياد القلوب»: وبعد أن تخرج والدى فى كلية أصول الدين عاد إلى بلده منوف، وبدأ نجمه فى البزوغ، وبدأت مرحلة الأضواء تظهر، فأثناء عمله بالتدريس فى المعاهد الأزهرية كان يعمل قارئًا بالمساجد حتى أنه كان قارئًا لمسجد «زويين» أكبر مساجد مدينة منوف، وكان الحضور من كبار المسئولين والعائلات فى البلدة، وفى عام 1975م تقدم لاختبارات الإذاعة المصرية، وكانت لجنة الاختبار تضم عددًا من كبار العلماء فى ذلك الوقت أمثال الشيخ عبدالفتاح القاضى والشيخ محمد مرسى والشيخ عفيفى الساكت والشيخ رزق خليل حبة وغيرهم من رموز العلماء والمشايخ. ونجح نجاحًا كبيرًا، وتم اعتماده كقارئ للقرآن الكريم بالبرنامج العام مباشرة دون مروره على إذاعة البرامج القصيرة، كما هو المتبع مع كافة القراء، وذلك بسبب عذوبة صوته وجماله.

 

تأثر فى بداياته بالشيخ أبوالعينين شعيشع.. وكرّمه سلطان بروناى

ومنذ أول شهر بعد التحاقه بالإذاعة تم إسناد تلاوة قرآن الجمعة إذاعيًا له، حتى زاد الإقبال عليه، وانبهر به السميعة من محبى التلاوة، وتم اختياره لقراءة قرآن الفجر على الهواء مباشرة، مرة كل ثلاثة أسابيع فى أكبر مساجد القاهرة خاصة مسجد الإمام الحسين، والسيدة زينب، وكان الناس يتوافدون بأعداد كبيرة ورهيبة عليه من كل مكان ومن

كل المستويات حتى الفنانون كان منهم من يتابع «صياد القلوب» بشغف وحب كبير ومنهم المطرب الشعبى محمد عبدالمطلب الذى كان يطلق على والدى «ملك الفجر» وهو اللقب الذى ظل ملازمًا له حتى وفاته، بالإضافة إلى ألقاب أخرى أبرزها «نجم الأمسيات الدينية».

 

زيارات وتكريمات

يقول نجل الشيخ «الصياد»: من الطرائف التى حدثت لوالدى أنه فى عام 1970، عقب وفاة الرئيس المصرى الأسبق جمال عبدالناصر، حيث كان الشيخ عائدًا من إحدى المناسبات الدينية ففوجئ بالعديد من سيارات الشرطة التابعة للحرس الجمهورى تحاصر منزله، وقد تجمع الجيران لمتابعة الموقف وعندما استفسر من أحد الضباط عن سبب كل ذلك، قال له كبير الضباط إن هناك أوامر من رئاسة الجمهورية بإحضار الشيخ للتلاوة على روح الزعيم الراحل.

 

كما أن والدى أول قارئ للقرآن من مسجد القنطرة شرق بأرض سيناء بعد تحريرها عام 1977م والذى كان يحضرها الرئيس أنور السادات – رحمه الله- وعدد كبير من مسئولى وكبار رجال الدولة آنذاك.

 

كما تم تكريمه من الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى عام 1990 بمدينة برج العرب الجديدة، وفى الخارج حصل على العديد من الجوائز والأوسمة وشهادات التقدير من الخارج من إيران وسلطنة بروناى ودبى.

ومن المواقف الشهيرة فى حياة والدى أنه لما توفى والد الشيخ محمود على البنا طلبه للحضور من أجل المشاركة فى ليلة العزاء بقرية «شبرا باص» ليفاجأ عند وصوله سرادق العزاء بوجود العديد من أعلام التلاوة ومنهم الشيخ مصطفى إسماعيل ومحمد الطبلاوى وعبدالعزيز على فرج والشيخ عبدالباسط عبدالصمد، فاستأذن الشيخ «البنا» الجميع فى أن يصعد الشيخ شعبان الصياد إلى تخت التلاوة ليقرأ فوافقوا جميعًا، حتى قرأ من سورة الإسراء وسط إعجاب وتشجيع القراء والمعزين الذين تجاوبوا مع أدائه وصوته المعجز.

 

وعن زياراته المتعددة إلى البلدان الإسلامية يقول نجل القارئ الراحل الكبير: كان والدى دائمًا يدعى إلى البلدان الإسلامية والعربية والأجنبية، لاسيما فى شهر رمضان، وكان على رأس هذه الدول المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وفلسطين والأردن وسوريا والعراق وإندونيسيا ولندن وباريس وأمريكا وسلطنة بروناى وغيرها من دول العالم، كما ترأس العديد من لجان التحكيم واختبار القراء فى كثير من مسابقات القرآن الكريم وشارك فيها فى معظم الدول العربية والإسلامية منها المملكة العربية السعودية وإيران وماليزيا، وقد حظى بتقدير شعبى ورسمى من جميع الدول التى زارها، احتفاء بما من الله به عليه من نعمة القرآن الكريم، ومع ذلك لم يتخل عن تواضعه أبدًا، بل كان يصف نفسه بأنه أقل عباد الله منزلة وأن جميع القراء بلا استثناء أفضل منه، فكان مثالا للتواضع والإيثار، وقد أثنى عليه مشاهير القراء من رواد الزمن الجميل أمثال الشيخ مصطفى يونس والشيخ أبوالعينين شعيشع والشيخ محمود على البنا وغيرهم الكثير، وذلك فى العديد من البرامج الإذاعية واللقاءات التليفزيونية والمقالات الصحفية، ولوالدى الكثير من الشرائط والتسجيلات النادرة فى يد محبيه ومستمعيه فى بلدته.

الرحيل

وعن رحلة المرض والرحيل يواصل «عادل» نجل الشيخ «الصياد» حديثه قائلًا: ظل والدى مستمرًا فى عطائه فى تلاوة القرآن الكريم فى جميع أرجاء المعمورة حتى فاجأه المرض عام 1994، وأصيب بمرض الفشل الكلوى، وأصبحت تلاوته فى أضيق الحدود، حتى أنه لبى نداء ربه فجر 19 يناير 1998، الموافق الأول من شهر شوال (عيد الفطر) للعام 1419 هجرية، وشيع فى جنازة مهيبة على المستويين الرسمى والشعبى، ولم يناهز الثامنة والخمسين من عمره ودفن بمدافن العائلة بقرية «صراوة» بالمنوفية.

 

وكان مشهد الجنازة مهيبًا، وقد حضر مشاهير القراء منهم الشيخ أنور الشحات والطبلاوى والشيخ عبدالعاطى ناصف، والشيخ الطوخى، والشيخ محمد الليثى ومحمود المنشاوى، وقد شيعت جنازته فى مشهد على المستويين الرسمى والشعبى.

 

أسرة الشيخ

وعن أسرة الشيخ شعبان الصياد يقول نجله «عادل»: تزوج والدى من ابنة عمه، فهناك صلة قرابة وقد رزقهما الله بسبعة أولاد 6 ذكور وابنة واحدة، أكبرهم اللواء «عبدالعزيز» وقد توفاه الله، والدكتور محمد، ثم الدكتور محمود وهما طبيبان بشريان، والحاجة أمل وهى مديرة شئون مالية وإدارية بالشباب والرياضة، وأشرف وهو محاسب بشركة مصر للتأمين وشقيقى التوأم عادل ويعمل مزارعًا، ثم أنا الابن الأصغر، أما أحفاد الشيخ «الصياد» فهم كثر ومنهم أربعة ضباط شرطة والباقى من خريجى الجامعات المصرية المختلفة.

أما أشقاء والدى رحمه الله، فقد كان له شقيق اسمه الشيخ فريد، وثلاث شقيقات وكلهم حفظة القرآن الكريم ومن محترفى التجويد.