رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

سيناريوهات الحرب وخيارات السلام فى 2023

حروب
حروب

الحرب الروسية تبوح بآخر أسرارها فى العام الجديد

 

بعد مرور أكثر من 10 شهور على الحرب الروسية – الأوكرانية التى بدأت فى 14 فبراير 2022، لا يزال السؤال الذى يبقى العالم فى حالة توتر، هو كيف تنتهى الحرب وما نتائجها المتوقعة؟  فالحرب التى أصبحت حدثًا تاريخيًا عالميًا، تمثل الفصل الأخير فى فترة ما بعد الحرب الباردة وبداية حقبة جديدة ليست واضحة المعالم بعد.

 

ومنذئذٍ، اختبرت الحرب ثلاث مراحل متمايزة، وقد تدخل فى مرحلة رابعة أكثر تصعيدًا وخطورةً؛ ما لم تفلح الجهود الدولية فى خفض مستوى الصراع وربما تسويته سلميًا. حيثث إننا أمام مفترق طرق فى تطور مسار العمليات العسكرية ومستواها؛ قد يتجه بالحرب إلى سيناريوهات متباينة، وإن كان (خيار شمشون) هو السيناريو الأقرب فى العام الجديد.

 

«أم المعارك» تفرم الاقتصاد العالمى وتتسلح بـ«خيار شمشون»

 

وبجانب ذلك، تشهد الميادين الأوروبية والأمريكية صراعات داخلية بعد الدعم العسكرى والمالى الذى قدمته الحكومات لأوكرانيا، حيث ارتفعت نسب التضخم فى البلاد وصعد مؤشر الأسعار بالمتاجر، بالإضافة لتفاقم ازمة الطاقة مع حلول فصل الشتاء، وانتشار المسيرات الاحتجاجية والإضرابات، اعتراضا لدعم أوكرانيا فى الحرب مع روسيا، وتم اتهام الولايات المتحدة بأنها تجنى مكاسب هائلة من الغرب خاصة بعد وعودها لدول الاتحاد الأوروبى بسد فجوة الغاز الروسى، وتوفيره لأوروبا بأسعار خيالية، وحينها حذرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسلا فوندرلاين من خطر اندلاع حرب تجارية جديدة بين الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة.

 

وخلال ما سبق، نرى أن الحرب فى أوكرانيا ضربت نقطة انعطاف رئيسية فى أواخر سبتمبر، بعد التقدم الكبير للقوات الأوكرانية الذى أدى إلى دعوة الكرملين للتعبئة الجزئية وضم أربع مناطق من الأراضى الأوكرانية. ونتيجة لذلك، أصبحت السيناريوهات السلبية الأكثر خطورة أكثر احتمالا الآن. وهو ما تطرقت إليه «الوفد» مع قدوم العام الجديد وتغير الحملات الروسية للعام 2022 واستحداث حملات جديدة فى 2023 لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب فى حربها مع أوكرانيا والغرب وأمريكا خلال الملف التالي:

للقوات الأوكرانية

قتال مطول

ترى مؤسسة  FrontierView لتحليل البيانات والدراسات والرؤى المستقبيلية، أن الحرب ستصل إلى طريق مسدود آخر فى عام 2023، مما يؤدى إلى محادثات وقف إطلاق نار محتملة فقط فى أواخر عام 2023، كما أن  نهاية الحرب ممكنة فقط مع انهيار نظام فولوديمير زيلينسكى فى كييف أو نظام فلاديمير بوتين فى موسكو، وحتى ذلك الحين، هناك توقعات  بالمزيد من التصعيد، مع احتمالات متزايدة لسيناريوهات سلبية، بما فى ذلك صراع مباشر محتمل مع الناتو. وهو ما أكدته وكالة فيتش سوليوشنز Fitchsolutions الأمريكية، والدراسات الغربية،  مشيرة إلى أن  القتال فى الحرب الروسية الأوكرانية سيستمر حتى 2023 على الأقل، لأن أيًا من الجانبين سيواجه صعوبات فى توفير ما يكفى من الأفراد والأسلحة والتمويل لتحقيق أهدافهم، حيث إن الجانب الأوكرانى، يسعى إلى استعادة حدود المقاطعة لعام 1991، بينما يسعى الجانب الروسى إلى الاحتلال الكامل لأقاليم خيرسون وزابوريزهزهيا ودونيتسك ولوهانسك التى تم ضمها.

 

«بوتين» يستعد لحشد مليون عسكرى فى التعبئة الجديدة.. و«رايان»: سيتكبد خسائر فادحة

 

حارة سد

ولفتت الوكالة إلى أنه لا يوجد سوى احتمال ضئيل للغاية فى التوصل إلى وقف موثوق أو واقعى لإطلاق النار خلال العام المقبل. حيث حدد الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى شروطه للمفاوضات بشأن محادثات السلام مع روسيا فى 8 نوفمبر بعد تقارير تفيد بأن الولايات المتحدة طلبت بشكل خاص من أوكرانيا إظهار أنها منفتحة على التفاوض، وأوضح زيلينسكى أن التسوية المقبولة ستشمل «استعادة وحدة الأراضى، واحترام ميثاق الأمم المتحدة، والتعويض عن جميع الخسائر المادية التى سببتها الحرب، ومعاقبة كل مجرم حرب، وضمان عدم حدوث ذلك مرة أخرى». وأكد المسؤولون الأمريكيون متابعتهم، وأن وجهة نظرهم بأن الأمر متروك لأوكرانيا لتحديد شروط تسوية مقبولة. ومن غير المرجح أن تقبل روسيا هذه الشروط، بالنظر إلى أهمية الاحتفاظ بالسيطرة على شبه جزيرة القرم  والمناطق التى ضمتها حديثا.

 

وقال المحلل السياسى الأوكرانى، بوهدان هورفات، إنه لم يعد هناك أى إمكانية لحل سلمى للحرب، فالأزمة العالمية الحالية ستستمر وستتفاقم إن لم تواصل الدول التى تدعم أوكرانيا المساعدات العسكرية، كالأسلحة الهجومية، مثل الدبابات، والأنظمة الصاروخية والقذائف طويلة المدى، وكذلك المزيد من نظم الدفاع الجوى.

 

نظرية «النصر» تخذل الرئيس الروسى ودعوة لتغييرها فى 2023

 

وأضاف المحلل السياسى الأوكرانى فى تصريحات لـ«الوفد»، أن أهم العوامل التى تسرع قرارات الغرب فى تقديم المزيد من الأسلحة لأوكرانيا هى الهجومات الروسية على الأهداف المدنية فى أوكرانية، مشيرا إلى أنه إذا لم تطلق روسيا النار على هذه الأهداف وأوقفت ممارسة جرائم الحرب فى المناطق المحتلة، فمن المرجح أن يؤجل الغرب الإجراءات فى تزويد أوكرانيا بأسلحة هجومية وسيقتصر على استمرار المساعدة على المستوى الحالى، فضلًا عن توفير معدات الدفاع الجوى. وأكد هورفات على أن روسيا لا تستطيع أن تلتزم بقواعد اللعبة الآن، لأنه سيؤدى إلى هزائم جديدة فى الميادين، لافتا إلى أن الدعم السياسى لحقوق أوكرانيا وسيادتها ووحدة أراضيها سيزداد خلال 2023.

 

أسعار السلع الأولية العالمية فى زيادة حتى 2024.. وتوقعات بانخفاضها

 

تصعيد عسكري

ورأت وكالة  Fitch Solutions، أن هناك احتمالًا للتصعيد فى أوكرانيا،  الأول يتعلق بدخول بيلاروسيا فى الحرب دعمًا لروسيا مع تحرك قوة روسية بيلاروسية مشتركة إلى شمال أوكرانيا من الأراضى البيلاروسية،  وهو ما لم ترجحه الوكالة حيث تعتقد أنه من غير المرجح أن يسعى الكرملين إلى اتخاذ خطوة أخرى تجاه كييف، حتى مع التعزيزات البيلاروسية، لذلك، سيكون التوغل المفترض فى شمال أوكرانيا مصممًا بشكل أساسى لتحويل القوات الأوكرانية بعيدًا عن المعارك الأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية فى الشرق. وعليه، فى هذا السيناريو، ستبقى أهداف روسيا الحربية كما هي وخلق جبهة ثانية سيزيد من فرصها فى تحقيقها.

 

وتشير التوقعات الغربية إلى أن المسار البديل للأحداث، هو التوسع الجغرافى لأهداف الحرب الروسية، وتتطلب الأهداف الأكثر طموحًا إطلاق جولة أخرى مهمة من التعبئة، أو فى الواقع تعبئة واسعة النطاق، مصحوبة بإعلان رسمى للحرب على أوكرانيا.  حيث من المحتمل، أن تحاول روسيا بعد ذلك شن هجوم آخر على كييف بمساعدة بيلا روسيا.

 

تعبئة جديدة  

وأكد مركز GIS للتقراير والمعلومات الاستخباراتية، بإمارة لِيخْتِنْشْتَايْنْ الأوروبية، أن  الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، يحاول حشد مئات الآلاف وربما أكثر من مليون روسى للقتال ضد أوكرانيا. وبالتالى فإن تلك المحاولات لن تنقذ بوتين أو حربه. حيث إن إلقاء مئات الآلاف من المواطنين على الجبهة لن يؤدى إلا إلى مزيد من القتال وزيادة التكاليف على الجميع، لكن من غير المرجح أن تغير النتيجة.

 

السياسة النقدية الروسية الجديدة.. تكسير عظام لعرش الدولار.. وانتعاش للعملات العربية والأجنبية

 

كما  توقع ميك رايان  الخبير الاستراتيجى فى هيئة الأركان المشتركة للولايات المتحدة أن يطيل الرئيس الروسى فلاديمير بوتين الحرب الروسية الأوكرانية حتى عام 2023.، واكد رايان أن روسيا تأمل أن يحل حشد 300 ألف جندى إضافى محل العدد الكبير من الخسائر القتالية التى تكبدوها خلال الأشهر التسعة الماضية، حيث إنه من المتوقع أن يبدأ بوتين قريبًا الجولة الثانية من التعبئة الروسية، مستخدمًا القوات الجديدة لشن هجوم فى عام 2023 وتأمين المقاطعات التى ضمتها روسيا فى سبتمبر، ويعتقد أن بوتين كان عليه أن يتحمل المخاطر السياسية للتجنيد الإجبارى، لأنه إذا لم ينجح هنا فسيكون نظامه نفسه مهددًا، أو أسوأ من ذلك». حسب موقع نيوز هاب Newshub.

 

وترجح وكالة فيتش الأمريكية أن تسبق عمليات «العلم الكاذب» أو الاتهامات بالفظائع أو الإرهاب أو المؤامرات الأوكرانية إعلان الحرب من قبل روسيا على أوكرانيا ودخول بيلاروسيا إلى الصراع،  كما أن الصراع الموسع سيستمر إلى ما بعد عام 2023، وربما يمتد لعدة سنوات أخرى. ولكن التصعيد وإعلان الحرب تحتاج روسيا لفترة راحة لإعادة بناء قواتها، لذلك، نعتقد أن شكلًا من أشكال وقف إطلاق النار المؤقت– سواء أكان رسميًا أم غير رسمى– سيكون شرطًا مسبقًا لتحقيق هذا السيناريو، وهو ما ترفضه أوكرانيا بعلمها أن وقف إطلاق النار ما هو إلا فرصة لروسيا لاستعادة قواها من جديد.

 

حملات بوتين 

وقالت قناة ABC NEWS الأمريكية إنه هناك 4 عناصر لحملات للرئيس الروسى فى 2023، حيث إنه من المحتمل أن يكون المكون الأول للحملة الروسية لعام 2023 هو استمرار الضربات الإستراتيجية، وبعيدًا عن البنية التحتية للطاقة، قد يشمل ذلك ضربات أكثر دقة على أهداف عسكرية استراتيجية، لا سيما اللوجيستيات ومراكز التدريب. لكنها ستسعى أيضًا إلى ردع الاستثمار الأجنبى فى أوكرانيا.

 

الدراسات تضع خارطة طريق لتحرير الجنيه المصرى عن الشبح الأخضر  

 

 العنصر الثانى فى الحملة الروسية لعام 2023 سيكون العمليات العسكرية، التى ستوظف بلا شك العديد من القوات الروسية التى تم حشدها حديثًا، لتأمين المقاطعات الخمس فى إعلان الضم الروسى. هذا هدف سياسى واستراتيجى مهم، وسيشمل الاستيلاء على الأراضى والقضاء على الثوار فى تلك الأجزاء من أوكرانيا التى تم الاستيلاء عليها بالفعل.

العنصر الثالث فى حملة روسيا 2023 سيكون الأنشطة السياسية لـ «إضفاء الطابع الروسى» على الأراضى التى يسيطرون عليها، كما حدث فى خيرسون، وهى طريقة يشعر بها بوتين أنه بإمكانه إضفاء المزيد من الشرعية على غزوه. وقد يكون الجزء الأخير من الحملة الروسية لعام 2023 هو مهام «اقتصاد القوة» التى تثبت الأوكرانيين فى أماكن بحيث لا يمكن استخدام قواتهم فى الجنوب أو الشرق لشن هجمات أو الدفاع ضد روسيا. والتدريب الروسى وإطلاق الصواريخ من بيلاروسيا هو مثال على ذلك.

 

نظرية النصر الوهمية  

وقال ميك رايان الخبير الاستراتيجى فى هيئة الأركان المشتركة للولايات المتحدة إلى أنه من المحتمل أن نرى الأوكرانيين يحاولون على الأقل القيام ببعض الهجمات صغيرة النطاق لمواصلة التدمير فى الأراضى التى تسيطر عليها روسيا داخل أوكرانيا، ويعتقد رايان عدم ترجيح استخدام بوتين للأسلحة النووية فى الحرب، وقال إن بوتين يدرك أن استخدام الأسلحة النووية سيغير بشكل جذرى طبيعة هذه الحرب ومشاركة الناتو، حيث إن الحلف الأطلسى هو تهديد أكبر وأخطر بكثير لبوتين، ومع ذلك، قال رايان إن الأسلحة النووية لا تزال ممكنة وأن استخدامها «ليس خارج الطاولة تمامًا»، وتابع: تتطور إستراتيجية الولايات المتحدة لغزوها وإخضاعها لأوكرانيا باستمرار، حيث  لم يذهب الغزو بعيدًا كما كان يتوقعه بوتين وقادته العسكريون فى فبراير. وأكد انه كان على الروس تغيير «نظرية النصر»، ومع اقتراب فصل الشتاء من أوروبا، تسعى روسيا للاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من الأراضى أثناء التحضير لحملة العام المقبل، ومن هنا ماذا يمكن أن تكون خيارات روسيا لعام 2023، وما هى نقاط الضعف الروسية التى قد تهاجمها أوكرانيا؟

حرب عالمية

وقال النائب جيرى كونولى (ديمقراطى من فرجينيا) رئيس الجمعية البرلمانية لحلف الناتو، إنه سيكون من الحماقة أن يتوقع أى شخص إلى متى ستستمر الحرب أو ينبغى أن تستمر، مشيرًا إلى أن قلة من الناس اعتقدوا أن روسيا ستغزو أوكرانيا فعليًا. فى المقام الأول.

 

وأشار «كونولى» إلى أنه فى حين أن الصراع الذى طال أمده فى الشرق والجنوب يمكن أن يصب فى مصلحة أوكرانيا على المدى الطويل، فقد أظهرت روسيا تاريخيًا قدرتها على امتصاص خسائر فادحة والعودة منها».

 

وعارضت الحكومة الأوكرانية فكرة قبول تسليم الأراضى للروس كحل وسط من أجل السلام، أو حتى كنقطة انطلاق للمفاوضات، وقال رئيس بلدية كييف فيتالى كليتشكو إن القيام بذلك سيحفز الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لشن عدوان على دول أوروبا الشرقية الأخرى، مما يؤدى فى النهاية إلى حرب عالمية قادمة.

 

الحصاد والخراب العالمي

أثرت الحرب الروسية – الأوكرانية فى الاقتصاد العالمى بشكل عميق، لأنها اندلعت فى ظروف حرجة، فقد بدأ الاقتصاد العالمى، يشهد تعافيا من تداعيات جائحة كورونا، ما أدى لتراجع توقعات النمو الاقتصادى العالمى لعام 2022 إلى 2.6 % من 3.6 % وتضخم فى أسعار الغذاء والطاقة بسبب الحرب الأوكرانية وتأثيراتها فى الأسواق العالمية، ووفقا للبنك الدولى، أحدثت الحرب صدمة كبيرة لأسواق السلع الأولية، حيث أدت إلى تغيير أنماط التجارة والإنتاج والاستهلاك العالمية بطرق يمكن معها أن تظل الأسعار عند مستويات مرتفعة حتى نهاية 2024.

 

وبينما توقع البنك الدولى ارتفاع أسعار الطاقة 50 % خلال 2022 فإنه يشير إلى حدوث تراجع قليل خلال عامى 2023 و2024 كما توقع ارتفاع أسعار السلع الأولية مثل السلع الزراعية والمعادن بنسبة 20 %، ولكنها ستتراجع خلال السنوات القادمة.

 

وذكرت دراسة للدكتور مغاورى شلبى على الخبير فى الاقتصاد السياسى، بمجلة السياسة الدولية، أنه لا يحدث تغير جذرى وشامل فى العولمة الاقتصادية والنظام الاقتصادى العالمى إلا بعد نشوب حرب عالمية واسعة النطاق، ينتج عنها منتصر ومهزوم بالمعنى العسكرى، ومع ذلك مهما تكن نتجية الحرب الروسية – الأوكرانية فستكون هناك تغيرات واضحة فى ملامح العولمة الاقتصادية، ورغم أن الحرب الروسية لم تضع أوزارها بعد فإن تداعياتها المبدئية ونتائجها المتوقعة تشيران إلى أن ملامح العولمة الاقتصادية سيؤثر فى رسمها استخدام السياسة النقدية لإزاحة الدولار عن عرش الاقتصاد العالمى حيث أدت إلى العقوبات الغربية على تراجع قيمة الروبل الروسى وبالتالى ارتفاع التضخم فى روسيا ولجوء البنك المركزى الروسى لرفع سعر الفائدة وإعلان تحول جوهرى فى السياسة النقدية، وهو ربط الروبل الروسى بالذهب، حيث ذكرت وكالة بلومبرج أن الروبل الروسى يعد صاحب الأداء الأفضل مقارنة بالعملات الأخرى، وتصدر العملات خلال 2022 حيث ارتفع الروبل 11 % مقابل الدولار الأمريكى منذ بداية الحرب ليصبح الرابح الأكبر بين 31 عملة رئيسية.

 

وجاءت مكاسب السياسة النقدية الروسية الجديدة التى اتخذتها روسيا للدفاع عن العملة المتداعية بسبب العقوبات فى ‏ضوابط على رأس المال حيث أجبرت روسيا المصدرين على بيع العملات الاجنبية للبنوك وطالبت المستوردين بدفع ثمن الغاز الطبيعى بالروبل، بجانب تركيز المركزى الروسى على تنويع الاحتياطات لديه، والتى اصبحت تتكون من 32.3 % من اليورو و21.7

من الذهب، و16,4 فقط من الدولار و13,1 من اليوان الصينى، و6.5 % من الجنيه الإسترلينى، و10% من عملات أخرى، واحتياطات من الذهب تقدر بنحو 139 مليار دولار. وتراجع الاعتماد الروسى على الدولار ومن المتوقع حدوث  توسعة فى الاستغناء عن استخدام الدولار خاصة من جانب روسيا والصين والهند ودول أخرى مثل السعودية كما جاءت مكاسب الروبل فى السياسة الروسية النقدية الجديدة فى نجاحها فى تخفيض قيمة الدولار بنحو 30% على مستوى العالم مقابل الذهب.

 

وأكدت دراسات لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن السياسات التى تبعتها القاهرة خلال العقدين الماضيين جعلت الاقتصاد المصرى يندمج فى الاقتصاد العالمى من جانبى الصادرات والواردات بطريقة تحمل العديد من المخاطر حيث يشير تطور الصادرات خلال العقدين الأخيرين إلى الاعتماد على الصادرات الزراعية والفاكهة وتذبذب الصادرات الصناعية، بالتالى فإن نمو الاقتصاد المصرى ونمو التصنيع المحلى مرهون بحالة الاقتصاد العالمى وقدرة الأسواق العالمية ‏على استيعاب الصادرات المصرية، كما أن اندماج الاقتصاد المصرى فى الاقتصاد العالمى من جانب الواردات يتمثل فى الاعتماد المفرط على سلاسل التوريد العالمية لتوفير مستلزمات الإنتاج الغذائى والسلع الاستراتيجية الأخرى مثل القمح والسلع الراس مالية والتكنولوجيا. ‏لذلك فإن النمط الحالى لاندماج الاقتصاد المصرى فى الاقتصاد العالمى عبر نافذة التجارة العالمية فى غير مصلحة القاهرة، ‏بل ويحمل فى ثناياه مخاطر على الاقتصاد المصرى ويجعله أكثر عرضة للتأثر بالصدمات الخارجية، وكان هذا واضحا فى تأثر الاقتصاد المصرى بالصدمة الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية، ومن ثم فإن هناك ضرورة لتغيير الاستراتيجيات والسياسات التى تتبناها مصر فى مجال   التنمية،  لأن استراتيجية التنمية القائمة على التكامل فى التجارة العالمية ليست هى المطلوبة فى جميع الأحوال كما يجب العمل على إعادة النظر فى نمط الاندماج فى الاقتصاد العالمى بصفة عامة وضرورى بسرعة التحرك إلى استخدام السياسات الاقتصادية لتغيير النمط الحالي لهذه الاندماج والتركيز على جعل سلاسل الإمداد الخاصة بالسلع الغذائية الاستراتيجية وبالصناعة ومستلزماتها اكثر مرونة لمواجهة الأزمات.

 

ومن خلال الدراسات المتعمقة لأسواق الإمداد وتحديد أقرب البدائل فى حالة الأزمات وسرعة التوجه نحو سلاسل القيمة الرقمية، ومن المهم العمل بجد على غلق دوائر الإنتاج فى الصناعة والزراعة داخليا وإقليميا بمعنى أن تعتمد الصناعة والزراعة على مستلزمات الإنتاج التى توفرها المحلية والعربية لضمان استقرار النمو والحد من التأثر بالصدمات الخارجية.

البنوك الروسية

وذكرت دراسة للدكتور أبو بكر الدسوقى، أن الأوكرانيين أدركوا تبعات الاستمرار فى الحرب، وهى التدمير الشامل والمتواصل لبلادهم، فضلا عن الخسائر الاقتصادية والبشرية الهائلة، بجانب فقد الناتج المحلى الإجمالى لأوكرانيا نحو 50 % في 2023، كما يتسبب الحصار الروسى للبحر الأسود فى أضرار جسيمة منها منع تصدير الحبوب الأوكرانية.

 

وتوقعت الوكالة الأمريكية فيتش سوليوشنز، أن تسجل أوكرانيا انتعاشًا معتدلًا فى النمو بنسبة 4.0٪ فى 2023 و5.8٪ خلال 2024، بعد انكماش بنسبة 35.0٪ فى 2022. كما أوكرانيا متوقع أن تدخل مسارًا سطحيًا وتدريجيًا للتعافى، دون عودة إلى ما قبل الحرب،  وبالتالى فإن التعافى المعتدل سيكون مدفوعًا بالمساعدات الدولية والتطبيع البطىء للنشاط فى الغرب ووسط البلاد. كما  أن دعم صندوق النقد الدولى والحلفاء الغربيين لأوكرانيا سيستمر طوال فترة الصراع.

 

ورأت  «سوليوشنز» أن الاقتصاد الروسى سيعانى من ركود أعمق فى عام 2023، حيث إن العقوبات ستضر بسلاسل التوريد وصادرات الهيدروكربونات بشكل أقوى العام المقبل. فى الوقت نفسه، سيؤدى نقص العمالة الناجم عن التعبئة الجزئية والهجرة وخطط مشروع الربيع الكبير إلى زيادة الضغوط التضخمية، وبالتالى، هناك تأكيدات بأن يتباطأ الإنتاج الصناعى بشكل كبير فى عام 2023، مما يحد من قدرة الشركات على زيادة الأجور، وبالتالى، ستنخفض الأجور الحقيقية.

 

وتؤكد التوقعات أن تظل روسيا معزولة عن الغرب دبلوماسيًا وماليًا. وسيظل الاقتصاد ضعيفًا، كما انه سوف يزداد اعتماد روسيا الاقتصادى على الصين خلال فترة العشر سنوات التى القادمة. وأكدت التقارير والدراسات الأجنبية أن الدول الغربية ستفرض المزيد من الإجراءات الاقتصادية ضد روسيا فى محاولة لإضعاف جهدها الحربى.

 

السيناريو الأمريكى الغربي

 

لن تشكل الحرب الأوكرانية بشرى سارّة لأنصارها الغربيين، الذين يواجهون أزمة اقتصادية وعدم يقين فى الانتخابات الأميركية الرئاسية القادمة واحتمال نزاع بين بكين وواشنطن، حيث يبقى التأثير فى روسيا غير مؤكّد فى وقت لا يزال الوضع الحقيقى للبلاد غير معروف. رغم التقدّم الأخير الذى أعلنت أوكرانيا إحرازه فى الأيام الأخيرة، حيث يمكن أن يمتدّ الوضع إلى الشتاء أو أبعد من ذلك.

 

ولا تبدو المجتمعات الأوروبية مستعدة لتقبّل تداعيات الحرب مع استنفادها بتضخّم هو الأعلى منذ سنوات طويلة، وقلقها بشأن قدرتها على تدفئة نفسها هذا الشتاء بسبب اعتمادها على الغاز، اضافة إلى انقسامها تحت تأثير المعلومات المضلّلة حيث تظاهر 70 ألف شخص فى براغ متّهمين الحكومة بإيلاء اهتمام لأوكرانيا، التى مزّقتها الحرب أكثر من الاهتمام بمواطنيها. ووفق استطلاع حديث للرأى، فإنّ 68% من الفرنسيين أعربوا عن استعدادهم للتظاهر «ضد الحرب، من أجل السلام».

 

وقال برونو تيرتريس نائب مدير «اف ار اس» خلال ندوة نظّمها «مركز الاستراتيجية الجديدة» الرومانى (New Stratgy Center) فى بوخارست، أن السيناريو الذى يمكن أن يُنظر فيه إلى روسيا على أنها شبه منتصرة، هو ذاك الذى تصبح فيه الصين عدوانية بشكل متزايد ويتم انتخاب رئيس وفق النموذج الترامبى فى العام 2024 وتتقدّم فيه الشعبوية فى أوروبا.

 

واشار  إيمانويل دبوى رئيس مركز أبحاث «اى بى اس ايه» (IPSE) بين لحظة وأخرى ستظهر هشاشة مجتمعية، أو ستعاود الظهور كما حصل مع السترات الصفر فى فرنسا، هذا سيشكل ضغطًا على الدول التى تعانى من مشاكل فى القيادة مثل فرنسا، حيث ليس هناك سوى أغلبية نسبية وألمانيا حيث يواجه التحالف اهتزازات، وإسبانيا وبريطانيا، وفى هذا السياق، يمكن أن تصبح الحكومات ميّالة إلى تخفيف دعمها لأوكرانيا، إن كان عبر دفع كييف باتجاه التفاوض، أو عبر خفض مساعداتها المالية أو العسكرية.

 

وأكد الجنرال الأميركى بن هودجز القائد السابق لقوات «الناتو» فى أوروبا، أن هناك صراعًا يقترب، وسيقع خلال أقل من خمس سنوات، فى إشارة للقضية الكبرى للقرن الحادى والعشرين التى تتمثل فى التنافس بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، وفقًا لنظرية المصيدة لاثيوسيديدز، فإنّ القوة المتراجعة وهى الولايات المتحدة فى هذه الحال، غالبًا ما تواجه قوة صاعدة هى الصين وروسيا. إذا ساءت الأمور فى أى وقت، فى تايوان على سبيل المثال، سيتعيّن على الولايات المتحدة التعبئة الكاملة ضدّ بكين والتخلّى عن أوكرانيا وروسيا.

 

  اعتبر أندرى إيلارينوف عضو بمركز السياسة الأمنية فى واشنطن أن فوز الغرب ضد روسيا يجب أن يتحقّق فى كانون يناير 2025، كما أشار باول إلى أن الحرب فى أوكرانيا تشكّل مصدر إزعاج بالنسبة للولايات المتحدة، مؤكدًا أن الأخيرة ستكون مسرورة أكثر إذا استطاعت التركيز على هدفها فى المحيطين الهندى والهادي حول الصين.

وقال معهد الولايات المتحدة للسلام، انه بالنظر إلى الخطر الكبير على أمن الولايات المتحدة وازدهارها إذا فاز الكرملين فى أوكرانيا، فسيكون هناك تهديدا على الناتو ودول أوروبا.

 

وأضاف المعهد الأمريكى أنه مع توقع انخفاض الناتج المحلى الإجمالى لأوكرانيا بنسبة تصل إلى 35 % فإنها تحتاج إلى زيادة كبيرة فى الميزانية والدعم الاقتصادى للحفاظ على اقتصادها وصمودها ضد روسيا، ولفت خبراء معهد الولايات المتحدة للسلام إلى أن الولايات المتحدة تحتاج إلى حث الاتحاد الأوروبى على الوفاء بدعم ميزانيته، حيث إن أوكرانيا تعانى من عجز فى الميزانية غير العسكرية يبلغ 5 مليارات دولار شهريًا، وتقدم الولايات المتحدة 2.5 مليار دولار شهريًا من خلال صندوق استئمانى للبنك الدولى، فى حين أن مدفوعات الاتحاد الأوروبى حتى هذه النقطة لا ترقى إلى مستوى التزامه الإجمالى البالغ 10.2 مليار دولار، علاوة على ذلك، الاستمرار فى التركيز على المنح المقدمة إلى أوكرانيا، وليس القروض، خلال 2023 وبعدها، بجانب حث أمريكا الحكومات الأوروبية والمؤسسات المالية الدولية على أن تحذو حذوها.

 

وتابع الخبراء، أن  الدين العام لأوكرانيا قبل الحرب  كان يبلغ 50٪ من الناتج المحلى الإجمالى. ومع انخفاض الناتج المحلى الإجمالى وسعر الصرف، من المتوقع أن يصل الدين العام المتزايد للبلاد إلى 95 % من الناتج المحلى الإجمالى، معتبرين أن هذا أمر لا يمكن الدفاع عنه وسيتطلب إعادة هيكلة الديون، لذلك، تحتاج أوكرانيا إلى المنح التى تقدمها الولايات المتحدة، وليس القروض، وهو ما يقدمه الاتحاد الأوروبى والمؤسسات المالية الدولية (IFIs) حاليًا.

 

وشدد معهد السلام الأمريكى على أنه يجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وحلفائهم وشركائهم زيادة العقوبات على روسيا لتشمل جميع البنوك الروسية وأوليغارشية. وفى الوقت نفسه، يجب عليهم مصادرة احتياطيات العملة الخاصة بالبنك المركزى الروسى المحتفظ بها والمجمدة حاليًا فى الغرب. كما يجب عليهم تحويل هذه الاحتياطيات إلى الحكومة الأوكرانية مع الإشراف المناسب، حسب الحاجة لدعم الميزانية، مع استخدام الرصيد للتعافى–التنظيف السريع وإعادة بناء البنية التحتية. وبلغت احتياطيات العملات الروسية المحتجزة والمجمدة فى الغرب 316 مليار دولار اعتبارًا من 1 يناير، وفقًا للبنك المركزى الروسى. تمتلك ألمانيا 96 مليار دولار، وفرنسا 61 مليار دولار، واليابان 57 مليار دولار، والولايات المتحدة 39 مليار دولار، والمملكة المتحدة 31 مليار دولار، وكندا 17 مليار دولار، والنمسا 15 مليار دولار.