رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إزالة المقابر بين المنفعة العامة وحفظ التراث

جانب من المقابر فى
جانب من المقابر فى شارع الطحاوية والإمام الشافعى

محافظة القاهرة تقرر نقل 2700 مقبرة.. والخبراء: هدم للتاريخ

 

هل تتخيل يوماً أن تدفن ويتم إزالة مقبرتك من أجل بناء محور مرورى وعدة كبارى؟.. هذا السؤال هو الآن الشغل الشاغل للآلاف من الأهالى وذوى الشخصيات التاريخية التى أثرت فى تاريخ هذا الوطن.

 

بعدما أخبرهم عمال مقابر السيدة نفيسة والإمام الشافعى والإمام الليثى، بضرورة نقل رفات آبائهم وأجدادهم المدفونين فى هذه المقابر منذ عشرات ومئات السنين، فى إطار خطة لتوسعة وتطوير ميدان السيدة نفيسة ومحيطها حتى السيدة عائشة، إضافة إلى محاور مرورية وكبارى فى محيط الإمام الشافعى والليثى.

إزالة المقابر بين المنفعة العامة وحفظ التراث

رفض وإدانة واسعة لإزالة المقابر.. وسكرتير المحافظة: لن نتعرض للمقابر التاريخية والهدف تطوير مسار آل البيت

 

بالتأكيد سيكون شعورك لا يمكن وصفه بسبب الحزن والحسرة التى ستتملكك فى آن واحد، لأنه من غير المنطقى أن تفكر الدولة فى ضياع تاريخ وقيمة هذه الأماكن، من أجل بناء أى شىء مهما كان، فهذا التراث لا يمكن تعويضه بأى ثمن، خاصة أن هناك العديد من الحلول البديلة التى طرحها الخبراء والمتخصصون فى هذا المجال لكن دون جدوى.

 

فقد أعلنت محافظة القاهرة عن نقل 2760 مقبرة بمحيط السيدة نفيسة والإمام الشافعى والإمام الليثى، تلتقى مع مسار كوبرى السيدة عائشة الجديد المقرر إنشاؤه، الذى يبدأ من طريق صلاح سالم بالقرب من مسجد المسبح وينتهى عند نادى الأبطال بالقرب من بحيرة عين الصيرة ومحور الحضارات، للربط بين ميدان السيدة عائشة ومحور الحضارات.

 

ومن المقرر أن يتم إنشاء كوبرى بديل لكوبرى السيدة عائشة وهدم الكوبرى القديم، بعد إزالة 47 عقاراً بميدان السيدة عائشة ونقل الأسر للأسمرات، وذلك لكثرة الحوادث وتسببه فى أزمات مرورية دائمة.

 

ليست هذه هى المرة الأولى التى سيتم إزالة مقابر تاريخية، فقد تمت إزالة مقابر لشخصيات تاريخية ومسؤولين مصريين قبل ذلك مثل أحمد يكن باشا وزير خارجية مصر الأسبق، ومقبرة يوسف صديق عضو مجلس قيادة ثورة 1952، وجانب من مقبرة أمير الشعراء أحمد شوقى، والفنان فؤاد المهندس، والأديب إحسان عبدالقدوس، إلى جانب مئات المقابر لمواطنين وأجانب فى نطاق القرافة العظمى للقاهرة بمدافن الإمام الشافعى والسيدة نفيسة وصحراء المماليك.

 

خبراء يطالبون بتوثيق مدافن القاهرة والمقابر التاريخية.. وحملة للحفاظ على التراث الجنائزى

 

وأحدث هذه الشخصيات الأديب يحيى حقى، المدفون فى محيط السيدة نفيسة، التى من المقرر هدم مقبرته مع 2760 مقبرة أخرى، حيث أعلنت ابنته الكاتبة نهى حقى مؤخراً عن فشل كل استغاثاتها بالمسئولين لعدم هدم مقبرة والدها لكن دون جدوى، وسيتم نقلها إلى مدينة العاشر من رمضان.

هل تتخيل يوماً أن تدفن ويتم إزالة مقبرتك من أجل بناء محور مرورى وعدة كبارى؟.. هذا السؤال هو الآن الشغل الشاغل للآلاف من الأهالى وذوى الشخصيات التاريخية التى أثرت فى تاريخ هذا الوطن.

وقالت على حسابها الشخصى بموقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، «سيتم هدم المقبرة ونقلها إلى العاشر من رمضان.. آسفة يا صاحب القنديل وعزائى أنك عند بارئك فى رحمة الله وفى جنة الفردوس، أما الجسد ما هو إلا ثوب يخلعه الإنسان عند الموت، وذكراك ستظل ذكرى عطرة فى جبين الزمان بما قدمت وكتبت وتركت محبة وتقديراً، لا يمكن أن يهدم مهما مرت الأيام فأنت فى جبين الزمان واحد من عطر الثقافة والفكر والأدب والفن كله وقنديلك مضيء فى أفق تراث وطنك مصرنا الغالية». 

 

وقد دفعت إزالة هذه المقابر بعض المهتمين بالتراث المصرى إلى إطلاق حملة للحفاظ على التراث الجنائزى فى مصر الممتد من العصر الإسلامى وحتى العصر الحديث تحت عنوان «إنقاذ جبانات القاهرة التاريخية» إلا أن جهودهم لم تكلل بالنجاح، بعد إصرار الحكومة على الاستمرار فى المشروع.

هل تتخيل يوماً أن تدفن ويتم إزالة مقبرتك من أجل بناء محور مرورى وعدة كبارى؟.. هذا السؤال هو الآن الشغل الشاغل للآلاف من الأهالى وذوى الشخصيات التاريخية التى أثرت فى تاريخ هذا الوطن.

ومن ضمن هذه الدعوات دعوة الدكتورة جليلة القاضى، المعمارية المتخصصة فى حفظ وإعادة إحياء التراث المعمارى والحضرى، التى دعت إلى توثيق مشاهد ومدافن القاهرة قبل أن تزال، واستجاب لدعوتها عدد من الفنانين التشكيليين الذين كونوا مجموعة تحت اسم «فنانون من أجل توثيق جبانات القاهرة التاريخية»، استطاعوا توثيق نحو 120 مدفناً حتى الآن، من ضمن آلاف المدافن بالقاهرة، ولديها مكتبة بها آلاف الصور عن شواهد القبور، التى تعد بطاقة شخصية بها معلومات عن تاريخ ميلاد ووفاة المتوفى.

 

هذه القبور تضم رفات شهداء من ثورة 1919 وكل الحروب والثورات التى وقعت بعد ذلك، بما فيها حروب الاستنزاف والعدوان الثلاثى إلى حرب أكتوبر 1973، وغيرها.

 

وبالفعل نظمت المجموعة يوم 4 ديسمبر الماضى، معرض «علامة إزالة» فى أتيليه القاهرة، لعرض لوحات المجموعة التى وصلت إلى 120 مدفناً.

هل تتخيل يوماً أن تدفن ويتم إزالة مقبرتك من أجل بناء محور مرورى وعدة كبارى؟.. هذا السؤال هو الآن الشغل الشاغل للآلاف من الأهالى وذوى الشخصيات التاريخية التى أثرت فى تاريخ هذا الوطن.

قال اللواء إبراهيم عوض، سكرتير عام محافظة القاهرة، المتحدث الرسمى، إن ما تم وضعه من علامات فى مقابر محيط السيدة نفيسة تعتبر علامات مبدئية تمهيداً للحصر النهائى.

 

وأضاف عوض أن ما سيحدث فى محيط مسجد السيدة نفيسة هو جزء من مشروع تطوير مسار آل البيت، حيث سيتم توسعة مداخل ومخارج الميدان، وتنفيذ صحن كبير وشماسى عالية تشبه الموجودة فى مسجد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وسيتم اتصال مسجد السيدة نفيسة بالسيدة عائشة عن طريق ممشى آل البيت.

 

وفيما يتعلق بمقابر الإمام الشافعى والليثى، قال عوض إنه سيتم إنشاء كوبرى خلف نادى الأبطال ليتصل بالإمام الشافعى وشارع الطحاوية، حتى كوبرى الفردوس ليكون موازياً لشارع صلاح سالم، مشيراً إلى أنه لن يتم التعرض لمقابر تاريخية.

 

قامت الوفد بجولة على هذه المقابر وخاصة الموجودة فى شارع الطحاوية لوحة فى غاية الجمال والرقى، مبنية على الطراز المعمارى المملوكى والعثمانى، وبداخلها زخارف ونقوش مكتوبة بأنواع مختلفة من الخط العربى من الصعب تعويضها إذا تمت إزالتها، وأهمها مقبرة مصطفى رياض باشا، رئيس وزراء مصر والمشير عبدالقادر باشا حلمى أحد القادة الكبار أيام الحكم الخديو إسماعيل والفريق أحمد حمدى باشا ياور خديوى مصر، ولكنها من المقابر ذات الطراز المعمارى المتميز بلمسة عثمانية ومملوكية فريدة.

 

عندما تحدثنا إلى الدكتورة جليلة القاضى، الخبيرة المعمارية، قالت إن قرار نزع ملكية الجبانات للمنفعة العامة نُشر فى الجريدة الرسمية فى ديسمبر من العام الماضى، وهو قرار صادر من رئيس الوزراء.

هل تتخيل يوماً أن تدفن ويتم إزالة مقبرتك من أجل بناء محور مرورى وعدة كبارى؟.. هذا السؤال هو الآن الشغل الشاغل للآلاف من الأهالى وذوى الشخصيات التاريخية التى أثرت فى تاريخ هذا الوطن.

وطالبت القاضى الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، بالتراجع عن هذا القرار، خاصة أنه من الممكن إنشاء نفق أو ترام بدلاً من الكوبرى، متسائلة أى منفعة عامة تلك فى إزالة موقع تراثى عالمى وهو جزء من القاهرة التاريخية وأى منفعة عامة تلك التى تستبيح حرمة الموتى، وأى منفعة عامة تلك التى تتعدى على رموزنا الثقافية والوطنية، الذين ساهموا فى نهضة هذا الوطن ورفعته؟

وأشارت المعمارية المتخصصة فى حفظ وإعادة إحياء التراث المعمارى والحضرى، إلى أن المنفعة العامة هى الحفاظ على تراثنا وتوريثه للأجيال القادمة، كما ورثته الأجيال السابقة لنا، مضيفة: «لقد قالوا لأصحاب المدافن، سوف نشيد لكم حديقة فى موقع مدافنكم بعد إزالتها بالجرافات، أى قسوة وفظاظة تلك وهل يمنع وجود

المدافن إنشاء حديقة؟!

وأوضحت القاضى أن معظم جبانات العالم حدائق كبرى، متمنية من الحكومة إعادة تشجير الجبانات التاريخية وإضافة قيمة جديدة لهذا التراث بدلاً من إزالتها.

 

ولفتت إلى تنظيم حملة إنقاذ جبانات القاهرة التاريخية مؤخراً معرض «علامة إزالة»، لعرض لوحات مجموعة «فنانون من أجل توثيق جبانات القاهرة التاريخية»، الذى شهد لأول مرة منذ القرن الثامن عشر، توثيق فنانين مصريين لمنشآت القرافة، وهى من خلدها من قبل الفنانون المستشرقون بأعمالهم، الحقيقية أو

الخيالية وأيضا الفنانون الذين صاحبوا الحملة الفرنسية، حيث نجد فى مجلدات كتاب وصف مصر عدة لوحات عن الجبانات.

 

وأشارت إلى أن مشاهد المنشآت الجنائزية للمماليك فى الجبانة الشرقية حظيت باهتمام كبير من قبل كثير من الفنانين المستشرقين وكذلك طريق الحج الذى أنشأته شجر الدر وكان يصل حتى مكة ويمر بهذه المنشآت العظيمة، مؤكدة أن أسماء هؤلاء الفنانين المصريين المعاصرين سوف توضع بجانب فنانين آخرين أجانب فى معظمهم، احتفوا فى عصر آخر بالعمارة الجنائزية للمصريين المحدثين، وسجلوها لتظل شاهدة على عظمة تراثنا واستمرار جذوره الثقافية على مر العصور، تلك الجذور التى يحاولون اقتلاعها الآن، متابعة: «ستبقى تلك الأعمال أبداً وتورث للأجيال القادمة جيلاً بعد جيل».

وقال الدكتور سامح العلايلى، عميد كلية التخطيط العمرانى بجامعة القاهرة الأسبق، إن القاهرة مدينة مليئة بالمناطق التراثية ذات القيمة الكبيرة، وعند التعامل معها يجب أن يكون هناك حرص ودراسات مسبقة عن طريق علماء متخصصين، لكن هذا لم يحدث فى المشروعات التى يتم تنفيذها حالياً.

 

وأضاف «العلايلى» أن هناك بالتأكيد حلولاً بديلة عن إنشاء هذه المحاور فى مدينة القاهرة، لكن لا نستطيع تحديد أى منها إلا بعد دراسات مستفيضة.

 

وأوضح عميد كلية التخطيط العمرانى الأسبق أن إنشاء محاور مرورية سريعة وسط القاهرة ذات الكثافات العالية تسير فيها السيارات مسألة غير علمية، وخير مثال على ذلك ما حدث فى منطقة مصر الجديدة، ولذلك كان لا بد أن يتم طرح أفكار هذه المشروعات على مجتمع المعرفة والخبراء والكل يدلى برأيه فيها، وعند الاتفاق على أمر ما يتم تنفيذه.

سامح الزهار

وأكد «العلايلى» أن المناطق التراثية فى القاهرة يجب ألا يتم المساس بها، وإذا كنت مسئولاً تنفيذياً الآن فسوف أتخذ قراراً بإلغاء هذا المشروع، وعدم التفكير فيه من الأساس، لأنه لا قيمة له والطرق السريعة الموجودة حالياً تكفى، متسائلاً لماذا الإفراط فى إنشاء المحاور السريعة وسط المدن المكتظة والمزدحمة.

 

وأشار إلى أنه علمياً من المفترض أن يكون الطريق السريع خارج المدن، ولا توجد مدن بداخلها طريق سريع، لأن ذلك تفكير غريب جداً، قائلاً، «ما ينفعش نقطع المدينة بطرق سريعة.. روح شوف باريس ولندن مش هتلاقى أى طريق سريع جواها.. والطريق فيها يكفى ثلاث سيارات أو أربع منهم حارة مرورية للطوارئ كمان.. إنما اللى بيتقال عن عمل 6 و7 حارات فى كل ناحية ده غلط.. طب الناس اللى عاوزة تمشى على رجليها تعمل إيه».

 

ولفت «العلايلى» إلى أن الطرق منتج من منتجات التخطيط فى منطقة ما سواء بإعادة تخطيطها أو تحسينها، ويتم من خلالها الوصول إلى نتائج من ضمنها توطين خدمات معينة وشبكة الحركة المرورية، وقد تم وضع مخطط لتحسين المرور فى القاهرة الكبرى منذ نهاية السبعينيات لكن لم يتم الأخذ به، ويتمثل فى ضرورة تحسين مستوى أداء النقل العام لأنه يخفف حركة السيارات فى المدينة، وبالتالى لن يكون هناك حاجة إلى كل هذه المحاور من الأساس والمليارات التى يتم إنفاقها عليها.

سامح الزهار

فيما قال سامح الزهار، الباحث فى الآثار الإسلامية والقبطية، إنه إذا كانت الحكومة لديها إصرار على هدم المقابر فى محيط السيدة نفيسة والإمام الشافعى والليثى، فإن ذلك يجب أن يكون وفقاً لآليات علمية، لأن الهدم مسألة مرفوضة.

 

وأضاف الزهار أنه إذا استمر إصرار الحكومة على المشروع فإنه يجب الحفاظ على المقابر التاريخية، لأنها ترتبط بهذه البقعة من العالم، وإذا تم نقلها سيكون ذلك تفريغاً للمنطقة من مضمونها وضياع لقيمتها، مشيراً إلى أن التاريخ ليس فقط ما يتم روايته، فالتاريخ ينقسم إلى جزأين الأول التاريخ السردى وهو بنسبة 50% والثانى الجغرافيا المرتبطة بالأماكن التاريخية.

 

وأوضح الباحث فى الآثار الإسلامية والقبطية، أنه بناء على ذلك لا يجب تفريغ الأبنية التاريخية وخاصة غير المسجلة فى وزارة الآثار، لأنها لا تجد من يدافع عنها، مضيفاً: «للأسف عندنا تجربة تاريخية مريرة فى توسعة شارع البنهاوى فى تسعينيات القرن الماضى، عندما ضيعنا فيها مقابر شخصيات تاريخية مهمة مثل عالم الاجتماع ابن خلدون والمؤرخ تقى الدين المقريزى وغيرهم».

 

وأشار إلى أننا بهذه التجرية المريرة فقدنا قيمة سياحية كبيرة جداً، كان من الممكن أن تدر علينا دخلاً بالعملة الصعبة، لأن محبى هؤلاء الشخصيات يحبون دائما زيارة قبورهم والمجىء إليها، وبالتالى الخسارة تكون كبيرة على المستويين الثقافى والاقتصادى.

 

ولذلك يجب ألا نكرر الخطأ الآن مع مقابر السيدة نفيسة والإمام الشافعى، وإذا أرادت الدولة تنفيذ مشروعها فإنه من الممكن إزالة القبور الحديثة التى لم يمر عليها سنوات طويلة، لكن إزالة المقابر التاريخية مرفوض رفضاً تاماً، لافتاً إلى أنه من الممكن استغلال المقابر التاريخية فى الترويج السياحى وإقامة خدمات ترفيهية فى محيطها، وليس إزالتها.