رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

معاناة العمال فى عهد الرئيس السادات

 السادات
السادات

لا شك أن النهضة الاقتصادية التي عاش فيها العمال في عهد عبد الناصر لم تدم في عهد الرئيس السادات بأي شكل من الأشكال، حيث انهارت الصناعة المصرية ووصل الاقتصاد

المصري إلى أدنى مستوياته، إضافة إلى تدهور العملة الصعبة لدرجة عجز مصر عن دفع فوائد الديون المتزايدة التي لم تعرف مصر مثلها قبل السادات، ولا حتى في عهد الخديوي إسماعيل، فعمل السادات على تسوية مشكلات الدولة الداخلية وإعداد مصر لخوض حرب6  أكتوبر 1973  فقد عمد إلى قلب النظام الاشتراكي في الاقتصاد إلى النظام الرأسمالي؛ وهو ما أدى إلى انتشار الفساد وكثرة السرقة والتحايل على أموال الدولة، كما أدى هذا النظام إلى ارتفاع معدلات البطالة إلى جانب انفجار مستويات التضخم بشكل كبير جدا؛ وذلك لإن السادات لم يكن لديه أجندة منسقة لإدارة اقتصاد الدولة سوى تفكيره الشخصي دون وجود تخطيط أو دراسات.
وعلى الرغم من ضعف الاقتصاد بهذا الشكل إلا أن معدل الناتج القومي كان مرتفعًا جدًا عند مقتل السادات، ولكن السبب لم يكن نشاطًا إنتاجيًا بقدر ما كان ارتفاع معدل الهجرة إلى دول الخليج، وإعادة فتح قناة السويس وازدهار السياحة، وهي أشياء لا تمثل نشاطًا إنتاجيًا بمعنى الكلمة، وشديدة الحساسية للتطورات والأحداث السياسية في المنطقة، ومن ثم معرضة للتدهور في أي لحظة وعند وفاة السادات وصلت الديون إلى 30 مليار دولار.
بدأ التراجع في الحفاوة بالعمال والفلاحين والكادحين والمطحونين، وبدأ عصر الانفتاح بفتح الأبواب على مصراعيها لرجال المال والأعمال  اللذين سيطرو على ثروات البلد تحت دعوى تشجيع الاستثمار وتمهيد الطريق للاقتصاد الحر، والتحول من الاشتراكية للرأسمالية، وانقطعت الصلة الودية بين الدولة وبين الطبقات الفقيرة بكل تنويعاتها، وأصبح رجال المال والأعمال هم أصحاب الحظوة ومحل الحفاوة، وصارت ألقاب العمال والفلاحين صفات انتخابية يستخدمها الرأسماليون للوصول إلى مقاعد مجلسي الشعب والشورى لتسهيل مصالحهم وتأمين مكتسباتهم، أما العامل الحقيقي والفلاح الحقيقي فقد خرج من اللعبة تماما.
ففي أغسطس 1971 قام عشرة الآلاف من العمال بمصنع الحديد والصلب بحلوان بالإضراب؛ من أجل وقف تدهور مستواهم المعيشي. وقد تحول هذا الإضراب إلى احتلال للمصنع من جانب العمال الذين احتجزوا المديرين وممثلي وزارة الصناعة والحزب الحاكم بالإضافة إلى سكرتير اتحاد نقابات العمال الذي أرسله السادات شخصيًا لفض الإضراب، حيث قال له العمال عند إلقائهم القبض عليه:" أنت ممثلنا أمام الدولة، بل ممثل الدولة هنا".
وتواصلت الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات على مدى السنوات الثلاث التالية حيث لم تفلح محاولات الطبول الإعلامية للنظام في استغلال حرب أكتوبر 1973 في كسر نضالية الطبقة العاملة عن طريق العزف على نغمة "الوطنية" و"النصر"، حيث إن الأزمة الشاملة للنظام كانت تذكر العمال كل يوم بالحاجة للانخراط في الصراع الطبقي حيث النهاية. ومع بداية 1975، حدث تحول كيفي في طبيعة ومستوى نضالات الطبقة العاملة المصرية.
ففي أول يناير 1975، استيقظت البرجوازية المصرية من سهرة رأس السنة لتفاجأ بقيام عمال عدة مصانع بحلوان باحتلال مصانعهم. وعقد العمال العمومية حيث انتخبوا مندوبين عنهم لتنسيق احتلال مصانع وشوارع القاهرة. وسرعان ما قاد عمال حلوان مظاهرات ضخمة أمام محطة قطار باب اللوق وانضمت إليهم جماهير غفيرة من العمال العاطلين والطلاب والمهمشين. وقام المتظاهرون بتحطيم سيارات الأتوبيس والمحلات الكبرى كما احرقوا مبنى الاتحاد الاشتراكي – الحزب الحاكم وقتها.
كان لدى المتظاهرين مطالب اقتصادية ذات طابع سياسي واضح حيث إنها لم تكن موجهة لهذا القسم أو ذاك من الرأسمال وإنما الدولة البرجوازية ذاتها، ومثلث تدخلاً عماليًا في صياغة السياسة الاقتصادية" ضد أي زيادة في الضرائب غير المباشرة، وضد الفروق في المرتبات بين العمال والديرين، وضد زيادة الأسعار وخفض الأجور. ورفعوا كذلك شعارات سياسية مثل "صحافة حرة وحياة أفضل" كما طالبوا بإقالة عبدالعزيز حجازي رئيس الوزراء، الذي اضطر السادات بالفعل لدفعه للاستقالة.
كانت أحداث يناير 1975 ذروة غير مسبوقة في مستوى الصراع الطبقي في مصر منذ الأربعينات. فقد ارتقى الصراع من الإضرابات الجزئية إلى احتلال المصانع والشوارع، ومن العفوية إلى قدر من التنظيم، ومن المطالب الاقتصادية إلى الجمع بين مطالب اقتصادية وسياسية معًا.
وفي أكتوبرعام 1976، نظم الحزب الحاكم احتفالاً بمناسبة "انتصار" السادات

في استفتاء الرئاسة 99،9 % إلا أن عمال هيئة النقل العام احتفلوا بهذه المناسبة على طريقتهم الخاصة، حيث انتخبوا مندوبين يمثلونهم من خارج اللجنة النقابية وطرحوا المطالب الآتية على الإدارة: حل النقابة؛ خفض ساعات العمل إلى سبع ساعات؛ صرف تعويض عن زيادة نفقات المعيشة التي بلغت 40 %؛ صرف أجور أيام الراحات (56 يومًا في السنة)؛ صرف أجور أجازة عيد الفطر؛ دفع الشركة لغرامات المرور؛ وتحسين الخدمات الطبية والصحية. وعندما رفضت الإدارة الاستجابة لهذه المطالب أعلن العمال الإضراب. ومع فشل جميع محاولات السلطة لفض الإضراب، هاجمت قوات الأمن المركزي العمال باستخدام قنابل الغاز المحرمة دوليًا، فرد العمال عليهم بخراطيم المياه. وفي حي الأميرية تضامن الأهالي مع عمال الجراج وحاربوا الشرطة باستخدام الحجارة. ورغم أن المعركة أسفرت عن إصابة 200 عامل بإصابات خطيرة؛ إلا أن العمال لم ينهموا إضرابهم سوى عندما أذعنت السلطة لمطالبهم.
ثم جاءت انتفاضة يناير 1977 العمالية لتكون تتويجًا لعقد كامل من النضالات المتواصلة. ففي حلوان، بدأ عمال شركة مصر حلوان للغزل والنسيج الانتفاضة عندما قادوا عمال المصانع الأخرى في مسيرة حول منطقة حلوان هتفوا فيها مطالبين بإلغاء قرارات رفع الأسعار وإسقاط الحكومة، معربين عن مقتهم للسادات وأسرته، وقام العمال بإغلاق الطرق وتحطيم السكك الحديدية المؤدية إلى القاهرة لمنع تعزيزات القوات الأمنية من الوصول، كما استطاع عدد ضخم من عمال حلوان الوصول إلى وسط القاهرة حيث انضمت إليهم جماهير الأحياء الفقيرة وطلبة جامعة عين شمس في مظاهرات عارمة وفي شبرا الخيمة أحتل العمال مصانعهم تحديًا لمحاولات السلطة الخروج من أزمتها على حسابهم وفي الإسكندرية، بدأ عمال الترسانة البحرية المظاهرات وانضم إليهم عمال الشركات الأخرى في مسيرات هائلة معادية للحكم ورموزه وقعت هذه الأحداث كلها يوم 18 يناير، وفي اليوم التالي لعب عمال مصنع الحرير ومصنع 45 الحربي بحلوان وعمال نسيج سوجات بحدائق القبة وعمال مصنع نسيج الشوربجي بإمبابة أدوارًا قيادية في الانتفاضة حيث أضربوا عن العمل وقادوا المظاهرات الجماهيرية الكبرى.
وقد وقعت أحداث مماثلة في جميع مدن مصر من الإسكندرية إلى أسوان حيث أكدت الطبقة العاملة قدرتها على انتزاع زمام المبادرة وتحريك الجماهير الفقيرة والمهمشة في انتفاضة ثورية كان العنف الثوري جزءًا عضويًا منها وجهته هذه الجماهير ضد رموز السلطة والطبقة الحاكمة. وقد أسفرت الوحشية التي واجه بها نظام السادات هذه الانتفاضة عن استشهاد وجرح المئات واعتقال الآلاف، حيث اضطر السادات للجوء للجيش لسحق حركة الجماهير. ومع ذلك فقد نجحت الانتفاضة في إجبار الحكم على التراجع عن قرارات رفع الأسعار. ويظل يناير 1977 شبحًا يطارد البرجوازية المصرية ويذكر النظام بالحاجة للتفكير ألف مرة قبل اتخاذ قراراته "الإصلاحية" بعد أن أثبتت الطبقة العاملة قدرتها على تركيعه أرضًا.