رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

دستور "نص الليل" يحول مصر إلى دولة دينية

بوابة الوفد الإلكترونية

أثار قرار وكيل نيابة مطاي بجلد متهم 80 جلدة بعد اعترافه بأنه كان يعاني من حالة سكر أثناء القبض عليه، اهتماماً إعلامياً محلياً وعالمياً، وأحدث حالة من الجدل لدي الرأي العام حول الأسباب التي دعت وكيل النيابة لإصدار مثل هذا القرار الذي يعد القرار الثالث من نوعه في تاريخ النيابة والقضاء المصري، فقد سبق أن أصدرت محكمة جنح بني سويف قراراً بجلد متهم 80 جلدة بعد إدانته بتهمة شرب الخمر، ثم كان حكم محكمة جنح عابدين برئاسة المستشار محمود عبدالمجيد غراب رئيس المحكمة بجلد متهم 80 جلدة علي عقوبة شرب الخمر، وقالت المحكمة إنها لا تقبل عفواً ولا إسقاطاً لتطبيق عقوبة حد شرب الخمر، وحملت المحكمة السلطة التنفيذية وزر عدم تنفيذ العقوبة.

وربط العديد من المحللين والباحثين قرار وكيل النيابة بما جاء في تسجيل للشيخ ياسر برهامي، مؤسس الدعوة السلفية، أن التيار الديني أصر علي تغيير المادة التي تنص علي «أنه لا عقاب ولا جريمة إلا بقانون»، في دستور 71 بنص المادة 76 في الدستور الجديد التي تنص علي «أن العقوبة شخصية ولا جريمة

ولا عقوبة إلا بنص دستوري أو قانوني».
«برهامي» أشار إلي أن استبدال كلمة إلا بقانون بكلمة إلا بنص دستوري أو قانوني، حتي يمكن تفعيل ما يريده التيار الديني، من مواد الشريعة دون الحاجة إلي قانون لأن النص الدستوري يكفي والدستور ينص علي أنه لا شيء يخالف القيم المنصوص عليها في الدستور والقيم والمبادئ التي تشمل القرآن والسنة والإجماع والقياس، وبالتالي - ومازال الحديث علي لسان برهامي - لا يستطيع أحد أن يعترض علينا، موضحاً أن الدكتور محمد سليم العوا هو الذي ساعدهم في تغيير هذه الكلمة.
وحسبما جاء بقرار وكيل النيابة في القضية رقم 1445 لسنة 2013 إداري مطاي، والمتهم فيها «محمد عيد رجب محمد» والموجهة للعميد مأمور مركز مطاي، ويشير البند الأول إلي إخلاء سبيل المتهم من ديوان المركز بضمان محل إقامته، وذلك عقب تنفيذ البند ثانياً، ويحرر له فيش وتشبيه وتطلب صحيفة سوابقه الجنائية.
ثانياً: يكلف أحد السادة الضباط بتوقيع حد شرب الخمر علي المتهم وهو ثمانون جلدة وفقاً لما جاء بالتحريم في الآيتين رقمي 90 و91 من سورة المائدة، وفي حالة عدم تنفيذ ذلك يخضع المأمور - يقصد مأمور المركز - والمكلف بذلك لنص الآيات 44 و45 و47 من سورة المائدة من كتاب الله عز وجل.
وقال تعالي: «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون»، الآية 45 من سورة المائدة، ومعني الآيتين إنا أنزلنا التوراة فيها إرشاد من الضلالة وبيان للأحكام وقد حكم النبيون الذين انقادوا لحكم الله وأقروا به بين اليهود ولم يخرجوا عن حكمها ولم يحرفوها وحكم بها عباد اليهود وفقاؤهم الذين يربون الناس بشرع الله ذلك أن أنبياءهم قد استأمنوهم علي تبيلغ التوراة، وفقه كتاب الله والعمل به، وكان الربانيون والأحبار شهداء علي أن أنبياءهم قد قضوا في اليهود بكتاب الله.
ويقول الله لعلماء اليهود وأحبارهم فلا تخشوا الناس في تنفيذ حكمي فإنهم لا يقدرون علي نفعكم ولا ضركم ولكن اخشوني فإني أنا النافع الضار ولا الحكم بغير ما أنزل الله من أعمال أهل الكفر فالذين يبدلون حكم الله الذي أنزله في كتابه تأخذوا بترك الحكم بما أنزلت عوضاً حقيراً فيكتمونه ويجحدونه ويحكمون بغيره منقدين حله وجوازه فأولئك هم الكافرون.
كما أن الآية 47 من سورة المائدة والتي أشار إليها وكيل النيابة في قراره الذي أصدره لمأمور مركز مطاي تقول «وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون».
وطبقاً للتفسير الميسر فإن الآية تشير إلي أن أهل الإنجيل الذين أرسل إليهم عيسي عليهم أن يحكموا بما أنزل الله فيه، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الخارجون عن أمره العاصون له.
ومعني ذلك أن وكيل النيابة في قراره يحذر مأمور القسم بأن من يحكم بغير ما أنزل الله فهو كافر وفاسق.
أما بخصوص الآيتين 90 و91 من سورة المائدة اللتين أشار إليهما وكيل النيابة في قراره بجلد المتهم ثمانين جلدة فإن هاتين الآيتين لم تقررا جلد من تناول مسكراً وإنما وطبقاً لنص الآية التي تقول «يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون» (الآية 90).. والآية 91 تقول «إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون»، وفسر البعض الآيتين كما يفهم كل عربي وليس كما يدعيه تجار الدين أن الله سبحانه وتعالي يؤكد لنا أن في الخمر مضار، والمضار هذه هي الرجس الذي يدسه الشيطان في الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، وعليه فعلينا أن نجتنب الرجس في عمل اجتنبوه.. وأن فعل اجتنبوه هذا يخص المفرد الوحيد في هذا الجزء من الآية.. لأن سبحانه وتعالي قال في الآية فاجتنبوه أي اجتنبوا هذا الرجس من عمل الشيطان، ولو أرادنا سبحانه أن نجتنب الخمر والميسر والأنصاب والأزلام لكان المفروض أن يقول لنا فاجتنبوها ولا يمكن أن يقول اجتنبوه، ويقصد بها مجموع أربعة أشياء هي الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، إنما «اجتنبوه» واضحة لكل عربي أنها تخص المفرد الوحيد الذي هو عمل الشيطان.
الفقيه الدستوري شوقي السيد، أشار إلي أن الدستور الجديد فيه الكثير من أبواب الشياطين التي تسمح بمثل هذه القرارات، وأن القيادات الدينية يرحبون بمثل هذه القرارات، مشيراً إلي أن ما حدث انقلاب علي المبادئ المستقرة وتأتي علي خلاف العلانية وأن يحدد القانون العقاب الذي يقرره حالة ارتكاب الجريمة وأن يكون الفعل تالياً للنص القانوني وأن النصوص لا تطبق بأثر رجعي.
وأرجع الفقيه الدستوري أن ما يحدث كان هدفاً شيطانياً من أهداف واضعي الدستور ما يفتح باب الخلاف وترويج لمثل هذه النصوص ما يفتح الباب لمثل هذه الأحكام.
ووصف «شوقي» القرار بأنه قرار شاذ وأن هناك من المعنيين الجدد في النيابات من يحاولون التقرب ذلفي إلي النظام الحاكم، مطالباً بأن يتم الإعلان عن نتيجة التحقيقات ليعرف المجتمع الحقيقة وليقف الجميع علي ما يحاك لمصر في الخفاء وإلي أي طريق يريد النظام الحاكم بدستوره الذي وضعه في «نص الليل» جر الشعب إليه.
محمد زارع، رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، وصف القرار بأنه بالونة اختبار وأدوار تؤدي لتحويل مصر إلي دولة دينية، ووصف قرار وكيل النيابة بأنه تجاوز حدود اختصاصه، وقراره بمثابة تعد علي التشريعات طبقاً للدستور، مضيفاً أن وكيل النيابة اغتصب سلطة ليست من سلطاته وخالف القانون وأن المحكمة هي الجهة التي تصدر الأحكام طبقاً للقانون وليس وكيل النيابة.
المستشار طارق البشري، المفكر والمؤرخ والفيلسوف المصري أحد أبرز القانونيين وأحد المشرفين علي التعديلات الدستورية، التي جري الاستفتاء عليها في مارس 2011، والذي طالب بعدم إقحامه في أي خلافات أو تفسيرات بشأن هذه القضية فكان طلبنا منه أن يشرح لنا نص المادة 76 من الدستور التي تنص علي «أن العقوبة شخصية ولا جريمة
ولا عقوبة إلا بنص دستوري أو قانوني ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي»، وعن استبدال كلمة نص دستوري أو قانوني بدلاً من كلمة إلا بقانون في الدستور، الذي تم وقف العمل به وهو دستور 1971.. أوضح أن القانون الوضعي هو الذي يطبق وأن العقوبة لابد أن يصدر بها قانون وفقاً للدستور، ولكن إذا وردت عقوبة في الدستور فإنها تطبق وإذا لم ترد عقوبة في الدستور لابد من إصدار تشريع يحدد العقوبة ويقرر العقاب علي مرتكب الجريمة، وأن هذه المادة - يقصد المادة 76 من الدستور - لم تقرر عقوبة، وبالتالي لا يمكن تقرير عقوبة إلا بإصدار تشريع طبقاً للدستور.

رأى فقهاء الدين
د. آمنة نصير: فوضى.. والإسلام يرفض هذه الاجتهادات
د. ملك دراز: أحكام الشريعة تطبق على المسلم وغير المسلم فى مثل هذه الحالات

الدكتورة آمنة نصير، أستاذ الفقه والفلسفة بجامعة الأزهر العميد السابق لكلية الدراسات الإسلامية، قالت: إن الإسلام دين نظام ولا يرحب بمثل هذه الفوضي، ووصفت مثل هذه القرارات بالاجتهاد العشوائي الذي يتصادم بفعله مع أهل الاختصاص.
وأضافت إننا في دولة لديها تقنين قانوني وموثق بالدستور فلابد أن يتم احترام ذلك طالما أن الشعب ارتضي ذلك وأصدر عن طريق هيئاته المختصة تلك التشريعات، وحذرت من الاجتهادات الشخصية التي من شأنها أن تحدث فوارق فردية من شخص إلي آخر.
وأشارت إلي حدث النبي صلي الله عليه وسلم «يبعث الله علي رأس كل 100 سنة من يجدد دين الأمة»، مطالبة بأن يكون التجديد والاجتهاد يسابق أو يلاحق التطور حتي لا يأتي مجتهد بأشياء نشاز بعيدة عن قوانين الدولة ويتصرف تصرفاً عشوائياً بعيداً عما هو متفق عليه.
وقالت: الإسلام يرفض الفوضي والتصرفات الفردية التي تحول المجتمع إلي غابة.
وقصت ما حدث مع سيدنا عمر بن الخطاب عندما علم أن هناك شخصاً مصراً علي معاقرة الخمر، أي شرب الخمر، فقرر أن يمسك هذا الرجل أثناء شربه الخمر وذهب إليه ودخل منزله ووجده يشرب الخمر، وأن هناك شخصاً آخر يجالسه، ودخل سيدنا عمر في حوار مع هذا الشخص الذي قال لسيدنا عمر نحن أخطأنا خطأ واحداً وأنت أخطأت خطأين، فخطؤنا أننا نشرب الخمر، أما أنت فقد دخلت بيتنا دون استئذان ولم تستأذن لدخول البيت، كما أمر الإسلام، وخطأك الثاني أنك تجسست علينا وهذا أيضاً يرفضه الإسلام.. هنا قال عمر بن الخطاب خليفة المسلمين: هذه بتلك.. وعاد من حيث أتي، فهذا هو الإسلام وهذا هو فقه الدين لأن الإسلام ضد غلق العقول وقص الألسنة.
الدكتورة ملك دراز، الداعية الإسلامية وأستاذة الحقوق بالجامعة الأمريكية، أوضحت أنه لم يرد نص قطعي في القرآن يحدد عقوبة حد الخمر وأن هناك خلافاً علي عدد الجلدات، فقد ورد أن الرسول صلي الله عليه وسلم قرر أن حد الجلد 40 جلدة، وفي عهد سيدنا علي بن أبي طالب تم تطبيق حد شرب الخمر 80 جلدة وهي عقوبة تقديرية.
وأضافت أنه إذا أجهر بها فمن يجهر فإنه يتعدي علي حدود الله فيجب أن يؤخذ بالشدة.
وعن رأيها في قرار وكيل النيابة الذي قرر جلد متهم بالسكر 80 جلدة قالت: إن وكيل النيابة لم يخالف شرع الله وأنه استعجل سلطته التي خولها له الله عز وجل.
وأشارت إلي أن المادة الثانية في الدستور تنص علي أن الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع، فإذا كان هناك قانون يخالف أحكام الشريعة الثانية يعتبر مردوداً أي مرفوض، وأننا في دولة إسلامية وأن الدستور يسمو فوق القانون، فإذا ما خالف القانون الوضعي الدستور وجب تطبيق الدستور وأن حد الزنا والخمر والحرابة لا خلاف علي تطبيقهم باستثناء حد السرقة فيجب وقفه حتي توفير المسكن والمأوي والمعيشة الكريمة التي تكفي الشخص عن السرقة.
وعن قول البعض إن الآية 90 من سورة المائدة فسرها بعض المفسرين علي أن المحرم هو الرجس الذي هو من عمل الشيطان، وأن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه، ولم تقل الآية فاجتنبوهم بالجمع، وإنما جاءت اجتنبوه بالمفرد، قالت الاجتناب أشد من التحريم وهذا ما أجمع عليه المفسرون، والغرض وما يفهم من اللفظ أن اجتنبوا كل فعل من هذه الأفعال.
وعن تطبيق مثل هذه الحدود علي غير المسلمين قالت: إنه يجب تطبيق هذه الحدود علي المسلم وغير المسلم طالما ارتكب جريمة تهدد أمن المجتمع، فغير المسلم شأنه شأن المسلم، ما دام أفسد في الأرض فتطبق عليه الشريعة التي أقر دستور البلاد أنها المصدر الرئيسي للتشريع.
وأشارت إلي أن سيدنا عيسي لم يقرر قواعد قانونية وأن التوراة والإنجيل يحرمان شرب الخمر وأن شريعة عيسي بريئة من تحليل أي خبيثة.
وطالبت دراز بتعديل جوهري في القوانين، وأن تصدر مطابقة للشريعة الإسلامية.