رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

شركات الأدوية تتاجر بآلام المرضى

بوابة الوفد الإلكترونية

 تشهد سوق الدواء فى مصر حالة من انفلات الأسعار، فمع موجة التضخم التى يشهدها العالم ارتفعت اسعار الأدوية فى مصر بشكل كبير، وجاء تحرير سعر الصرف ليزيد «الطين بلة» لتزيد أسعار تلك السلعة التى لا يمكن الاستغناء عنها، وكأن المرضى لا يكفيهم ألم المرض فجاءت أسعار الأدوية لتزيد من معاناتهم.

وقد أكد الخبراء أن ارتفاع أسعار الأدوية يرجع إلى استيراد معظمها من الخارج، لذا كان لابد من توجيه الأنظار إلى توطين صناعة الدواء محليًا، لتحقيق الاكتفاء الذاتى منه، ولكى تستفيد الدولة عند تصدير الفائض، إلا أن هناك بعض المعوقات والتحديات التى تحول دون ذلك، ومن ثم أصبح لزاماً على الحكومة تذليل هذه العقبات.

 فى أوائل شهر أكتوبر الماضى اعتمدت هيئة الدواء المصرية زيادات جديدة على أسعار عدد من الأصناف الدوائية، بنسب وصلت إلى 25%، بعدما تقدمت الشركات بطلبات رسمية لمراجعتها فى خضم الأزمة الاقتصادية الراهنة والسعى لضمان توفيرها بالسوق المصرى، لذا شهد سوق الدواء ارتفاعًا فى أسعار عدد من الأصناف منها مكملات غذائية ومضادات حيوية وأدوية لعلاج أمراض الجهاز التنفسى والجهاز الهضمى وأدوية للأطفال، بعدها بأسابيع قليلة تم تحرير سعر الصرف ليتجاوز الدولار الـ24 جنيهاً فى البنوك،

وفى تصريحات صحفية أكد على عوف، رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، أن ارتفاع الدولار سيكون له تأثير سلبى على الأسعار خلال الفترة المقبلة لأنه سيرفع من تكلفة الإنتاج على الشركات، مشيراً إلى أن جزءاً كبيراً من مدخلات الإنتاج والمواد الخام يتم استيرادها من الخارج بالدولار، موضحًا أن شعبة الأدوية ستدرس تأثير ارتفاع الدولار ورفع أسعار الفائدة على شركات الأدوية، على أن يتم تقديم المقترحات والدراسات لهيئة الأدوية.

مكاسب رغم ارتفاع سعر الدولار

وكشف الدكتور الصيدلى إبراهيم محمد أن معظم الأدوية أسعارها مرتفعة جداً، لافتًا إلى أن الشركات عادة ما تضع خطط زيادة أسعار منتجاتها بغض النظر عن التكلفة، مؤكدًا على أنه لا يوجد دواء واحد لم يزد سعره خلال الفترة الماضية، وهناك أنواع زادت مرتين فى نفس العام، مثل oplex شراب الكحة والسعال الذى زاد فى أواخر ٢٠٢١ ثم زاد مرة أخرى منذ ٣ أشهر.

وأكد «محمد» أن الزيادة فى بعض الأصناف تصل إلى 50% من ثمن الدواء الأصلى، مؤكدًا أن أحد أسباب هو المصانع نفسها، رغم أنها لا تخسر حتى عند زيادة أسعار الدولار، ولكن أرباحها قد تنخفض، مؤكدًا أنه لا يوجد مصنع أدوية فى العالم يخسر.

وتابع، أن الأسعار زادت فى 2016 مرة واحدة، ولكن خلال الأعوام الأخيرة، زادت الشركات الأسعار أكثر من مرة، والمواطن هو المظلوم أمام ما يحدث، لذا يجب الاهتمام بالبحث العلمى الذى هو أساس هذا القطاع، وأضاف أن هناك بعض من أصحاب الشركات يرون أن المشكلة ليست فى استيراد المواد الخام فقط، وإنما فى مستلزمات الإنتاج الأخرى مثل مواد التعبئة والتغليف ورواتب العاملين فى هذه والتى تؤثر مجتمعة فى سعر الدواء

ولفت إلى أنه لحل هذه الأزمة يجب أن تتكاتف الحكومة والشركات معا للبحث عن حلول وأولها وضع حد لزيادة الأسعار، والاهتمام بالتكنولوجيا والمراكز البحثية، بالإضافة إلى ضرورة قيام الحكومة بطلب ترخيص من الشركات الأوروبية المصنعة للمواد الخام، وتصنيعها فى مصر تحت إشراف تلك الشركات لضمان الجودة، مؤكدًا أنه لابد من إسراع الوتيرة لإنتاج وتصنيع المواد الخام فى مصر، مع وضع سياسة لمنع الزيادة المتواصلة فى الأسعار من قبل الشركات.

تذليل معوقات القطاع

وفى مايو الماضى، طالب مستثمرون فى صناعة الدواء بتذليل العقبات التى تواجه القطاع، وتقديم حزم تحفيزية استثنائية لجذب استثمارات جديدة له، خاصة أن القطاع على رأس أولويات الدولة من حيث تعظيم استثماراته خلال العقد المقبل، وبحسب مجلس الوزراء، تم إصدار 253 رخصة فى قطاع صناعة الأدوية خلال الفترة من 2018 إلى 2021.

ووجه الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، الجهات والهيئات المعنية بإعداد حزمة تحفيزية للقطاع الخاص تهدف إلى تشجيع الاستثمار المحلى والأجنبى فى هذا القطاع الهام.

وقال الدكتور خالد عبدالغفار وزير الصحة، إنه يجرى التنسيق بين الوزارة والهيئة العامة للاستثمار، لطرح حزم استثمارية محفزة للقطاع الخاص لضخ مزيد من الاستثمارات بالقطاع الصحى، مضيفًا أن مصر تحتاج على مدى العقد المقبل إلى ضخ استثمارات ضخمة فى مجال الرعاية الطبية للحفاظ على صحة السكان الذين تتزايد أعدادهم سريعًا. 

مراكز بحثية متطورة

 

ومن جانبه، قال الدكتور كريم كرم، عضو نقابة الصيادلة، إن مدخلات صناعة الدواء أغلبها مستوردة من الخارج، سواء أشرطة التغليف أوعلب الأدوية أوعبوات الكبسول والأمبولات، بالإضافة إلى المادة الخام للأدوية، لافتًا إلى أننا متأخرون جداً فى صناعة المواد الخام، لذلك تقزم دور مصر فى هذا المجال وأصبحنا نعتمد على الاستيراد، وبالتالى فالأسعار ستزيد خلال الفترة المقبلة، لذا يجب الإسراع فى تطبيق نظام التأمين الصحى الشامل فى المحافظات.

 وأكد «كرم» أنه يجب إنشاء مراكز بحثية حكومية متطورة وأخرى تابعة للشركات والمصانع الكبرى، لإنتاج أدوية جديدة بدلًا من الاستيراد من الخارج، بالإضافة إلى إلزام الشركات الكبرى التى لها مصانع فى مصر بتقديم الدعم المالى للبحث العلمى فى مجال الدواء، حتى نستطيع إنتاج أدوية جديدة وتصديرها للخارج وبالتالى توفير عملة صعبة.

وتابع عضو نقابة الصيادلة أن هناك حلاً آخر وهو دعم شركات قطاع الأعمال، التى تنتج بدائل محلية لأصناف مستوردة والتى تكون مرتفعة السعر غالباً، لافتًا إلى أن توطين صناعة الدواء يؤدى إلى تنشيط اقتصاد الدولة ككل، وتشغيل الأيدى العاملة، بالإضافة إلى تحسين صناعة الأدوية وتوفير الدواء بأسعار مناسبة للمواطنين.

ولفت إلى أن مصر تستورد نحو 16% من الأدوية، بينما يغطى إنتاج الشركات المحلية الـ84% الباقية، وهناك أدوية مستوردة ضرورية لإنقاذ حياة إنسان وليس لها بدائل، وبالتالى سعرها مرتفع جداً، ولكن لا يمكن الاستغناء عن استيرادها، مشيرًا إلى أن مصر التفت للتصنيع المحلى فى أوقات الأوبئة والجوائح مثل انتشار فيروس سى أو جائحة كورونا، ولابد من الاهتمام بتصنيع المواد الخام فى أقرب وقت ممكن.

75 مليار جنيه

 وقال محمود فؤاد، المدير التنفيذى لمركز الحق فى الدواء، إن نحو 92% من الأدوية يتم تصنيعها فى مصر، والباقى يتم استيراده من الخارج، لافتًا إلى أن معظم الدول العربية تستورد المواد الخام من الخارج، ومعظم الأدوية المستوردة يوجد لها 11 نوعاً بديلاً مُصنعاً من شركات مصرية محليه، مؤكدًا أن أهم المشاكل التى

تقابل توطين صناعة الدواء محليًا وتخفيض أسعارها هى: توفير المواد الخام، بالإضافة إلى عدم وجود قوانين تسعير واضحة فى السوق المصرى، لافتًا إلى أن الأسعار الحالية تحتاج لمراجعة بما يتناسب مع المواطن مرة أخرى.

وأكد «فؤاد» أن المستفيد الوحيد من زيادة الأسعار هى الشركات المصنعة، لذا يجب على الحكومة تشديد الرقابة على تلك الشركات ونظام تسعيرها، لافتًا إلى أن هناك أدوية أسعارها أغلى من الدول الأوروبية أضعافاً مضاعفة، فهناك بعض الأدوية محلية الصنع تصل مكاسبها إلى 400%، موضحاً أنه فى عام 2021 كانت مبيعات الأدوية نحو 63 مليار جنيه، وهذا العام الذى لم ينته بعد وصلت لأكثر من 75 مليار جنيه.

وأشار المدير التنفيذى لمركز الحق فى الدواء إلى ارتفاع أسعار الدواء زادت خلال الفترة الماضية بسبب امتناع الحكومة عن تفعيل التسعيرة الجبرية للأدوية، ففى عام 2017 وحينما كان سعر الدولار 16 جنيهاً كانت وزارة الصحة تفرض على شركات الأدوية تسعيرة معينة، ولكن حينما زاد سعر الدولار إلى 22 جنيهاً امتنعت عن هذا التسعير وهو ما ساهم فى رفع أسعار الأدوية، بل إن هناك بعض الشركات باعت الأدوية القديمة بسعر الدواء الجديد، وهذه الزيادة فى الأسعار ستؤدى إلى زعزعة السلم العام فى المجتمع.

ولحل مشكلة الدواء فى مصر اقترح فؤاد أن يتم توطين هذه الصناعة التى تحتاج إلى ميزانية دولة، لذا يجب على مصر عمل استثمارات طويلة الأجل مع دول الخليج، بالإضافة إلى تنشيط البحث العلمى، والذى لا يعترف به فى الوطن العربى، وهذا الأمر يتطلب وقتاً وجهداً وأموالاً كثيرة، فلا بد أولاً من تكوين فرق من العلماء من عدة تخصصات، وبعد اختراع الدواء ننتظر لمدة 10 أعوام لتجريبه بعدها يخرج للنور. وضرب فؤاد مثلاً بأحد أدوية الكبد الذى ظل 17 عامًا فى طور التجريب حتى خرج للنور بعد أبحاث ومؤتمرات كثيرة.

وأضاف قائلاً: يمكننا أن نسير على غرار الدول الصغيرة كبنجلاديش بمواد خام بسيطة، وبعد تصنيعها أصبحت ثروة كبيرة للدولة، موضحا أن الأطباء يأملون فى مدينة الدواء التى افتتحها الرئيس عبدالفتاح السيسى مؤخراً فى مارس 2021، لتصنيع الخامات الدوائية، وتمكين المواطن المصرى من الحصول على علاج عالى الجودة بأسعار مناسبة، من خلال التوسع فى إنشاء وتطوير المراكز البحثية الطبية وتحفيز إنشاء الصناعات الدوائية وزيادة المكون المحلى، ولذلك يجب العمل على حل المشاكل البيروقراطية التى توجد بين المدينة وبين هيئة الدواء حول أولوية التصنيع وبراءة الاختراع والقرارات الخاصة بالتصنيع والتسعير.

جدير بالذكر أن مدينة الدواء تعد إحدى الأذرع القوية لمواجهة نقص الأدوية، إذ ستنتج المدينة 150 مليون علبة دواء سنوياً خلال المرحلة الأولى، و150 نوعاً مختلفاً.

 اختلالات هيكلية

ومن جانبه، أكد السيد خضر، الخبير الاقتصادى أنه يجب خلال الفترة المقبلة تشجيع الصناعة الوطنية خاصة صناعة الدواء فى ظل ما تقدمه الحكومة من تذليل المعوقات والتحديات التى تواجه كل القطاعات، ووضع رؤى واستراتيجيات واضحة للمرحلة القادمة، ودعم ركائز القطاع الخاص ومشاركته فى دعم الاقتصاد المصرى.

 وأكد الخبير الاقتصادى أن قطاع الصناعة بصفة عامة والدوائى بصفة خاصة، يعانى ضعف التخطيط الصناعى والهياكل الإنتاجية، ما يساهم فى ضعف القدرة التنافسية للقطاع الصناعى، لذا لا بد من تمكين صناعة الدواء، بالتزامن مع إنشاء مدينة الدواء، لتقليل فجوة الاستيراد، وذلك فى ظل الارتفاع المستمر للأسعار العالمية، وحتى لا يكون هناك أعباء إضافية على المواطنين، لأن تمكين صناعة الأدوية لها أهمية فى تحقيق الاكتفاء الذاتى وتقليل الاستيراد، مضيفًا أنه يجب على الدولة الاتجاه إلى التخطيط الاستراتيجى للمشروعات الصناعية، وإنهاء الاختلالات الهيكلية التى يعانى منها قطاع الصناعة، وكيفية تخطى تلك التحديات والانطلاق إلى خلق صناعة ومنتج قوى نستطيع من خلاله غزو الأسواق العالمية وزيادة حجم الصادرات.

وأكد خضر أن توطين صناعة الدواء فى مصر سيؤدى إلى تغطية احتياجات السوق المحلى والحد من الاستيراد، وتخفيض تكلفة الصناعة، وهذا يتطلب تنمية مهارات ورفع كفاءة العاملين فى صناعة الدواء بالتعرف على التكنولوجيات الحديثة فى تصنيع الخامات والمستحضرات الدوائية، بالإضافة إلى التوسع فى إنتاج المواد الخام تباعا من خلال الشراكة مع الدول المتخصصة فى هذا المجال لضمان الجودة العالية والتوافق مع المواصفات العالمية.