عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الرمال السوداء.. كنز مصر الذهبى

بوابة الوفد الإلكترونية

 

 

6 مليارات دولار عوائد مشروعات القيمة المضافة بمشروع البرلس

41 صناعة محلية تستفيد من المعادن المستخرجة.. وسعر الطن يصل إلى 3200 دولار

فرص استثمارية متطورة تدخل السوق المصرى بعد تشغيل المصانع

 

الرمال السوداء واحد من أهم الكنوز التى أعلنت مصر عن استغلالها مؤخرا، فهى تعتبر مصدراً غنياً بالمعادن الاقتصادية الهامة التى تدخل فى العديد من الصناعات، وتبحث الكثير من الدول الصناعية الكبرى عنها لأهميتها فى الصناعة، فهى واحدة من أهم المواد الخام التى لا تقدر بثمن.

ومنذ أيام قليلة تردد اسم الرمال السوداء كثيراً فى وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعى، وذلك عقب افتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسى مصنع البرلس بكفر الشيخ، بتكلفة وصلت إلى 4 مليارات جنيه، فما هذه الرمال وما أهميتها الاقتصادية؟

الرمال السوداء هى رمال تحتوى على نسبة عالية من المعادن الثقيلة التى تكتسب أهمية اقتصادية، لأنها تدخل فى صناعات استراتيجية هامة، وقد أطلق عليها هذا الاسم لاحتوائها على نسبة عالية من معادن الحديد ذات اللون الأسود القاتم، مثل الإلمنيت والماجنتيت، بالإضافة إلى معادن الزركون، الروتيل، الجارنت والمونازيت الذى يحتوى على مواد مشعة، وتعمل العديد من الدول الآن على استخلاص تلك المعادن من الرمال السوداء لاستغلالها اقتصادياً، وفى الوقت نفسه تطهير الشواطئ من المواد المشعة الضارة بالبيئة.

وتتواجد رواسب الرمال السوداء فى مصر بكميات اقتصادية كبيرة على سواحل البحر الأبيض المتوسط وتنتشر بطول الساحل من أبى قير بالإسكندرية وحتى رفح فى العريش بطول نحو 400 كم، كما تتواجد فى مناطق أخرى فى جنوب منطقة برنيس على البحر الأحمر وبحيرة ناصر.

وتشير التقديرات إلى أن الاحتياطى الجيولوجى من الرمال السوداء فى مصر يصل لنحو 5 مليارات طن خام، ومتوسط تركيز المعادن الثقيلة فيها يصل إلى 65%، ليعد بذلك أكبر احتياطى على مستوى العالم.

وبدأت مصر منذ 90 عاماً فى استغلال الرمال السوداء، وكان ذلك فى أواخر الثلاثينيات من القرن الماضى على يد مجموعة من اليونانيين، لكن فصل معادنها كان يجرى بطريقة بدائية، ثم فى الأربعينيات أُنشئت شركة الرمال السوداء المصرية ومقرها الإسكندرية واستمرت فى العمل حتى تأميمها عام 1961، وتعثرت فيما بعد ثم توقفت.

وطوال السنوات الماضية استمرت محاولات استغلالها وتحديداً فى منطقة البرلس التى تمتلك أكبر تركيز للمعادن الاقتصادية، لكن غياب الإرادة السياسية للتنفيذ منعت إتمام إنشاء مصنع الرمال السوداء فى كفر الشيخ، بعد أن تم وضع حجر الأساس له فى تسعينيات القرن الماضى.

لكن بعد تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى، أعيد الاهتمام بهذا الملف، وتأسست أول شركة مصرية للتعدين وهى الشركة الوطنية للرمال السوداء بالبرلس فى كفر الشيخ، فبراير 2016، وبعدها وافقت الهيئة العامة للتنمية الصناعية على تنفيذ مشروع استخلاص المعادن الثقيلة من الرمال السوداء بالمحافظة.

ونفذ المشروع على مساحة 80 فداناً، حيث يضم المجمع الصناعى 6 مصانع لفصل المعادن، بدأت المرحلة الأولى للتعدين من كثبان البرلس الممتدة على الشريط الساحلى بطول 16 كيلومتراً بإجمالى 3500 فدان، باستخدام الكراكة «تحيا مصر» هولندية الصنع.

والكراكة تحيا مصر هى أول كراكة تعمل بالطاقة الكهربائية وصديقة للبيئة، حيث تقوم بدفع المياه فى اتجاه الكثبان الرملية فتنساب إلى قاع البحيرة الصناعية، مع أعمال تكريك بعمق يصل إلى 18 متراً لتسحب الماء المختلط بالرمال إلى المضخة الرئيسية بالكراكة ليعاد ضخها مجدداً إلى مصنع التركيز العائم داخل البحيرة مروراً بخطوط الأنابيب.

وأثناء الافتتاح أكد الرئيس السيسى أن دراسات الجدوى الخاصة بالمشروع استغرقت 3 سنوات، وأضاف قائلاً: «لما كنا بنعمل المشروع بتاع الرمال السوداء ده.. سألت عن حجم الاحتياطات اللى موجودة هنا تكفى قد إيه وحجم الطلب العالمى عليه قد إيه.. هل فيه فرصة لمشروع و2 و3.. الطلب هو اللى بيحدد.. وأكد أن المشروع متاح للقطاع الخاص الدخول فيه قائلاً: «اللى عاوز يتفضل.. وده بقوله فى كل مشروع يتم افتتاحه».

دراسات الجدوى

فى هذا الصدد، قال الدكتور حامد ميرة، رئيس هيئة المواد النووية، إن الهيئة أعدت دراسات جدوى اقتصادية للاستفادة من الرمال السوداء من خلال عمل استكشافات بامتداد 400 كيلومتر، مؤكداً على أن الجدوى الاقتصادية من المشروع مثبتة عالمياً.

وأوضح ميرة أن دراسات الجدوى أكدت أن نسبة التركيز فى الرمال السوداء تبلغ 3.5% من العناصر المعدنية الثقيلة، وأن عوائد مشروعات القيمة المضافة تقدر بما يقارب 6 مليارات دولار بمشروع البرلس فقط، مشيراً إلى أن توافر الإرادة السياسية كان السبب وراء البدء فى تنفيذ المشروع، رغم أن استكشافات الرمال السوداء بدأ منذ عقود طويلة.

ولفت رئيس هيئة المواد النووية إلى أن الرمال السوداء تحتوى على ثروة كبيرة من المعادن التى تدخل فى أكثر من 41 صناعة، بداية من الحديد والصلب وهياكل الطائرات حتى السيراميك والسيارات الكهربائية.

وبجانب البعد الاقتصادى، فإن مشروع الرمال السوداء يعد تنمية مجتمعية وبيئية تعود بالنفع على المواطنين، من خلال توفير آلاف من فرص العمل المباشرة، وتقديم خدمات عينية لأهالى المناطق التى يقام عليها مجمع المصانع، فضلاً عن البعد البيئى من خلال تخليص الشواطئ من الآثار السلبية التى تحتويها بعض المعادن المستخلصة من الرمال السوداء، بحسب الدكتور حامد ميرة.

وأوضح أن كل معدن مستخرج من الرمال السوداء له مصنع خاص به، كما أن سعر الطن يختلف من معدن لآخر، وتبدأ الأسعار من 3200 دولار أو أكثر.

فرص استثمارية

فيما قال الدكتور هشام النحاس، رئيس اللجنة العلمية للشركة المصرية للرمال السوداء، إن الرمال السوداء تدخل فى عدد من الصناعات البسيطة والمتوسطة والمتطورة.

وأضاف النحاس أن هناك 6 معادن أساسية فى الرمال السوداء هى الإلمنيت، الزركون، الماجنتيت، الروتيل، الجارنت والمونازيت، مشيرا إلى أن هناك صناعات قائمة على معدنى الإلمنيت والروتيل بسبب استخراج ثانى أكسيد التيتانيوم منهما، وهى صناعات البويات والورق والمنسوجات والمطاط والبلاستيك وهياكل السيارات والغواصات والصواريخ، إضافة إلى بعض الصناعات المتوسطة والبسيطة مثل أسياخ اللحام وألواح السنفرة.

وأوضح رئيس اللجنة العلمية للشركة المصرية للرمال السوداء، أن معدن الزركون يستخدم فى صناعات السيراميك والصناعات النووية وبعض الصناعات الكيماوية، أما معدن المونازيت فهو عبارة عن فوسفات العناصر الأرضية النادرة، والذى تعتمد عليه كل الصناعات المتطورة مثل السيارات الكهربائية والرقائق الإلكترونية والكريستال والعواكس فضلا عن الصناعات النووية.

وأشار النحاس إلى أن هذه الرمال السوداء متوفرة فى مصر بأكثر من 5 مليارات طن خام، وتحتوى على 76 مليون طن من هذه المعادن، والتى تعتبر احتياطيات لمصر تكفى لمدة 200 عام فى حالة التشغيل الطبيعى لمصنع البرلس، مؤكدا أن فائدة هذه المعادن ليست فقط فى استخراجها، وإنما القيمة المضافة منها ودخولها فى صناعات مختلفة بدلا من تصديرها خام.

ولفت إلى أن هذه الرمال سوف تتيح لمصر دخول فرص استثمارية متطورة جديدة لم تكن موجودة من قبل، وتوفر لمصر ملايين الدولارات المستخدمة فى استيراد هذه المعادن من الخارج، وعلى سبيل المثال صناعة السيراميك كانت تحتاج إلى 25 ألف طن سنوياً من الزركون، ولكن بعد بداية مشروع البرلس سوف يتم توفير هذه الكميات للسوق المحلى بالعملة المحلية بدلاً من استيرادها بالعملة الصعبة.

وتابع: «هذه الرمال سوف تجذب المستثمرين من الخارج بعد توافر القيمة المضافة منها فى مصنع البرلس، وبالتالى المستثمر سوف يأتى لبناء المصانع فى مصر، بعدما كان يحجم عن ذلك فى الماضى، بسبب تكلفة استيراد المواد الخام من الخارج، أما الآن فسيشتريها من السوق المحلي»، موضحا أن هذه المصانع لن تبنى فى يوم وليلة وإنما ستستغرق نحو 4 سنوات حتى تبدأ فى العمل، وخلال هذه الفترة سوف نستمر فى تصدير إنتاج المصنع.

وبالإضافة للفوائد الاقتصادية هناك فوائد بيئية ومجتمعية، حيث يتم تخليص الشواطئ من المواد الإشعاعية والكيميائية الضارة، ويستخدم المواطنين الشواطئ بأمان، وفقا لتصريحات رئيس اللجنة العلمية للشركة المصرية للرمال السوداء.

وحول عدم استغلال مصر للرمال السوداء منذ سنوات طويلة، قال النحاس، إن ذلك كان يحتاج إلى دراسات جدوى اقتصادية مطابقة للكود العالمى، فضلاً عن وجود بعض الظروف السياسية التى حالت دون إتمام المشروع، وعدم وجود إرادة سياسية وقرار حاسم بخصوص هذا الأمر، مشيراً إلى أن حجم الاستثمارات فى مشروع البرلس حتى الآن بلغت 4 مليارات جنيه.

صناعة الإلكترونيات

وقال الدكتور محمد شديد، المدير التنفيذى لجمعية اتصال لتكنولوجيا المعلومات، إن بعض المعادن المستخرجة من الرمال السوداء تستخدم فى صناعة الإلكترونيات وخاصة الرقائق الإلكترونية.

وأضاف شديد أن مصر تسعى الآن إلى توطين صناعة الإلكترونيات من خلال تنفيذ استراتيجية «مصر تصنع الإلكترونيات» التى انطلقت فى عام 2016، لتنمية الجزء العلمى والبحثى والتطويرى فى صناعة الإلكترونيات لكل أفرعها الحديثة وهذا ما تم بصورة ممنهجة ومؤسسية خلال السنوات السابقة.

وأوضح المدير التنفيذى لجمعية اتصال لتكنولوجيا المعلومات، أن أهم ما يميز مشروع الرمال السوداء فى البرلس هو تنقية الرمال وتحويلها إلى قيمة مضافة، بدلا من تصديرها خام وعدم الاستفادة بها، قائلاً: «يعنى مثلا لو كان الطن بيتصدر خام بـ5 دولارات دلوقتى هيتصدر بـ500 دولار وهكذا».

وحول مدى استفادة صناعة الإلكترونيات من الرمال السوداء فى المرحلة الحالية، قال إن الاستفادة لن تكون فى الوقت الحالى، لأن ذلك يحتاج إلى مصانع كبيرة ودراسات جدوى لتصميم الرقائق الإلكترونية، والمشهور بتصنيعها عدد محدود من الدول فى العالم الآن مثل تايوان والصين وكوريا الجنوبية، لكن تركيز مصر حالياً منصب على تصنيع أشباه الموصلات الإلكترونية، لكن من الممكن الاستفادة بالرمال السوداء فى الصناعة مستقبلا.

وأشار شديد، إلى أن توطين صناعة الإلكترونيات محليا يحتاج إلى جذب الاستثمارات الأجنبية والشركات العالمية من الخارج لإقامة مصانع داخل البلاد مع مزيد من الاستثمارات المحلية التى لا غنى عنها، لافتا إلى أن الجزء الذى يحقق عائداً اقتصادياً كبيراً فى هذه الصناعة ليس تصنيع المنتج نفسه، ولكن التصميم وحق المعرفة وامتلاك التكنولوجيا نفسها، وهو ما يحتاج إلى ثروة عقلية تتميز بها مصر.