رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

«مكاتب الزواج».. مافيا اصطياد البنات

فرح
فرح

رغم أن بعضها يقوم بالفعل بعمل  جذور تاريخية له فى المجتمع، ويعد تطورًا لفكرة "الخاطبة" التى كانت أهم وسائل التعارف بين الأسر من أجل زواج أبنائها، إلا أن مكاتب الزواج انحرفت عن الطريق الذى كانت تهدف إليه الخاطبة من التوثيق فى الحلال، إلى مجرد وسيلة للإيقاع بالفتيات اللائى يعتقدن أن قطار الزواج فات.

 

كما تروج المكاتب لأشكال من الزواج مرفوضة دينيًا واجتماعيًا كالمسيار والمتعة وغيرها.

«مكاتب الزواج».. مافيا اصطياد البنات

وهناك عبارات يكاد يتفق عليها العاملون فى هذه المكاتب من أمثلة "الباقى ع الله – يوجد منتقبات للزواج - زواج للملتزمات والملتزمين - نوفر لك شريك الحياة - بإذن ربنا عريسك عندنا - زواج راقٍ وعائلات وطبقات عالية المستوى".. مكاتب تحولت لمافيا الإتجار بأحلام البنات، تحت ستار الزواج الشرعى، عبر لافتات اتخذت صبغة دينية، ظهرت على جدران الميادين مؤخرًا، تدون كـ"جرافيتي" على الحوائط المختلفة ووسائل المواصلات العامة، وتكون منتشرة بكثافة فى المطبوعات والجرائد الإعلانية، بالإضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعى. فهناك عشرات الإعلانات على تلك الشاكلة بصيغ مختلفة.

 

بدع اجتماعية جديدة، لا تناسب حياتنا وعاداتنا وتقاليدنا، تتمثل فى "مكاتب الزواج" التى تدعى المساعدة فى البحث عن "شريك الحياة" بما فيها من نصب وابتزاز لمشاعر وجيوب الشباب، نرصد تفاصيلها فى هذا الملف.

 

1500 جنيه رسوم استمارة المكتب.. ومواصفات الزوج «على كل شكل ولون»!

 

كان زواج الصالونات هو الطريقة السائدة فى القرن الماضى عن طريق "الخاطبة"، وهى سيدة تجوب منازل أصدقائها وجيرانها، تعرض عليهم صورًا مختلفة لفتيات يردن اللحاق بقطار الزواج قبل فوات الأوان، ويتفحص الرجل أو "العريس المرتقب" تلك الصور جيدًا ويقرر التعرف على صاحبة واحدة منها، فتقود "الخاطبة" مراحل تلك العملية الطويلة، إلى أن ينتهى الحال بعقد القران مقابل إعطائها "الحلاوة أو العمولة".

 

أما مكاتب الزواج فقد بدأ ظهورها بأنشطة تطوعية منذ سنوات طويلة، عبر جمعيات أو تجمعات أهلية فى أحياء شعبية، يعمل خلالها الأهالى من أجل تسهيل فرص الزواج، ثم تطورت لتصبح نشاطًا اقتصاديًا استغلته بعض الجمعيات وكثير منها غير شرعى، ولا يعمل تحت غطاء قانونى، بحيث يحصل المسئول عن توفير الزوج أو الزوجة، على مقابل مادى معين من جراء ذلك، حتى أحدثت فورة غير عادية، وانتشرت كالنار فى الهشيم، وأثارت جدلًا كبيرًا، ولاقت رواجًا كثيرًا، استغلته بعض الصحف لفتح باب إعلانات الزواج المبوبة بأسعار متفاوتة.

1500 جنيه رسوم استمارة المكتب.. ومواصفات الزوج «على كل شكل ولون»!

«المكتب العملاق لراغبى الزواج - موقع الزواج الاسلامى الشرعى - راسين فى الحلال - الطيبون للطيبات - VIPللزواج».. وغيرها، هى جمعيات لمساعدة الفتيات اللواتى يعتقدن ان قطار الزواج فات، بعض هذه المكاتب يدعى أنه يعمل تحت رعاية وزارة الشئون الاجتماعية.

 

البداية تكون اتصالات هاتفية لمكاتب الزواج، المدون أرقامها فى واحدة من أشهر المطبوعات الإعلانية،تتم بواسطة مأذون أو محام، كما يأتى دور سمسار للزواج العرفى، ليربط كل الأطراف ببعضها، حتى تكتمل المأساة، ويحصد هو النسبة الموعود بها من الصفقة والرسوم.

 

وتتراوح تلك الرسوم ما بين 200 إلى 300 جنيه بحسب المنطقة التى يقع فيها المكتب، والخدمات التى يقدمها، فالمكاتب الموجودة فى شارعى فيصل والهرم لا تزيد رسوم الاشتراك فيها على 250 جنيها، أما فى منطقتى مصر الجديدة ومدينة نصر فتصل الرسوم أحيانا إلى ألف جنيه على الأقل حتى إتمام الزيجة.

 

حاولت «الوفد» الاقتراب من هذا العالم الغامض لمعرفة ما يدور فيه، وكان أول تعامل مع تلك المكاتب من خلال أحد أرقام مكتب المساحة بمنطقة الدقى، وبعد الاتصال الأول مع أحد ممثلى المكتب، تم شرح العنوان بالتفصيل، وتوجهت إلى المكتب.

 

فى مدخل عمارة بأحد شوارع الدقى الجانبية، كانت الواجهة ممتلئة بأسماء الأطباء والمحامين والشركات، وبدت اللافتة الصغيرة التى تحمل اسم "المكتب" دخيلة على مثيلاتها من اللافتات، من حيث نوعية ما تقدمه من خدمة، ومن حيث حجمها.

 

المبنى به أكثر من 5 أدوار، بكل منها ما يقرب من خمسة شقق، كلها كانت مفتوحة الأبواب، ظهرت فتاة على باب العمارة، تستقطب زبائنها، وتستقبل السائلين عن المكتب، والسير معها إلى دور أرضى خالى من أى لافتات تشير إلى وجود مكتب للزواج، بالدخول إلى مقر الشركة المزعومة، نرى مكتب صغير تجلس على جانبيه فتاتين وفى المنتصف سيدة أربعينية من الواضح أنها المسئول الأول عن المكان.

 

مقر المكتب كان خاليًا من الناس، ومن الأثاث أيضًا، باستثناء 4 كراسى متهالكة، ومكتب، ومنضدة قديمة، كما أنه يعلق لافتة بها ترخيص صادر عن وزارة التضامن الاجتماعى، التى تتولى إدارته، ولكن لا يوجد ما يثبت هذا الأمر، وأصوات رنين الهواتف التى تزيد عن 5 تليفونات لا تتوقف، والمسئول عن تلقى الاتصالات فى المكتب هم الثلاث سيدات، يظهر التفاوت بين أعمارهن من الصوت، إحداهن حرصت أول شىء على التأكد من البيانات بداية من الاسم والسن والمؤهل والمهنة، نهاية بمواصفات شريك الحياة المرتقب، واشترطت تقديم صورة من البطاقة وصورة شخصية ودفع مبلغ 1500 جنيه "كاش أو تقسيط" لفتح الملف.

 

رنت كلمة "مقابل 1500 جنيه فتح ملف" على مسامعى كالصاعقة، عندما قررت خوض التجربة، وحضور أحد المكاتب، للاستفسار عن الزيجات المقدمة، وأكملت موظفة الاستقبال كلامها: "نحن نوفر لحضرتك الزواج الشرعى وزواج المسيار والزواج العرفي" ويوجد لدينا رجال أعمال وشهادات عليا ومراكز مرموقة وعرب، أعرضى شروطك وكله مجاب".

 

وأشارت إلى أن البيانات الخاصة ستكون بمأمن وفى سرية تامة، كما يوجد مقابلة للعريس والعروس، حتى يتأكدوا من توافر الجدية فى الزواج والحفاظ على حقوقها، موضحة أن عقد القران يتم فى المكتب، حتى يتأكدوا من شرعية العلاقة على يد مأذون، وفى حالة زواج المسيار يتم على يد محامٍ تابع لهم، ويضمن كل الحقوق للزوج والزوجة ويكون بالاتفاق السليم بينهما.

 

لم تمر ثوان قليلة حتى طلبت الموظفة ملء الاستمارة بالبيانات الشخصية مثل الرقم القومى وعنوان السكن والمؤهل الدراسى وغيرها من المعلومات، لكن مع قراءة بعض الشروط الموجودة أسفل الاستمارة أبديت بعض التحفظ، حيث إن عمولة المكتب لا تؤخذ إلا فى حالة إتمام عقد القران والزواج، وهو 10% من المهر، وعلى المتقدمة أن تملأ استمارة الطلب، ودفع المبلغ المطلوب 1500 جنيه.

 

وفى ملف كبير يضم صورًا لعشرات أرقام وصور الرجال بدأ العمل، هناك الطبيب والمهندس ورجل الأعمال وأصحاب المراكز المرموقة وأصحاب الجنسيات المختلفة وغيرهم، كل رجل يحمل رقم فى المكتب، بعض الملفات دون عليها "اتجوزت"، "اتخطبت" فى إشارة إلى انتهاء علاقتهن بالمكتب، وكدليل على النجاح فى توفير شريك الحياة.

 

عرضت الموظفة بيانات رجل أعمال صاحب شركة مقاولات، وقدمت لى عرضًا مغريًا تحلم به البنات - حسب قولها، وهو حصول الزوجة على فيلا خاصة لها بالتجمع الخامس، ولكن شرطه أن يكون معى 3 أو 4 ساعات فى اليوم، وباقى اليوم لزوجته، وبالطبع رفضت، أملًا منها فى العثور على أزواج آخرين، ثم غادرت المكتب، على وعد بلقاء آخر قريب، بتسديد باقى الرسوم.

 

مكالمة هاتفية تبدأ ببيانات المتصلة، ومواصفاتها فى شريك حياتها الذى تتمناه، هى الأسئلة التى تتضمنتها المكالمة الأولى، يعقبها تأكيد بإرسال صورة البطاقة وصورة شخصية، ثم دخول «جروب الواتس آب»، يحمل صورًا وبيانات خاصة للرجال على كل شكل ولون، وباستمرار التواصل مع العاملة، قالت إن بعد الوصول إلى عريس مناسب وفقًا للشروط المتبعة، يتم تقريب الطرفين من خلال تدشين "جروب على الواتس آب"، يقومان من خلاله بالحديث للتعرف على بعضهما، وكذلك تقريب وجهات النظر بينهما، وعقب انتهاء فترة التعارف، يتم تحديد موعد مقابلة شخصية فى المكتب، وإذا تم التوافق تتم الزيجة، فيما تتحصل الموظفة المسئولة على المكافأة أو «الحلاوة».

 

خبراء: وسيلة غير شرعية للابتزاز

حذر خبراء اجتماع وقانونيون من خطورة انتشار مكاتب الزواج خاصة غير المرخص منها، حيث إنها تمثل فى كثير من الأحيان فخاخًا للإيقاع بالفتيات، وتعتبر قنوات لإباحة أنواع الزواج غير المشروعة، مما يساهم بشكل كبير فى إفساد الحياة الزوجية التى تقوم فى الأساس على المصارحة والاستقرار.

 

قالت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن الهدف من وراء تلك المكاتب هو الربح وتسجيل أكبر عدد من الزائرين، كما أنها تتلون بكل الصفات لكسب الرزق، فاستغلت تطورات المجتمع كآلية لتغيير خطابها فى الشارع لجذب أكبر عدد من الفئات والشرائح المجتمعية، حيث إنها تتعامل مع المتقدمين لها باعتبارهم بضائع وسلعًا يعرضونها للبيع، كما أنها أشبه بسوق الجوارى والعبيد حيث "تنقى وتختار" من يعجبك بحسب المكتوب من البيانات وهذا لا يمت للزواج بصلة، لأن الزواج لابد فيه من التوافق بين الفكر والنفسية والأهداف والبيئة الاجتماعية وعوامل أخرى كثيرة.

خبراء: وسيلة غير شرعية للابتزاز

وأكدت "خضر"، أن بعض تلك المكاتب ذات أهداف أخرى غير معروفة، فأكثرها دعارة مقننة، لذا لابد من وجود ضوابط صارمة وقانونية لعمل أى مكتب زواج، لافتة إلى أن العمل فيها يعد جريمة جنائية واجتماعية فلا تراخيص لها، مطالبة بتضييق الخناق على تلك المكاتب وإغلاقها أو الإشراف عليها من قبل وزارة الداخلية والتضامن الاجتماعى.

وأوضحت أنه من مساوئ تلك الأماكن، أنها تبتز المتقدمين لها وتقوم بالنصب عليهم من خلال التعرف على أسرارهم، لافتة إلى أن تلك المواقع يتخذها بعض الشباب على محمل العبث، ولم تحقق زواج وارتباط حقيقى.

 

واختتمت «خضر» كلامها قائلة، إن هذه المكاتب حرام شرعًا، ويجب على الدولة ألا تغمض عينيها وأن تكون واعية لها وتضرب بيد من حديد على من تسول له نفسه لفتح تلك المكاتب، وذلك حتى لا تنهار الأخلاق المجتمعية، لأنها تدخل فى إطار الدعارة المقننة والاتجار بالبشر.

 

من جانبه يؤكد الشيخ إبراهيم الظافرى، أحد علماء الأزهر الشريف، أن هذه المكاتب إذا كانت تسير فى إطار الشرع والدين والحلال والصدق والبيان فهذا لا مانع فيه، مشددا على عدم إتمام الزواج حال عدم رغبة الأسرة فى ذلك، لأن الأكرم للشاب والفتاة المقبلين على الزواج، النظرة الحلال فى وجود الأهل، لكن الإسلام لايمنع من استحداث أى وسيلة للتوفيق، ما دامت فى إطار الالتزام بالقيم والحلال والحرام، والبيان والشهادة بالحق.

 

وأكد عالم الأزهر، أن المكاتب ليست محال بيع للفتيات، بل هى وسيلة للتوفيق، بعدها يذهب الشاب لبيت الفتاة المختارة، والجميع فى عزة وكرامة، لافتًا إلى أن عقد الزواج هو ضمان لحقوق الفتاة، حيث يوجد فيه المقدم والمؤخر والشروط، ويستوى فيه المكاتب والزواج التقليدى.

 

على جانب آخر رفض الدكتور عبدالفتاح عبدالغنى، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، انتشار تلك المكاتب، قائلاً: إن المكسب المادى الكبير هو الهدف الأول من وراء مكاتب الزواج، مشيرًا إلى أن الله قد كرم المرأة ولا يجوز نشر صورها للزواج بهذه الطريقة، حيث تدعى بعض المؤسسات والمكاتب أنها تتبع المنهج الإسلامى لزواج الفتيات، وماهى إلا ستار مقنن لزواج المتعة والمسيار، وإنه بعيد كل البعد عن أركان الزواج الصحيحة التى تقوم على أن يكون الارتباط بنية الاستقرار والاستمرار وتكوين أسرة وليس محدد بفترة زمنية محددة وكذلك القبول بين الطرفين وموافقة ولى الأمر.

 

وأضاف عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، أن انتشار مثل تلك المكاتب وسعيها للاتجار بالفتيات، لابد أن يكون هناك آليات لمواجهتها، من وزارة العدل وقاضى المحكمة، لأنهم الجهة المنوط بها عقد الزواج، وإخراج وثيقة الزواج، والتقاضى بين الزوجين، كما أن دور الأزهر والإفتاء هو تبيين الحكم الشرعى فقط فى الزواج.

 

قال محمد سامى، مدرس مساعد بقسم القانون الجنائى حقوق الزقازيق، أنه يجب التأكد من رخصة مزاولة المكان، من خلال أدارة المحلات بالحى الكائن به المكتب، أو أن يطلب العملاء الإطلاع على الترخيص، للتأكد من شرعية المكان، وعدم وجود أى شبهة نصب.

 

وأكد أن العقوبة القانونية لمكاتب الزواج غير المرخصة، يعاقب عليها بالحبس وغرامة 500 جنيه وغلق المكان بالشمع الأحمر، أما إذا كان يدار فى أعمال النصب على المواطنين، أو تعتبر "جنحة نصب"، لأنها تستخدم حاجة البعض للزواج، للاحتيال عليهم، تكون العقوبة بالحبس حتى 3 سنوات.

 

وأوضح «سامى» أن هناك بعض المكاتب التى تعمل بطريقة قانونية، لذا الزواج بها قانونى، كما أن مكاتب الزواج القانونية غير مخالفة للمادة 89 من الدستور، والتى تحذر من كافة صور العبودية سواء بالاتجار بالبشر أو الجنس أو غيرها من صور الاتجار سواء عن طريق الزواج أو طريق الجنس، لافتًا إلى أن المكاتب التى يثبت أنها تدير شبكة دعارة، فإنها تقع تحت طائلة القانون، ويتم محاسبة المكتب بالحبس والغرامة ويخضع للمراقبة.

---

المغالاة فى المهور.. أبرز أسباب الظاهرة

 

تنتشر ظاهرة بيع الوهم لراغبى الزواج، رغم كثرة الحوادث التى تداولتها وسائل الإعلام، بشأن مخالفات مكاتب تيسير الزواج، ولكن لا يوجد فى مصر جهة مسئولة واحدة، تعترف بتبعية تلك المكاتب لها، والتى بلغ عددها قرابة 1200 مكتب داخل المدن الكبرى فى مصر، مما يزيد من خطورتها كجهة نصب وتلاعب بلا عقاب.

 

فى عام 2020، وتحديدًا فى شهر يناير، وجه الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، بإطلاق حملة لمواجهة غلاء المهور وتكاليف الزواج، قائلًا:"إن الأسرة المصرية بحاجة إلى مزيد من الترابط والعودة إلى العادات والسلوكيات السليمة التى تربينا عليها فى مجتمعاتنا الشرقية العريقة، والقضاء على السلوكيات الخاطئة التى أخذت فى الانتشار خلال الآونة الأخيرة من محاولات لتقليد كثير من العادات الغربية السلبية التى لا تتناسب مع قيمنا وتقاليدنا".

المغالاة فى المهور.. أبرز أسباب الظاهرة

وشدد شيخ الأزهر على ضرورة إطلاق حملة توعوية لمواجهة غلاء المهور وتكاليف الزواج، لأن هذه المغالاة تدمر الأسرة قبل بنائها، وتتسبب فى عدم قدرة بعض الشباب والأسر على هذه التكاليف وبالتالى تأخر الزواج وارتفاع نسب العنوسة، داعيًا فضيلته بيت العائلة إلى بذل مزيد من الجهد لدعم الترابط الأسرى والحفاظ على الشخصية الشرقية من مهَبّ العادات الغربية التى لا تناسب مجتمعاتنا.

 

"ظاهرة مكاتب الزواج من الظواهر الغريبة على ثقافة المجتمع المصرى"، هذا ما أكدته ريهام عبدالرحمن، محاضرة بمجال الإرشاد الأسرى والتطوير الذاتى، لافتة إلى أنه قديمًا كانت تقوم بهذا الدور الخاطبة والتى كانت تساهم مع الأسرة فى ترشيح شريك الحياة لأحد أبنائها، أما ما يعرف بمكاتب الزواج فهى عملية تجارية لا تمت للعلاقات الاجتماعية بصلة فالأصل فى الزواج هو التعارف بين الأسرتين ولكن هذه المكاتب تستغل المشكلات والظواهر السلبية التى تستشرى داخل المجتمع لتحقيق أغراضها.

ووضعت "عبدالرحمن" بعض الأسباب التى أدت لانتشار مكاتب الزواج، منها ارتفاع تكاليف الزواج والمغالاة فى المهور مما يؤدى لعزوف الشباب عن طرق الزواج التى تحملهم فوق طاقتهم، بالإضافة إلى زيادة عدد الفتيات غير المتزوجات فقد أصدرت الإدارة العامة للتعبئة والإحصاء بيانا بنسبة غير المتزوجات فى مصر؛ والتى وصلت إلى 13.5 مليون شاب وفتاة تخطت أعمارهم ٣٥ سنة دون زواج ولعل هذا السبب من الأسباب الرئيسية التى جعلت الكثير من الشباب يبحثون عن أى سبيل يجعلهم يلحقون بقطار الزواج حتى لو كان هذا من خلال ما يسمى بمكتب الزواج.

 

وأوضحت أن الأسباب التى أدت لانتشار هذه المكاتب تتضمن عدم غرس الوعى الدينى والثقافى وفهم الشباب لأسس الزواج السليم من خلال وسائل الإعلام والندوات التثقيفية بالجامعات، فضلًا عن أنه قد يلجأ بعض الأزواج للزواج الثانى من خلال مكاتب تيسير الزواج خوفا من نظرة المجتمع وحفاظا على استقرار الأسرة وهو بالطبع تصرف غير سوى.

 

وأكدت «عبدالرحمن» أن معظم حالات الزواج التى تتم من خلال هذه المكاتب، يتم النصب فيها على الضحايا وخاصة الفتيات، لافته إلى أن مركز البحوث الجنائية أصدر تقارير كثيرة عن وصول عدد المقبوض عليهم من أصحاب مكاتب تيسير الزواج التى تدفع الفتيات للعمل بالدعارة عام 2014 -2015 إلى 1098 مكتبًا، وكان عدد الضحايا اللاتى لجأن إلى أقسام الشرطة يشتكين للتعرض للنصب من قبل مكاتب وهمية للزواج وصل فى عام 2014 و2015 إلى 2320 حالة، مشددة على أن الزواج ليس وظيفة تتقدم إليها عبر مكاتب، والأساس فيها هو التعارف والتواصل بين الطرفين، (ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين)، والرسول الكريم يحض على الزواج: (تزوجوا الودودَ الولود، فإنى مكاثرٌ بكم الأمم يومَ القيامة)، أمّا العراقيل التى تعيق الزواج، فيصنعها المجتمع عن غفلةٍ، ويدعو إليها التباهى فى التكاليف التى لا ضرورة لها.

 

«جروبات السوشيال ميديا».. عمليات نصب «أون لاين»!

 

اللعب على وتر حلم الزواج يتطور مع الزمن ويستخدم أحدث وسائل التكنولوجيا، يمكن من خلال عملية بحث صغيرة، العثور على عشرات الصفحات، التى يتكفل أصحابها بالتوسط ما بين أى شاب أو فتاة بهدف الزواج.

 

عشرات الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعى يستغلها السماسرة كتجارة رخيصة بأحلام الشباب المصرى وآمالهم، احترفوا بيع الوهم للشباب بأى صورة وأى ثمن، والغريب أن حجم الإقبال على هذه المكاتب كبير، حيث تستقطب الكثيرين من رواد هذه المواقع، وأبرز ضحاياها هن الفتيات اللاتى يعتقدن ان قطار الزواج قد فات، لتخليصهن من شبح العنوسة، وأيضًا المطلقات والأرامل، وبعض الرجال الذين تعدوا 45 عامًا، بالإضافة إلى الشباب والفتيات الباحثين عن حلم السفر والبحث عن المال، وتتنوع الخدمات التى تقدمها هذه الصفحات، ما بين "زواج المؤهلات" و"زواج الوافدات" و"زواج الأثرياء"، وغيرها من أصناف كثيرة تتطلب العديد من النفقات لإتمامها.

«جروبات السوشيال ميديا».. عمليات نصب «أون لاين»!

تروى لنا «سلمى. ع» حكايتها مع إحدى هذه الصفحات على «فيس بوك» قائلة: عند خوض التجربة شخصيًا والاتصال بهم، قدموا لى عريسًا بلغ من العمر 35 عامًا، يعمل مهندسًا بإحدى شركات المقاولات الكبيرة الخاصة، ولديه ولد يمكث عند والدته كما تقول «أدمن» الصفحة، حيث يبحث عن شريكة حياته، مرحبًا بفكرة الزواج عن طريق النت أو من على المكتب، مؤكدًا أنه من طرق الزواج المشروعة، التى يبثها العصر المنفتح الذى نعيشه.

 

وتضيف «سلمى»: عبر الايميل الوهمى قال لى ممكن نتواصل بهدف الزواج - أعرفك بنفسى، أنا اسمى خالد 31 سنة، محاسب فى شركة مقاولات، وشقتى الزوجية فى الهرم، وجاهز للزواج والارتباط الرسمى فى حالة القبول"، وبعد دردشة طويلة طلب مقابلة شخصية للتعارف، وللتأكد من الجدية فى الارتباط كما يدعى، ولكن عند تركى للرسائل والصفحة لعدة أيام، "ألح" فى سؤالى أكثر من مرة للمقابلة، أعربت له عن تخوفى من تجربة الارتباط بهذا الشكل، لكنه أكد ان الزواج من على صفحات التواصل الاجتماعى كمثيله من الحياة الواقعية، مشيرًا إلى أنه يعتبر لقاء عاديًا فى العمل أو فى وسائل المواصلات، وشعرت أنه غير جاد برغم تأكيده لى.

«جروبات السوشيال ميديا».. عمليات نصب «أون لاين»!

وأكد أنه "بفضل الله على خلق، من أسرة محترمة جدًا، حافظة لكتاب الله، ويعمل بوظيفة محترمة، لدي المقومات التى تؤهلنى للزواج، ودائم الدعاء اللهم زوجنى من امرأة تريدها زوجة لعبدك اللهم يارب العالمين، ثم استكمل حواره عبر الحساب، قائلُا: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير"، ومستعد لكافة طلبات المهر والشبكة والمؤخر.

وتختتم «سلمى» حكايتها قائلة: رغم أنه يدعى التدين، فقد طلب التواصل بـ«الايميل» وارسال الصور الشخصية، وهنا تأكدت أن مثل هذه المواقع ما هى إلا مصيدة للحصول على بيانات وصور أو بعض الوقت للتسلية أو ابتزاز الفتيات.