رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الوفد والوحدة الوطنية .. عقيدة ومواقف وسلوك

بوابة الوفد الإلكترونية

هل أحدثكم عن الوحدة الوطنية زمان فهي لم تكن مجرد شعارات معلبة مجففة ومحفوظة، بل كانت سلوك ومنهج حياة، لم تكن مجرد أحضان باردة بين رجلى الدين المسلم والمسيحى عند أول منحدر أو مشكلة، بل كانت مواقف رجال يدفعون ثمنها من حرياتهم ودمائهم.

سأحدثكم عن الوحدة الوطنية التى غرسها الوفد المصرى فى نفوس المصريين، منذ أن ظهر على الساحة السياسية كأحد أهم الأحزاب المصرية على الإطلاق فى القرن العشرين، فترجم رجال الوفد عقيدة الوحدة الوطنية إلى مواقف وسلوك.

هل أحدثكم عن الوحدة الوطنية التى وضع قواعدها المصريون بدمائهم فى ثورتهم الكبرى عام 1919، تحت شعار: «الرصاص لنا جميعا والوطن لنا جميعا»، هل أحدثكم عن الوحدة الوطنية التى ضفرها المصريون جمعيا مسلمين وأقباطا بمواقفهم الخالدة خلال ثورتهم المجيدة عام 1919، فنرى ألفين من الأقباط يجتمعون فى ظل كنيستهم المرقسية الكبرى برئاسة القمص باسيليوس فى نوفمبر 1919، يعلنون عن سخطهم على قبول القبطى يوسف وهبة باشا رئاسة الوزراء، ما يعنى شق الصف الوطنى تجاه «لجنة ملنر» البريطانية التى كانت على وشك الوصول إلى البلاد لدراسة أسباب ثورة المصريين واحتواءها، فيما أجمعت طوائف المصريين على مقاطعة اللجنة نهائيا، المجتمعون فى الكنيسة أرسلوا برقية إلى رئيس الوزارة القبطى وهبة باشا جاء فيها: (الطائفة القبطية ومنها ما يربو على الألفين فى الكنيسة الكبرى تحتج بشدة على إشاعة قبولكم الوزارة، إذ هو قبول للحماية ولمناقشة «لجنة ملنر»، وهذا يخالف ما أجمعت عليه الأمة المصرية من طلب الاستقلال التام، ومقاطعة اللجنة، فنستحلفكم بالوطن المقدس وبذكرى أجدادنا العظام أن تمتنعوا عن قبول هذا المنصب الشائن ).
هل أحدثكم عن محامي مصر الشرفاء الذين ردوا بقوة على حضور «لجنة ملنر»، فأعلنوا الإضراب العام مدة أسبوع عقب وصول اللجنة، وردوا وعلى اختيار السلطان فؤاد رغما عن إرادة المصريين القبطى يوسف وهبة باشا رئيسا للوزراء، باختيار القبطى المصرى مرقص باشا حنا نقيبا للمحامين.
هل أحدثكم عن الوحدة الوطنية التى أمّن عليها زعيم الأمة سعد باشا زغلول تطبيقا وعملا، حين شكل أول وزارة شعبية برئاسته عام 1924، وقد اختار فيها وزيرين قبطيين هما واصف بطرس غالى للخارجية و مرقص حنا للأشغال، ثم قال سعد باشا تعليقا على ذلك:
(ليس ثمة تمثيل نسبى للأقباط فى الوزارة، لأن الكل مصريون، ولأن رصاص الإنجليز لم يلتزم نسبة من النسب فيما أسقط من شهداء الثورة، ولا التزمت نسبة ما فيمن نفى أو اعتقل من رجال الوفد).
لقد غرس الوفد المصرى الوحدة الوطنية فى نفوس المصريين فعلا وموقفا، حين رأي أبناء هذه الأمة سعد باشا زغلول وخمسة من رفاقة، مصطفى النحاس، سينوت حنا، فتح الله بركات، عاطف بركات، وليم مكرم عبيد، وهم يتقاسمون أيام النفى والغربة بعد أن أصدرت سلطات الاحتلال أمرها بنفيهم إلى جزيرة سيشل فى أخريات ديسمبر 1922.
سأحدثكم أيضا عما حدث فى يوليو 1922 من موجة جديدة من الاعتقالات السياسية لأعضاء الوفد. ولا فرق بين مسلم وفدى وقبطى وفدى، والمعتقلون هم: حمد الباسل، ويصا واصف، مرقص حنا، واصف بطرس غالى، علوى الجزار، جورج خياط، مراد الشريعى، مكان الاعتقال ثكنات قصر النيل، والاعتقال كان رهن التقديم لمحاكمة عسكرية، والتهمة المعلبة والمحفوظة فى ذلك الوقت، طبع منشورات تحض على كراهية واحتقار الحكومة المصرية.
هل أحدثكم عن هؤلاء المتهمين السبعة الذين مثلوا أمام محكمة عسكرية، يرأسها قاض أجنبى لا يفهم اللغة العربية، أولئك المتهمون السبعة: ويصا ومرقص وعلوى ومراد وواصف وجورج، القيد الذى أدمى معاصمهم لم يفرق فى تلك اللحظة بين قبطى مسلم، والقاضى الجائر الذى لم يكن يفهم لغتهم لأنه أجنبى لم يكن ينظر إليهم سوى أنهم عصبة من الشر تثير المتاعب لسلطة الاحتلال، هل أحدثكم عما قاله حمد الباسل باشا أحد المتهمين فى ختام هذه المحاكمة التاريخية التى صمت خلالها المتهمون خلال ثلاث جلسات متوالية، فلم يردوا تهمة أو يناقشوا شهودا، قال الباسل لهيئة المحكمة: (لكم أن تحكموا علينا ولكن ليس لكم أن تحاكمونا، نحن لا نعرف مهيمنا علينا غير ضمائرنا، وتوكيل الأمة التى شرفتنا به، وقوانين بلادنا ومحاكمنا، فأمامكم وأمام الضمير الإنسانى نعلن عاليا أن الوفد لم يجعل نصب عينيه من يوم تأليفه غير السعى إلى استقلال وادى النيل بكل الطرق المشروعة القانونية، وأنه استنكر دائما الإجرام واستهجن العنف، لاعتقاده أن القضية الحقة لابد أن تفوز بنفسها، وان استعمال العنف لا يمكن إلا أن يحطها ويصمها).
وبعد أن انتهى الوفدى البطل حمد الباسل باشا، طلب ويصا واصف بك الكلمة ثم قال: (إن التصريح الذى قرأه حمد الباسل باشا هو باسمنا جميعا).
هل أحدثكم عن حكم المحكمة العسكرية عن أولئك المتهمين السبعة، الإعدام ثم التخفيف إلى سبع سنوات وغرامة خمسة آلاف جنيه، ثم الإفراج النهائى عنهم بعد ثمانية أشهر بقرار من سلطات الاحتلال البريطانى.
إن الوحدة الوطنية التى غرسها الوفد المصرى فى مشاعر المصريين، تجلت في أجمل صورها في صيف يونيو 1930 الساخن سياسياً، هل أحدثكم عن بطل موقعة تحطيم السلاسل القبطى ويصا بك واصف، رئيس مجلس النواب المصرى القبطى الذى اختاره نواب الأمة رئيسا لمجلسهم الموقر، آنذاك كان على رأس رئاسة الوزارة إسماعيل باشا صدقى، الذى جاء على أنقاض إقالة حكومة مصطفى باشا النحاس، فبدأ صدقى باشا عهد وزارته باستصدار قرار ملكي بتأجيل انعقاد البرلمان الوفدى شهرا، فى خطوة لحله نهائيا، صدر القرار فى تحد سافر لنواب الأمة، رئيس مجلس النواب ويصا بك واصف أصر على أن يتلى قرار التأجيل تحت قبة البرلمان على غير رغبة صدقى باشا، وفى صباح الثالث والعشرين من يونيو 1930 وضعت الحكومة السلاسل على مبنى البرلمان لمنع نواب الأمة من عقد جلستهم، وتحولت الشوارع المؤدية للبرلمان إلى ثكنة عسكرية يحوطها رجال البوليس من كل جانب، خوفا من تظاهرة كبرى تضامنا مع أعضاء البرلمان الذين أصروا على عقد جلستهم المعتادة وتلاوة قرار التأجيل تحت القبة كما هو مرسوم دستوريا.
الصحافة وصفت لنا المشهد بقولها: (بدأ البوليس يطوق دار البرلمان من الساعة الثانية بعد الظهر، فكان عند كل فتحة من الفتحات الأربع المؤدية لدار النيابة فى شارعى الشيخ ريحان، وشارع دار النيابة صفا واحدا من الجنود، يتفرقون بعضهم عن بعض بامتداد عصيهم، و على رأسهم خوذهم السوداء المعهودة، وقد استمر الجنود وقوفا فى أماكنهم واستمرت الأماكن المحيطة بهم خالية حتى قاربت الساعة على الخامسة فبكر بعض الأعضاء بالحضور، ورأينا حسن أفندى يس وقد حاول تسلق أسوار البرلمان، وكذلك الأستاذ السعيد أفندى حبيب، وكان لدى البوليس تعليمات بأن يمنع مرور أى مخلوق من الكردون، ولكنه يسمح بمرور حضرات الشيوخ والنواب إذا أرادوا أن يمروا).
حضر النحاس باشا ومكرم عبيد بك وسط احتشاد نواب البرلمان على بابه المغلق بالسلاسل، وفى تصريح رزين وذكى من النحاس باشا وسط هذا الجو الساخن المشبع بمواجهة وشيكة بين حرس البرلمان والنواب، قال النحاس باشا:
( نحن هنا فى انتظار رئيس مجلس النواب - ويصا بك واصف – حتى إذا جاء كان له أن يأمر بوليس البرلمان بأن يفتحوا هذه المغاليق، بما له عليهم من حق السلطة، التى لا تنازعه فيها الحكومة بحال، وذلك أمر معلوم لأن بوليس البرلمان لا يتلقى أوامره الإ من رئيس مجلس النواب أو الشيوخ، اما الحكومة فلا سبيل لها عليه ).
اللقطة الأبرز فى المشهد، وصول رئيس مجلس النواب القبطى ويصا بك واصف، إلى بؤرة المشهد الساخن، إرادة نواب الأمة انعقدت فى يد رئيس مجلس النواب القبطى وبتفويض مباشر من زعيم الأمة النحاس باشا، ويصا بك واصف يتقدم بثقة إلى

باب البرلمان الموصد بالسلاسل بأوامر من رئيس الوزراء ووزير الداخلية صدقى باشا، وعلى باب البرلمان يقف حرس البرلمان على حافة الشك واليقين بين أمر مباشر من وزير الداخلية بغلق أبواب البرلمان بالسلاسل، وبين أمر أخر قد يأتيه من رئيس المجلس.
ويصا بك واصف رئيس مجلس النواب يسأل قائد قوة حرس البرلمان عن معنى غلق أبواب البرلمان بالسلاسل ؟!
رد قائد حرس البرلمان أنه لا دخل له فى هذا الأمر.
قال ويصا واصف بك: إنني آمرك إذن بفتح هذا الباب.
إنه مغلق بالسلاسل؟!
«إنى آمرك بتكسيرها».
قائد الحرس يسارع ويحضر اثنين من قوة إطفاء البرلمان وفى يد كل منهما بلطة وأمرهما القائد بتكسير السلاسل وفتح باب البرلمان للنواب.
أشار ويصا بك واصف للنواب بيده فدخلوا مصفقين إلى البرلمان وفى قاعة المجلس عقدوا جلستهم برئاسة رئيس المجلس القبطى ويصا واصف بك، محطم السلاسل التى أرادت السلطة وضعها على إرادة الأمة.
وفى قاعة مجلس النواب وبعد أن اتخذ الأعضاء أماكنهم وعقدوا جلستهم ووقف مصطفى باشا النحاس قائلا: (نظرا للظروف التى تجتازها البلاد الآن، ولما بدر من بوادر الاعتداء على الدستور، أطلب من حضراتكم أن تقسموا معى وأنتم وقوف، كما أطلب من كل مصرى أن يقسم بينه وبين الله هذا القسم : (أقسم بالله العظيم أن أكون وفيا للقسم الذى أقسمته وفقا للدستور، وأن أدافع عن الدستور بكل ما أملك من قوة، ومال وتضحية)، تصفيق حاد متواصل والأعضاء يرددون القسم وقوفا.
هل أحدثكم عن الوحدة الوطنية التى غرسها الوفد فى مشاعر المصريين فعلا وعملا فخرجت منها الألوف المؤلفة دون تفرقة لتحية رجاله من المسلمين والأقباط معا فى صيف يوليو الحار عام 1930، وقد وصفت الصحافة المشهد بقولها :
( ولا تسل عن استقبال الجماهير للقطار المقل للوفد، ففى كل محطة يمر بها القطار سواء كان القطار يقف عليها أم لا يقف، جموع زاخرة بأعلامها تهتف هتافا عاليا، والنساء يزغردن، وقد ابتكر الناس مختلف الوسائل للدنو من القطار، أو من طريقة أو دخول المحطات، وقد احتشد رجال الجيش والبوليس والخفراء، بضباطهم فى الطرقات والمحطات لمنع الناس من التجمهر، ولكن عجزت كل وسائل حفظ النظام عن منعهم، اذ كانوا لا يبالون بوعيد أو برصاص فى سبيل تحية رجال الوفد، رأينا ذلك فى قليوب وطوخ وقها وبنها، هذا عدا هجرة القرويين والقرويات للحقول للوقوف على شريط السكة الحديد، أو الدنو منه أو العدو خلف القطار، أو مسابقته بالسيارات أو الخيول، ورأينا فى محطة طنطا وكأنها تحت الحصار، والقوات النظامية تطوف شوارعها وميادينها القريبة من محطة السكة الحديد، لمنع تجمهر الجماهير فى المحطة، كما احتال الجماهير لتحية دولة الرئيس بتسلق الجدران، أو المدافعة بالقوة، أو شراء تذاكر سكة حديد).
هل أحدثكم عن بطل موقعة المنصورة سينوت بك حنا، وما حدث ايضا فى صيف يوليو 1930، أثناء جولة أعضاء الوفد المصرى برئاسة زعيم الوفد مصطفى النحاس باشا فى أقاليم مصر المختلفة، للتنديد باعتداء حكومة اسماعيل باشا على الدستور؟!
المنصورة.. شهدت تدفق الآلالف من الجماهير إلى الشوارع لتحية رجال الوفد المصرى، وسط حشود هائلة مدججة بالسلاح من رجال الجيش والبوليس والخفر، تلك الحشود الأمنية التى قصدت بها السلطة الحد من تدفق الجماهير لتحية رجال الوفد، وليس حفظ النظام، ولكن رغم هذا الحصار الأمنى، الذى وضعت فيه السلطة بغباء سياسى الجيش فى مواجهة الشعب، رغم هذا الحصار وحسب وصف بعض الصحف تدفق على المنصورة من أهلها وأهالى القرى المجاورة حوالى مليون نفس، لتحية رجال الوفد، وتجديد البيعة، والتأييد، وسط هذه الحشود الجماهيرية والأمنية، وفيما كان النحاس باشا يستقل سيارة تقله وبجواره سينوت حنا بك عن يساره ونجيب بك الغرابلى عن يساره، وفيما كانت الجماهير تتعلق بسيارة النحاس وهى تعبر عبر الكردونات الأمنية المتوالية، إذ بمجموعة من الجنود يوقفون سيارة النحاس وهم شاهرو السلاح، ويوجهون أسلحتهم إلى ركاب السيارة، فلما رأى سينوت حنا بك أحد الجنود يصوب سلاحه المدجج بالسونكى إلى ظهر النحاس باشا أحاطه سينوت بك حنا بذراعه لحمايته، فانغرس السونكى فى ذراع سينوت بك حنا ليفتدى النحاس بك من إصابة مؤكده فى ظهره.
لم تكن تلك اللحظة الفارقة فى حياة الزعيم مصطفى النحاس هى لحظة قبطى يفتدى مسلما، بل لحظة وطنى مصرى يفتدى وطنيا مصريا دون النظر لديانته.
هل أحدثكم عما قاله النحاس باشا بعد ان نجا من الإصابة الغادرة وقد تلقاها عنه الوفدى القبطى سينوت حنا، قال النحاس فى كلمة ألقاها على أهل المنصورة عقب الحادثة: (كأنهم بين حفاوة الشعب البالغة وحماسته المتدفقة الجازلة، أرادوا أن يقلبوا أفراح الأمة مأتما، بعد أن يشفوا غليلهم من خادمكم، الذى أراد الله ألا يصيبه سلاحهم، ولكنه أصاب أعزاء هم أعز على نفسى من نفسى، أصاب زميلا لى وعضوا من أعضاء الوفد، ونائبا من نواب الشعب، سينوت بك حنا، ثم هتف الحاضرون ليحيا سينوت بك حنا، كان عن يسارى وكانت الطعنة مصوبة إلى ظهرى، فدافع عنى وتلقى الطعنة بذراعه، حفظه الله، فأصابه السلاح إصابة بليغة أسالت الدم، وكسرت العظم).