عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«الدية»..هل تسقط القصاص فى القتل العمد؟

بوابة الوفد الإلكترونية

هل يمكن أن تنقذ الدية قاتل نيرة أشرف فتاة المنصورة من حبل المشنقة؟.. السؤال مطروح بقوة فى أحاديث المصريين خلال الأيام الأخيرة، بعدما ترددت أقاويل تشير إلى أن هناك من سيسدد الدية عن القاتل مقابل التنازل عن القضية.

(وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّى الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا).. هذه هى القاعدة التى أقرها الله- تعالى- وأنزل فيها قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة، وهى التى اتفق كل الفقهاء على صياغتها فى عبارة من اسم شرط وفعلين « من قتل يُقتل».  

 ومن رحمة الله أنه فتح باباً للقتلة ينجيهم من القتل، بشرط واحد ووحيد وهو موافقة أهل القتيل، وهذه الموافقة تخفف عقوبة القاتل، من القتل لتصبح فقط الدية وجاء النص القرانى فى القتل الخطأ صريح «وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله».

بحسب الفقهاء تكون الدية مغلظة ومن مال القاتل، وفى عام 1937حدد القانون المصرى عقوبة القتل العمد دون النظر إلى شرط الدية، فجعل عقاب الجانى حقاً أصيلاً للمجتمع حتى ولو قبل أولياء الدم الدية.

جرائم القتل البشعة فى مصر أصبحت متزايدة وأكثر بشاعة تكرارها كل يوم، وبطرق وحشية بربرية لم يعرفها المجتمع المصرى من قبل.. فالذبح وفصل العنق وسيلة انتقامية جديدة استخدمها الجناة للفتك بضحاياهم على طريقة «داعش»، وتتم فى وضح النهار، وأصبحت من أكثر الظواهر خطراً على المجتمع وأفراده، ويهدد أمنه واستقراره.

ولم يعرف الشارع المصرى التعاطف مع الجناة، إلا مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعى، فمن دعوات تطالب بدفع الدية لأهالى المجنى عليهم، وأخرى تطالب بارتداء الحجاب والتشكيك فى سلوك الضحية، الأمر الذى دفع خبراء القانون إلى طرح تساؤلات عن الهدف من توجيه الرأى العام للتعاطف مع الجناة ورأى الشرع فى قبول الدية فى جرائم القتل العمد واعتبروا ان ما يحدث هو نتيجة مجتمع متصدع أخلاقياً.. «الوفد» تناقش تأثير قبول الديه على أحكام القضاء.

عرفت المادة 231 من قانون العقوبات الإصرار فى جرائم القتل بأنه التصميم على إيذاء شخص معين أو أى شخص غير معين وجده أو صادفه سواء كان ذلك القصد معلقاً على حدوث أمر أو موقوفاً على شرط.

أما المادة 232 معنى الترصد بأنه هو تربص الإنسان لشخص فى جهة أو جهات كثيرة مدة من الزمن طويلة كانت أو قصيرة ليتوصل إلى قتل ذلك الشخص أو إلى إيذائه بالضرب ونحوه.

 وشرعاً تقبل الدية فى القتل الخطأ بشرط تنازل أولياء الدم جميعهم أو بعضهم ولو واحدًا منهم عن القِصاص، وتكون الدية سبعة وأربعين كيلو وستمائة جرام من الفضة بقيمتها يوم ثبوت الحق رضاءً أو قضاءً، ويمكن لأولياء الدم العفو عن القصاص والدية، وإن عفا بعضهم عن القصاص فلا قصاص وإن رفض الباقون العفو.

أما القتل العمد فما أجمع العلماء فى مصر بأن قيمتها سبعة وأربعون كيلوجرامًا من الفضة وستمائة جرام من الفضة بقيمتها يوم ثبوت الحق رضاءً أو قضاءً، ويمكن لأولياء الدم العفو عن القصاص والدية، وإن عفا بعضهم عن القصاص فلا قصاص وإن رفض الباقون العفو.

وعند الشافعية والحنابلة تغلظ الدية فى القتل العمد فى ثلاث حالات.. إذا حدث القتل فى حرم مكة أو فى الأشهر الحرم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب أو كان القاتل قريباً للمقتول كالأم والأخت.

وتكون 4 أضعاف عند الحنابلة وثلاثة أضعاف عند المالكية والشافعية، والإبل هى اصل الدية ثم تغيرت الى الذهب ثم الابقار والاغنام ولكن أقرت دار الإفتاء المصرية ان الدية تقبل بالفضة تيسيراً على الجانى.

 

عماد الفقى استاذ القانون الجنائى والمحامى لدى محكمة النقض يقول: «لا يوجد ما يعرف بالدية فى القانون الجنائى وإنما عرف الصلح والتنازل فى جرائم محددة فقط ويترتب عليه انقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح وهذا نوع من أنواع الترضية أو العدالة الرضائية بين الجانى وأهل المجنى عليه أما فى جرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد فالتصالح ليس له أثر قانونى ولكن يكون الأثر فى نفس القاضى ويؤثر على مقدار العقوبة التى ستوقع على الجانى.

وأضاف الفقى أن جريمة القتل بكافة صورها عقوبتها الإعدام، ولكن السؤال الأهم هل تلتزم المحكمة بهذا التصالح فالإجابة لا فالأمر كله يعود الى المحكمة حتى إن كان رأى المفتى الغاء عقوبة الإعدام لدفع الدية فهو أمر غير ملزم للقاضى ويمكن ان تؤيد حكم الإعدام ولكن يمكن ان تخفف العقوبة إلى المؤبد.

وأشار الفقى إلى أن القاضى هو من يتحمل مسؤلية الحكم حتى وإن خالف أحكام الشريعة الإسلامية، وفى بعض الحالات يتم تخفيف العقوبة درجة أو درجتين من إعدام الى مؤبد ويقصد بالمؤبد هنا السجن مدى الحياة ووضع المشرع حالات يجوز فيها إخلاء سبيل المتهم المحكوم علية بالمؤبد وهو «الإفراج الشرطى» وسيكون بعد قضاء 20 عاماً فى السجن وبشرط حسن السير والسلوك وفى هذه الحالة يخضع المفرج عنه للرقابه لمدة خمس سنوات فإذا ارتكب أية جريمة أخرى عاد للسجن مرة أخرى دون إخلاء.

وأوضح الفقى انه فى طوال سنوات عمله داخل محاكم الجنايات إن قبل الدية يخفف الحكم قائلاً: «فى إحدى الجرائم ترصد شخصين بالمجنى عليه وقتلاه وحينما قبلت الأم الدية خفف القاضى الحكم إلى خمس سنوات فقط» واستدل الفقى بجريمة قتل حدثت منذ فترة قصيرة حيث قام صاحب محل سوبر ماركت بقتل شقيقته عمداً بسبب خلاف على الميراث وتم تخفيف العقوبة من الإعدام إلى المؤبد بعد ان طلبت الأم العفو عن ابنها وهنا قال القاضى صراحة للمتهم: «أمك

هى من انقذتك من الإعدام وتم الحكم على المتهم بالمؤبد».

ويكمل الفقى قائلاً: «جرائم قتل العمد والتى يتم تخفيف العقوبة بها هى حالات الدفاع عن الشرف وهنا تستعمل المحكمة المادة 17 من قانون العقوبات للرأفة بالمتهم لأنه كان فى حالة دفاع عن الشرف كما يحدث فى حالات قتل الزوج لزوجته لخيانتها».

وأنهى الفقى حديثه قائلاً: «نحن الآن مجتمع مهدد ومتصدع خاصة بعد ما رأينا على وسائل التواصل الاجتماعى من جمع مبالغ من أجل دفعها ديه لأهل فتاة المنصورة والتعاطف مع القاتل فنحن أمام حالة جديدة وغريبة لم يعرفها المجتمع المصرى».  

 وقال حسين حلمى المستشار القانونى لحزب الوفد: «الدية تقبل فى القتل العمد وغير العمد وهى تعويض للأسرة التى فقدت أحد أفرادها ولكن الدية هنا قبل المحاكمة وقبل صدور الحكم، فقتل النفس عقوبتها قتل نفس، ولتتفادى العقوبة تدفع الدية، وهناك دعوى منظورة أمام المحكمة الدستورية لمخالفة النص لأحكام الشريعة الإسلامية فى جرائم القتل الخطأ لا يجوز الحبس لوجود الديه فى الشريعة الإسلامية فالمشرع فى القانون المصرى نص على أن الصلح بين الطرفين يسقط الدعوى وذلك بحسب النص القرآنى «فمن عفى له من أخيه شىء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان»، والمشرع حينما تدخل فى القتل الخطأ وقبول الدية لانقضاء الدعوى فإن هذا الشرط غير مقبول فى الجنايات.

الدكتور أحمد كريمة، استاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف سأل عن الهدف من إثارة موضوع الدية فى الوقت الحالى خاصة أن القانون الجنائى المصرى لا يعترف بالدية والحديث عن تخفيف العقوبة فى حال قبول أهل المتوفى لدية غير صحيح لأن الشق المدنى يختلف عن الجنائى.

وأشار أستاذ الفقه إلى أن الدية لا تقبل فى قضايا القتل العمد وإنما تقبل فى المجالس العرفية أما فى القانون المصرى فلا أثر لها.

خالد الجمل، الداعية الإسلامى، أكد ان الدية ليس بدعة إسلامية ولكنها موجودة قبل الإسلام وكانت قيمتها 4.25 كيلو ذهب وهى مأخوذة من العوض فحديث الرسول «من أتلف شيئًا فعليه إصلاحه والقتل العمد ليس له دية، أما القتل الخطأ فهو الذى تقبل فيه الدية والإسلام تعامل مع الدية معاملة تتناسب مع جميع العصور فكانت دية الحر تختلف عن دية العبدو تختلف قيمتها حسب الاعراف فالبعض أقر قيمتها 200 بقرة.

وأشار الجمل إلى أن الدية تقبل فى القتل الخطأ وهنا يكون للمحكمة حرية إعفاء القاتل من العقوبة حتى ولو لم يقبل أهل المجنى عليه للدية، وتقدر حسب الشخص المتوفى وحسب مكانته فى المجتمع وهنا يمكن ان تزيد قيمة الدية، وتختلف الدية أيضًا حسب زمان وقع الجريمة فإن وقعت فى الأشهر الحرم تزيد قيمتها ثلاث أضعاف.

وأشار الجمل إلى أن الدية تقبل فى الشق المدنى فقط فى حالة القتل العمد وليست لها علاقة بالشق الجنائى لان الجريمة وقعت فى حق المجتمع ولا يأخذ القاضى بقبول الدية أو رفضها.

عام 2009 أنقذت الدية قاتل جاره بالإسكندرية من الإعدام حيث قضت محكمة جنايات الإسكندرية فى القضية رقم 14952 جنايات المنتزه أول، بالسجن سنة مع إيقاف التنفيذ لقاتل جاره حيث قام القاتل بضرب المجنى عليه عمداً باستخدام ماسورة حديدية على رأسه، فأحدثت به اصابات ولم يقصد بذلك قتله فأفضى الضرب إلى موت وقام المتهم بدفع دية قدرها 100 ألف جنيه لأهل المتوفى لإسقاط حقهم فى الدعوى، الأمر الذى صدر على أساسه الحكم.

قضية كريم الهوارى والمتهم بقتل 4 طلاب عن طريق الخطأ فى حادث تصادم، وحيازة مواد مخدرة وتعاطيها، وتجاوز السرعات المقررة كان قبول الدية من أهالى الضحية طوق نجاة للمتهم من الإعدام برغم أن التهمة الموجهة كانت القتل الخطأ، وقدرت قيمة الدية لأربعة أشخاص بـ28 مليون جنيه.