عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أمهات «التوحد».. معاناة حتى آخر العمر

جيهان السيد وابنتها
جيهان السيد وابنتها ساجدة

مليون ونصف المليون تعداد مرضى التوحد حسبما أعلنت إنجى مشهور، مستشار وزير التعليم لذوى الاحتياجات الخاصة السابقة، أغلبهم يعيشون فى عزلة خوفاً من التنمر عليهم أو معاملتهم بشكل غير لائق، ليسوا وحدهم فى هذا العذاب بل يتشاركه معهم أمهاتهم.

 

لا أحد يشعر بآلامهن وأوجاعهن حينما يرون أطفالهم مختلفين عن أقرانهم فى الطباع والسلوك، فأبناء جيلهم تنمو عقولهم وتتطور سلوكياتهم لتتناسب مع سنهم إلا هم مهما بلغوا أو وصلوا لسن الشباب لا يزالون أطفالاً كما هم ويتطلبون معاملة خاصة.

 

بعض الأمهات تعايشن مع هذه المعاناة ورضين بها واكتفين بالصلاة والدعاء لأبنائهن أن يتحسن سلوكهم مع مرور الأيام، وأخريات أصابهن الاكتئاب وصار العنف سواء بالضرب أو بالكلام وسيلتهن لتعامل مع أطفالهم، بينما حالات أخرى أقدمت على قتل صغيرها سواء عند علمها وهو لا يزال جنيناً بوجود خلال فى جيناته، أو بعد فشلها وشعورها باليأس من تعليمه أو تحسين طباعه.

 

سيدة الدقهلية المتهمة بقتل أطفالها الثلاثة ومحاولة إنهاء حياتها بإلقاء نفسها أسفل عجلات جرار زراعى، واحدة من هؤلاء الأمهات التى دفعها الاكتئاب إلى ارتكاب هذه الجريمة بعد شعورها بالندم والذنب من فشلها فى تربية وتحسين سلوك ابنها الكبير «أحمد» المصاب بمرض التوحد .. «الوفد» التقت عددًا من الأمهات لتحكين معاناتهن وتجاربهن الشخصية فى التعامل مع أطفالهم المصابين بالتوحد.

 

«جيهان»: حاولت إجهاض جنينى بعد معرفتى بإعاقته.. وتكلفة العملية الباهظة منعتنى من تنفيذها.

 

«جيهان السيد» رغم أن عمرها 38 عاماً، فإنها من كثرة الحسرة والحزن الذى يبدو على وجهها. تشعر وكأنك أمام سيدة مسنة يئست من الحياة وتنتظر انتهاء أجلها، بنبرة حزينة عن سبب بؤسها لهذا الحد، قالت لـ الوفد: عندما وصل عمرى سنتين أصبت بسخونة شديدة للأسف أثرت بشكل سيئ على المخ وأحدثت مشكلة فى حركة قدمى، فأصبت بشلل الأطفال.

 

وأضافت: بعد إصابتى شعرت باليأس، لكن تعايشت مع الأمر مع مرور الوقت، وبدأت أتقبل عجزى، مشيرةً إلى أنها قررت أن تتزوج لتعيش حياتها كباقى الناس مع أسرة وزوج، ولكن ما حدث بدد أحلامها، فبعد عام من الزواج أنجبت فتاة تدعى «سجدة» ولدت أصابعها ملتصقة مع بعضها البعض، فقامت بإجراء عملية جراحية لها لفصل الأصابع عن بعضها، وبالفعل تمت العملية بنجاح مع بقاء أثرها على يدى طفلتى.

 

وأشارت إلى أنها حملت مرة أخرى بعد بلوغ ابنتها 5 سنوات، وبعد فترة من الحمل اكتشفت أنها ستنجب طفلًا غير سليم وسيكون معاقاً بعد إجراء التحاليل والإشاعات اللازمة على الجنين، موضحة أنها حاولت أجهاض الطفل، لكن تكلفة العملية الباهظة بالنسبة إليها والتى قدرها الطبيب بنحو 7 آلاف جنيه، جعلها تقلع عن الفكرة وتستكمل حملها فى حزن ويأس.

 

«ماجي»: تناولت نفس أدوية ابنى لأشعر بألمه.. وأحيانًا «أقيده» لأسيطر على نوبات غضبه.

 

فى السياق ذاته، تحكى «ماجى محمد» فى أواخر الخمسينات، ما تعانيه مع ابنها «يوسف» 16 عاماً، حيث باتت تظهر عليه أعراض التوحد من عمر سنتين لثلاث سنوات، موضحة أنه عندما كان صغيراً كان يسهل السيطرة عليه والتحكم فى تصرفاته سواء بواسطتها أو بواسطة المراكز المتخصصة، أما بعدما بلغ وأصبح شاباً يافعاً تعقدت الأمور شيئاً فشيئاً.

 

وأضافت أنها لكثرة آلامها على فلذة كبدها، اضطرت أحيانًا أن تأخذ من نفس أدويته لتشعر بنفس ما يشعر به وتعيش معه المعاناة، مؤكدةً أن ابنها بعدما كبر وأصبح شاباً زادت معاناتها ومأساتها، حيث أصبحت الناس تنظر له على أنه شاب وتستنكر تصرفاته وأحيانًا تعامله بعنف غير مدركين تفاصيل حالته الصحية.

 

وأكدت أن «يوسف» جسده يبدو عليه بأنه شاب يافع إلا أنه لا يزال طفلاً، فلا يشاهد إلا برامج الأطفال والأفلام الكوميديا أو تلك التى تحوى على كرتون، فضلاً عن تعلقه الشديد بألعاب معينة وهى «الدباديب»، مشيرةً إلى أنه يظهر ردود أفعال غير معتادة عند تعامله مع بعض الناس، لكنه لا يؤذى أحداً أو يتعرض لأحد.

وأوضحت أنها تتعرض فى بعض الأحيان للضرب وتتمزق ملابسها من ابنها أثناء نوبات غضبه، كما أنها تضطر فى بعض الأحيان إلى ربط يديه وقدميه بحبل عند حدوث النوبات العصبية لكى تسيطر عليه وتمنعه من أن يؤذى نفسه أو يؤذيها، مشيرةً إلى أن مكوثه فى المياه لساعات طويلة هو الوسيلة الأنجح لتهدئة «يوسف»، وربط قدميه ويديه لمنعه من أذى نفسه أو جرح جسده فى حال إصابته بنوبة غضب.

يوسف أحد مصابى التوحد

«نهى»: شعرت بالاكتئاب واليأس من الحياة.. وعاودت العيش لأجل ابنتي.

 

وأشارت إلى أنها قررت أن تنعزل عن العالم الخارجى هى وابنها ويعيشان معاً فى عمارة جديدة لا يقطن بها سوى عدد محدود من السكان، وذلك لتجنب الاحتكاك مع الناس ولتتفادى نظراتهم وكلماتهم الجارحة عن حالة ابنها الوحيد، ومنعاً لتأففهم أو إبداء انزعاجهم من صرخاته العالية حال إصابته بنوبة غضب التى عادة كانت تلازمه خلال السنوات الماضية.

 

وأكدت أن قرار العزلة لم يكن سهلاً عليها بل الحل الأمثل خاصة أن يوسف لم يعد صبياً صغيرًا بل بات شاباً فى سن المراهقة، لكن لا يزال عقله طفلاً، حيث إنه يغضب وينفعل بشكل مفاجئ، ويرفرف بيديه بشكل متكرر، ويتحرك ذهابًا وإيابًا بالمكان دون كلل أو ملل، فلا يجلس فى المكان إلا للحظات قليلة وسرعان ما يهم بالوقوف ليكرر خطواته، فضلاً عن أنه فى حال جلوسه على منضدة غير مسموح لغيره بالجلوس عليها، أى لا يقبل أن يشاركه أحد نفس المقعد، وفى حال حدوث ذلك تنتابه ثورة عارمة لا تهدأ إلا بترك منضدته.

 

وأشارت إلى أنها عانت كثيراً أثناء محاولتها التقديم لابنها فى المدرسة، وبعد العديد من الإجراءات الروتينية، قدمت له فى مدرسة تربية فكرية خاصةً التى تشترط إلا يقل اختبار ذكاء الإعاقة العقلية عن 50 درجة، موضحة أنها كانت مليئة بالأمل وسعيدة عند التقدم بأوراقه فى المدرسة، حيث ظنت أنه سيتم إعادة تأهيله ورعايته وتعليمه مهنة أو صنعة، لكن ما حدث خيب آمالها، فرغم تردد ابنها على المدرسة لسنوات إلا أنه لم يتعلم أى شيء فكان يذهب ليجلس فى فناء المدرسة لحين انتهاء اليوم الدراسى نظراً لعدم استطاعته الاندماج مع زملائه وعدم محاولة أو حرص إدارة المدرسة على إتمام هذا الاندماج.

 

وأضافت أن ابنها دائماً كان يعود إليها فور انتهاء اليوم الدراسى مصاباً فى وجهه أو جسده نتيجة مناوشات مع زملائه فى الفصل

الدراسى، مشيرة إلى أنه كلما كبر يوسف فى السن ازدادت التحديات وأصبح يصعب السيطرة عليه أو التحكم فى تصرفاته عما كان صغيراً، لدرجة أن المدرسة أصبحت تتفادى التعامل معه أو تعليمه أو حتى دمجه مع زملائه، وذلك لأنه عندما كان صبياً صغيراً كان يسهل التحكم فيه والسيطرة عليه فى حال إصابته نوبة غضب أو صدر منه سلوك غير منضبط.

 

وأكدت «ماجي» أنه عادةً ما يتم تعيين مدرسين غير مؤهلين للتعامل مع الأطفال المصابين بالتوحد فى المدارس الفكرية، وعادة ما يكونون فتيات لا تتعدى أعمارهن 26 عاماً، وبالتالى يصعب عليهن التعامل مع شاب 16 عاماً أو حتى السيطرة عليه فى حال إصابته نوبة غضب فى المدرسة، مشيرةً إلى أنها اضطرت فى النهاية إلى إخراجه من المدرسة والاكتفاء بجلوسه فى المنزل وتذهب به يوماً فى الأسبوع لأحد المراكز الشبابية لذوى الاحتياجات الخاصة كنوع من الترفيه واللهو مع من يشبهونه فى المركز.

 

ولفتت إلى أنها تتمنى أن توجد مؤسسة أو مستشفى لرعاية وعلاج مرضى التوحد والاهتمام بهم، موضحة أنها بعد وفاتها لا تعرف مصير ابنها أو من سيهتم به، خاصةً أن كُلفة أدويته تصل إلى 4 آلاف جنيه شهرياً وهى عبارة عن مهدئات للسيطرة على نوبات الغضب التى تصيبه من فترة لأخرى ومُنوم لكى يخلد للنوم، خاصةً أنه يعانى من فرط فى الحركة، هذا إلى جانب مصاريف مأكله ومشربه، حيث لابد أن يتناول أنواعاً معينة من الطعام وعصائر بعينها.

 

أما «نهى عبد الباسط» 43 عاماً، فأكدت أنها شعرت بالاكتئاب أكثر من مرة وأصابها اليأس والعجز، لكنها بعد محاولات مع نفسها استطاعت أن تتمالك نفسها وتختار أن تستكمل الحياة مع ابنتها وتواصل تربيتها وتعليمها.

  مريم مصابة بالتوحد

وأشارت إلى أن مريم ابنتها 13 عاماً، ولدت طبيعية، لم يكن بها أى إعاقة أو مشكلة صحية، وفجأة بعد بلوغها سنتين ظهرت عليها علامات التوحد، حيث أصبحت لا تتحدث ولا تريد رؤية أحد وتأخرت فى النمو العقلى عن غيرها من الأطفال، وعندما ذهبت للطبيب للكشف عليها ومعرفة سبب حالتها، وقعت الفجيعة على رأسى واكتشفت أنها مصابة بالتوحد الشديد.

أما سبب إصابة ابنتها بهذه الحالة، فأكدت أن الأمر ليس وراثياً، حيث إنها طبيعية ووالد الطفلة أيضاً كذلك، لكن هناك حكاية مؤلمة تسببت فى ظهور علامات الاضطراب على ابنتى، مشيرةً إلى أنها تزوجت لمدة أسبوع من رجل يكبرها بـ14 سنة، وبعد 7 أيام تركها وحيدة وغادر لأولاده وزوجته الأولى، ما دفعها للبحث عن عمل شريف لتعيش منه، ثم بعد فترة اكتشفت أنها حامل وبدأت تطالب والد الطفلة بحقها ولكنه رفض الإنفاق عليها أو تولى مسئوليتها، فاضطرت لمواصلة العمل فى مصنع خياطة لتنفق على ابنتها ونفسها.

 

وأشارت إلى أنه بعد سنتين من العمل المتواصل، وقع حريق فى المكان الذى تعمل فيه بسب ماس كهربائى وكان معها ابنتها فى ذلك الوقت، فالبنت التى تجاوزت عامين تعرضت لصدمة نفسية بسب رؤيتها للحريق، كما تعرضت لكهرباء بنسب متزايدة ما أثر على جهازها العصبى، مشيرة إلى أنها بعد هذه الحادثة بفترة وجيزة بدأت تظهر عليها علامات التوحد التى عجز العديد من الأطباء عن تشخصيها فى بداية ظهورها.

 

وقالت «نهى» إنها تهتم بابنتها منذ إصابتها، حيث تركت العمل فى المصنع للتفرغ لها، واكتفت بخياطة الملابس فى منزلها مقابل أجر تحصل عليه، لافتةً إلى أنها حاولت معالجة ابنتها بشتى الطرق لكن لا أمل فى شفائها، حيث أرسلتها لمركز تخاطب لتدريبها على الكلام، لكن لم يسفر عن نتيجة معها، كما حاولت إدخالها مدرسة تربية فكرية بعد بلوغها 4 سنوات، وبعد سنوات من ذهابها للمبنى التعليمى، وجدت ابنتها لم تستفد أى شيء ولا تزال حالتها كما هى، كما أنها لم تتعلم شيئاً جديداً.

 

وأكدت أن فشل مدرسة التربية الفكرية فى تعليم ابنتها وتحسين سلوكها رغم أنها تدفع سنوياً 10 آلاف جنيه مصاريف دراسية، جعلها تتخذ قراراً بجلوسها فى المنزل وعدم الذهاب للمدرسة مرة أخرى، واكتفت بإرسال ابنتها إلى أحد المراكز الشبابية الخاصة بذوى الاحتياجات الخاصة لمدة 3 أيام فى الأسبوع لكى تلعب وتتدرب على مهارات جديدة مع أطفال فى نفس عمرها ومقاربين لحالتها الصحية.