رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تعذيب البسطاء في مكاتب التموين

بوابة الوفد الإلكترونية

 

 

تحولت مكاتب التموين فى مختلف محافظات الجمهورية إلى مصدر لتعذيب المواطنين، فرغم أن معظم الإجراءات تتم من خلال الإنترنت وموقع دعم مصر، إلا أن كثيراً من المواطنين قد يحتاجون إلى اللجوء لمكاتب التموين التابعين لها لإنهاء بعض الإجراءات مثل حذف بعض الأشخاص المتوفين أو الحصول على بدل تالف، أو بدل فاقد، ليفاجئوا بالمعاملة غير الآدمية والزحام والتكدس حتى تحولت هذه المكاتب إلى بؤرة لإعادة نشر فيروس كورونا من جديد.

فعادة ما يتلخص المشهد داخل هذه المكاتب فى تأخر الموظفين ما يسبب زحاماً وطوابير طويلة فى الجو الحارق وافتراش المواطنين لأرصفة أو سلالم العمارات التى تقع بها بعض مكاتب التموين، والانتظار منذ الصباح الباكر فى معظم الأيام، خاصة من يأتون من مناطق بعيدة، فضلاً عن حدوث اشتباكات بين المواطنين بعضهم وبعض ليتحول المشهد إلى حالة من الفوضى واللا نظام، بالإضافة إلى تعرض بعض المواطنين خاصة من كبار السن إلى الاختناق بسبب عدم التهوية الجيدة، فى حين يلجأ المواطنون إلى الوقوف أو الجلوس على السلالم منتظرين «الفرج» وسماع أسمائهم، وأثناء ذلك قد تحدث مشاجرات فيما بينهم، وأحياناً بينهم وبين الموظفين، إما لبطئهم فى سير العمل أو لمطالبتهم بإحضار بعض المستندات الأخرى التى لم تطلب من قبل، أو لعدم وضوح صور البطاقة، أو لعطل ما فى أجهزة الكمبيوتر أو لخطأ فى الإجراءات أو لانتهاء مواعيد العمل الرسمية، أو لسقوط السيستم، أو غياب الموظف المسئول عن ختم شعار الجمهورية...إلخ.

هذه المشاهد أثارت حالة من السخط والغضب خاصة أن أغلب رواد مكاتب التموين من كبار السن الذين نجد بعضهم يتساقطون على الأرض من الزحام لعدم وجود أماكن للانتظار؛ بالإضافة إلى السيدات اللاتى يصبحن معرضات للسرقة، ورغم التحذيرات التى توجهها وزارة الصحة وكل مؤسسات الدولة من خطورة التجمعات والاختلاط بين المواطنين، إلا أننا نجد بعض المكاتب لم تلتزم بالتعليمات ووضع فواصل للمواطنين للتباعد، بالإضافة إلى عدم وجود استراحات فى الخارج لكبار السن، ما يهدد بتحول هذه المكاتب إلى بؤر لنشر فيروس كورونا.

وعلى درجات سلم أحد مكاتب التموين، التقينا الحاجة فوزية أحمد، 60 سنة ربة منزل، تنتظر دورها فى الطابور بعدما لم تجد مكاناً داخل المكتب ما أدى إلى إصابتها بحالة إغماء، وقالت إنها لم تستطع تقديم أوراقها إلى الموظف ليومين متتاليين وأخذت تردد «حسبنا الله ونعم الوكيل».

وهناك وقف محمود توفيق، 40 سنة، يتشاجر مع أحد الموظفين بسبب ارتفاع درجة الحرارة وازدحام المكتب بالمواطنين مطالباً بمعاملة إنسانية بدلاً من المعاملة من وراء الباب الحديدى، لافتاً إلى أنه توجه إلى مكتب التموين لكى يحدث بياناته، ودفع غرامة 50 جنيهاً عن كل شهر تأخير فى إزالة اسم والدته المتوفاة من بطاقة التموين، رغم أنه كان يعتقد أن السيستم الحكومى متواصل، وأنه بمجرد وفاة الوالدة كان من المفترض حذف اسمها من البطاقة تلقائياً، إلا أنه فوجئ بأن الأمر لا بد أن يتم يدوياً. 

وسمعنا من يقول بصوت مبحوح وسط الزحام اقسم بالله إحنا عايشين فى كارثة كبرى، لماذا نعامل بتلك الإهانة، أين الرقابة على موظفي التموين الذين يأتون الساعة العاشرة صباحاً، أين حقوق المواطنين الموجودين منذ السابعة صباحاً ولماذا يهان كبار السن بهذا الشكل؟

وأضاف: ذهبت إلى المكتب الذى يشغل شقة بالدور الأول بإحدى العمارات السكنية الشعبية بالمنطقة ولا تتجاوز مساحته 20 متراً، ويتردد عليه مئات المواطنين يومياً بالإضافة إلى الموظفين العاملين به الذين يعانون هم أيضاً من ظروف عمل غير آدمية، حيث الجو خانق والزحام شديد، والسيدات والرجال يتحركون فى مساحة ضيقة للتوجه إلى الموظف، هذا بالإضافة إلى الطابور الممتد من أول الشقة إلى آخرها، وكل إجراء يحتاج إلى وقت لضمان سلامة التحديثات، وليس أمام الناس سوى الانتظار حتى ينتهى الموظف من الموافقة على أوراقه.

وقالت ماجدة جلال، شابة فى أواخر العشرينات، حضرت برفقة والدتها إلى مكتب التموين فى السابعة صباحاً، وامتد انتظارها حتى الثانية عشرة ظهراً وأخبرها العاملون بأن «السيستم واقع»، بعدما كاد يحدث لها اختناق بسبب الزحام الشديد، حيث وصل الأمر إلى سقوط «الطرحة» وقطع «الجاكيت» الذى كانت ترتديه، وذلك بسبب التدافع داخل المكاتب

 وقالت رجاء عيسى، سيدة فى الستين من عمرها، إنه عادة ما تحدث مشادات كلامية بين المواطنين داخل المكتب بسبب الخلاف على أولوية الوقوف فى الطابور، ما يؤدى إلى حدوث حالات إغماء لبعض السيدات، ويتصل البعض بالإسعاف لإنقاذهن، وهناك من يتصل بالشرطة لتهدئة الأمور، وتساءلت عن دور المسئولين فى حل هذه المشكلة، لافتة إلى أنها وقفت فى طابور طويل يضم أكثر من 40 شخصاً ومكثت لمدة ساعة ونصف الساعة حتى تمكنت من الدخول للمكتب.

وأكد عبدالعزيز رضوان الذى التقينا به فى مكتب تموين الخليفة أن المكتب عادة ما يكون مزدحماً وتسوده الفوضى والمشاجرات المستمرة، مشيراً إلى أنه أتى من الساعة 8 صباحاً قبل قدوم الموظفين، وتابع بسخرية: نجلس فى الخارج ننتظر الموظفين حتى يفرغوا من الإفطار وشرب الشاى ولا يبالون بمن فى الخارج، قائلاً: يجلسون تحت المراوح وفى التكييفات واحنا الشمس هتموتنا برة. وفى الساعة العاشرة يبدأ الموظفون فى الصراخ فينا وبدلاً من الالتزام بالدور، يأخذون الأوراق بطريقة عشوائية، وأضاف وهو يتصبب عرقاً إنه فاقد الأمل فى الانتهاء من حل مشكلة بطاقته فى هذا اليوم، بسبب البطء الشديد من الموظفين وكثرة المشاجرات، وسيظل واقفاً حتى النهاية أملاً فى استخراج بطاقته، لأنه لن يستطيع الحصول على إجازة أخرى من عمله.

وقال أحمد الفرماوى إنه توجه إلى مكتب التموين لإضافة طفله الصغير، وحضر فى الساعة

السابعة صباحاً وفوجئ بزحام شديد أمام المكتب، وأضاف: للأسف الشديد المواطنون متلاصقون دون وجود مسافات، وتابع أخى جاء معى لعمل تحديث لبياناته، وشاهد الزحام فانصرف دون إنجاز أى شىء، مشيراً إلى أنه لا يوجد أى تنظيم للمواطنين، موضحاً أنهم يفترشون الأرض حتى يأتى دور كل وحد منهم، كما أن الموظفين يتعاملون معهم بطريقة سيئة للغاية.

وتابع: المواطنون الذين يتعاملون مع المكاتب معظمهم من كبار السن وللأسف لا يستحقون هذه المعاملة غير اللائقة، مضيفاً أنه يتم معاملتهم على أنهم متسولون وليسوا أصحاب حقوق أفنوا عمرهم فى خدمة الدولة، مشيراً إلى أنهم لا يستحقون هذه الإهانات، والمعاملة غير اللائقة والبطء فى الإنجاز. 

وأضاف أبوعبدالله أنه فوجئ بحذف زوجته من التموين منذ عامين بحجة أن زوجته تمتلك سيارة ملاكى، قائلاً: «احنا والله مش معانا توكتوك»، وأحضرت خطاباً من مرور أسوان بأننى وزوجتى ليس لدينا سيارة، ولما عجزت عن إعادة البطاقة قالوا لى اذهب إلى الوزارة بالقاهره، وهناك أبلغونى بأن التظلمات مغلقة، ويتساءل أبوعبدالله «يرضى مين ده يا ناس؟»

وتحكى السيدة نور، أرملة، معانتها مع مكتب التموين قائلة: أنا أم لدى أربعة أيتام واشتريت سيارة بالتقسيط.. تسحبوا منى التموين ليه؟!.

أما صلاح حامد أبويوسف، البالغ من العمر ستين عاماً، فقال إنه جاء إلى المكتب لإضافة أحفاده على البطاقة، فابنه يعمل مدرساً وزوجته مدرسة ودخلهما محدود، فحاول الابن إضافة زوجته للبطاقة منذ أعوام ولم تتم إضافتها حتى الآن، كما أن زوج ابنته يحاول إضافة طفلتهما التلميذة بالصف الثالث الابتدائى إلا أن مكتب التموين أبلغه أنه لا يوجد إضافات، وهذه تعليمات وزارية.

وهناك أيضاً محمد فاروق الذى أكد أن مكتب التموين استدعاه لإلغاء البطاقة الخاصة بأسرته بحجة أنه يمتلك سيارة، رغم أن السيارة تخص شقيقته، التى طالبت مرراً بحذفها من البطاقة إلا أن طلبها لم يقبل بحجة أنه لا يوجد حذف أو إضافات على بطاقات التموين، وأضاف محمد أنه توجه للمرور لإثبات أن السيارة ملك شقيقته وتم الحصول على ما يثبت ذلك، وتوجه إلى مكتب التموين الذى وعده ببحث الأمر، إلا أن البطاقة لم تعمل حتى الآن، ويتوجه كل فترة للمكتب لمعرفة إذا ما تم البت فى طلبه ليجد الرد دائماً بأنه لم يبت فيه حتى الآن.

 

أما شريف المصرى فيحكى مأساته قائلاً: كنت أعمل كفرد أمن فى بنك ثم استغنوا عنى، توجهت للعمل فى مدينة ٦ أكتوبر عام ٢٠١٩ إلا أننى تعرضت لحادث سير بسبب استهتار سائق أتوبيس نقل عام صدمنى أثناء التحدث فى الهاتف، ما أدى إلى نقلى إلى مستشفى الشيخ زايد التخصصى، وتم إجراء ٣ عمليات جراحية لبتر ساقى اليسرى فوق الركبة، بالإضافة إلى إصابتى بكسر فى الترقوة، بعدها تركتنى زوجتى وتزوجت آخر، وتركت لى ولداً وبنتاً عمرهما ١٤ و١١ عاماً، وحالياً أعيش مع والدى فى منزله ونعتمد جميعاً على معاشه البسيط، ثم جاء التموين ليكمل المأساة التى أعيشها حيث إننى أحصل على تموين فرد واحد وهو زجاجة زيت وكيس سكر، ويرفض المكتب إضافة أولادى منذ أكثر من 7 أعوام رغم إعاقتى،

ويروى محمد الهنداوى، 59 عاماً، حكايته مع التموين قائلاً: البطاقة وقفت عشان عندى عربية، فأنا باكل عليها عيش أنا وأولادى، وذلك بعدما ظهر فى بون العيش مالك سيارة موديل 2018، روحت مكتب تموين فيصل، وبعد عذاب قال لى الموظف أنت عندك سيارة، ليس من حقك بطاقة، وأضاف: «مش عارف أشتغل بالعربية لو جال لى مشوار ومعايا ناس المرور والسرفيس يوقفنى ويقول لى مين معاك ويسحب الرخص وأدفع مخالفات، ولدى بنتان والتموين كان بيسندنا، ولكن موظف مكتب التموين يعاملنا كأننا نتسول أو بناخد من بيته».