رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أبناء الغارمات.. حياة تعيسة ومستقبل غامض

بوابة الوفد الإلكترونية

 منذ 6 سنوات انتقلت عزة عبدالحليم من منشية القناطر إلى ميت حلفا بمحافظة القليوبية لتبدأ حياة جديدة، بصحبة طفلها «يوسف» صاحب الـ 6 أعوام.

وفى «ميت حلفا» بدأت «عزة» حياتها الجديدة بالزواج من أرزقى، وأنجبت طفلة، ومرت سنوات، تراكمت خلالها الديون على الأسرة من كل اتجاه، وزادت مطالبات الديّانة بضرورة سداد الأموال وعجزت الأسرة عن السداد الأمر الذى أدى إلى حبس الزوج.

ومن جديد وجدت «عزة» نفسها وحيدة أمام أهوال الحياة وبدأت تتقبل بعض الأعمال الشاقة من أجل كسب لقمة عيش تسد رمقها وأبنائها ولكن مع ضغوط الحياة أصبح دخلها لا يكفى لسد الديون وتم حبسها هى الأخرى بعدما بلغت الديون المتراكمة عليها 190 ألف جنيه.

«يوسف» مات

تركت «عزة» فلذة كبدها «يوسف» مع صديقتها «رضا محروس» وزوجها بينما تركت الطفلة الثانية مع عائلة زوجها المسجون.

لم يتوقع الطفل يوسف أن تتبدل حياته بهذه الطريقة فأصبح مثار سخرية لصديقة والدته، فاستخدمته فى التسول وجمع التبرعات من الأهالى، وعلى الرغم من ذلك كان يتعرض للضرب المبرح منها وزوجها حتى أصيب بعجز فى قدمه.

وفى يوم فوجيء الأهالى بالمنطقة بوفاة الطفل بعد تعرضه للتعذيب من قبل صديقة والدته وزوجها، فما أبشع حياه أطفال الغارمات بهذه الصورة، فحالة الطفل يوسف لا تختلف كثيرًا عن حياه البوس للمئات من أبناء الغارمات.

حياة بطعم الموت

فى ميت حلفا

جولة ميدانية أجرتها «الوفد» فى منطقة ميت حلفا التابعة لمحافظة القليوبية، حيث يقطن المئات من الغارمات اللاتى تركن أبناءهن مع مصائر مجهولة، ورصدنا بعض الروايات من الأهالى حول واقعة تعذيب الطفل ابن الغارمة عزة، وما هو حال أبناء الغارمات بشكل عام بالمنطقة؟.

البداية كانت مع زغلول حسن والذى قال إن حال الغارمة عزة لا يختلف كثيرًا عن حال العشرات من السيدات بمنطقة ميت حلفا فجميعهن يسعين لسد احتياجات منازلهن ولكن مع ضغوط الحياة وغياب رب الأسرة المعيل تصبح الأم أمام «غول المال» على حد وصفه، مشيرا إلى أن هناك أمهات تدفع حياتهن ثمنًا لزواج بناتهن.

«غالبية الستات فى المنطقة بيشتغلوا فى جمع البصل وربطه وتقطع الجزر».. يستكمل «زغلول» حديثه قائلًا إن السيدات تعاون أزواجهن على متطلبات الحياة وكثيرًا منهن فقدن أزواجهن بعد سنوات قليلة من الزواج ما دفعهن لاستكمال المسيرة بمفردهن مع أبنائها وفى مرحلة الزواج تصبح الأم كبش فدا لابنائها فتقوم بشراء الأجهزة الكهربائية مقابل إيصالات أمانة وبعدها تعجز عن السداد فيتم حبسها.

والتقط أطراف الحديث جمال السيد، قائلًا إن حال ابناء الغارمات قصص مأساوية فجميع الأطفال يكونوا تحت رحمة أسر لا يراعون ضمائرهم فى الامانة التى تركت لهم، ويشكلون الاطفال كما يشاؤون.

وتابع: «احنا هنا كل يوم بنشوف عيال فى الشوارع واعدادهم بتزيد ونادر لما بنلاقى أسرة تقدر تعيل الطفل».

سألت عددًا من أهالى ميت حلفا: لماذا لا يتطوع أحدهم ليسلم أبناء الغارمات إلى دار رعاية، رد جمال السيد قائلاً: «هو فيه حد فاضى لحد ولا حد ناقص بلاوى فى الزمن ده يسالوه أنت علاقتك بيه إيه ولا عاوز إيه.. لا وكمان لو حصلت ليه حاجة فى الدار أنا اللى مسؤول اروح ليه».

وقال سمير الجمال «كثير من الأمهات يدفعن حريتهن ثمنا لتزويج أبنائهم فتقام الأفراح التى لا تستمر سوى ساعات وبعدها نرى قوات الأمن تأتى للقبض على الأم وترحيلها للسجن.

تتبدل معالم الأفراح إلى أحزان بعد القبض على الأم وتصبح الأسرة فى كبد مستمر..

يستكمل الجمال حديثه واصفًا أحوال الكثير من سيدات المنطقة ونوه إلى حال سيدة عجوز تدعى بسمة محمد أحمد تعيش مع أحفادها الثلاثة بعدما تم حبس ابنتها التى اشترت الأدوات الكهرباء لتأهيل ابنتها للزواج.

العجوز.. وأحفادها الثلاثة

أمام منزلها تجلس سيدة خميسينية واضعة يديها على خديها وبعيون غائرة تتأمل مصيرها المجهول مع أحفادها الثلاثة.

وقالت باكية إنها جدة فى العقد الخامس من عمرها مريضة بالسكر والقلب لا تقدر على العيش بمفردها وتحتاج لمن يرعاها وبعدما تم حبس ابنتها التى ضحت بحريتها فى سبيل زواج ابنتها.

«كنت عاوزة اللى يراعينى وفى الآخر بقيت أنا المسؤولة عن التربية».. تستكمل السيدة العجوز قصتها المأساوية وتقول: تراكم الديون على ابنتى «هدى حنفى» حتى بلغت 10 آلاف جنيه، وتوسلت إلى صاحب محل الادوات الكهربائية ليصبر عليها فى سداد المبلغ ولكن رفض وكانت النتيجة حبس الابنة الوحيدة التى كانت ترعاها، وليس هذا فقط بل صار فى رقبتها رعاية أحفاد ثلاثة، لم يعد لهم فى الدنيا غيرها فوالدتهم غارمة محبوسة، ووالدهم ايضا محبوس بسببب ديونه ».

المعيلات.. ستات «شقيانة»

تفاصيل جديدة كشفتها أميرة نزيه شقيقة الغارمة هدى حنفى عن يوميات الزوجة فى ميت حلفا وقالت إن اليوم يبدأ من صلاة الفجر تخرج السيدات المعيلات للعمل فى الحقول سواء بتجميع البصل أو تقطيعه أو تقطيع الجزر ولا ينتهى عملها إلا بعد صلاة المغرب.

اليومية لا تزيد على 50 جنيهًا.. تستكمل أميرة حديثها وقالت إن شقيقتها مثل حال الكثير من السيدات بالمنطقة دفعت حريتها ثمنًا لاستقرار أبنائها، مشيرة إلى أن زوجها تم حبسه بعدما تراكمت الديون عليه وهى حاليًا تحاول جاهده سد هذه الديون فضلًا عن متطلبات الحياة اليومية.

تصمت السيدة قليلًا ثم تعود حديثها بصوت حزين قائلة: «أنا عارفة مصيرى زى اختى وهبقى معاها فى زنزانة واحدة مش قادرة خلاص أقاوم طلبات البيت وطلبات الديانة»

جهود دعم الغارمات.. هل من مزيد؟

طبقًا لأخر الدراسات المركز المصرى للفكر والدراسات الإستراتيجية بشأن قضية الغارمات فلا توجد احصائيات رسمية بأعداد الغارمات فى مصر، لكن بعض الجمعيات المنخرطة فى العمل للحد من تلك الظاهرة أشارت إلى أن أعداد الغارمات فى مصر بين 30% إلى 35% من إجمالى السجناء، أى قرابة 30 ألف سجينة، وذلك بخلاف اللاتى حصلن على أحكام نهائية قيد التنفيذ.

وبحسب الدراسة أيضا فإن قضية الغارمات ذات أبعاد اجتماعية خطيرة، فهى تسلط الضوء على معدلات الفقر بين النساء، والنساء المعيلات للأسر، وثانيًا تؤدى عواقب الظاهرة إلى تفاقم معدلات التفكك الأسرى وتشرد الأطفال، وبذلت الدولة جهودًا كبيرة فى

بشأن هذه القضية من خلال الإفراج عن بعض تلك الفئة من النساء فى المناسبات وخاصة عيد الأم، فأفرجت وزارة الداخلية عن مئات الغارمات منذ عام 2010 وحتى عام 2013 بواقع 568 سجينة عام 2010 و358 عام 2011 و297 سجينة فقر فى عام 2012، اما فى عام 2013 فبلغ عدد الغارمات المفرج عنهم حوالى 99.

وفى عام 2016 كان لصندوق تحيا مصر تجربه أيضا فى دعم الغارمات من خلال رصد مبلغ 12 مليون جنيه لفك كرب ما يقرب من 1400 غارم وغارمة.

وفى عام 2018 دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى مبادرة سجون بلا غارمين أو غارمات، وقد اولى صندوق تحيا مصر اهتمامًا خاصًا لهذا الملف.

ووجه الرئيس بتنفيذ عدة محاور رئيسية وكان الدعم الاجتماعى فى الصدارة، ثم الرعاية الصحية، والتمكين الاقتصادى، ودعم التعليم والتدريب لتلك الفئات الأكثر احتياجًا، وذلك بعدما تم تخصيص 30 مليون جنيه لتنفيذ تلك المبادرة.

خبير اقتصادى: المرأة استحوذت على النصيب الأكبر من التمويل متناهى الصغر

قال الدكتور خالد الشافعى، الخبير الاقتصادى، إن الحكومة بذلت قصارى جهدها فى قضية الغارمات حيث أعطى القانون رقم 152 لسنة 2020 بشأن تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر حوافز وإعفاءات وامتيازات ضريبية استفادت منها النساء بشكل كبير، وبناء عليه وحسب الهيئة العامة للرقابة المالية.

وأشاد الخبير الاقتصادى، بجهود الدولة تجاه المرأة والتى استحوذت على النصيب الأكبر من التمويل متناهى الصغر، مشيرا إلى أن عدد المستفيدين من النساء فى نهاية الربع الثانى من عام 2020 نحو 1.97 مليون مستفيدة بنسبة 63.74% وبأرصدة تمويل قدرها 8.19 مليار جنيه، ساهمت تلك الأرقام إلى حد كبير فى تعزيز النمو الاقتصادى للمرأة، والحد من وطأة الفقر، الذى يعرض فئة عريضة منهن إلى الاستدانة ومن ثم دخول السجن.

 

ونوه «الشافعي» إلى برنامج مستورة والذى كان له دور فى دعم الغارمات بالتنسيق مع بنك مصر، حيث تم تقديم برامج تمويلية للمرأة وتم صرف مبلغ 320 مليون جنيه لأكثر من 19 ألف مستفيدة، وذلك بجانب 3000 قرض من قروض مستورة للسيدات من ذوى الاحتياجات الخاصة لدمجهم فى الحياة الاقتصادية، وتابع: على صعيد الرعاية الاجتماعية فتستفيد النساء من 89% من برامج الحماية الاجتماعية، وغطى التأمين الاجتماعى حوالى 426 ألف بمبلغ 164 مليون جنيه مصرى حتى مارس 2020.

وقال الخبير الاقتصادى إن قواعد بيانات «تكافل وكرامة» والضمان الاجتماعى رصدت قرابة 6.5 مليون أسرة، مع صرف 65 مليون جنيه كنفقة لـ 389 ألف امرأة معيلة.

«المنبوذ».. صفة ابن الغارمة مدى الحياة

الدكتورة نادية جمال استشارى العلاقات الأسرية، قالت إن أبناء الغارمات يعيشون فى جحيم متواصل فأصعب ما يكون هو شعر الطفل بعدم الاهلية أو كونه مجبرًا على المعيشة مع أناس أغراب لا انتماء لهم ولهذا يكون انعكاس ذلك عليه بعدم انتمائه للأسرة ورفضه أى نصيحة وعزوفه عن المجتمع وعدم التركيز فى تعاملاته اليومية أو فى الدراسة إذا كان فى المدرسة.

وأضافت استشارى العلاقات الأسرة، أن الطفل فى هذه الحالة يشعر بحالة من الفوضى والغوغائية داخليًا وخارجيًا ويعيش دومًا فى حالة من العزلة طوال حياته فضلًا عن اكتسابه العدوانية سواء مع غيره من الأطفال أو الأسرة التى يعيش معها، وتابعت: «أصعب شيء على الطفل إنه يحس انه منبوذ على طول».

ونوهت الدكتورة نادية إلى أن ابن الغارمة عادة ما ينفر من أى نصيحة تقدم له من الأسرة أو أحد يحاول التقرب منه لأنه يشعر وكأنها نوع من الحسنة إليه فينفر منها، ولهذا لابد على الجهات المسئولة والمنوط بها رعاية ابناء الغارمات منها التضامن ان تجرى أبحاث اجتماعية عن الأسر الأولى برعاية أبناء الغارمات وتأهيل الأسرة ماديًا ونفسيا للتعامل مع الطفل.

وأشارت الدكتورة نادية جمال إلى الغارمات داخل السجن يعيشن فى كبت متواصل وتلاحقهن الكوابيس يوميًا والبعض منهن تعزفن بشكل متواصل عن الطعام والشراب، ومع البكاء الشديد ليلًا ونهار يصبح التفكير في الانتحار أمرًا حتميًا وعدم الرغبة فى الحياة صورة تلاحقهم طوال الوقت.