رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

نجل الدكتور محمد سيد طنطاوى : والدى رفض السفر للقدس بتأشيرة إسرائيلية

محمد-سيد-طنطاوي
محمد-سيد-طنطاوي

 

مات ودفن فى «البقيع» بجوار الشيخ «الغزالى»

علاقته مع «مبارك» كانت عادية ويحكمها «التوازن»

رفض أحقية الدولة فى «ضريبة التركات»

أقام مشروعات خيرية فى مسقط رأسه «سوهاج»

فى مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية صباح يوم 24 ربيع الأول لعام 1431 هـ الموافق 10 شهر مارس لعام 2010م، فقدت الأمة الإسلامية والعربية علمًا من أجل علمائها وفقيهًا من خيرة فقهائها هو الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر الشريف الذى توفى عن عمر يناهز 81 عامًا إثر نوبة قلبية تعرض لها فى مطار الملك خالد عند عودته من مؤتمر دولى لمنح جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام للفائزين بها عام 2010، وكان قد حضر إلى الرياض للمشاركة فى تحكيم الجائزة وخلال صعوده الطائرة المتجهة إلى القاهرة فاجأته أزمة قلبية وهو على سلم الطائرة نقل على إثرها إلى «مركز الأمير سلطان للقلب» بالمستشفى العسكرى بالرياض، حيث توفى عقب وصوله المستشفى، وأقيمت صلاة الجنازة عليه فى المسجد النبوى وورى الثرى فى البقيع.

كان- رحمه الله- عالمًا موسوعيًا له رؤية ثاقبة فى التجديد وقراءة التراث قراءة عصرية، وسيظل التاريخ يذكر مواقفه فى كثير من القضايا التى أثارت جدلًا كبيرًا، بل دخوله فى معارك فقهية وفكرية متعددة لم يبتغ من ورائها إلا الخروج بحكم شرعى واجتهاد فقهى جديد دون مخالفة لأوامر الله سبحانه وتعالى. فى الذكرى الثانية عشرة لرحيله التقت «الوفد» مع المستشار «عمرو» نجل الإمام الأكبر فى هذا الحوار.

فى البداية يقول نجله حول نشأته: ولد الدكتور محمد سيد طنطاوى فى قرية «سليم الشرقية» مركز طما بمحافظة سوهاج فى 28 أكتوبر 1928م، وقد نذره والده للعلم فنشأ محبًا له، وأتم حفظ القرآن وهو فى الثالثة عشرة من عمره، بعد أن أتم دراسته فى المدرسة الأولية بقريته. واختار له مدينة الإسكندرية ليتم فيها دراسته والتحق بمعهد الإسكندرية الدينى لوجود عدد كبير من أبناء بلدته فى ذلك الوقت بالإسكندرية، ثم أنهى دراسته والثانوية والتحق بكلية أصول الدين وتخرج فيها عام 1958م، وعين بعد ذلك إمامًا وخطيبًا بوزارة الأوقاف، وواصل دراسته العليا بكلية أصول الدين فى قسم التفسير والحديث لمدة أربع سنوات إلى سنة 1962م وسجل بعدها رسالة الدكتوراه وموضوعها «بنو إسرائيل فى القرآن والسنة»، ونوقشت فى 5 سبتمبر 1966م وحصل فضيلته على تقدير امتياز، ثم أعير إلى العراق 1964م، وانتدب للتدريس بجامعة البصرة إلى أوائل 1969م، وظل ما يقرب من خمس سنوات فى العراق، ثم أعير للتدريس فى الجامعة الإسلامية بمحافظة «الجبل» الأخضر بليبيا فى عام 1972م ثم عاد إلى القاهرة، وكان قد عين عميدًا لكلية أصول الدين بأسيوط فى سنة 1976م، وبعد ذلك أعير إلى الجامعة الإسلامية فى المدينة المنورة رئيسًا لقسم التفسير بالدراسات العليا فى سنة 1980م، وفى سنة 1985 عين عميدًا لكلية الدراسات الإسلامية والعربية بالقاهرة وفى 28 أكتوبر 1986م صدر قرار جمهورى بتعيين فضيلته مفتيًا للديار المصرية، وقد ظل مفتيًا لمصر لمدة عشر سنوات، وفى 21 مارس سنة 1996م صدر قرار جمهورى بتعيينه شيخًا للأزهر الشريف.

حياته الأسرية

ويواصل المستشار «عمرو» نجل الإمام الراحل حديثه قائلًا: كان إنسانًا عاديًا للغاية، ومشغولًا بحياته الوظيفية والإدارية، لكن ذلك لم يجعله يتغافل عن بيته وأسرته، وقد نشأ يتيمًا للأم، وقامت بتربيته زوجة أبيه، وكانت تحبه مثل أولادها، وله عدد من الإخوة غير الأشقاء، وكانت توصى أبناءها بأن يسيروا على نهجه وتوقعت له شأنًا عظيمًا، وكان يحبها كأمه، وأشقاؤه هم: «على» توفى ودفن فى البقيع أيضًا بعد أداء مناسك الحج، و«رضوان» كان مزارعًا ومقيمًا بسوهاج، و«حسن» كان يعمل فى وزارة الكهرباء، و«حسين» وهو أستاذ فى كلية الهندسة بجامعة الأزهر، و«عطية» و«أحمد»، ولم تكن له شقيقات، وقد تزوج من ابنة عمه، وسافرت معه إلى العراق ثم ليبيا، حتى أن شقيقى الأكبر «أحمد» ولد فى العراق، فقد أنجب سبعة من الأولاد لكن رحل أربعة أبناء منهم هم «محمود» وتوفى فى مدينة «الحمام» عند عودته من ليبيا، حيث تعرض لحادث مرورى، وعمره 4 سنوات، حيث صدمته السيارة أمام عين والدى، فاحتسبه عند الله وغسله وكفنه وصلى عليه ودفنه فى مدينة الحمام وعفا عن سائق السيارة، فقد كان مؤمنًا بقضاء الله، وأختى الحالية الدكتورة «سناء» وهى أستاذة فى مستشفى الزهراء بجامعة الأزهر و«أحمد» شقيقى الأكبر.

حج القرعة

وعن قصة أدائه الحج ضمن حجاج القرعة قال نجله: كانت توجه له دعوات الحج من المملكة العربية السعودية بحكم منصبه، إلا أنه كان يفضل أن يذهب على نفقته الخاصة، وقبل الوفاة بعام أو أقل، فوجئ الحجاج بصوته يلقى خطبة عرفة، وأكمل مناسك الحج، ثم عاد إلى المدينة المنورة، وكان له صديق يسمى الشريف أنس الكتبى نقيب أشراف المدينة وهو مثل ابنه ويقابله بالمدينة، وهو من نسابة المدينة المنورة، وكان يسير معه فى المدينة بجوار سور مقبرة البقيع ونزل وقال: لقد توسع، فأستأذنه للوقوف لقراءة الفاتحة لأهل البقيع، ثم دمعت عيناه ودعا الله أن يكون من أهله وأن يرزقه الدفن فيه، وتحققت دعوته.

علاقته بالرئيس الأسبق

وعن علاقة الإمام «طنطاوى» بالرئيس الأسبق الراحل حسنى مبارك، قال نجله المستشار «عمرو»: كانت تجمعهما علاقة عادية، بها نوع من التوازن بين كونه رجل دين ورجلًا له منصب سياسى، بحيث لا يطغى جانب على آخر، وكانت عندما تأتى سيرة الرئيس الأسبق يقول عنه إنه محب لوطنه وبلده ومخلص لكنه بشر له ما له وعليه ما عليه، لكن البعض كان يتصور أن الرئيس الأسبق كان يتدخل مثلًا فى رؤية الهلال وهذا ما لم يحدث إطلاقًا، فلم يكن هناك أى نوع من التدخل، فقد كان شيخ الأزهر له نهج ورؤية هى أن هناك لجانًا شرعية ومعها علماء فلك، وكان يقول دائمًا إن الرؤية الشرعية لا تتعارض مع الحسابات الفلكية الصحيحة، فما كان أحد يتدخل فى الرؤية الشرعية إطلاقًا، وفى بداية عهده فى دار الإفتاء كان هناك قانون «الأيلولة» وضريبة التركات، وكانت الدولة تأخذ جزءًا كضريبة من تركة المتوفين، وقد سئل سؤالًا وهو مفتى الديار المصرية، وأفتى بأن الدولة ليست من الورثة الشرعيين، وبناء على ذلك ألغى قانون ضريبة التركات، فقد كان القرار مستقلًا فى مصلحة الدولة والناس وكان متأنيًا فى فكره وقراره، كما أصدر العديد من الفتاوى التى كان لها أثرها فى المجتمع مثل تحريم مصادرة الأموال إلا عن طريق الهيئات القضائية وفتوى تنظيم الأسرة وفتوى نقل الأعضاء وفتوى شهادات الاستثمار وأن التعامل فيها حلال وفتوى التعامل مع البنوك التى تحدد الأرباح وأن هذا التحديد لا مانع شرعًا منه.

هجوم بلا مبرر

سألت نجل الإمام الأكبر الراحل عن هجوم البعض على شيخ الأزهر بسبب لقائه بعض الحاخامات اليهود فى مشيخة الأزهر آنذاك وماذا كان رد فضيلته على هذا الهجوم فقال: بحكم منصبه الإدارى كان لابد من لقائهم باعتباره مسئولًا فى الدولة، فالعاقل من يعرف ماذا قال فضيلة الإمام ورده عليهم قبل أن ينتقده، ولكن كان يترفع عن الكثير من الاتهامات، وقد قال عنه علماء الأمة الكثير فقد كان رسولًا للأزهر فى كل أنحاء العالم، وكان مدافعًا صلبًا عن الإسلام فى مواجهة أعدائه ولعل حسن الخاتمة ترد على من تطاول عليه.

علاقته بأسرته

وعن علاقته بأهله فى صعيد مصر قال نجل الإمام إن والده كان شديد الصلة ودائم الاتصال بهم والعمل على قضاء مصالحهم، وينتهز أى فرصة للذهاب إلى سوهاج للقاء الأهل، وكان لابد من أن يذهب فى العيد القومى لمحافظة سوهاج، وحينما حصل على جائزة الملك فيصل أوقف مبلغها لبناء

مجمع أزهرى (ابتدائى، إعدادى، ثانوى) بنين وبنات فى قريته سليم الشرقية بمركز طما بمحافظة سوهاج لنشر العلم الأزهرى وخدمة لأهل بلده للعمل به.

مواقف حاسمة

يعد الشيخ «طنطاوى»- رحمه الله- ثانى شخصية إسلامية بعد الشيخ «الغزالى» تموت فى الرياض وتدفن بالبقيع بجوار صحابة رسول الله، فقد مات الشيخ «الغزالى» أيضًا فى يوم 9 مارس 1996 والشيخ «طنطاوى» فى يوم 10 مارس 2010، وكانت له مواقف حاسمة وأبرزها حول كيفية نصرة الشعب الفلسطينى والمسجد الأقصى المبارك الذى عانى من مخططات التهويد والهدم، وأنه يجب على الأمة العربية والإسلامية أن تتعاون مع الشعب الفلسطينى وأن تقف إلى جواره حتى يتسنى له نيل حقوقه كاملة، ولعل آخر مواقفه هو نفيه قبول زيارة القدس وهو لا يزال تحت الاحتلال، ونفى موافقته زيارة القدس فى ذكرى الإسراء والمعراج، وأكد أنه لن يقبل بتأشيرة إسرائيلية على جواز سفره بأى حال من الأحوال وأنه لم يدع المسلمين إلى السفر إلى القدس، كما أن الإمام الراحل كان من أنصار حوار أتباع الأديبان مهما كانت الظروف، ولم يكن حرصه على حضور مؤتمرات الحوار بين الأديان عابرًا حتى وإن اضطره ذلك لمصافحة شيمون بيريز رئيس وزراء إسرائيل وما تعرض له من هجوم عنيف تسبب فى دخوله المستشفى، ذلك لأنه كان يؤمن دائمًا بضرورة العمل على نشر السلام والتعاون التام بين الأديان والثقافات المختلفة، كما تصدى بمقالات علمية تمت ترجمتها تحت عنوان «حوار هادئ مع بابا الفاتيكان» السابق «بندكت» فنَّد فيها كل ما ورد على لسان بابا الفاتيكان فى ذلك الوقت من إساءة للإسلام ولنبيه ولاقت هذه الكتابات قبولًا، كما كان الأزهر أول من تصدى لظاهرة الرسوم المسيئة وقاد حملة قوية للدفاع عن النبى (صلى الله عليه وسلم)، ورفض الإساءة إلى أصحاب الرسول (صلى الله عليه وسلم) وقال: كل من يتعمد أو يصر على الإساءة إلى أحد من أصحاب الرسول (صلى الله عليه وسلم) يكون خارجًا عن الإسلام».

التفسير الوسيط

كان لشيخ الأزهر الراحل العديد من المؤلفات منها «بنو إسرائيل فى القرآن والسنة» و«معاملات البنوك وأحكامها الشرعية» و«أدب الحوار فى الإسلام» و«الاجتهاد فى الأحكام الشرعية» و«الشائعات الكاذبة وكيف حاربها الإسلام» و«الفقه الميسر» و«التفسير الوسيط» ويقول نجل الإمام الراحل عن التفسير الوسيط إنه صدر فى خمسة عشر مجلدًا وأكثر من سبعة آلاف صفحة، وقد طبع هذا التفسير عدة طبعات أولاها عام 1972م وقد كتبه فى 12 عامًا ليكون مرجعًا فى اختلاف الأئمة وترجيح الأصوب منها، وقد أنجز معظم هذا العمل أثناء إعارته فى السعودية.

علاقته مع «الطيب»

وعن علاقته بالعلماء ورجال الدين قال نجل الإمام الراحل: إن الشيخ «الراوى» كان على على علاقة طيبة مع والدى وكذلك الدكتور عبدالرحمن العدوى، وكانت علاقته بكثير من العلماء طيبة للغاية وهناك مقربون منه جدًا، وكانت هناك مجموعة شخصيات يعتز بها كثيرًا وعلى رأسهم الشيخ «الغزالى» الذى كان معجبًا به جدًا حتى دفن بجواره فى البقيع، كما كان يعتبر الشيخ «جاد الحق» الأب الروحى له، وكذلك إمام الدعاة الشيخ «الشعراوى» الذى كان له رصيد كبير من حب والدى، وكنا حريصين على الذهاب مع والدى أنا وشقيقى خلال لقائه به، أما الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب فكانت له خصيصة لديه ويعتبره أخاه الأصغر، حتى أننا كنا نتعامل مع الدكتور أحمد الطيب كوالد لنا، وكانت العلاقة طيبة بينهما وكان حريصًا على زيارة والدنا بشكل مستمر بمنزلنا بمدينة نصر.

يوم فى حياة «طنطاوى»

ويضيف نجل الإمام الراحل: إن والده كان يصحو قبل أذان الفجر، ويذهب للصلاة ثم يدخل مكتبه بالمنزل حتى الساعة الثامنة صباحًا، ثم يذهب إلى مكتبه بمشيخة الأزهر حتى الثالثة عصرًا، ليعود بعدها وينام حتى أذان المغرب ليستيقظ ويدخل مكتبته ويظل بها فترة طويلة وكان يجلس للكتابة حتى أنه كان يكتب ما بين (15-20) ورقة يوميًا، ثم يجلس بعد صلاة العشاء لقراءة القرآن ويستمع إلى نشرة الأخبار ثم ينام، فكان معظم وقته فى العمل والتأليف، إضافة إلى برامج «حديث الروح» و«حديث الإمام» فى رمضان وتفسير القرآن، وقد عانى فى آخر أيامه من بعض الأمراض العادية، مثل القلب والسكر، لكنه كان يحافظ على طعامه، وقد أصيب بجلطة قبل وفاته بعدة سنوات وشفى منها تمامًا، حتى توفاه الله بالمملكة العربية السعودية، وقد حضرت الجنازة أنا وزوجتى وشقيقى الأكبر «أحمد» وزوجته وأختى الدكتورة «سناء» وزوجها وعمى الحاج «عطية»، وكان السفير المصرى محمود أبو عوف سفير مصر فى الرياض فى استقبالنا وشارك معنا فى الجنازة وقتها.

المال العام

ويختتم المستشار «عمرو» نجل شيخ الأزهر الأسبق قائلًا: إنه استفاد من والده كثيرًا، فكان مثله مثل أى أب ولكن كان محبًا لوطنه وعمله، يخاف مخافة رهيبة على المال العام وأى شىء يتعلق بالدولة، وكان يوميًا يدعو للدولة فى صلاة الفجر «اللهم جنب بلادنا الفتن ما ظهر منها وما بطن» فكان يعنفنا كثيرًا إذا تم إهدار المياه فى الشارع، كما أنه لم يكن يستخدم سيارة العمل فى الذهاب إلى مشاويره الخاصة.