رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مستقبل القاعدة بعد مقتل بن لادن: قراءة أولية


بغض النظر عن الشكوك التي يحاول البعض أن يثيرها بشأن حقيقة مقتل بن لادن في عملية على يد قوة أمريكية خاصة، فإن الواقع يقرر أن تنظيم القاعدة بهذا التطور دخل مرحلة فاصلة تثير العديد من التساؤلات حول مستقبله في ظل غياب زعيمه؟

يتنازع الإجابة على هذا التساؤل تصورين أساسيين يرى أولها أن مقتله على يد الولايات المتحدة سيشعل حربا جديدة مع التنظيم الذي سيسعي للانتقام وهو ما يعني بدوره أن قضية الإرهاب ستبقى على رأس قضايا وأجندة المجتمع الدولي. فيما يذهب فريق آخر إلى أن هذه الخطوة ستؤدي إلى اضمحلال التنظيم وتفككه. وتستند كل رؤية إلى أسس تراها مؤيدة لما تذهب إليه!

وفيما يشير إلى الطرح الأول راح البعض يتهم من يظنون أن اغتيال بن لادن يعني نهاية عمليات القاعدة أو القاعدة نفسها بالحماقة، فالحقيقة - حسب رؤية هذا الفريق - هي أن العمليات العدائية والتفجيرات ستزيد لكي يثبت التنظيم انه مازال قويا، هذا اذا كانت واشنطن قد قتلته بالفعل أو أنها هي التي اغتالته ولم تستلم جثته.

وانعكست هذه التصورات كذلك على الصعيد الرسمي، حيث إنه فيما حذرت دول من أن هذا الحادث لا يعني نهاية الصراع مع القاعدة باعتبار أن مقتله يثير مخاوف من امكانية ان يقوم مؤيدوه واتباعه بالانتقام من الولايات المتحدة والغرب بشكل عام، فإن دولا كثيرة أبدت ارتياحها لمقتل بن لادن واعتبرت ذلك انتصارا للديمقراطية وبداية نهاية ما يسمى بالإرهاب.

اندثار القاعدة

وبغض النظر عما يمكن أن يحدث على المدى القصير من مساع للانتقام من قبل بعض عناصر القاعدة، وهو ما قد يستتبعه تكثيف الولايات المتحدة وغيرها من حلفائها للإجراءات الأمنية التي تجعلنا نعيش في أجواء التوتر على خلفية وجود تنظيم القاعدة فإن السيناريو الأرجح يتمثل في تراجع التنظيم إلى أدنى مستوى في أنشطته على النحو الذي يمكننا من القول بأن عملية اغتيال بن لادن بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على التنظيم. وتقوم الرؤية التي ننطلق منها من مجموعة من الأسس أولها:

1- أن تنظيم القاعدة لم يكن له وجود على مدى السنوات القليلة الماضية حتى في ظل حياة بن لادن، فقد كان القاعدة دخل ما يمكن وصفه بمرحلة الخمول الفعلي، في ضوء عدم قدرة بن لادن على القيام بشيء في ضوء المطاردة الدولية له ولأفراد القاعدة، الأمر الذي يجعل من عملية قتله بمثابة امتداد لمرحلة سابقة عكست عدم فاعلية التنظيم وإن كانت هذه الأخيرة تمثل التدشين الفعلي لموت التنظيم، وليكون مقتل بن لادن نهاية رمزية لتنظيم انتهى فعلا قبل مقتل زعيمه.

2- فضلا عن ذلك فإن هناك شكوكا في حقيقة قوة التنظيم من الأصل على النحو الذي صورته لنا الولايات المتحدة وغيرها من دول الغرب الأمر الذي نرى أنه كان يعكس قدرا من المبالغات الهادفة إلى تحقيق أهداف معينة تتمثل في فرض أجندة معينة على العالم العربي والإسلامي.

3- يعزز هذا الجانب التطورات التي شهدتها المنطقة العربية في الفترة الأخيرة وما زالت من حالة ثورة شملت أغلب دولها لم يكن لتنظيم القاعدة أي دور فيها. وحسبما ذهبت بعض الرؤي فإن هذه الثورة ضيقت الساحة أمام التنظيم للقيام بأي دور في الشرق الأوسط، الأمر الذي يمكن أن نلمسه بشكل خاص في اليمن حيث يشار إليه باعتباره ملاذا للتنظيم.

4- ومما قد يلقي بآثاره على وضع التنظيم فيما يتعلق بهذا الجانب أن مناخ الحريات الذي من المتوقع أن يشمل العالم العربي سيتيح للقوى الإسلامية العمل في سياق مختلف يتيح لها الخروج من العمل السري إلى العلن. وليس أدل على ذلك من التطورات الحاصلة على الصعيد المصري على سبيل المثال من تحول الإخوان من "محظورة" إلى حزب شرعي ومن ظهور للسلفيين على نحو لافت للنظر بغض النظر عن سلبيات هذا التحول والذي من المتصور أنها سلبيات سيتم تجاوزها بعد أن يشب أصحابها عن الطوق في مجال خوض غمار السياسة.

5- ومما يلقي بظلاله على مستقبل القاعدة ما يمكن اعتباره نجاح الولايات المتحدة من خلال مجموعة من الإجراءات الواسعة التي من الصعب الإشارة إليها بالتفصيل في هذا المجال في تجفيف منابع تمويل التنظيم من خلال إجراءات فرضتها على الدول العربية والإسلامية غيرت من سلوكيات العمل الخيري وقيدته بشكل يضمن عدم وصول أي أموال من خلال هذا السبيل إلى القاعدة. وفي ظل حقيقة أن بن لادن كان ينفق على التنظيم من ثروته الخاصة نظرا لظروفه العائلية التي جعلت منه ثريا يمكن إدراك تأثير هذين العاملين على ضعف مصادر تمويل التنظيم بعد وفاته الأمر الذي سيصب بالتأكيد في خانة تفككه.

6- يزيد من الشكوك بشأن مستقبل التنظيم في الفترة المقبلة غياب الشخصية التي يمكن لها أن تقوده على شاكلة بن لادن والذي اضفت طبيعته الكاريزمية نفسها على التنظيم الأمر الذي

عزز من بقائه واستمراره. وهنا ورغم إشارة البعض إلى أيمن الظواهري الرجل الثاني في التنظيم باعتباره خليفة محتملا، إلا أنه لا يرتقي إلى مستوى قيادة بن لادن رغم حقيقة أنه كان، حسبما أشارت الكثير من المصادر، كان يعتبر العقل المفكر لبن لادن وأن هذا الأخير لم يكن يتحرك في أي شأن إلا بناء على مشورته ورأيه.

استمرارية فكر التنظيم

ويجعلنا ما سبق نشير إلى أن مسيرة بن لادن على مستواه الأسري قد تتكرر على المستوى التنظيمي، فإذا كان قد قرر، حسبما ذهبت بعض الكتابات، أن ينجب أكبر عدد ممكن من الأبناء من أجل تحويلهم إلى مقاتلين، بينما انتهى به الواقع ليكون هو المقاتل الوحيد من بين أبنائه، فقد يكون تلك سيرته مع التنظيم .. الذي بناه لتكوين كتيبة من المقاتلين فقد يكون هو كذلك المقاتل الوحيد الذي ينفض بمقتله كافة المقاتلين من حول التنظيم بما يؤدي لاندثاره

ورغم ما سبق من تأكيد على تراجع وضع تنظيم القاعدة خلال المستقبل القريب، الأمر الذي ينبئ بتفككه واندثاره غير أنه تبقى الإشارة إلى أن فكر التنظيم قد يبقى وربما تظهر تنظيمات أخرى تتبناه وهو الأمر الذي نراه ينبع من حقيقة أن القضايا التي فرضت إنشاء القاعدة وتتمثل في حالة العداء للولايات المتحدة والمظالم التي يشعر المواطن العربي والمسلم بها تجاهها ومثلها بن لادن من خلال مواقفه وبياناته ما زالت قائمة.

ومن العوامل التي نراها محددة لمسارات المستقبل بخصوص هذا الجانب الموقف الأمريكي، والذي قد يظل حريصا على التأكيد على استمرارية التنظيم، على خلفية أهداف أمريكية بحتة. فلا شك أن السياسة الأمريكية التي فقدت أحد مبررات مواقفها من المتوقع أن تعمل على إيجاد نوع من الضبابية لتستخدم التنظيم في الحدود التي تسمح لها باستخدامه كذريعة.

الاستغلال الأمريكي للقاعدة

ويمكن للمتابع أن يلمس إرهاصات هذا الموقف في محاولة الحد من الآمال بأن يشهد العالم مرحلة جديدة من الاستقرار. ويعكس هذا تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون التي راحت فيها تشير إلى أن المعركة ضد تنظيم القاعدة لم تنته بمقتل زعيمها، مؤكدة مواصلة محاربة حركة طالبان في أفغانستان.وكذلك التحذير الذي أصدره مدير المخابرات المركزية الأميركية ليون بانيتا من أن "الإرهابيين" سيحاولون بالتأكيد الانتقام لمقتل بن لادن.

نفس هذه الرؤية حاول الرئيس السابق بوش الترويج لها في رسالته التي وجهها لأوباما بقوله: إن "الحرب على الارهاب ستتواصل" وهو الأمر الذي راح ويليام هيج وزير الخارجية البريطانية التأكيد عليه كذلك حيث حذر من أن مقتل بن لادن لا يعني انقضاء خطر الإرهاب.

مؤدى ما سبق أن قضية "الإرهاب" التي تم دمغ تنظيم القاعدة بها ستتواصل باعتبارها من القضايا الرئيسية على أجندة المجتمع الدولي ليس لأن تنظيم القاعدة يتسم بالفعالية والقدرة على العمل، وإنما لأن وجوده أو التلويح بهذا الوجود يبقى هدفا أمريكيا بشكل خاص وغربيا بشكل عام إلى أن يتم العثور على "شيطان جديد" يتم توجيه طاقة العداء له، على نحو يذكرنا بما حدث مع الاتحاد السوفييتي السابق والذي كان الشيطان الأحمر، إلى أن تم القضاء عليه واختلاق شيطان جديد هو الخطر الإسلامي الذي مثل بن لادن ذروته من خلال هجمات سبتمبر!