عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عرائس وعرسان يبيعون أثاث شققهم فى "سنة أولى زواج"

بوابة الوفد الإلكترونية

حكايات مؤلمة عن تدمير بيوت الزوجية لتدبير نفقات الحياة

سماسرة: إقبال كبير من الزبائن على شراء «أجهزة العرائس»

خبراء: المبالغة فى التجهيزات بغرض التفاخر وراء فشل الزيجات الحديثة

«عفش عروسة للبيع» عبارة تصدم كل من يراها، وما يصدم أكثر أنها منتشرة بقوة على مواقع البيع والشراء الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعى.. ووراء كل إعلان من هذا النوع حكاية عجيبة معجونة بالألم والحزن والمرارة.. الخيط الوحيد الذى يجمع كل هذه الحكايات هو إحباط أمانى كل أبطالها تحت وطأة مقتضيات الحياة القاسية.

مع العثرة الأولى للمتزوجين حديثًا يخفت بريق الأمل فى تأسيس حياة سعيدة، ظل الزوجان يحلمان بها سنين طويلة، وعندما يصدمهم الواقع يفرض عليهم التخلى عن جزء من الأحلام أو الممتلكات، من أجل أن تسير بهم سفينة الحياة داخل مصر أو يغادرون الوطن للعمل بالخارج، وأمام هذا الحال تضطر كثير من «العرائس» التى لم يمض على زواجها سوى بضعة شهور للتنازل عن بعض مكونات عش الزوجية، ويكتفى العروسان بمنزل يحتوى على أساسيات الحياة فقط وربما قد يكون غير كافٍ للعيش فيه!

للحكاية بطل آخر.. شاب وضعته اختبارات الحياة أمام أسوئها، فيضطر إلى بيع بعض أثاث شقته «شقى عمره» لعدم قدرته على سداد الإيجار، أو لسد احتياجات أسرته والوفاء بالتزامات الحياة الأخرى، وكثيرون يعودون لمنزل والدهم، يجرون أذيال فشل الصمود أمام أعباء الحياة، بينما يضطر آخرون لبيع عش الزوجية لدواعى السفر!

فى المقابل، يقف سماسرة يتهافتون على شراء مقتنيات «العرسان الجدد» بتوصية من الزبائن الذين يحرصون على شراء هذا النوع من الأجهزة المستعملة، باعتباره «كسر زيرو» -كما يقال- أى لم يتم استخدامه كثيرا ويتم عرضه للبيع بسعر أقل من الجديد، كما أن الشقق تكون «تشطيب عرايس» فتوفر عليهم أعباء «التوضيب»، بينما ترفض شريحة مجتمعية شراء هذا النوع من الأثاث، لأنها ترى أنه ممزوج بحسرة العروسين على أحلامهما التى تبددت من بين أيديهما.

وفى محاولة لمواجهة هذه الظاهرة والقضاء على ارتفاع عدد الغارمات، طرح الرئيس عبدالفتاح السيسى مبادرة فرش الشقق وتأجيرها للشباب الراغب فى الزواج، حتى لا تكون الأم مضطرة لشراء أثاث وأجهزة كهربائية بالتقسيط، وتتحول لغارمة عند العجز عن سداد الأقساط.

حكايات من نسيج الألم

صدمات الأزواج فى أول مبارزة لهم مع الحياة بعد خروجهم من عباءة الأهل نسجت آلاف الحكايات المريرة.. «ش. إبراهيم» واحدة من أصحاب تلك الحكايات ترويها قائلة: «تزوجت بمنزل أهل زوجى فى شقة خاصة بنا.. زوجى كان يعمل فى أحد المحلات ولكن تبدلت الأمور فور وفاة والدته، لتبدأ المشكلات مع إخوته ووصلت إلى حد مطالبتنا بترك المنزل وبالفعل ذهبنا للعيش فى شقة بالإيجار بعمارة مملوكة لوالدتى، ومع مرور الوقت ساءت أحوالنا المادية وكانت والدتى تقدم لنا الدعم فى بعض الأوقات، ولكن ظروف الحياة كانت أقسى من أن نتحملها، فبدأنا نبيع أثاث المنزل، لكى ندبر تكاليف معيشتنا، فى البداية بعنا غرفة الأطفال، واشترتها شقيقتى وبعد ذلك بعنا «النيش» ثم السفرة وأخيرا «الركنة» وأصبحنا نجلس على وسادات على الأرض، حتى حصل زوجى على عمل وقمنا بتعويض ما بعناه ولكن ليس بنفس الجودة».

ومن إحدى قرى الريف المعروفة بالمبالغة فى أمور الجهاز تقول «ر. زكريا»: «أنجبت أمى بنتين أنا أصغرهما تزوجت أختى الكبيرة وبالغ أبى فى جهازها كثيرًا، وبعدما توفى أبى تمت خطبتى وبعدها بسنتين توفيت أمى، ولم أكن قد أتممت جهازى، ونظرًا للأعراف المتبعة فى قريتنا التى تفرض علينا المغالاة فى الجهاز خوفا من المعايرة، قمت ببيع ميراثى من أرض والدى لأختى، التى سددت قيمة الأرض من حصيلة بيع بعض الأجهزة الزيادة عندها والمفروشات الجديدة وبعض مقتنيات المطبخ».

وتحكى «هـ. لطفى»: «تزوجت فى بداية العشرينيات من عمرى فى شقة تمليك وبعد سنتين، حدثت مشكلة لشقيق زوجى اضطرتنا لبيع الشقة والانتقال لأخرى إيجار جديد، حاول زوجى عمل العديد من المشروعات الخاصة، لكن جميعها فشلت، وبعد وفاة والده ومع سوء أمورنا المادية انتقلنا للعيش بشقة والده مع زوجته، بمنزل قديم فى أحد الأحياء الشعبية، وكانت الشقة صغيرة جدًا، ومن أجل توفير متطلبات الحياة اضطررت لبيع معظم جهازى إلى عدد من أقاربى، ثم بعت بعض ملابسى التى لم أستعملها، وحاليا نعيش فى نفس الشقة مع زوجة والده».

لدواعى السفر

«ك. رجب» يروى حكايته مع عش الحب الذى حلم به طويلاً.. فيقول «أخذت شقة إيجار قديم وقمت بتجهيزها على أحسن حال ومع اقتراب الزواج عثرت على عقد عمل فى إحدى الشركات بالخارج بشرط السفر خلال 6 أشهر، فقمت بإنهاء جميع أمور الزواج خلال 3 شهور. وبعد الزواج بشهرين عرضت الشقة للبيع وسافرت، بينما انتقلت زوجتى للعيش عند أهلها، وجمعنا العفش فى شقة صغيرة قديمة، وبعد السفر بسنة أرسلت لها لتعيش معى، وبعد العودة اشترينا شقة تمليك ونقلنا العفش فيها».

أم الخمس بنات

تروى «م. عزت» حكايتها فتقول «أنا أم لخمس بنات وولدين، توفى أبوهم وتركهم لى انتقلت من المنوفية للعيش فى القاهرة، اشتغلت فى حاجات كتير، زوّجت الأولى وجهزتها بشكل فاجأ الجميع وبعدها الثانية ولكن مع زواج الثالثة واجهت مشكلات مادية دفعتنى إلى أخد حاجات من جهاز أخواتها وهى أشياء لسه جديدة لأنى كنت جايبة جهاز كتير لكل واحدة فيهم مثلا غسالتين وتلاجتين واحدة للمطبخ وتانية صغيرة لأوضة النوم غير الملايات والفوط وأطقم المطبخ وبعد كده عوضتهم بفلوس مقابل الحاجات دى».

مصائب.. وفوائد!

مصائب قوم عند قوم فوائد، هذا المثل الشهير ينطبق تماما مع بائعى عفش منازلهم، فهناك من يتربحون من هذا البيع مثل السماسرة.. وليد محمود «سمسار» يؤكد أن شقق العرسان التى تعرض

للبيع يكون الإقبال عليها كبيرا لأنها توفر «التشطيب» ومعظم من يقومون بشرائها عرسان أيضاً، فلا يضطر لإجراء كثير من التعديلات سوى ألوان الحوائط وبعض الأدوات الصحية، لافتًا إلى أنه فى بعض الأحيان يتم عرض الشقة بسعر أقل من المتعارف فى المنطقة نظرًا لرغبة البائع فى بيع الشقة بسرعة.

وتابع السمسار: «فيه عرسان بتسيب الشقة بعد ما يتجوزوا فيها عشان الإيجار بيكون عالى عليهم ده غير مصاريف الصيانة والحراسة، وفى ناس تانية بسبب بعد المسافة عن أشغالهم بيضطروا يبعوها ويشتروا حاجة أقرب لهم».

وعن عفش العرسان قال محمود عبدالصمد «تاجر سلع مستعملة»: «إحنا بنشترى أى حاجة مستعملة بس فيه ناس بتبقى موصيانا على حاجات لُقطة منها عفش العرسان ده لأنه بيكون مش مستهك وكمان سعره أقل من الجديد، بس بعد ما المواقع الإلكترونية ظهرت واحنا شغلنا قل لأن معظمهم بيبيعوا حاجاتهم عليه».

واستطرد تاجر السلع المستعملة: «معظم التركيز بيكون على قطع الأثاث الخشبية مثل السراير والدواليب، لأن فرصته فى البيع بتبقى أعلى وليه زبونه وطبعا يتم تمييزه عن القديم من حيث الشكل والمتانة».

 وأضاف: «فيه عرسان بتشترى عفش مستعمل قبل ما تتجوز زى الأنتريهات والركن لأنه بيبقى على قد أيديهم بيستفيد من الخشب وبيغيرلوا قماش وسفنج ويرجع جديد تانى».

خيال جامح

الدكتور هشام رامى، أستاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس، يفسر هذه الظاهرة الجديدة فيقول إن معظم توقعات الشباب والشابات قبل الزواج أصبحت غير واقعية وتميل إلى الخيال فكثير منهم يتصور أن الحياة سهلة بعد الزواج وأنه لتأسيس تلك الحياة يحتاج الحصول على كل شىء والتى يقع معظمها على كاهل الأهل ثم يصطدم بالواقع بعد ذلك، متابعًا «مع أول عثرة يتجه الطرفان للاستغناء عن مقتنياتهما بطريقة انسحابية ما يؤدى إلى مشاعر سلبية تظهر فى ازدياد نوبات الغضب والانفعال، التكاسل والانهزامية واللامبالاة».

وأضاف «رامى» لـ«الوفد» أن مساعدة الأهل يجب أن تكون بشرط الموضوعية وليس الاعتمادية بمعنى أنه لا يلبى كل طلبات ابنه أو ابنته بل يترك لهم مساحة المشاركة حتى يتأكد أنه قادر على التعامل مع متطلبات الحياة، قائلاً: «الظروف الاقتصادية ضاغطة لكن التفكير الواقعى والموضوعى يقاوم ذلك».

وأشار أستاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس إلى أن الإعداد الجيد من الناحية السلوكية والمجتمعية والنفسية للمقبلين على الزواج أهم ما يجب التركيز عليه بالنسبة للأجيال القادمة من خلال تعليمهم مهارات إقامة علاقة سوية للقدرة على الحياة الإيجابية، بالإضافة لمهاراة التعامل مع الإحباطات والضغوط وعدم الاستسلام لأن الحياة مليئة بالعقبات.

وأوضح «رامى» أن الإنسان يستطيع التعامل مع العقبات ليس عن طريق الاستسلام إنما بالسعى والعمل والاستمرارية فى الحياة حتى يتمكن من تحقيق المعيشة التى يرجوها، منوها إلى اتجاه الدولة للتركيز على توعية الشباب من خلال برنامج «مودة» لإعداد الطرفين بتزويدهما بالمهارات الفكرية والمجتمعية.

أمراض مجتمعية

وترى سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن هناك أمراضاً مجتمعية وراء فشل معظم الزيجات الحديثة أبرزها المغالاة فى التجهيزات من أجل التفاخر فأصبح الأهل لا يركزون إلا على إمكانيات العريس المادية بعيدا عن أخلاقه وجاهزيته لتحمل مسئولية الزواج.

ولفتت أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إلى أن مؤسسات الدولة الدينية والإعلامية لا تقوم بدورها على النحو المطلوب، خاصة فى ظل تفاقم ظواهر مجتمعية تحفز هامشية فكرة الزواج لتقتصر على بيت بأحدث الإمكانيات وبعض اللحظات العاطفية فقط ولذلك يجب تفعيل دور المؤسسات التوعوية لتقديم معلومة سليمة موجهة بشكل قوى لكل المقبلين على الزواج من خال وسائل الإعلام ومنصات الأزهر وورش التأهيل حول مفهوم الزواج ومقومات مواجهة تحديات الحياة والاكتفاء بالأساسيات وعدم الاستسلام للعقبات، متابعة: «نحن نعانى من هامشية الثقافة المجتمعية وأساليب الحياة خاطئة التى تعتمد على التفاخر».