عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

القمامة.. "كنز على بابا"!

القمامة كنز على بابا
القمامة كنز على بابا

"سامح" يفضل "النبش" على الوظيفة.. و"أبومنة" يرفض تعليم أبنائه

حديد وألومونيوم وبلاستيك.. أهم المواد القابلة لإعادة التدوير

أهالى "الزاوية الحمراء": شوارعنا أصبحت "مزبلة".. ورقابة الحى غائبة

نقيب الزبالين: سوق النباشين انتعش مع ارتفاع أسعار البلاستيك والورق.. ومنظومة جديدة أول أكتوبر

 

ينتشر فى المناطق الشعبية مئات من النباشين، يتصارعون على نبش صناديق القمامة مقابل 300 جنيه للوردية، حتى لا يتعرض له لهم المواطنون أو أحد موظفى الحى بسبب الشكاوى التى تقدم ضدهم. عملهم هو البحث عن المخلفات الصلبة مثل البلاستيك والحديد وجميع المنتجات القابلة للتدوير أو إعادة الإنتاج، وفى حين يرفض هؤلاء «النبيشة» التخلى عن مهمتهم فى جمع المخلفات بجميع أنواعها سواء طبية أو منزلية، تقوم سيارات التدوير التابعة للمصانع الخاصة بجمع عشرات الأطنان من المخلفات الصلبة والبلاستيكية والحديد والالمونيوم، بينما يعانى المواطنون فى كل مكان، خاصة فى مناطق الزاوية الحمراء وشبرا الخيمة من هذه الظاهرة التى أدت إلى انتشار أكوام القمامة فى كل مكان، حيث حول هؤلاء النباشون الشوارع إلى مراكز لفرز المخلفات تمهيدًا لبيعها.

مع دقات السادسة صباحًا يذهب سامح محمود «17 عامًا» إلى النبش والبحث عن كنز «على بابا» بالنسبة إليه، فالطبيعى أن يبحث الناس عن ذهب ولؤلؤ داخل الكنز، أما هو فيبحث عن بقايا مخلفات معدنية وبلاستيكية وألومنيوم فهى أشياء نفيسة بالنسبة إليه.

كنز سامح عبارة عن ثلاثة صناديق بمنطقة الزاوية الحمراء بالقاهرة يتناوب هو وزميل آخر على النبش بها، بعدها تأتى سيارة نقل المخلفات الصلبة لتجمع ما حصل عليه. يحكى سامح قصته مع الكنز بدءًا من تجهيز «جوال كبير» ليقوم بتجميع الأدوات البلاستيكية والحديد والألمونيوم فيه، وأضاف قائلا: أعمل على فرز كل نوع بمفرده، وأضعه فى مكان مخصص له، ولا أستطع ترك مكانى حتى لا يقوم أحد النبيشة ويسرق مجهود اليوم، وعند حضور سيارة هيئة النظافة والتجميل لتفريغ صناديق القمامة أنتبه جيدًا حتى لا يخطئ جامعو القمامة ويقوموا بإلقاء المخلفات الصلبة التى جمعتها منذا تسلمى الصناديق فارغة من زميلى

ويقول سامح: أستمر فى العمل طوال اليوم حتى الساعة السادسة مساء، ولا أترك مكانى إلا بعد حضور سيارة المخلفات الصلبة، إذ يقوم سائق السيارة وعامل الاستلام بوزن كل نوع بمفرده من المواد التى نبحث عنها فى صناديق القمامة بميزان كهربائى، وعلى الفور أحصل على ثمن البلاستيك والحديد والالمونيوم، وفى اليوم التالى ادفع 300 جنيه أرضية حتى لا يقوم أحد من موظفى الحى بمنعى من استمرار النبش فى صناديق القمامة، بالإضافة إلى أن حى الزاوية الحمراء يعلم جيدًا تواجدنا على جميع صناديق القمامة للنبش عن المخلفات الصلبة التى نقوم ببيعها.

ويضيف: سبوبة كل 12 ساعة ودايرة على الكل بعلم الجميع واذا تقدم أحد المواطنين او سكان المنطقة بشكوى يأتى إلينا أحد موظفى الحى للتنبيه فقط، وتستمر المسيرة دون انقطاع، واذا استمرت الشكاوى قد يصل ثمن الأرضية إلى 500 جنيه حتى يتوقف تقديم الشكاوى ضد النبيش.

ويشير أبومنة، 55 عامًا، من سكان مدينة النور بالزاوية الحمراء إلى أن صناديق القمامة أحياناً تحتوى على كنوز فعلية، فأثناء قيامه بالنبش فى القمامة فى الشهر الماضى وجد حقيبة قماش محكمة جدًا، وأصر على معرفة ما بداخلها، وكانت المفاجأة بوجود سلسلة ودبلة وثلاثة خواتم من الذهب وعرض أحد أصحاب محلات الذهب فى الصاغة، شراء المجموعة بأكملها، ولكن شعرت بالخوف إذا بحث عنهم أحد وانتظرت لمدة أسبوع كامل ولم يأت أحد إلى صناديق القمامة للسؤال عنها، بعدها قمت ببيعها مقابل مبلغ 15 ألف جنيه.

وأضاف قائلًا: صناديق القمامة كنز لا يعلم قيمته إلا النباشون فقط بسبب عثورنا على أشياء قيمة جدًا ماديًا، ولا نتحدث إذا عثرنا على شيء مثل ذلك خوفًا من الاعتداء أو الحبس، فجميع النباشين يعتبرون ما يتواجد فى صناديق القمامة حقًا مشروعًا دون الرجوع لأحد، أو البحث عن صاحب المفقودات أو تسليمها إلى قسم الشرطة.

وقال إن ما يؤثر فيه نفسيًا هو نظرة المجتمع له، فنحن أمام الجميع «نباشين قمامة» يشمئز منا المواطنون، ولا يعلمون أن «النبش فى القمامة» مهنة لها قواعد تحكم العاملين فيها حتى ولو كانت لا ترضى الآخرين، كما أنها تكفينا شر السؤال، وتمنحنا مقابلًا يجعلنا لا نبحث عن وظيفة ما جعلنى لا أهتم بتعليم أبنائى فى المدارس، فيكفيهم تعلم مهنة النبش فى القمامة، مع تعليمهم ضرورة الحفاظ على أيديهم من الجروح والإصابات، وكيفية النظر لصندوق القمامة او المخلفات على الطرق لاكتشاف وجود مواد نستطيع من خلالها الحصول على الأموال.

من جانبه، قال حمادة السروجى «33 عامًا» من سكان منطقة الزاوية الحمراء، إن منطقة الزاوية الحمراء اختفت معالمها الحضارية والنظافة التى كانت شعارًا لها، بسبب انتشار النباشين على جميع صناديق القمامة بالمنطقة، وتحويل الأماكن المجاورة إلى مخازن لتجميع الروبابيكيا، واستخراج النحاس والألمونيوم من المعادن بالمطرقة حتى تتفتت المعادن والمسامير على الأرض ما يصيب كبار السن والأطفال بالجروح أثناء مرورهم فى الشوارع، بالإضافة للشكل غير الحضارى الناتج عن تفريغ الصناديق من المخلفات.

وأشار إلى أن الشكل غير الحضارى أصاب سيارات نقل القمامة الخاصة بالحى أيضًا، حيث تم استبدال السيارات المجهزة إلكترونيًا والتى تقوم برفع صناديق القمامة وتفريغها فى دقائق دون إزعاج المواطنين، بسيارات نصف نقل تحتوى على أربعة عمال يقومون بتفريغ القاذورات التى توجد بالصناديق على الأرض فى منتصف الشارع، ما ينتج عنه تعطيل حركة مرور السيارات والمواطنين حتى يتم تعبئة القمامة من جديد «بالقفة والكوريك» ورفعها على السيارة فى حالة من الفوضى، وفى غياب تام من رقابة موظفى حى الزاوية الحمراء.

وقال إنه رغم تقدم العديد من المواطنين بشكاوى إلى رئيس حى الزاوية الحمراء إلا أنه لم يستجب لأى منها حتى الآن، مطالبًا اللواء محمود شعراوى وزير التنمية المحلية بالتدخل لوقف هذه المخالفات التى تؤذى سكان الحى.

وأكد عماد ابراهيم 34 عامًا من سكان الزاوية الحمراء، أن الحشرات والقوارض تنتشر فى الشوارع وخاصة الذباب والحشرات الطائرة، والتى تنتقل إلى المطاعم المجاورة لصناديق القمامة، بالإضافة لروائح القاذورات التى تفوح من الصناديق، موضحًا أن المطاعم تقدمت بشكاوى للواء هشام عبدالحميد رئيس حى الزاوية الحمراء ولم يستجب لها حتى الآن، مطالبًا اللواء خالد عبدالعال محافظ القاهرة بالتدخل السريع للتصدى لمشكلة احتلال نباشين القمامة منطقة الزاوية الحمراء، وتوفير سيارات مخصصة لنقل القمامة، حتى لا تنتشر الأمراض التى تنتج عن

تفريغ الصناديق فى منتصف الطريق.

وتقدمت سعاد عطا، 43 عامًا من سكان شارع الشركات، بشكاوى مختلفة لرئيس حى الزاوية الحمراء وذكرت فى الشكاوى أن النباشين يقومون بجمع القمامة وفرزها امام المنازل، أو فى الأماكن المخصصة لجمع القمامة، بشكل غير آدمى وملوث للبيئة، مع وجود النباشين الذين يقومون بنبش الأكياس وتفرغها فى الشوارع والحوارى، ما يتسبب فى انتقال الأمراض للأطفال وانتشار الروائح الكريهة فى الشووارع واقتحامها للمنازل أيضًا.

وناشدت اللواء محمود شعراوى وزير التنمية المحلية ومحافظ القاهرة ومسئولى حى الزاوية بالتدخل لحل الأزمة وإبعاد النباشين عن صناديق القمامة ومنع تفريغها على الأرض، قائلة: «أنقذوا أطفالنا من الأوبئة والأمراض التى نعانى منها يوميا بسبب النباشين».

وكشفت عن وجود نباشين يتسببون فى أزمة يومية بشارع منشية الجمل بجوار صناديق القمامة، قائلة: حياتنا تحولت إلى جحيم وأصبحت الأمراض والأوبئة تحاصرنا بسبب انتشار القمامة التى ملأت الشارع والروائح الكريهة الناتجة عنها، مع العلم أننا ندفع رسوم نظافة باستمرار على فاتورة الكهرباء، فأين هى النظافة، ومسئولو الحى لا يستجيبون للشكاوى المقدمة ضد هؤلاء.

من جانبها تواصلت «الوفد» هاتفيًا مع اللواء هشام عبدالحميد رئيس حى الزاوية الحمراء، إلا أنه لم يجب عن الهاتف أو «الواتساب» على شكاوى سكان الحى.

فى السياق، طالب الدكتور محمد الزرقا، خبير إدارة المخلفات الخطرة، المواطنين بضرورة التوعية ونشر المفهوم الصحيح فى التعامل مع إدارة المخلفات حفاظًا على الصحة والبيئة، وعدم شراء الأشياء إلا على قدر استخدامها اليومى حتى لا تتحول إلى مخلفات، موضحًا أن مخلفات الورق والزجاج والأخشاب والمعادن بمختلف أنوعها لها قيمة مادية كبيرة، ويبحث عنها النباشون فى صناديق وأكوام القمامة لبيعها وإعادة تدويرها من جديد، حتى إنهم يقومون بنبش أكياس القمامة التى تنقل الأمراض وتصدر الروائح الكريهة ويفرغونها فى الشوارع.

وأكد أن منظمة البيئة بالاتفاق مع إدارة المحليات أعدوا منظومة حديثة تهدف لفرز أنواع المخلفات من المنبع، ثم يتوجه المواطن إلى المنافذ المخصصة لإعادة تدوير المخلفات الصلبة لتجميع المواد المختلفة، ونقلها إلى المحطات الخاصة لفرزها وإعادة تدويرها بعد ذلك ليعاد استخدامها من جديد، ويستفيد منها المواطن وهو ما سيسهم فى القضاء على ظاهرة النباشين، إلا أن المشروع لم يكتمل.

وأشار «الزرقا» إلى عدم وجود نظام مؤسسى قادر على تحقيق الإدارة السليمة للمخلفات، على الرغم من أنها أحد أهم مصادر الملوثات التى تهدد البيئة، قائلًا: أن هؤلاء النبيشة ليس لهم الحق فى القيام بفصل المخلفات، ولا توجد رقابة على عملهم، وهم الوحيدون المستفيدون من بيع هذه المخلفات، فى حين أن منظومة إعادة التدوير لو اكتملت سيستفيد منها المجتمع بأكمله.

على الجانب الآخر، قال شحاتة المقدس، نقيب الزبالين، إن عدد عمال النظافة بالقاهرة الكبرى تخطى مليون عامل تقريبًا، ويبلغ وزن القمامة التى يتم جمعها يوميًا 16 ألف طن، من الوحدات السكنية والمولات، ويتم فرز المخلفات الصلبة التى تقدر بـ8 آلاف طن وإعادة تدويرها فى المصانع المخصصة لذلك، واستخلاص المواد العضوية منها والتى يبلغ وزنها أكثر من 6 آلاف طن وتستخدم كغذاء للخنازير، مؤكدًا وجود نحو ألفى طن غير قابلة لإعادة التدوير يتم دفنها تحت إشراف لجنة من وزارات التنمية المحلية والصحة والبيئة، مشيرًا إلى أن كل طن قمامة يحتاج لـ11 شخصًا للعمل عليه.

وأضاف نقيب الزبالين أن النباشين فئة منشقة عن الزبالين وغير مقيدين بنقابة الزبالين، ومع ارتفاع أسعار المواد الصلبة مثل البلاستيك والكرتون والورق وجميع أنواع المواد التى تصلح لإعادة التدوير، أنتشرت هذه الفئة أكثر من ذى قبل، وعملهم الأساسى هو النبش فى القمامة للبحث عن المواد الصلبة، وغالبًا ما يتسببون فى إرهاق تام لعمال النظافة بسبب تجميع القمامة من الشوارع بعد نبشها، موضحًا أن المناطق العشوائية هى مأواهم الوحيد.

وأوضح «المقدس» أن الدولة وضعت خطة تطوير جديدة وبدأ التنفيذ بالتنسيق مع نقابة الزبالين وتنص الخطة على إسناد قطاعى شرق وغرب القاهرة بالكامل لشركات مصرية، وقامت هذه الشركات باستيراد استيراد معدات حديثة من الصين بمبلغ مليار جنيه مصرى للعمل فى تطوير وتنظيف المناطق، وتقديم خدمة مميزة بالتزامن مع تطبيق قانون النظافة الجديد، حتى ينتهى عصر النباشين من الشوارع، وسوف يبدأ العمل بالمنظومة الجديدة بداية من شهر اكتوبر القادم وستنتهى تجاوزات النباشين إلى الأبد.