رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ترميم الآثار فن أفسدته بعض شركات المقاولات

بوابة الوفد الإلكترونية

استخدام أدوات وخامات غير مناسبة فى الترميم خطر كبير يطمس تفاصيل الأثر ويغير الطابع التاريخى

مساجد المتولى وقمن العروس والمحلى وزغلول ضحايا كوارث الترميم

عمليات ترميم الآثار ليست بالأمر الهين أو اليسير، فإما أن تكون سبباً فى إعادة إحياء الأثر من جديد، وإما أن تكون سبباً رئيسياً فى ضياع التفاصيل التاريخية للأثر.

ولذلك فإسناد أعمال الترميم للشركات أمر فى غاية الخطورة والأهمية بسبب النتائج المترتبة عليه، وللأسف فقد أدى إسناد بعض الأعمال إلى شركات المقاولات التى لا تمتلك خبرة فى مجال الترميم إلى تدهور حالة الكثير من الآثار وخاصة الإسلامية، وضياع القيمة التاريخية للأثر فى أحيان كثيرة وتغير تفاصيله.

هذه الشركات قد تتسبب فى انهيار الآثار عقب سنوات قليلة من أعمال الترميم نتيجة استخدامها مواد وخامات وأدوات غير مناسبة للأغراض التى تنفذها، فضلاً عن طمس ملامح أجزاء متعددة من الأثر، ما يؤدى فى النهاية إلى خسائر لا يمكن تعويضها.

وقد كان حادث سقوط الرفرف الخشبى لقبة وضوء مسجد السلطان حسن مؤخراً، جرس إنذار للمسئولين قبل فوات الأوان للنظر فى الأحوال المتدهورة للآثار المصرية وخاصة الإسلامية منها، ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه نظراً للحالة السيئة والإهمال الذى لحق بالكثير من الآثار.

بلا شك يجب عدم إلقاء اللوم كله على وزارة الآثار أو وزارة الأوقاف، ولكن هناك عدداً من العوامل التى تتسبب فى الكثير من المشاكل للآثار خارجة عن إرادة المسئولين، ومنها على سبيل المثال التقادم الزمنى للأثر وعوامل التعرية والظروف الطبيعية الأخرى فى المناطق الأثرية مثل ارتفاع مستوى المياه الجوفية فى منطقة القاهرة الإسلامية والذى يتسبب فى عدم القدرة على ضبط مناسيب المياه، ويؤدى لمشاكل متعددة للآثار.

وقد كان سوء عمليات الترميم سبباً فى ضياع القيمة التاريخية لعدد من الآثار الإسلامية مثل مساجد المتولى فى جرجا بسوهاج، والمسجد الكبير بقمن العروس فى بنى سويف، والمحلى وزغلول فى رشيد، كما كان هناك عدد من سابقات سوء الترميم لعدد من الآثار المصرية القديمة أبرزها تشويه ذقن توت عنخ آمون، وتحطيم أجزاء من تمثال سيتى الأول، وأخطاء ترميم الواجهة الخارجية لهرم زوسر، واستخدام الحديد فى تثبيت تمثال رمسيس بمعبدالأقصر، وغيره من النماذج.

وعقب حادثة سقوط جزء من قبة وضوء مسجد السلطان حسن مؤخراً، قال أسامة طلعت، رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية، إن الدولة المصرية منذ عام 1984 تنفذ صيانة دورية على جميع الآثار الإسلامية.

وأوضح طلعت أن الجزء الذى سقط من قبة الوضوء بالمسجد تم ترميمه أثناء أعمال لجنة حفظ الآثار العربية وهيئة الآثار عام 1902، وهو عبارة عن طبقتين، السفلية من الخشب والعلوية عبارة عن حشو وكسوة تحيطها كيانات من الحديد الضعيفة جداً.

وأضاف رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية، أن قبة الوضوء التى تسمى بالقبة الفوارة أيضاً، تتكون من رفرف دائرى مكون من 8 أضلاع، أحد هذه الأضلاع سقط بفعل عوامل التعرية، وهو ما تسبب فى الانهيار الذى شهدته القبة.

وأشار إلى أن المسئولين لم يستطيعوا رصد تهالك حالة الأضلع لأن الحديد الداخلى هو الذى تفكك، ولا يمكن ملاحظته بالعين المجردة.

هناك آثار يتضح لنا أنها تحتاج إلى ترميم، فنقوم بترميمها وهناك آثار تسقط فجأة ودون سابق إنذار، وبعد سقوط هذا الجزء من القبة وجدنا أن الكيانات الحديدية صدئت وهذا نتيجة العوامل الجوية والتعرية، بحسب أسامة طلعت الذى أكد أن جامع السلطان حسن لا يمكن تعويضه معمارياً.

وعقب الحادثة توجه فريق أثرى وهندسى للمعاينة، وتبين أن القبة والجامع فى حالة جيدة من الحفظ، وأن الجزء الذى سقط ليس الأثرى الأصلى أو جزءاً منه فهو مستحدث، حيث قامت لجنة حفظ الآثار العربية باستبدال الرفرف الأثرى المتهالك بأخر حديث، كما تم تشكيل فريق متخصص لترميم القبة وبالفعل انتهى من أعماله مؤخرا وعادت الأمور لطبيعتها.

طلب إحاطة

وفى أول ردود فعل على الحادث، تقدم نائبان فى مجلس النواب وهما أحمد إدريس عضو لجنة السياحة والطيران، والنائبة شيماء حلاوة، بطلبى إحاطة عن أسباب ما حدث، والمطالبة بتشكيل لجنة فنية من أساتذة كليات الهندسة والتخطيط والآثار تكون مهمتها الحفاظ على جميع المساجد التاريخية، وإجراء عمليات صيانة دورية للمساجد ومشتملاتها كى لا تقع مثل تلك الوقائع.

كما طالب النائبان بضرورة الكشف عن جميع الحقائق الخاصة بسقوط الغطاء الزجاجى الذى يعلو أحد أباليك الثريا النحاسية التى تتدلى من سقف القاعة الملكية بمسجد الرفاعى، وأيضا كشف الأسباب التى كانت وراء سقوط جزء من الرفرف الخشبى الحديث لقبة الفوارة بجامع السلطان حسن.

فى هذا السياق، قالت الدكتور مونيكا حنا، عميد كلية الآثار والتراث الحضارى بالأكاديمة العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى، إن عمليات الترميم الحديثة تقضى على الكثير من التفاصيل التاريخية للآثار.

وأضافت مونيكا، أنه يتم طمس المعالم التاريخية للأثر واستبدالها بأخرى حديثة لا تتعلق بالقديمة، فالتراث الإسلامى وخاصة الموجود خارج محافظة القاهرة يتعرض لمخاطر كبيرة واحتمال فقدان أصالته، لأن هناك نقصاً فى الاهتمام به من جانب المسئولين، كما يتفاقم الوضع بسبب غياب التنسيق بين وزارتى الأوقاف والآثار والسياحة خلال الترميم.

وأوضحت عميد كلية الآثار والتراث الحضارى، أن الخسائر الناتجة عن هذا الأمر لا تقدر بأى ثمن ولا يمكن تعويضها، وتؤثر بشكل كبير على النسيج العمرانى التراثى ليس فقط للآثار وإنما للمناطق المحيطة بها، مشيرة إلى أن هذه الخسائر تثنى الأفراد عن الحفاظ على مبانيهم القديمة، وتتحول فكرة الترميم عندهم إلى إعادة البناء وإنشاء مبنى جديد بالكامل بدلاً من الحفاظ على القديم.

وتابعت: «فى حين أن الحفر غير المشروع والتعدى والتطوير العقارى غير المخطط له قد أضر بالتراث المصرى القديم، ولا سيما فى السنوات الإحدى عشرة الماضية، إلا أن مصر لديها تاريخ طويل من الترميمات المعيبة للآثار الإسلامية، والتى تشمل الهدم وإعادة الإعمار والإضافات غير التاريخية».  

وأشارت إلى أنه لم يتبق اليوم سوى القليل من الآثار الإسلامية بحالتها الأولى، أقدمها مقياس النيل فى جزيرة الروضة (869 م)، والذى يعود تاريخه إلى مائتى عام بعد الفتح العربى لمصر، موضحة أنه غالبًا ما تخضع الترميمات فى العاصمة القاهرة للتغطية الإعلامية وتدقيق الجمهور، ولكن فى المحافظات تنتشر الانتهاكات على نطاق واسع والعديد من عمليات الترميم الفاشلة تمر دون أن يلاحظها أحد تقريباً.

ولفتت إلى أنه من أبرز أخطاء الترميم مؤخراً، هدم المبانى القديمة الأثرية واستبدالها بأخرى حديثة لا قيمة معمارية أو تاريخية أثرية لها، رغم إمكانية الحفاظ على المبانى القديمة التى كانت فى بعض الأحيان سليمة نسبياً، فضلاً عن استخدام أنواع وخامات فى الترميم غير صالحة لهذا الغرض

سواء فى إعادة البناء أو الزخرفة، ضاربة أمثلة على هذا الأمر بما حدث فى مساجد المتولى فى جرجا بسوهاج، وقمن العروس فى بنى سويف، والمحلى وزغلول فى رشيد.

وأشارت إلى أن أضرحة المساجد فى جميع أنحاء القاهرة ومصر تعرضت لعمليات ترميم مدمرة أو إعادة بناء كاملة خلال النصف الثانى من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، مثل ضريح الرفاعى (1869)، مسجد الحسين (1874)، ومسجد السيدة زينب (1940) وغيرها من الأضرحة.

وأوضحت مونيكا، أن أسباب خسائر عمليات الترميم تتمثل فى عدم وجود أنظمة مناسبة فيما يتعلق بترميم المبانى التاريخية، والمخالفات التى تحدث أثناء الترميم مثل بعض عمليات الهدم وإعادة البناء التى غالبا ما تمحو أى أثر للمبنى الأصلى، فضلا عن إشراف وزارة الأوقاف على أعمال الترميم بدلا من وزارة الآثار، وحتى فى حالة إشراف وزارة الآثار يتم الإبلاغ عن مخالفات كبيرة فى بعض الأحيان.

وطالبت عميد كلية الآثار والتراث الحضارى، بضرورة تغيير الثقافة المتعلقة بالحفاظ على الهندسة المعمارية من خلال قانون يتم فرضه على جميع الشركات العاملة فى مجال الترميم، وبهذا فقط يمكننا الحفاظ على تراث مصر التاريخى للأجيال القادمة، كما يجب أن تكون هناك ورش عمل يتم تنفيذها من قبل المجالس الأكاديمية المختلفة المعنية ووزارة الآثار والسياحة لمناقشة مفهوم الأصالة وكيفية تقنين جميع الممارسات التراثية المستقبلية.

عقبات

فيما قال الدكتور غريب سنبل، رئيس الإدارة المركزية للصيانة والترميم بوزارة الآثار سابقاً، إن الوزارة تواجه عقبات متعددة أثناء ترميم الآثار وخاصة منطقة القاهرة الإسلامية، لأن عمر المبانى يتراوح بين 500 و600 سنة، وتعانى ارتفاع المياه الأرضية على عمق متر إلى مترين وليس المياه الجوفية التى تمتد لأعماق كبيرة تحت الأرض.

وأضاف سنبل أن مشكلة المياه الأرضية مع الصرف غير الصحى فى بعض المناطق الأثرية تؤدى إلى عدم قدرة الوزارة على ضبط مناسيب المياه، ما يعرض الآثار إلى مشاكل خطيرة باستمرار، مشيراً إلى أن تكلفة مواجهة مشكلة المياه فى أثر واحد فقط تبلغ ملايين الجنيهات، والآثار لا تمتلك ميزانية تكفى لمواجهة المشكلة فى كل المناطق، وبالتالى فهى تتعامل مع الأثر شديد الخطورة فالأقل خطورة، قائلاً: «نحن نواجه الطبيعة وسلوكيات البشر معاً».

وحول ما يثار عن إسناد عمليات الترميم إلى شركات مقاولات، أوضح رئيس الإدارة المركزية للصيانة والترميم، أن ذلك كان يحدث بالفعل ولكن قبل 5 سنوات، والآن انتهى هذا الأمر وبدأ إسناد المشروعات إلى شركات تمتلك خبرة كافية فى أعمال الترميم، وتوظف لديها متخصصين فى هذا الشأن تحت إشراف حكومى مباشر على المشروعات، مؤكداً أن شركات المقاولات تعمل فى الآثار الإسلامية فقط، أما الفرعونية فيقوم بترميمها وزارة الآثار.

«ما زلنا نعانى حتى الآن من أعمال بعض الشركات التى أسند إليها أعمال منذ 2001 و2005، بسبب دخول شركات غير متخصصة وقرارات مشرفى وزارة الآثار بوقف أعمال هذه الشركات، ومنها على سبيل المثال مسجد جانم البهلوان بمنطقة الدرب الأحمر فى القاهرة»، بحسب غريب سنبل.

وأكد أن وزارة الآثار أصبحت تراجع خطط ودراسات شركات الترميم قبل التنفيذ وتوجه دائما بالالتزام الدقيق بالمعايير العالمية، وفى حالة عدم الالتزام يتم إلغاء إسناد الأعمال لهذه الشركات، قائلاً: «حماية التراث أهم معيار عند وزارة الآثار».

ترميم البشر أولاً

وقال الدكتور جمال عبدالرحيم، أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة، إن الحكومة لا تبخل على عمليات الترميم، وعندما تجد حالات تحتاج إلى تدخل معين فإنها تتحرك بسرعة.

وأضاف عبدالرحيم أن ما حدث مؤخراً فى مسجد السلطان حسن وسقوط الرفرف الخشبى لقبة الوضوء، وتشكيل الوزارة لجان لدراسة الأمر وإعادة ترميم الأثر مرة أخرى، دليل على ذلك، مشيراً إلى أنه تم الانتهاء بالفعل من الترميم وإعادة الأثر لوضعه الطبيعى.

وأوضح أستاذ الآثار والفنون الإسلامية، أن هناك آثاراً فى حالات خطرة ومتوسطة تحتاج إلى ترميم بالفعل ولكنها تحتاج أيضاً إلى دراسة قبل التنفيذ حتى يتم الانتهاء منها بشكل دقيق وصحيح، متابعاً: «نحتاج إلى ترميم البشر قبل الحجر، لأن سلوكيات الناس فى كثير من الأحيان بتكون هى السبب فى تلف الآثار».  

وأكد عبدالرحيم، أن أخبار سقوط جزء من أثر أو ما شابه ذلك لا تؤثر سلبياً على حركة السياحة الوافدة إلى مصر، لأن السائح الأجنبى يأتى إلى مصر لكى يشاهد الأثار بشكلها القائم، وللأسف فهو يعرف عنها أكثر من المصريين أنفسهم.