عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المانجا "باظت" على الشجر

بوابة الوفد الإلكترونية

 20 ألف جنيه خسارة الفدان... والمسئولية تتأرجح بين التغيرات المناخية والمبيدات المغشوشة

المتحدث الرسمى لوزارة الزراعة: الإصابات فردية.. والأضرار لن تؤثر على السوق

حسين أبو صدام: لولا محاصيل الصعيد لكان السوق خاليًا من الفاكهة

دراسات: المانجو مجرد بداية.. والقمح والذرة الأكثر تأثرًا خلال الأعوام القادمة

 

«آه يا ليل يا قمر المانجا باظت على الشجر»... صرخة حزينة يرددها أغلب المزراعين بعدما تكبدوا خسائر بآلاف الجنيهات لتلف محصولهم الذى ضربه الوهن فتوقف نموه  وتلف أغلبه..

«الوفد» سلطت الضوء على هذه الأزمة من خلال هذا التحقيق، وبخاصةً أن «المانجو» ليست فقط محبوبة من غالبية المصريين نظراً لقيمتها الغذائية واحتوائها على الفيتامينات التى يحتاجها الجسم فقط، لكنه منذ لحظة دخولها للبلاد فى عهد محمد على عام 1825، باتت لها مكانة اقتصادية، حيث إنها تحتل المرتبة الثالثة فى التجارة بعد الموالح والعنب، ما يعنى أن حجم الخسائر لم يقتصر على المزراعين الذين فقدوا محصولهم هذا الموسم، لكن أيضاً خسرت البلاد فرصة تصديرها هذا العام وجني عملات أجنبية.

الأزمة.. هنا

بداية الأزمة كانت من مدينة الإسماعيلية والتى تضم  117 ألف فدان من إجمالى 300 ألف فدان مزروعة بالمانجو فى كل المحافظات (حوالى ثلث المساحة المزروعة بالمانجو)، وشكا غالبية المزراعين من خسارة محصول المانجو هذا العام، وأرجعوا السبب لانتشار «العفن الهبابي» وهو عبارة عن حشرة تشبه الذبابة، تتعلق بورق الشجر، وتتسبب إفرازاتها الكثيفة فى تغطية الورقة بالكامل باللون الأسود، وهى إفرازات لزجة تمنع الورقة من أداء أهم أدوارها، وهو التمثيل الضوئي، بما يتسبب فى إضعاف الشجرة، وعدم وصول الغذاء إليها.

وحسب عدد كبير من المزراعين، فإن «العفن الهبابي» تسبب فى دمار موسم المانجو فى محافظة الإسماعيلية قبيل الحصاد مسببا تساقط الثمار، ومخلفا خسارة ضخمة، خاصةً أن تكلفة زراعة الفدان تتجاوز 100 ألف جنيه على مدار الموسم.

  بعض المزارعين وجهوا أصابع الاتهام إلى المبيدات الزراعية المغشوشة التى تباع فى الأسواق، مؤكدين أنها وراء تساقط ثمار المانجو.

هذه الحالة من الضبابية فى تحديد سبب تساقط الثمار هذا العام سواء كان المسئول عنها «التغيرات المناخية» أم «الأسمدة المغشوشة» التى تباع فى الأسواق السوداء، زدات من حدة الجدل حول الأزمة. 

 من جانبها تبرأت وزارة الزراعة من الأزمة، وقال الدكتور محمد القرش -المتحدث الرسمى للوزارة- إن التغيرات المناخية من الوارد أن تؤثر على الإنتاج الزراعي، وهناك سبب آخر قد يكون تسبب فى تفاقم المشكلة وهو تقادم الأشجار فى الإسماعيلية التى يصل بعضها إلى 20 عاما بالإضافة إلى نوعية التربة»، لافتا إلى أن وزارة الزراعة قامت بدور كبير فى دعم وإرشاد المزارعين لمواجهة الأمراض المؤثرة على المحاصيل.

وعن تضرر محصول المانجو فى الإسماعيلية، اضاف القرش: «إن الأشجار فى الإسماعيلية متقادمة وذات أعمار كبيرة وربما يكون ذلك أحد أسباب تأثرها ولكن الوزارة لها دور واضح فى الحفاظ على عمليات الإنتاج»، مشيراً إلى أنه لم يتضرر 85% من محصول المانجو فى الإسماعيلية كما أظهرت وسائل الإعلام، لكن ربما تكون الإصابات فردية فى المحاصيل والكميات التى تضررت لن تكون مؤثرة على السوق».

حسين أبو صدام نقيب الفلاحين، قال إن هذه الظاهرة ليست جديدة، وحذرنا منها منذ خمس سنوات، حيث وقعت حادثة مشابهة ، وتأثرت نسبة لا بأس بها من المحصول وتلفت بسبب التغيرات الجوية، ولكن هذا العام النسبة زادت بشكل كبير نظراً لارتفاع درجات الحرارة ما بين 3 أو 4 درجات فى وقت التزهير، ما أثر سلباً على الأشجار.

ونوه إلى أنه علاوةً على العوامل المناخية، هناك سبب آخر لهذه الأزمة وهو قلة تقليم الأشجار لإزالة الأفرع الميتة من الأشجار وتقوية الغصون الأساسية والتحكم فى نمو الشجرة وتجهيزها بشكل جيد للإثمار فى الموسم الجديد.

ولفت إلى أنه ما حدث هذا الموسم بمثابة صدمة كبيرة للمزراعين، فخسائرهم وصلت لحوالى 20 ألف جنيه للفدان الواحد، متسائلاً:«من سيعوضهم عن هذه الخسارة، وبخاصةً أن أغلبهم كانوا ينتظرون بلهفة بداية يوليو لحصد المحصول والذى كانت تصل ذروته فى شهر اغسطس، مشيراً إلى أن المانجو المنتشر فى الأسواق هذا العام أغلبه من اسوان والصعيد، ولولا الاعتماد على محصول محافظات الوجه القبلى كان السوق هذا العام خاليا تماما من المانجو.

على جهة أخرى، اعتبر مركز البحوث العقل الرئيسى لوزارة الزراعة والذى يضم 16 معهداً على مستوى الجمهورية أن الأزمة مجرد حالات فردية ولا يجوز وصفها بالأساس بأنها أزمة...حيث كان هذا رد أحد المسئولين بالمركز عن سؤالنا له عن المشكلة التى تسببت فى خسائر فادحة لعدد كبير من المزارعين وأثرت على إنتاجية أكثر من 70% من المحصول بالإسماعلية- حسب تقديرات المزارعين-، وتعمد- نفس المصدر-  خلال حديثه عدم الإشارة من قريب أو بعيد إلى وجود مشكلة من الأساس.

فجعة الموسم والأسعار

«سامح حسين» أحد المزراعين استعاد تفاصيل فاجعة عام 2015، حين استيقظ غالبية المزراعين على يوم وصفه «بالأسود»، بعدما تسببت عاصفة ترابية فى تساقط ثمرات المانجو بكميات كبيرة من الأشجار قبل نضوجها، ما كبد الفلاحين خسائر فادحة وتراكمت عليهم الديون، وضاع عليهم تعب وجهد سنة بأكملها.

وأشار إلى أن أنواع المانجو لا حصر لها وأشهرها  البلدى ويتميز بثمنه الرخيص مقارنة بالأنواع الأخرى حيث يتراوح سعره من 8 إلى 10 جنيهات، بينما سعر كيلو المانجو العويس ما بين 15 و30 جنيهًا للكيلو،

والزبدية ما بين 15 و20 جنيهًا، والتيمور ما بين 20 إلى 25 جنيهًا، أما الفص ما بين 20 و40 جنيهًا، وبلغ سعر الفونس  15 و20 جنيهًا للكيلو، و الهندى ما بين 15 و20 جنيهًا.

 وأوضح «حسين» أن موسم التزهير يبدأ فى أواخر فبراير ويكون مبكراً عن ذلك بالوجه القبلى ويبلغ الإزهار أوجه فى مارس وينتهى موسم الإزهار غالباً فى أواخر مارس أو فى الأسبوع الأول من أبريل هذا فى الظروف المناخية العادية، وأما إذا امتد موسم الشتاء وانخفضت درجة الحرارة فيمتد موسم التزهير حتى شهر مايو وتختلف مدة الإزهار باختلاف الأصناف.

ونوه بأنه قد تمكث بعض الأشجار أكثر من شهرين وهى مزهرة وكثيراً ما تبدأ الفروع الجنوبية للشجرة وهى الأكثر مواجهة لأشعة الشمس فى الإزهار قبل غيرها أما الفروع الشمالية فتكون آخرها إزهاراً وكلما طالت فترة الإزهار بالشجرة كان ذلك أدعى إلى تلقيح أزهارها وإخصابها وإنتاج محصول وافر منها.

وحول تأثير حالة الجو على المانجو، لفت إلى أنه يتوقف موعد الإزهار وطبيعته على حالة الجو وعلى الصنف والحالة الغذائية للشجرة، وقد يتعرض التزهير المبكر إلى ظروف غير طبيعية كانخفاض درجة الحرارة أو الإصابة بالبياض فيؤدى ذلك إلى موته فتخرج الأشجار دفعة جديدة من التزهير، كما أن سقوط الأمطار أثناء إزهار الأشجار يعوق عملية التلقيح بواسطة الحشرات التى لا تنشط أثناء المطر والرياح الشديدة، فضلاً عن أن المطر يزيل حبوب اللقاح من مياسم الأزهار فلا تتم عملية الإخصاب، وبخاصةً أن الأمراض الفطرية مثل مرض البياض الدقيقى يكثر ظهوره بعد المطر ويسبب أضراراً كبيرة .

وأكد أن ارتفاع الحرارة فى شهرى يونيه ويوليو وتعرض جذوع الأشجار لأشعة الشمس المباشرة أو انعكاس الحرارة من الأرض الرملية يؤدى إلى تشقق وتلف الجذع ويؤثر على نمو الأشجار الصغيرة، وللوقاية من ذلك يتم دهان جذع الشجرة بعجينة بوردو أو محلول الجير أو اللف بقش الأرز، علاوةً على  تغطية الشتلات فى المشتل وعمل «تزاريب» حول الأشجار الصغيرة مع عمل فتحات للتهوية فى الجهة البحرية وذلك فى السنوات الأولى من غرسها .

المناخ المتهم الأساسي

ما حدث مع محصول «المانجو» هذا العام، مجرد بداية لتغيرات كبيرة متوقعة، تحدثت عنها العديد من الدراسات البحثية، منها دراسة ندى عاشور - خبيرة العلوم البيولوجية- والتى حملت عنوان«التغيرات المناخية وآثارها على مصر»، وتوقعت الدراسة  أن يؤدى ارتفاع درجات الحرارة إلى إحداث تغير فى التركيب المحصولى السائد فى مصر، وقد ينخفض العائد من بعض المحاصيل فى الناتج القومي، مشيرةً إلى أنه بحلول عام 2050 من المحتمل أن ينخفض انتاج القمح والذرة بنسبة 18% و19% على الترتيب.

وأشارت الدراسة إلى أنه بحلول عام 2050 فإن الآثار الاقتصادية الناجمة عن التغيرات المناخية ستكون وخيمة، فقد تنخفض عوائد الزراعة لأكثر من النصف.

لذلك اقترحت الدراسة مجموعة من التوصيات لتهيئة قطاع الزراعة على هذه التغيرات على المدى البعيد، أبرزها تحسين أنماط المزروعات والإكثار من زراعة المحاصيل القادرة على تحمل الظروف المناخية القاسية، فضلاً عن تحسين إدارة الري، وتغير مواعيد الزراعة لتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المائية المحتمل تناقصها، ورفع الوعى العام، وبناء إطار عمل مع توفير المعلومات الخاصة بتأثيرات المناخ.

 وأكدت دراسة لوسيم وجيه نشرت عام 2020 تحت عنوان «أثر التغيرات المناخية على إنتاجية المحاصيل»، انخفاض إنتاجية القطاع الزراعى بشكل عام من 29% فى عام 1965 إلى 12% عام 2016، وعلى إثر ذلك انخفض عدد المشتغلين فى الزراعة من 51% عام 1996 لـ 26% عام 2016.