عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

سقوط «الديكتاتور» بين النبوءة والتشكيك

بوابة الوفد الإلكترونية

بمجرد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك عقب 18 يوما من مظاهرات ضخمة، اجتاحت البلاد مظاهرات ضخمة تطالب بإسقاط نظامه، وتبارت صحف العالم تطرح رؤيتها لما يمكن أن يؤول إليه مستقبل أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان والأكثر تأثيرا في محيطها الإقليمي.

ولعل إعادة قراءة مضمون صحف الغرب في صبيحة اليوم التالي للتنحي، تكشف أن كل المخاوف التي أثارتها تلك الصحف كانت بمثابة النبوءات التي تحققت بصورة كبيرة. ففي يوم الثاني عشر من فبراير، اعتبرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، أن قرار الرئيس مبارك بالتنحى يفرض تحدياً كبيراً على إدارة الرئيس باراك أوباما التى باتت تواجه فراغاً سياسياً كان يحتله حليف قوى، في الشرق الأوسط، الأمر الذى يفرض نفس القدر من المخاطر والتهديدات لمصالح الولايات المتحدة فى المنطقة. وأشارت الصحيفة إلى أن الرئيس الأمريكى، باراك أوباما، خفف من حدة الابتهاج فى شوارع القاهرة، عندما حذر هو والمسئولون الأمريكيون من أن الثورة المصرية لم تكتمل بعد، لا سيما وأن الجيش يفرض سيطرته على البلاد. 
والمتابع للأحداث يتأكد أن واشنطن لم تُضع وقتاً بالفعل، وأخذت تضغط على الجيش المصري، من أجل تقصير فترة توليه السلطة، بل وتحديد طريقة إدارة المرحلة الانتقالية بما يخدم مصالحها. ففي حوار له مع إحدى الفضائيات المصرية، أكد الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل أن الولايات المتحدة ضغطت على المجلس الأعلى للقوات المسلحة من أجل أن يبدأ سيناريو الانتخابات أولا، لأنه من المصلحة الأمريكية يدفع بمن كانت تجهزهم ليكونوا حلفاءها الجدد في المنطقة، في صدارة المشهد وليتمكنوا من إدارة المرحلة الانتقالية بما يضمن تمكينهم من حكم البلاد. وأشار الكاتب الكبير إلى أن واشنطن نفذت ما تريد من خلال منع أية قروض أو مساعدات لحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المزمنة التي اندلعت بسببها الثورة، بل وأوعزت أيضا إلى القوى الأخرى إلى الإحجام عن تقديم المساعدة. وبالفعل كان لها ما أراد من خلال تصعيد التيار الإسلامي، وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين.
أما في صحيفة نيويورك تايمز، فقد قال  الكاتب الأمريكى البارز توماس فريدمان فى مقال له إن خطورة وقوة الحركة الديمقراطية تكمن فى شرعيتها، الأمر الذى بات مصدراً لقلق وخوف الاستبداديين من شمال أفريقيا إلى ميانمار إلى بكين، وذلك ليس فقط لأن الشعب تمكن من إسقاط ديكتاتور، وإنما لأن الطريقة التى سقط بها من السهل جداً محاكاتها. ونوه إلى أن الرئيس باراك أوباما صنع للثورة المصرية معروفاً عظيماً بعدم تأييدها كلياً، وعدم التصرف فيها، موضحا أن هذا معناه أن المصريين يعلمون أنهم صنعوا ثورتهم بأيديهم، دون أى شىء سوى إرادتهم ووحدتهم وإبداعهم. وفي افتتاحية الصحيفة، إنه فى الوقت الذى احتفل فيه الأمريكيون بهذا الإنجاز، إلا أنهم شعروا بالقلق بشأن خضوع البلاد لسيطرة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ورغم أن زعماء الجيش أصدروا بياناً تحدثوا فيه عن العمل لنقل السلطة نحو مجتمع حر ديمقراطى، غير أنهم لم يذكروا كيف سيفعلون هذا أو متى. ومضت الافتتاحية تقول: «الأمر سيكون مأساوياً، إن لم يكن سبباً فى مزيد من الاضطرابات، إذا ما أساء الجيش قراءة هذه اللحظة التاريخية، فالمصريون يرغبون فى إحلال الديمقراطية، ولا يريدون مبادلة نظام قمعى بآخر مماثل». وقالت إن الولايات المتحدة والدول الديمقراطية الأخرى ينبغى لها أن

تكون مستعدة لتغيير ديمقراطى كامل، ويجب أن تستخدم واشنطن، التى تمنح مصر 1.5 مليار دولار سنويا فى صورة معونة عسكرية واقتصادية، جميع علاقاتها الشخصية وكل نفوذها للتأكد من أن فترة السيطرة العسكرية وجيزة قدر الإمكان. 
وبالفعل استمرت البلاد، بل وحتى الآن، في موجة اضطرابات تكاد لا تتوقف، بسبب أن خريطة المرحلة الانتقالية والنتائج التي وصلت إليها الثورة، لم تكن كافية ولا مرضية لشباب الثورة، الذي خرج في 25 يناير 2011 يطالب بالبحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، إلا أن فوجيء بمجلس عسكري ومن بعده نظام ديني بقيادة مرسي يحاولان وقف المد الثوري ووقف المطالبات الأساسية للثورة من خلال إعادة إنتاج النظام الذي قامت ضده الثورة، فبعد عامين على الثورة ما زالت كرامة المصريين تنتهك وما زالت مطالب العدالة مغفلة، وما زال القضاء غير مستقل، ولا توجد ضمانات لوجود ديمقراطية حقيقية وما زال التعذيب يتواصل، كما أن مصالح رجال الأعمال والقوى الاقتصادية العالمية في مصر مصونة، فضلا عن ذلك كانت البراءات هى المحصلة النهائية لكل المتهمين في قضايا قتل الثوار والفاسدين من نظام مبارك.
قالت صحيفة الفايننشيال تايمز إن رحيل الرئيس مبارك جاء بعد أربعة أسابيع فقط من الإطاحة بنظيره التونسى زين العابدين بن على، حيث اكتشفت الشعوب العربية فجأة قدرتها على تغيير الأوضاع فى بلادهم. وخلافا لتونس، فإن الجيش المصرى يبقى المؤسسة الوحيدة التى مازالت تحترم الناس، وقد كانت التوقعات بميدان التحرير تؤكد الثقة فى دور الجيش فى الانتقال بالبلاد نحو الحكم الديمقراطى بدلا من تولى حكم البلاد. ونقلت الصحيفة البريطانية عن أسامة غزالى حرب، رئيس حزب الجبهة الديمقراطية، قوله: «أنا فخور ليس لتنحى مبارك، لكن لأنه رحل بناء على ثورة شعبية، تمثل الأفضل فى العالم خلال العقود الثلاثة الماضية».
لكن هذه القدرة الآن أصبحت محل شك، إذا يرى كثيرون أن الثورة المصرية جرى الالتفاف حولها والتلاعب بها من خلال تغيير شكلي في بنية النظام، دون المساس بالجوهر. وأصبحت الميادين قبلة من جديد للمطالبة بتحقيق أهداف الثورة. لكن السؤال الآن: هل ما تمكن به المصريون أن يفلوا مبارك يمكن أن يفلوا هذا النظام الاستبدادي الملتحي؟.. سؤال تجيب عنه الأيام.