رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«مبنى البريد».. وقائع تاريخية على «ورقة بوسطة»

مبنى البريد
مبنى البريد

وسط زحام منطقة العتبة، وبالقرب من مبنى المطافئ، فى أحد شوارع وسط البلد، وفى مبنى يجهل الكثيرون أهميته، تجد مبنى البريد المصرى، ذا الطراز المعمارى الفريد، يُستدل عليه من زحام الوافدين لقضاء حوائجهم، وفى جدران تحمل بداخلها تاريخًا يوجد كنز خفى، يسمى بمتحف البريد، من خلاله تستطيع الرجوع إلى أيام المراسلات القديمة من العصور الفرعونية وحتى العصر الحديث، عند الدخول من باب المتحف تجد تطور وسائل البريد، حيث بدأت من العصر الفرعونى عبر ثمار «جوز الهند» وإرسالها عبر المياه، أما فى العصر الرومانى فكان يتم إرسال الرسائل أثناء الحروب عبر كتابتها على رأس أحد المتطوعين بعد إزالة فروة الرأس ثم يتم إرساله بعد إعادة نمو «شعر الرأس»، ويقوم المرسل إليه بقطع رأسه بعد قراءة الرسالة ثم حرقها حتى لا يستطيع العدو اكتشاف أسرار الحرب.

البريد المصرى ليس مجرد رسائل وتوصيلها لأصحابها، بل للبريد المصرى تاريخ عريق ودور هام تناولته العديد من الدراسات والكتب، خاصة أنه لعب دورًا كبيرًا فى التأريخ للأحداث الكبرى، والاحتفاء بالشخصيات العظيمة التى تزخر بها مصر، من خلال الطوابع التذكارية، خاصة وأن مصر تعد من أوائل الدول التى عرفت البريد منذ أقدم العصور، بداية من تنظيم الفراعنة لنقل البريد خارجيًا وداخليًا، وكانوا يستخدمون سعاة يسيرون على الأقدام يتبعون ضفتى النيل وذلك فى ذهابهم وفى إيابهم، و ظهر هذا مع اختراع الكتابة، كما وجدت بعض الخطابات الخاصة بالفراعنة باللغة الهيروغريفية، منقوشة على جدران معابدهم. 

طوابع صغيرة تروى تاريخًا طويلًا من الأزمنة المختلفة التى مرت على الدولة المصرية، موجودة فى مبنى عتيق، يحتفظ بسجل يتعلق بالطوابع فى توثيق حى للتاريخ، لكنه غير مدرج على الخريطة السياحية، زواره قليلون، إلا أنه يحتفظ بسجل لزواره، فهو الإطار المرجعى الأول وقبلة هواة جمع الطوابع فى العالم، ويضم المتحف مئات الآلاف من الطوابع التى يتجاوز تاريخ إصدار بعضها الـ150 عامًا، بجانب تجسيد تطور التدوين والكتابة وصناعة البريد منذ الفراعنة وحتى العصر الحديث.

86 عامًا مرت على خروج متحف البريد المصرى للنور، ودخول نور الشمس لنشر أشعتها فى أروقته الشاسعة، مُسلطة إضاءتها على مقتنياته المملوءة بغبار الدهر، الذى عاصر المماليك والأمراء والرؤساء.

وفى جولة للوفد داخل المتحف العريق رصدنا الأساليب القديمة لتوصيل المراسلات البريدية، والتى تنوعت بين الحمام الزاجل والقطارات والعربات الصغيرة، التى تجرها الخيول، ويمكن لأى مواطن مصرى أن يتمتع بجولة داخل المتحف، كما أكد القائمون على إدارة المتحف أن بعض المدارس تقوم بتنظيم رحلات مدرسية لطلابها لهذا المتحف، بل ويتيح المتحف نسخًا من الطوابع، يمكن اقتناؤها بمقابل مادى، وفقا لأهمية الطابع.

كما يضم المتحف تمثالًا نصفيًّا للخديو إسماعيل، تحته نقطة تمثل مركز القاهرة الرسمى، منها وإليها تُحسب المسافات الرسمية بين القاهرة والمدن والعلامات على الطرق الزراعية والصحراوية.

  هدوء تام يخيم على المتحف، مكان رغم عراقته وأهميته فإنه يكاد يخلو من البشر سوى الموظفين ورجال الأمن، يشكو حاله من ضعف الإقبال عليه ومشاهدة كنوزه وتحفه النادرة، ويلفت نظر الزوار اللوحة المصنوعة من الطوابع البريدية وتتضمن 50 لونًا من تلك الطوابع وفى وسطها شكل الهرم، وترجع تلك اللوحة إلى عهد الملك فاروق، حيث أهداها إلى ابنه «الملك فؤاد» بسبب حبه للطوابع البريدية.

وتستقبل قاعة البريد الزائرين بصورة نادرة لأول طابع تم إصداره فى العالم كله عام 1840 ويحمل صورة الملكة فيكتوريا، وفى المقابل صورة نادرة للسير رولاند هيل، مدير مصلحة البريد البريطانية، الذى اقترح على البرلمان إصدار الطابع لتحسين خدمة البريد، وهى الشرارة التى انطلقت منها صناعة طباعة البريد التى لا تزال باقية حتى الآن، إلا أن الطوابع تتصارع على جنبات المتحف بحثًا عن الجمهور الذى يأتى غالبا للحصول على نظرة متعمقة ويعرف الناقص منها ويسعى لاستكماله من الهواة بالخارج، بعضهم يتحدث دائما عن سعيه لإهداء جزء من مجموعته، لكنه يتراجع، والبعض الآخر يعرض بيع مجموعات أجنبية نادرة، لكن

الأمر يقابل بالرفض؛ فلا موازنة متاحة لذلك الغرض.

ويضم المتحف عددًا من الأقسام منها: القسم التاريخى الذى يحكى تطور الكتابة والرسالة فى عصور مختلفة، ويضم لوحة نارمر ومحابر من العصر الفرعونى والرومانى والقبطى، بالإضافة إلى ورق البردى والتماثيل بأشكالها المختلفة للكاتب فى عهد الفراعنة.

ولم يتوقف تراث المدخل عند هذا الحد، بل هناك قسم للمؤتمرات، يعرض صورًا لمؤسس اتحاد البريد العام، وصور أعضاء مؤتمرات البريد الدولى من عام 1874 حتى عام 1924، والاتفاقيات التى أُبرمت فى كل مؤتمر.

اللافت للنظر، أن موظف البريد كان يتمتع بمكانة كبيرة فى العهد الملكى، وكان له زي خاص يختاره الملك فى بعض الأحيان، لذا نرى قسم متخصص فى ملابس وأدوات موظف البريد، وهو قسم أدوات البريد، الذى توجد فيه مجموعات متنوعة من السنج والموازين والحقائب البريدية، ومحافظ الطوابع والحوالات وضواغط الرصاص والأختام القديمة والحديثة، وصناديق خطابات ميكانيكية وعادية، وعند أقصى اليسار نرى قسم الملابس الذى تزين حوائطه أنواع مختلفة من الملابس لكبار الموظفين ولرؤساء الأقسام والموزعين وشارات مختلفة قماشية ونحاسية وعلامات للطوافة.

وهناك فى المنتصف يوجد قسم المبانى، الذى يشمل نماذج مصغرة لبعض المبانى البريدية، كمصلحة البريد بالقاهرة، ومكتب بريد بورسعيد وبورفؤاد، ونموذج لمكتب بريد قروى، ونموذج مصغر لقلم توزيع لمراقبة بريد القاهرة.

إضافة إلى مئات الطوابع النادرة من بينها طوابع موقعة من الملك فؤاد شخصيًا، وطوابع التجارب التى تعد أغلى طوابع فى العالم.

كذلك هناك قسم الخرائط والإحصاء، الذى يحوى خرائط ورسومات بيانية وإحصائية تظهر تطور أعمال المصلحة من مراسلات مسجلة وعادية وحوالات داخلية وخارجية وطرود، ويليه قسم النقل الذى يشمل نماذج لوسائل نقل البريد قديمة وحديثة من عربات خشب وحديد وموتوسيكلات وسكة حديد وبواخر لنقل البريد، ثم نرى عدة أقسام منها قسم الطوابع الذى يحتوى على عدد من الطوابع المصرية والأجنبية وأكليشهات وقوالب وألواح لصنع الطوابع، بالإضافة إلى مجموعة من نماذج وخطوات العمل فى صنع طوابع البريد، وهناك تصنيف فريد لمجموعات الطوابع لكل من البريد الأوروبى والأفريقى والأسيوى والأمريكى والأسترالى.

كما يوجد قسم للبريد الجوى، بدءا من استخدام الحمام الزاجل فى نقل البريد، وحتى الطائرات، وهناك نماذج لطائرات مهداة من شركة الطرق الجوية الإمبراطورية، وشركة خطوط الطيران الهولندية، ونموذج لأول خطاب ورد إلى الاسكندرية من لندن فى 17 أغسطس عام 1929، وأول خطاب بالبريد الجوى تم ارساله إلى كراتشى من البريد المصرى بالخط الجوى بين القطر المصرى والهند.

ومن ضمن الأقسام الحديثة: القسم الأجنبى الذى يشمل مجموعة صور لمبانى ومتاحف بعض الإدارات البريدية الأجنبية، وبعض الأدوات المستخدمة بتلك الإدارات.