عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"الذهب الأبيض".. يعود إلى العرش

بوابة الوفد الإلكترونية

القطن المصرى..

كان القطن المصرى لعقود طويلة كنز الفلاحين وعيدهم.. فمن عائد بيعه يزوجون البنات، ويعلمون الأولاد، ويشترون حاجات السنة بطولها.. ولهذا كله أطلقوا عليه «الذهب الابيض»..

أكثر حكايات القطن إثارة تلك التى رواها الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل وتتعلق بطلب وزير الخارجية الأمريكية من الرئيس جمال عبدالناصر– فى خمسينيات القرن الماضي– تقليل إنتاج القطن المصرى طويل التيلة لانه كان اقوى المنافسين للقطن الأمريكى.. ولكن بعد سنوات قليلة واجهت زراعة القطن وصناعته الكثير من المصاعب، فتحول إلى عبء كبير على الفلاحين والمصنعين والدولة وفقد عرشه وسمعته العالمية.

اليوم وبعد كل تلك السنوات العجاف وبأمر من الرئيس عبدالفتاح السيسى يسعى القطن المصرى لاستعادة مكانته العالمية مرة اخرى، وصدرت قرارات مصيرية تنهض بمنظومة القطن وصناعاته، والتى يعمل بها أكثر من 9 ملايين عامل بمصانع الغزل والنسيج.

جاء على رأس تلك القرارات شراء القطن من الفلاحين بأعلى سعر فى السوق العالمى، إلى جانب إعادة تسويق القطن المصرى مرة اخرى لدول العالم، وإنشاء 134 مركزًا على مستوى الجمهورية لجمع الأقطان وتطوير المحالج وإعادة هيكلة مصانع الغزل والنسيج إلى جانب إنشاء أكبر مصنع للنسيج فى العالم.

هذه الخطط الطموحة تواجه عدة مصاعب، منها ما يتعلق بتطوير أساليب الإدارة ونظم العمل، وتارة أخرى تحفيز المزارعين لزراعة القطن عن طريق حل معضلة تسويق القطن ووضع سعر مشجع للقنطار؛ لتحقيق هامش ربح مرضٍ لهم، وأيضاً وجود الحماية والإجراءات الرادعة لمنع التهريب بالأسواق الداخلية.

«الوفد» تفتح ملف القطن المصرى وخطة الحكومة لتطوير منظومة إنتاجه، وأهم المعوقات التى تواجه الفلاحين والصناع..

 

خطة إنقاذ.. بـ21 مليار جنيه

21 مليار جنيه هي طوق النجاة، الذى أعدته الدولة مؤخرًا لإنقاذ صناعة الغزل والنسيج، والتى تستوعب 9 ملايين عامل يعولون ملايين الأسر.

ولأهمية قطاع الغزل والنسيج اقتصاديًا واجتماعيًا، صار إنقاذه من عثرته ضرورة قصوى؛ لذلك رصدت الحكومة 21 مليار جنيه لإنقاذ شركات القطاع العام، خاصة أن مصر أعلنت فى أواخر 2020 عن دمج 32 شركة فى 10 شركات كبرى فقط، لتكون الممثلة لقطاع الغزل والنسيج الحكومى، على أمل أن يساهم ذلك فى النهوض بزراعة القطن طويل التيلة وتصنيعه.

وأعدت الحكومة خطة تطوير تتضمن عدة محاور منها تحديث الماكينات والمعدات والبنية التحتية للمصانع، وتطوير أساليب الإدارة والتسويق وميكنة نظم العمل، وتدريب العاملين ورفع كفاءتهم.

خبراء صناعة الغزل والنسيج أكدوا أن صناعة الغزل والنسيج تواجه العديد من التحديات الخطيرة، منها الأعباء المادية، والمنافسة غير الشريفة مع المنتجات الأجنبية، بالإضافة إلى المنتجات المهربة من الخارج، مع عدم وجود حماية وإجراءات رادعة لمنع التهريب للأسواق المصرية.

وتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى بضرورة إحياء صناعة القطن والغزل والنسيج، والنهوض بالصناعة المصرية وإعادتها لتكون فى صدارة الأسواق العالمية، كانت واضحة تماما بعد افتتاح مشروعات المنطقة الصناعية فى مدينة الروبيكى، وذلك فى الجزء الخاص بالنسيج، والذى يضم 6 مصانع جديدة للغزل.

وقال هشام توفيق، وزير قطاع الأعمال العام إن الدولة ستعود بقوة إلى سوق القطن العالمى؛ لاستعادة مكانة القطن المصرى المتميزة عالميًا، حيث يجرى تنفيذ مشروع تحديث ضخم لشركات الغزل والنسيج والصباغة والتجهيز التابعة للوزارة، سواء فى الأعمال الإنشائية أو تحديث الماكينات والمعدات التى يجرى توريدها من كبرى الشركات العالمية فى سويسرا وألمانيا وإيطاليا.

وأشار«توفيق» إلى أن مشروع التطوير يتضمن دمج شركات القطن والغزل والنسيج التابعة للوزارة وعددها 32 شركة لتصبح 10 شركات فقط، مع ميكنة نظم العمل ضمن مشروع التحول الرقمى، بالإضافة إلى التسويق المركزى لمنتجات الشركات، من خلال الشركة القابضة بالتعاون مع مجموعة من الوكلاء الدوليين، بهدف النفاذ إلى الأسواق العالمية خاصة فى أوروبا وشمال أمريكا وشرق آسيا، لتسويق القطن المصرى طويل التيلة ومنتجاته ذات الجودة العالية.

وقال وزير قطاع الأعمال إن فكرة إنشاء تجمعات صناعية للشركات الصغيرة تستهدف تشغيل خطوط إنتاج للملابس الجاهزة على بعض الأصول والعنابر غير المستغلة، وذلك بالتعاون مع وزارة التجارة والصناعة، مما يساهم فى خلق الآلاف من فرص العمل وزيادة الصادرات المصرية من الملابس الجاهزة.

وأكد «توفيق» أنه يتم تطوير التكنولوجيا المستخدمة فى حليج الأقطان.. وقال «تم الانتهاء من أول محلج مطور فى الفيوم، وتركيب 3 محالج أخرى نهاية 2020، إضافة إلى تشغيل 3 محالج العام الحالى ليصبح الإجمالى 7 محالج مطورة بطاقة إنتاجية تفوق الحالية بنحو 3 أضعاف، وبما يكفى لحلج كل الإنتاج من القطن المصرى بأحدث تكنولوجيا تسهم فى رفع جودة وسعر القطن المصرى وزيادة صادراته، إلى جانب التعاقد على توريد أحدث الماكينات لمصانع الغزل والنسيج لتوفير مادة خام عالية الجودة لمصانع الملابس الجاهزة.

ولفت إلى أن المحالج الجديدة تضمن إنتاجًا بآلات قطن خالية تمامًا من الشوائب وعليها «باركود» بالمواصفات الخاصة بالقطن المعبأ داخلها ومكان الزراعة والمحلج، بما يمكن من رفع سعر تصدير القطن المصرى، وكذلك تعظيم القيمة المضافة منه من خلال عمليات التصنيع.

وقال الدكتور أيمن غازى، الخبير الاقتصادى إن مشكلات صناعة الغزل والنسيج تعود إلى فترات بعيدة، ومن أهم العوامل التى ساعدت على تعثر تلك الصناعة هو عدم وجود قدرة مالية لدى المصانع والشركات التابعة للقطاعين العام والخاص، واختلال الهياكل التمويلية، ما أدى إلى لجوئها للاقتراض من البنوك لتمويل عمليات الإحلال والتجديد بفائدة وصلت لأكثر من 20%، الأمر الذى أدى إلى انهيار عدد كبير من الشركات، بالإضافة إلى تهالك الآلات والمعدات وعدم تطويرها أو تجديدها، فضلًا عن غياب الإدارة العلمية الحديثة التى تطبق مبدأ الثواب والعقاب كحافز لتحسين كفاءة الإنتاج، وتضخم حجم العمالة داخلها، كل هذه الأسباب أدت إلى رفع سعر التكلفة وضربت الصناعة الوطنية فى مقتل، وترتب على ذلك تراكم الأعباء والمديونيات على الشركات، بخلاف مشكلة تهريب المنسوجات التى كانت سببًا فى تكبد العديد من الشركات المصرية خسائر فادحة انتهت بالتوقف عن العمل.

وأوضح «الخبير الاقتصادى» أن هناك 6 محاور رئيسية لإصلاح صناعة الغزل والنسيج، أولًا التوسع فى زراعة القطن متوسط وقصير التيلة، لما يمثلانه من نسبة 98% من استهلاك المصانع، وهو ما يتطلب استمرار الدعم لمساندة المزارعين، وثانيًا تنفيذ خطة التطوير وإعادة هيكلة الماكينات والآلات لإنقاذ الشركات من التعثر، وبما يحقق كفاءة وجودة عالية فى الإنتاج، وثالثًا إعادة هيكلة العمالة الفنية وتدريبها لعودة الروح لقطاع الغزل والنسيج، ورابعًا رفع الرسوم الجمركية على الواردات من الغزول والأقمشة والمنسوجات، وخامسًا منع التهريب لحماية الصناعة المحلية، وسادسًا عدم السماح باستيراد أى بضاعة شبيهة للمنتج المحلى.

 

تحسين «طويل التيلة» وحل أزمة التسويق.. بداية التطوير

بعد سنوات من المعاناة جاءت حكومة الدكتور مصطفى مدبولى بتوجيهات من الرئيس عبدالفتاح السيسى لتضع القطن على المسار الصحيح ليستعيد عرشه بين الدول الكبرى من خلال منظومة متكاملة تشمل المحاور الزراعية والصناعية والتجارية لتحقيق أكبر استفادة للفلاح أولا والاقتصاد المصرى ثانيا لذلك كانت أولى تلك الخطوات هي زيادة المساحات المنزرعة من القطن للوصول إلى مليون فدان سنويا مع الالتزام بالحفاظ على جودة الأنواع المنزرعة وتتمثل الخطوة الثانية فى تطوير المحالج والمغازل إلى جانب حظر نقل القطن المصرى من محافظة إلى أخرى لحماية نقاوة البذرة.

ويبلغ حجم تصدير القطن المصرى 250 مليون دولار سنويا، ويرتبط الإنتاج بعملية التسويق لذلك كانت الخطة هى زيادة الإنتاج وإعادة خطة التسويق بتكلفة قدرها 21 مليار جنيه على مدى 3 سنوات إلى جانب إنشاء أكبر مصنع للغزل والنسيج فى العالم..

التوجيهات الرئاسية دعت جميع الوزارات إلى الاهتمام بالقطن كلا حسب تخصصه وكانت المهمة الأكبر على عاتق وزارتى التجارة والصناعة، والزراعة واستصلاح الأراضى ليخرج قرار وزارى مشترك بشأن نظام تداول القطن الزهر لموسم 2020/ 2021 ونص القرار المشترك الصادر من نيفين جامع وزيرة التجارة والصناعة، والسيد القصير وزير الزراعة واستصلاح الأراضى،على أن يكون تداول القطن الزهر لموسم ٢٠٢٠/٢٠٢١ وفقًا للضوابط والاشتراطات التى تقررها لجنة تنظيم تجارة القطن فى الداخل على أن تقدم اللجنة تقريرًا شهريًا للوزيرين بشأن حركة التداول على أن يكون تداول الأقطان فى محافظات الفيوم وبنى سويف والبحيرة والشرقية وفقًا للنظام الذى حدده القرار.

ونص القرار أيضاً على تشكيل لجنة تنفيذية منبثقة من اللجنة الوزارية المشتركة للقطن لمتابعة نظام تداول القطن فى محافظات الفيوم وبنى سويف والبحيرة والشرقية برئاسة وزير قطاع الأعمال العام، على أن تختص اللجنة بوضع الأسس والإطار الاستراتيجى لتنفيذ نظام تداول الأقطان لمحصول ٢٠٢٠/٢٠٢١ ومتابعة تنفيذه فى المحافظات ومراكز التجميع المختارة واعتماد الهيكل التنظيمى والموازنة التقديرية للمشروع وآليات التنفيذ ووضع أسس تحديد أسعار فتح المزادات بمراكز التجميع وتحديد قيمة التأمين لدخول شركات التجارة المسجلة المزادات ووضع الشروط والقوانين المالية المنظمة لعملها.

ووفقا للنظام الجديد يتم تداول القطن على مراكز معينة ومحددة وفقًا للأصناف والمساحات المزروعة ومنع تداول القطن خارج هذه المراكز، وتمكين المزارع من الحصول على أعلى سعر من خلال عرض الأقطان التى ترد إلى مركز التجميع فى مزادات على أن تحدد أسعار الأساس وفقًا لأسعار الأقطان العالمية والميزة النسبية للقطن المصرى، إلى جانب إشراف الهيئة العامة لتحكيم واختبارات القطن على الأقطان سواء التى ترد إلى مراكز التجميع أو عند دخولها المحالج، وكذلك فى المخازن الخاصة دون السماح بإنشاء أى حلقات أو مراكز تجميع خارج مراكز التجميع المخصصة فى هذا الشأن فى محافظات الفيوم وبنى سويف والبحيرة والشرقية، كما ينص النظام على ربط مراكز التجميع إلكترونيًا تحقيقا للشفافية والوقوف على كل أسعار التداول وأن يتم حلج أقطان إنتاج هذه المحافظات فى محالج محددة وفقًا لما تقرره اللجنة المشكلة بالقرار المرفق به هذا النظامý.

مؤخرًا أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية «اليونيدو» عن بدء برنامج «قطن أفضل» فى مصر، بالتعاون مع الشركاء المحليين«معهد بحوث القطن» والشركاء التنفيذيين «النيل الحديثة للأقطان» و«شركة الكان لتجارة وتصدير القطن»، فى كل من محافظات كفر الشيخ ودمياط، بداية من موسم القطن 2020-2021، حيث إن المزارعين المشاركين فى برنامج «مبادرة قطن أفضل» يمكنهم أن يحصلوا على شهادة زراعة وبيع قطن مصرى معتمد.

الدكتور هشام مسعد، مدير معهد بحوث القطن قال إن معهد بحوث القطن يملك خطة لتطوير صناعات القطن فى مصر من خلال التركيز على مزارع القطن كركيزة أساسية فى سلسلة قيمة القطن، وأيضاً تنمية الظروف والبيئة المحيطة، مشيرًا إلى أنه فى السنة الماضية عمل المعهد كمركز للمزارعين وساهم فى نشر أفضل ممارسات الإنتاج، والتقليل من استخدام المياه والمبيدات والأسمدة. وأوضح مدير معهد بحوث القطن أن المعهد فى تواصل دائم مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية «اليونيدو» ومبادرة قطن أفضل ويعطى الأولوية للمساعدة والتعاون معهما لبدء تطبيق نظام «قطن أفضل» فى مصر حتى تغطية جميع مناطق إنتاج القطن فى مصر بنظام المبادرة والتوسع فى الخريطة الإقليمية لاحقًا.

وأشار مسعد إلى أن المبادرة بدأت من الموسم الماضى وهى مبادرة دولية ومقر المنظمة فى جنيف ولندن وعدد الدول المشتركة بها ٢١ منها الصين وأمريكا وتركيا وباكستان وموزمبيق وعدد المزارعين ٢ مليون تنتج 5٫1 مليون طن وتمثل ١٩٪ من حجم الإنتاج العالمى.

وأوضح أن هذه المبادرة ترعاها ماركات عالمية وهى فى توسع مستمر وأهميتها لمصر أنها تفتح مجالًا موازٍيًا للطريق العادى للتصدير؛ لأن تلك الماركات تشترط إنتاج القطن تحت مبادئ تلك المبادرة، كما أن أكبر شركتين فى مصر «النيل الحديثة» و«الكان لتجارة الأقطان» سجلتا فيها رسميًا سعيًا لإنتاج قطن فى إطار هذه المبادرة.

 

«قصير التيلة».. المفضل للمصانع العالمية

سجلات تاريخ زراعة القطن تحكى كيف بدأت زراعته فى عهد محمد على باشا، مطلع القرن التاسع عشر، حينما تم استيراد أصناف من الهند وكيف توسعت المساحات المنزرعة بالمحصول وكيف ظهرت صناعات جديدة تمثلت فى صناعة آلات حلج وكبس القطن، وتجهيز النيلة للصباغة، ومعاصر الزيوت وكيف تدهورت الصناعة حتى وصلت إلى حد المعاناة وهرب الفلاحون من زراعته.

ويقول المؤرخون إن القطن المصرى اكتسب سمعة طيبة عالميا بظهور القطن السكلايدس «ساكل» عام 1906 والتى انتشرت زراعته بسرعة حتى غطى الدلتا، وتشير تقارير وزارة الزراعة إلى أن القطن شغل 22.4% من المساحة المنزرعة عام 1913، مقابل 11.5% عام 1879، وزاد محصول القطن من مليون و818 ألف قنطار إلى 6 ملايين و250 ألف قنطار بين عامى 1884 و1908، كما ارتفعت قيمة الصادرات القطنية من 6 ملايين و424 ألف جنيه إلى 17 مليونًا و91 ألف جنيه أثناء الفترة نفسها، وهو ما يمثل 67% من مجموع الصادرات عام 1884، و83% عام 1906.

بعد الحرب العالمية الأولى أنشأت مصر هيئة مباحث القطن عام 1919 وتختص بدراسة المشكلات التى تواجهها زراعة القطن، وكان الاهتمام بصنفين هما الاشمونى بالوجه القبلى والساكل فى الدلتا حتى ظهر نوع جديد تم استنباطه من القطن المصرى الأمريكى باسم «البيان» وكان يتميز بارتفاع إنتاجيته واستمرت زراعته حتى الثلاثينيات وظهر نوع جديد باسم جيزة 3 وكان يتميز بتحمله للحرارة المرتفعة فى الوجه القبلى ثم ظهر صنف جيزة 7 وكان يزرع فى الدلتا وتفوق على أصناف الساكل والبيان وهو السبب الرئيسى فى التوسع فى مساحات القطن المنزرعة حتى عام 1935.

بعد الأزمة المالية العالمية 1929حرصت مصر على الاهتمام بزراعة القطن حتى فترة الأربعينيات تحت مظلة البرنامج الاقتصادى لطلعت حرب حيث انتشرت مصانع الغزل والنسيج وملحقاتها من المحالج وحتى بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 حرص الرئيس الراحل جمال عبدالناصر على الحفاظ على المكانة العالمية للقطن المصرى وتوسع فى إنشاء المزيد من مصانع الغزل والنسيج، مع الاعتماد على سياسة الدورة الزراعية وضمان إنتاجية مرتفعة للمحصول فى كل موسم.

واستمر هذا الحال حتى فترة الانفتاح الاقتصادى فى نهاية السبعينيات، ومع بدء القطاع العام بدأت رحلة التراجع للقطن المصرى، لتبدأ معاناة للفلاحين وتم تصنيفهم إلى مزارعين لديهم أمل فى تحسن الأوضاع واخرين باعوا أراضيهم للزحف العمرانى والاعتماد على بيع المنتجات الغذائية بالإضافة إلى بيع المحالج وإنشاء عقارات بدلا منها، ولهذا عزف كثير من الفلاحين عن زراعة القطن، واتجهوا لزراعة الأرز مستغلين ارتفاع سعر الأخير، ما أدى لنقص المساحة المزروعة بالقطن وبالتالى نقص الإنتاج.

ظلت أزمة القطن المصرى مستمرة صعودًا وهبوطًا حتى انخفضت صادرات مصر من القطن بنسبة 54.2% فى الفترة من ديسمبر 2015 وحتى فبراير 2016، لتبلغ 112.7 ألف قنطار مقابل

246 ألف قنطار فى العام السابق عنه (القنطار المترى وحدة قياس إنتاج القطن ويعادل نحو 50 كيلو جرامًا)

وبحسب الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فإن الاستهلاك المحلى للقطن تراجع من 175.8 إلى 76.4 ألف قنطار بسبب توقف بعض مصانع الغزل والنسيج عن الإنتاج فى تلك الفترة.

لم يكن انخفاض صادرات مصر من القطن فى تلك الفترة مفاجئًا، فخلال السنوات الأخيرة انخفضت الصادرات بشكل تدريجى، فبحسب النشرة ربع السنوية للقطن التى يصدرها الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء صدرت مصر 555 ألف قنطار مترى من القطن فى الفترة من ديسمبر وحتى فبراير من الموسم الزراعى 1999-2000، ثم انخفضت صادرات القطن حتى وصلت 126573 قنطارًا فى نفس الفترة من الموسم الزراعى 2013-2014، ثم ارتفعت فى نفس الفترة من الموسم الزراعى 2014-2015 لتسجل 245994 قنطارًا لتنخفض مرة أخرى فى الموسم الزراعى 2015-2016.

فى السنوات الأخيرة ظهر اهتمام الدولة بزراعة القطن وبالمصانع أيضاً وعقد الرئيس عبدالفتاح السيسى عددًا من الاجتماعات مع المسئولين عن هذا الملف وأكد ضرورة عودة القطن المصرى لسمعته المعروفة عالميا، ونتيجة لذلك ارتفعت المساحة المنزرعة بالقطن إلى 336 ألف فدان عام 2018، ولكنها انخفضت مرة أخرى فى 2019 لتصل إلى 237 ألف فدان، وتواصل تراجعها إلى أقل من 150 ألف فدان عام 2020، حسب البيانات الصادرة عن نقابة الفلاحين.

ولكن الدولة لم تقف عند حد تشجيع المزارعين فقط حيث عُقد اتفاق مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية «اليونيدو» بالتعاون مع وزارة التجارة والصناعة، ووزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، وممثلى القطاع الخاص فى مجال القطن والغزل والنسيج لبدء برنامج «قطن أفضل» فى مصر، بالتعاون مع الشركاء المحليين «معهد بحوث القطن» والشركاء التنفيذيين «النيل الحديثة للأقطان» و«شركة الكان لتجارة وتصدير القطن»، فى كل من محافظات كفر الشيخ ودمياط، بداية من موسم القطن 2020- 2021، حيث إن المزارعين المشاركين فى برنامج «مبادرة قطن أفضل» يمكنهم أن يحصلوا على شهادة زراعة وبيع قطن مصرى معتمد.

ورغم كل هذه المحاولات يقول الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الأراضى والمياه بكلية الزراعة جامعة القاهرة: « حتى الآن لم نواكب التطور العالمى».

ويضيف «فى فترة الثمانينيات وما قبلها كان هناك ملابس للاغنياء وملابس للفقراء وملابس فاخرة لأصحاب المال وملابس أقل جودة لعامة الشعب وكانت البورصة العالمية للقطن فى مصر ولكن مع التطور وظهور الجينز والتيشرتات لم تعد توجد تفرقة بين الغنى الذى يلبس الجينز والفقير الذى يرتدى التيشرت لأن جميع الملابس مصنعة من القطن قصير التيلة وبالتالى فإن مصانع الجينز العالمية تبحث عن الدول التى تنتج القطن قصير التيلة لتصنيع منتجاتها لذلك اتجهت العديد من المصانع إلى إثيوبيا لصناعة الجينز الأمريكى.

وأشار نور الدين إلى أن القطن طويل التيلة يستخدم أكثر فى المفروشات الخاصة بالفنادق الكبرى لذلك انخفضت مساحات الأراضى المنزرعة من القطن فى السنوات الماضية فنحن نزرع أقطانًا لا نصنعها ونصنع أقطانًا لا نزرعها، وعلى مصر أن تتعامل مع تلك التغييرات.

وأوضح نادر أن القطن قصير التيلة يمكن زراعته بالصعيد لتحمله درجات الحرارة العالية لأن القطن محصول صحراوى، ولذلك فإن الأصناف الجديدة قصيرة التيلة ستوفر لمصر عملة صعبة وستسمح لمصر باستقبال المصانع العالمية التى ذهبت إلى دول مجاورة لنا لتصنيع منتجاتها، وعلى مصر أن تتعاقد مع الشركات العالمية لتسويق القطن قبل زراعته، وبناء على تلك التعاقدات تم تحديد المساحات التى سنزرعها بالقطن».

 

إنصاف الفلاحين.. أول شروط النجاح

فى العقود الماضية كانت مصر تنتج 50 % من إنتاج «القطن طويل التيلة الممتاز» فى العالم وكانت حصة مصر من السوق العالمية للقطن تتراوح فى السبعينيات من القرن الماضى بين 70 إلى 80%، مقابل 20 إلى 30% للولايات المتحدة الأمريكية. ولكن مع تدهور زراعة القطن قلَّت تلك النسبة حتى وصلت إلى 30% من إنتاج تلك الكمية على مستوى العالم، لذلك فإن الدولة توليه عناية خاصة للمحافظة على تواجده واستمراره وتحديث أصنافه وهو ما حدث مع الصنف الجديد للقطن جيزة 97 الذى حقق أعلى إنتاجية فى تاريخ القطن المصرى حتى الآن، بعد نجاح زراعته الموسم الماضى فى مساحة 100 فدان، وقد جرى تسجيله فى مارس الماضى وحقق متوسط إنتاجية تراوح بين 10 و 12 قنطار زهر للفدان بعد تطبيق التوصيات الفنية التى حددها مركز بحوث القطن.

وتستورد الهند 50% من صادرات القطن المصرى، تليها الصين وباكستان وتركيا والبرازيل وبنجلاديش، حيث يبلغ الإنتاج العالمى من الأقطان طويلة التيلة 25 مليون طن من بينها نصف مليون طن فقط أقطان طويلة ممتازة، وهناك أربع دول فقط تنتج الأقطان الطويلة الممتازة فى العالم، هى مصر والولايات المتحدة والهند والصين، حيث إن ما تنتجه الأخيرتان يتم استخدامه محليًّا، بينما يبقى القطن المصرى والأمريكى فى التجارة العالمية.

هشام توفيق وزير قطاع الأعمال العام، فى تصريحات صحفية سابقة أكد أن هناك خطة من خلالها سيتم طرح القطن المصرى للتداول ببورصة السلع الجديدة المزمع إطلاقها خلال العام، وذلك من أجل إعادة إحياء بورصة القطن المصرى مرة أخرى، وضمان حقوق الفلاحين والتداول المميكن للقطن.

إلى جانب أن منظومة القطن الجديدة تعتمد على استلام الأقطان من المزارعين مباشرة فى مراكز التجميع دون وسطاء، معبأة فى أكياس من الجوت ومحاكة بدوبارة قطنية يتم توفيرها بالمراكز، ويتم إجراء مزادات دورية على كميات الأقطان الواردة، وذلك من خلال إنشاء ١٣٤ مركزًا على مستوى الجمهورية لجمع القطن من المزارعين لضمان عدم التلاعب فى الكميات الموردة وضمان عدم التلاعب فى الأقطان الموردة دون شوائب إلى تطوير 7 محالج فى 2021 لإنتاج بالات القطن، موضحًا أن الهدف من المنظومة الجديدة زيادة الصادرات المصرية من الملابس والقماش من ١.25 مليار دولار إلى ٥-٦ مليارات دولار، وعقب نجاح المنظومة سيتم تسليمها للقطاع الخاص لإدارتها.

وأكد أن المنظومة الجديدة ستحصل على أفضل سعر فى تصدير القطن وسنصدر كل الإنتاج خلال سنتين وسنبيع منتجات مصنوعة من القطن المصرى الخالص بنسبة 100% وسنصل بها لأعلى المستويات كمنتجات نهائية وأن المنظومة الجديدة للقطن ألغت الوساطة بين المزارع ووزارة قطاع الأعمال وتعمل على حصول المزارع على أعلى سعر للقطن، مشيرًا إلى أنه تم إنتاج مليون و400 قنطار قطن فى العام الماضى والمستهدف زيادة الإنتاج فى الفترة القادمة.

حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، قال إن المشكلة الرئيسية فى منظومة القطن الجديدة هي اعتماده على منظومة القطن الأمريكى قصير التيلة، وهو سعر متدنٍ جدًا عالميًا، وبالتالى فإن أسعاره لا تتناسب مع أسعار القطن طويل التيلة المصرى.

ويُتابع أن ذلك تسبب فى عزوف الفلاحين عن التعامل بالمنظومة الجديدة بسبب الخسارة التى لحقت بهم، مشيرًا إلى أن المنظومة تهدف إلى إخراج قطن بجودة مرتفعة، لكن الفلاحين يتطلعون إلى أسعار مرتفعة وتحقيق ربحية من وراء الزراعة.

وكانت لجنة تنظيم تجارة القطن بالداخل التابعة لوزارة التجارة والصناعة أوصت بـ٣ مطالب مهمة لنجاح تسويق محصول القطن لعام ٢٠٢٠ والمقدر مساحته بقرابة ١٧٤ ألف فدان قطن بنحو ١.2 مليون قنطار، تمثلت فى ضرورة إعلان الحكومة لسياسة تسويقية واضحة للقطن ولمراحل إنتاجه من قبل لجنة محايدة وألا يقل سعر شراء القطن من المزارعين عن ٢٥٠٠ جنيه للقنطار مقابل ٢٠٠٠ جنيه الموسم الماضى.

وخفض الفائدة التمويلية لشركات تجارة القطن من ١٨ إلى ٨ إلى 10٪ باعتبار محصول القطن محصولًا للتصنيع، والمطلب الثالث هو توصية مراكز البحوث بالوصول إلى وسائل أو ماكينات تخفض تكلفة جني القطن التى تتجاوز 40٪ من ثمنه.

ويقول نقيب الفلاحين إن المنظومة التى كانت تصلح مع الفلاح هى تحديد سعر ضمان للقطن قبل بداية الموسم الزراعى؛ لأنها تمنح الفلاح طمأنينة، وكانت وزارة الزراعة حددت سعر القنطار فى وجه بحرى بـ٢٧٠٠ جنيه، بينما كان السعر ٢٥٠٠ جنيه فى وجه قبلى.

ويلفت إلى أنه رغم أن منظومة المزايدة فيها مميزات للحصول على قطن ذي جودة مرتفعة، لكن الأسعار لا تُناسب التكلفة الحقيقية للزراعة، مشيرًا إلى أن هناك اختلافًا فى طرق الزراعة بين مصر والولايات المتحدة، فمعظم الزراعة فى الأخيرة تعتمد على المطر، خلافًا لمصر التى تعتمد على الزراعة المروية التى تعد الطريقة الأكثر تكلفة على مستوى العالم.

وبالتالى هذا ما تسبب فى تقلص مساحات زراعات القطن من موسم إلى آخر، حيث بلغت المساحة فى الموسم الزراعى السابق نحو ١٨٠ ألف فدان، بحسب نقيب الفلاحين، متوقعًا انخفاض المساحة المنزرعة فى الموسم الزراعى الذى سيبدأ خلال شهر فبراير المقبل.

ويرى أبوصدام أن إحلال زراعة قطن قصير التيلة بدلًا من طويل التيلة، قد يكون مفيدًا للتجار فقط، لكن بالنسبة للفلاح فلا يحقق ربحية بسبب انخفاض الإنتاجية، محذرًا من خلط أصناف القطن نتيجة زراعة القطن قصير التيلة الذى سيؤدى إلى وجود أصناف «لا هى قصيرة التيلة ولا طويلة التيلة»، والتى ستكون مدمرة لزراعة القطن المصرى.

لذلك، يجب عزل أصناف القطن قصير التيلة فى كل مراحله بدءًا من زراعة التقاوي ثم الجني وحتى التسويق، حتى لا يتم الخلط بين الأصناف، مما يؤدى إلى تدمير سمعة القطن المصرى عالميًا «طويل التيلة»، وفقًا لنقيب الفلاحين، مطالبًا الحكومة بتطبيق قانون الزراعة التعاقدية فى زراعة القطن على وجه الخصوص، والتى ستُوفر منظومة للتداول باعتبار أن الأسعار سيتم تحديدها قبل الزراعة مما سيؤدى لتفادى كل أسباب المشكلات والصعوبات فى المنظومة المعمول بها حاليًا.

فضلًا عن وجود تحفيز مادى ومعنوى لمزارعى القطن، حتى يتم إعادة مساحة القطن إلى الواجهة مرة أخرى.