رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عمدة صعيدي عضواً فى جماعة إغتيالات.. من ضحايا علي الحدّاد؟

عمدة صعيدي
عمدة صعيدي

 

ليس من المُباح أن يعلن عضو فى جماعة سرية محظورةــ وُلدت وماتت تحت الأرض، عن نفسه. من المنطق أن يظل نشاط هذا العضو أمرًا سريًا ولو كان نشاطه فى هذه الجماعة عملًا وطنيًا. ربما كان علي الحدّاد قد أقسم على السرية عندما وافق على الإنضمام لهذه الجماعة، وأدلي بالقسم وهو معصوب العينين أمام ثلاثة رجال متشحين بالسواد. حافظ الحدّاد على هذا القسم ولم يبح بنشاطه السري إلا لنجله و ــــ قبل رحيله، بوقت قصير.  

 

فى أول يونيو 1906 رزُق عبد المجيد وهب الله، الذي تعود جذوره لقرية المطاعنة فى إسنا وعاش بقرية المراشدة ــــ غرب قنا، بذكر أسماه (على الحدّاد) تيمنًا  باسم أحد الأولياء. أوفد الأب نجله للقاهرة عندما بلغ السابعة من عمره، للدراسة فى الأزهر ثم إكمال تعليمه بمدرسة النحاسين تحت رعاية أحد أقاربه فى القاهرة.

 

كانت لإقامة علي الحدّاد فى سن مبكرة فى العاصمة دور كبير فى تشكيل وعيه وشخصيته الحاسمة والجريئة. عاصر الحدّاد وهو لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره، حالة الحراك السياسي التي تمخضت سنة 1918 من القرن الماضي ــــ مولد الحركة الوطنية المصرية المطالبة بإنهاء الوجود البريطاني فى مصر، ثم ثورة 1919 التي خرجت من رحم الأمة المصرية.

 

بعد وفاة عليّ الحدّاد سنة 1983، أدلي نجله المحامي محمد علي بمعلومات مُهمة لأحمد قاسم أحمد وهو مؤرخ كان ضليعًا ومختصًا بكتابة تراجم ــــ سير ذاتية، للأعلام وكبار الشخصيات فى الصعيد. تفسر هذه المعلومات الصعود الوظيفي والسياسي السريع لعلي الحدّاد من ناحية وتكشف عن أحد أعضاء جماعة اليد السوداء وهي واحدة من أدوات الجهاز السري لثورة 1919، من ناحية أخري. وحتي إشعار أخر فأن علي الحدّاد هو الأول الذي نعرفه ـــ بناءً على هذه المعلومات، من الصعيد ممن إنخرطوا فى الجهاز السري للثورة.

 

فى صباح 24 يوليو 1920 وقف المستر ماكسويل المدعيّ العام البريطاني أمام المحكمة العسكرية البريطانية يطلب الحكم بإعدام عبد الرحمن فهمي. قال ماكسويل إن الجهاز الذي يشرف عليه فهمي مُكون من ثلاثة أقسام، قسم خاص بالمنشورات، وقسم للقنابل والقتل، وقسم لشراء الأسلحة، وأن السلطات البريطانية عثرت بالأوراق المضبوطة عند المتهمين على مستندات تثبت أن الجهاز له عيون فى كل مكان. وإتصالات فى أفريقيا، دمشق، العراق، سويسرا، اليابان، إيطاليا، تركيا، السودان، وإنجلترا، والهند!. وفروع فى المديريات المصرية، وعيون فى الأحزاب، وفى كل قسم فى الجيش، والإدارة والمحافظات، ودار الإفتاء، وذكر أن الجهاز له فروع تصدر المنشورات باسم اللجنة المستعجلة، والشعلة، والمصري الحرّ، واليد السوداء.


قبل تلك المحاكمة بسنةً واحدة اعُتقل سعد زغلول وثلاثة من الوفد المصري من الإدارة البريطانية التي سارعت بنفيهم لجزيرة مالطا، وبعدها بيومًا واحد ــــــ 9 مارس 1919، كانت أول أيام الثورة. يروي اللورد جورج لويد المندوب السامي البريطاني بمذكراته، والذي تولي منصبه بعد قيام الثورة بست سنوات مستندًا إلى وثائق وتقارير الأرشيف السري لدار المندوب السامي: أشعل اعتقال هؤلاء الرجال الأربعة النيران.. فى 9 مارس هجر الطلبة دروسهم، تفرقوا فى الشوارع يحملون مشاعل الإضراب، وفى المساء بدأت أعمال التخريب وصباح يوم 10 هاجمت جماهير غير منظمة المباني والممتلكات، وقطعت خطوط المواصلات ووسائل الإتصال لاحقًا.

يستمر وصف لويد لتصاعد الأحداث يومًا بعد يوم.. فى 18 مارس نشبت ثورة في أسيوط، قتل المتظاهرون 8 ضباط بريطانيين فى ديروط، كانوا يستقلون القطار من الأقصر، وفى دير مواس بالمنيا هجم الأهالي على القطار وشوهوا جثث القتلي، وتقدم البدو بأعداد كبيرة من الغرب نحو المدن، وحوصر السكان البريطانيين فى المنيا.

تؤكد مذكرات جورج لويد إضافة لمصادر أخري، أن الطلبة فى القاهرة هم من أشعل شرارة ثورة 1919. هل كان، علي الحدّاد، واحدًا من هؤلاء؟

فى سنة 1919 كان علي الحدّاد يبلغ من العمر 13 عامًا، وذكرنا سلفًا إنه درس بالأزهر الشريف ثم إلتحق بمدرسة النحاسين فى حي الأزهر ــــــ متحف النسيج حاليا.  يقول المؤرخ أحمد قاسم أحمد، إن الحدّاد إنضم للحركة الوطنية وكان مقربًا من النقراشي باشا وأحمد ماهر باشا.

ويضيف قاسم.. وكان هو أحد أفراد اليد السوداء التي كانت تقاتل الإنجليز على الرغم من حداثة سنه ورأي من أهوال الإنجليز ما رأي حتي إنه يذكر فى ذات مرة إنه وزميلًا له يدعي محمد عبد المجيد ــــ وليس شقيقه وكان ميدان العتبة يعسكر فيه بعض القوات الإنجليزية، وفى أثناء عبور الميدان أطلق عليهما الإنجليز النار، فأصابت زميله وصديقه محمدًا الذي كان يجري بجواره لعبور الميدان فحمل هو وأخرون زميله المصاب وتوجهوا به إلى منزل والده الذي شكرهم.

كان تنظيم الجهاز السري لثورة 1919 بتشكيلاته وأسماءه المختلفة، معقدًا للغاية، يقول مصطفي أمين.. إذا كان الجهاز السري قد حيّر المخابرات البريطانية والفرنسية فأن هذا الجهاز حير أعضاء الوفد أنفسهم، كانوا  لا يعلمون عنه شيئا عنه، بل أن قيادة الثورة فى القاهرة لم تكن تعرف شيئا عن طبيعة أعمال الجهاز السري للثورة، ولا عن حقيقة التعليمات السرية التي كان يرسلها سعد زغلول من باريس إلى عبد الرحمن فهمي فى القاهرة.


ربما يفسر ذلك إقتضاب المعلومات عن طريقة تجنيد على الحدّاد، والمهام التي كُلف بها والخدمات التي قدمها،  لصالح الحركة الوطنية من خلال تجنيده فى سن صغير فى هذا  الجهاز؛  الذي كان  يُدار من خلال من  دوائر صغيرة مغلقة، تتألف الواحدة من عضوين فقط ولا تعرف تلك الدائرة الدوائر الأخري، وتتلقي التعليمات من شخص ما ربمّا كان يختلف من دائرة لأخري.

فى ترجمة المؤرخ أحمد قاسم لعلي الحدّاد يقول إنه كان لصيقًا باثنين هما النقراشي وأحمد ماهر والأخير كان مساعد عبد الرحمن فهمي مؤسس ومدير الجهاز السري وكان من أدوار أحمد ماهر  تجنيد الشباب وإلحاقه باليد السوداء، التي صعدت من نشاطها بتدبير الإغتيالات السياسية عقب إصدار المحكمة العسكرية إحكامًا بالإعدام على 51 مصريًا فى المنيا وأسيوط، ونفذت الحكم 34 منهم بينهم البكباشي محمد كامل المأمور الذي قاد ثورة أسيوط، بالإضافة لإعدام 3 مصريين قادوا ثورة الوسطي بالفيوم.

يقول مصطفي أمين.. ليس فى مراسلات سعد زغلول ـــ عبد الرحمن فهمي، ما يدل أن سعد هو الموعز بهذه الإغتيالات، ولكن فى الوقت نفسه لا نجد فى تعليمات سعد زغلول السرية كلمة

واحدة عن إنه لا يوافق على هذه الإغتيالات، بل أن صيغة الرسائل السرية التي كان يرسلها عبد الرحمن فهمي تدل على أنه يحمل بشري سارة إلى قائد ثورة 1919، وأنه يطلق على الذي حاول إغتيال رئيس الوزراء بأنه يتقد حمية وطنية.

لا نعرف حجم المهام التي أداها علي الحدّاد لصالح اليد السوداء، التي إعترفت التقارير البريطانية بدورها بأحداث الثورة، فكلّف أعضاؤها السريين بتوزيع منشورات تدعو للانتقام من الجنود البريطانيين بعد تنفيذ أحكام الإعدام بالمصريين فى المنيا وأسيوط والفيوم، ووزعت هذه المنشورات فى عدة محافظات بينها الصعيد، كما قامت اليد السوداء بإرسال خطابات التهديد للسياسيين ـــ الذين إعتبرتهم الثورة موالين للإنجليز، ومولت اليد السوداء أنشطتها بجمع الأموال، فقد كان للجمعية نظامًا منظمًا ضد الإنجليز، وكون أعضاء اليد السوداء لجان داخلية.. لجنة الدفاع الوطني، واللجنة المستعجلة، واللجنة التنفيذية العليا، وتوعدت اللجنة الأولي وهددت الموظفين والتجاّر بالقتل إذ لم يشاركوا فى الإضراب بغلق متاجرهم.

قد يفيد تتبع الصعود السياسي والوظيفي لعلي الحدّاد فى منطقته ـــ محافظة قنا، فى السنوات التي تلت ثورة 1919، لتخمين حجم المهام التي قام بها لصالح اليد السوداء.. ربما! يقول أحمد قاسم فى سياق ترجمته إن على الحدّاد إستطاع أن يصل لمنصب العمدية دون بلوغه السن القانونية للمنصب بتدخل من الوفد لدي وزارة الداخلية، منوهًا إنه كانت تربطه علاقة قوية بـ بهي الدين بركات أحد قيادات الوفد وحكومته، وهو نجل فتح الله بركات من مؤسسي الوفد المصري.

ولم تكن عمدّية قرية المراشدة المستقرة لدي عائلة الحدّاد حتي وقت هذا، هي كل الإستثناءات التي حصل عليها عضو جماعة اليد السوداء، ففى سنة 1936 تدخل مصطفي النحاس لدي الملك فاروق ليمنح الحدّاد لقب البكوية وهو لم يتجاوز الـ 30 عامًا، ليصبح أصغر من يحمل هذا اللقب فى القطر المصري، وفى سنة 1950 فاز بمقعد نيابي عن منطقته وأصبح ممثلًا لها فى البرلمان، ولكنه لم يستمر سوي سنتين إذ إنتهي صعوده السياسي بقيام حركة الضباط الأحرار سنة 1952، وإحلال نظام حكمً جديد.

وقبل واساطة مصطفي النحاس لدي الملك فاروق بسنةً واحدةً، نري النحاس ووليم مكرم عبيد يخصان مسقط رأس على الحدّاد بالزيارة، ضمن زيارتهما لقواعد الوفد فى الصعيد، وربما يوضح ذلك أدوار الحدّاد التي كان تثمنها قيادات الوفد المصري. ففي 27 فبراير 1935، وقف مصطفي النحاس فى سرادق ضخم ــــــــ مازال مكانه يطلق عليه أهالي القرية مُوردة النحاس حتي وقتنا هذا، وقال.. باسمي واسم أخي مكرم أقدم لحضراتكم وافر الشكر جميعا على تفضلكم باستقبالنا هذا الباهر الجميل، وأقدم خالص الشكر لحضرة عمدتكم على أفندي عبد المجيد له الشكر فقد ضرب لكم باستقالته أحسن الأمثال على عدم مجاراة الظلم والظالمين وأنتم تنفرون من الظلم والظالمين وتأبون التعاون معهم. أولئك الذين صدقت عزيمتهم وقويت شكمتهم، أولئك الأحرار الكرام الذين يأبون إلا الحرية والكرامة فلا يذلون ولا يستضغرون. ولذلك لما زال الظلم ومحيث أثاره عاد عمدتكم المستقيل إلى منصبه وكان فى عودته عودةً للحق ونال الصابرون أوفي جزاء.

السياق الموازي والاستعدادت اللوجستية لهذه الزيارة كلفت علي الحدّاد نحو 16 فدانًا من أملاكه كحجم إنفاق على الاستقبال والذبائح التي نُحرت بطريق موكب النحاس ومكرم..أقام الحدّاد سرادق كبير على النيل مباشرة مع طاقم خدمة من القاهرة برئاسة حلواني شهير كان يدعي عبد المجيد الرمالي، لتقديم إفطار الصباح الذي جلب بالقطار الذي وصل محطة دشنا فى الخامسة والنصف صباحًا ومنها مكان السرداق بقرية المراشدة المجاورة لدشنا غربًا.

وفى خطبة مصطفي النحاس نجده يشير إلى إستقالة مؤقتة لعلي الحدّاد من منصب العمدّية وعاد بعدها  مجددًا لمنصبه، كانت تلك الواقعة جزء من إعتراض الوفد المصري على إلغاء دستور 1923، وإستبداله بدستور 1935 المناؤي لمبادئ الديمقراطية، وسرعان ما تراجع إسماعيل صدقي رئيس الحكومة، عنه وأعاد العمل بدستور 1923.

فى سنة 1983 مات علي الحدّاد وهو فى السابعة والسبعين من عمره، ولم يبح بكل أسرار عمله فى الجهاز السري إلا القليل، تلك المعلومات المحققة التي تبوح عن عضو فاعل ومؤثر فى جماعة اليد السوداء بعد 38 سنة من رحيله.