رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كورونا.. سنة جديدة ورعب مستمر

فيما كان المصريون يحتفلون بعيد الحب عام 2020، وأياديهم ممسكة بالورود، والقلوب مملوءة بالأمل وحب الحياة، صعقهم خبر عاجل بثته كل فضائيات العالم، وهو: ظهور أول إصابة بفيروس كورونا فى مصر.

نسى الجميع الورد وشموع الحب، وغرقوا فى دوامة الفزع من الوباء القاتل الذى دق باب مصر، وتسلل إلى داخلها.. سيطر قلق الموت، وصراع البقاء، على عقول كل المصريين، والشهيق والزفير أعلى قيمة من كل الأحلام والأمانى.

وكانت القضية الأكثر طرحا هى كيف ننجو من عدو غامض يحتل الأجساد عبر الهواء الذى نتنفسه؟

أيام طويلة قضاها ملايين المصريين فى عجز وقلة حيلة يحصون عدد الضحايا الذين يتساقطون يوميًا، وفرض الوباء أحكامه على وجه الحياة فى مصر، وأربك حسابات كل مصرى.. الملف التالى يرصد كيف عاش المصريون العام الأول لكورونا.. وكيف عبروا الخوف.. ويرصد أيضاً ملامح «سنة تانية كورونا».

 

«كوفيد» فى مصر: من صفر.. إلى 174 ألف إصابة

 

ظهر فى العالم ككابوس على طريقة أفلام هوليود، وانتشر فى مصر على طريقة الأفلام العربية.. هكذا كان حال كورونا.. فبمجرد اكتشافه فى الصين قبل نهاية 2019، كان أقرب إلى شبح يظهر فجأة ودون سابق إنذار، فى دول متباعدة جغرافيا، فيصيب فيها العشرات فى لمح البصر، ثم ينتقل كالريح فيصيب آخرين..

وكانت أنباء ضحاياه تتصدر كل وسائل الإعلام، وتملأ قلوب كل سكان الأرض رعبًا وهلعًا، ليس فقط لسرعة انتشاره، وإنما لغموضه، وعجز العلماء عن فك طلاسمه، وتحديد نوعه وصفاته.

وفتح غموضه الباب واسعًا أمام شائعات بلا حصر، بعضها أكد أنه بداية حرب بيولوجية بين القوى العظمى فى العالم، والبعض قال إنه كوكتيل «كارثة» جمعته الخفافيش مع أكل الصينيين للكلاب والقطط والفئران، وفريق ثالث قال إنه تحور جديد وقاتل لفيروس الإنفلونزا العادية، وفريق رابع راح يقسم أنه بداية لنهاية العالم وقرب يوم القيامة.

كان المصريون يتابعون كل هذا بكثير من الخوف، وشعر الكثيرون أن الموت صار أقرب إليه من حبل الوريد.

توالت أنباء ظهور الفيروس فى دول كثيرة، بينما وزارة الصحة تؤكد أن الفيروس لم يصل إلى مصر بعد، وفى المقابل كان المرجفون فى مصر وخارجها لا يتوقفون عن الزعم بأن «كورونا» موجود فى مصر، وفى كل مرة كانت منظمة الصحة العالمية تؤكد صحة ما تقوله وزارة الصحة المصرية.

وبعد شهرين -أو ما يزيد قليلا- شق سكون الخوف فى مصر، نبأ عاجل بثته كل الفضائيات، يقول «ظهور أول حالة مصابة بكورونا فى مصر»، كان الخبر كصاعقة انتظرها المصريون على مدى أسابيع، ووقعت الواقعة، وكان ذلك قبل عام كامل و72 ساعة من الآن.. تسلل الفيروس إلى مصر، عبر شاب صيني -34 عاما- يعمل بشركة داخل أحد المولات الشهيرة، وفور اكتشاف إصابته تم نقله بطائرة مجهزة إلى الحجر الصحى بمستشفى النجيلة فى محافظة مطروح.. وكانت هذه أول ظهور لفيروس كورونا فى مصر، وتوالت العاصفة.

فبعد 48 ساعة من اكتشاف إصابة «الصينى» أعلنت وزارة الصحة والسكان، فى بيان مشترك مع منظمة الصحة العالمية، اكتشاف إصابة خبير كندى، يعمل بإحدى شركات البترول بالفيروس، ليتم نقله للعزل الصحى، ووضع موقع شركة البترول فى سيوة تحت الحجر الصحى لمدة أسبوعين.

وبعد 72 ساعة أخرى تم اكتشاف 12 إصابة جديدة بالفيروس، على متن إحدى البواخر النيلية القادمة من أسوان متجهة إلى الأقصر، بعد أن تأكدت إصابة أمريكية، من أصل تايوانى، كانت على متن الباخرة، حتى ذلك الحين، لم يكن الفيروس قد تمكن من قتل أية ضحية، ولكنه فعلها مساء يوم 8 مارس 2020، وكان الضحية مواطنا ألمانى الجنسية، ظهر عليه ارتفاع بدرجة الحرارة عند وصوله من محافظة الأقصر إلى الغردقة، يوم 6 مارس، فتوجه إلى مستشفى الغردقة العام، وعلى الفور تم وضعه فى الرعاية المركزة، لإصابته بفشل تنفسى ناتج عن التهاب رئوى حاد، وجرت محاولات لنقله إلى مستشفى العزل، ولكنه رفض ثم ساءت حالته وحدث اضطراب فى درجة وعيه، وتوفى يوم 8 مارس.

الضحية الثانية للفيروس كانت سيدة مصرية ستينية العمر، من وسط الدلتا، وتحديدا من محافظة الدقهلية، أصيبت بالتهاب رئوى حاد، وتم نقلها إلى مستشفى العزل قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، وفى صباح اليوم التالى كشفت وزارة الصحة والسكان عن إصابة أحد طلاب مدرسة سيتى الدولية بالزمالك، بفيروس كورونا انتقل إليه عن طريق والده، الذى خالط أجنبيا مصابا بالفيروس، وتم فرض عزل ذاتى على طلاب المدرسة والمعلمين والإدارة المدرسية لمدة 14 يوما كإجراء وقائى.

وبعد شهر من اكتشاف الحالة الأولى، تخطت مصر حاجز المائة إصابة، ففى يوم 14 مارس الماضى، ارتفعت الإصابات فى مصر إلى 110 حالات، بعد ظهور 17 حالة جديدة. وفى الرابع من أبريل 2020 ظهرت 85 حالة إصابة جديدة، لتكسر حاجز الألف إصابة بفيروس كورونا، وتصل الإصابات إلى 1070.

وفى 8 أبريل، سقطت 9 وفيات جديدة، لتتخطى الوفيات 100 وتصل إلى 103 حالات، وبعد شهرين بالتمام والكمال، من ظهور الوباء ظهرت 160 إصابة جديدة، وهو أعلى معدل إصابات يومى منذ ظهور الفيروس فى مصر.

وتوالى انتشار الفيروس تباعا بين محافظات مصر المختلفة، وكان شهر يونيو 2020 أكثر الشهور تسجيلا للإصابات، محققا 1399 إصابة جديدة، فى أول أيامه، ارتفعت إلى 1691 إصابة جديدة فى منتصفه، ثم بدأت فى الانحسار فى نهايته مسجلة 1557 إصابة جديدة، وتواصل تراجع انتشار الفيروس فى أول يوليو ليسجل 1465 إصابة جديدة، ويظل فى انحسار طوال يوليو ليسجل 429 إصابة جديدة فى 31 يوليو.

وكان أغسطس 2020 هو أقل الشهور تسجيلا للإصابات بفيروس كورونا، فبدأ بـ390 إصابة جديدة فى مطلع الشهر، انخفضت إلى 146 فى منتصفه، وظلت على هذا الحال حتى أوائل نوفمبر لتسجل 171 إصابة جديدة، ترتفع إلى 361 إصابة يوم 31 نوفمبر، وإلى 366 فى أول ديسمبر، لتقفز إلى 1418 يوم 31 ديسمبر 2020.

ومن جديد عاود الفيروس تراجعه، مع مطلع العام الحالى ليسجل 1409 إصابات يوم 1 يناير 2021، واستمر تراجعه طوال يناير ليسجل 591 إصابة جديدة يوم 31 يناير، ثم 541 فى الأول من فبراير الجارى، ولكنه عاود الارتفاع مرة أخرى فى 13 فبراير لتسجل 600 حالة إصابة جديدة، وتسجل نفس عدد الحالات فى 14 فبراير.

محصلة أعداد الإصابات كشفت نتائج عديدة، أولها أن محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية والقليوبية، كانت الأكثر إصابة بفيروس كورونا، تلتها محافظات البحيرة، والغربية والفيوم، والمنيا، والمنوفية، ثم جاءت محافظات كفر الشيخ، وسوهاج، وأسيوط، والسويس، والشرقية، وبنى سويف، وكانت أقل المحافظات تسجيلا للإصابات أسوان، ثم بورسعيد وقنا، والأقصر، والدقهلية، ودمياط، ومطروح، والبحر الأحمر، والإسماعيلية، وجنوب سيناء، والوادى الجديد.

وجاءت حلوان ومدينة نصر والمطرية والمرج والشرابية أكثر المناطق إصابة بفيروس كورونا بالقاهرة، فيما كانت أوسيم والوراق وبولاق الدكرور وامبابة أكثر المناطق إصابة بفيروس كورونا فى الجيزة، والمنتزه وشرق الإسكندرية أعلى معدل إصابات بمحافظة الإسكندرية.

وانفردت محافظة جنوب سيناء، ببشرى سارة لكل المصريين، حيث تم إعلان خلوها تماما من فيرس كورونا، فى أغسطس الماضى بعدما سجلت صفر إصابات بفيروس كورونا.

وحسب إحصاءات وزارة الصحة فإن النسبة الأكبر فى الإصابة بكورونا كانت للفئة العمرية من 35 إلى 50 عاما، مسجلة 28.7% من الإصابات، فى حين لم تتجاوز الإصابات بين الأطفال حتى 5 أعوام نسبة 5.% أما الإصابات بين الفئة العمرية من 5 إلى 15 عاما فبلغت نسبتها 1.4%، بينما كانت ذات النسبة فى الفئة العمرية من 15 إلى 35 عاما نحو 25.2%، فيما أسقطت الجائحة ما يقارب 10 آلاف مصرى، فقدوا أرواحهم بسبب الإصابة بالفيروس.

 

الحياة فى زمن الوباء: ثورة تغيير للعادات اليومية

 

الحياة فى مصر قبل كورونا، تختلف تمام الاختلاف عما بعدها.. المصريون المشهورون بالتلاحم الاجتماعى والسهر حتى مطلع الفجر، لم يعد بإمكانهم أن يعيشوا بعد كورونا كما كانوا قبلها، «حتى السلام بالإيد بقى شىء علينا جديد»!

 وأربكت الجائحة نمط حياة كل مصرى.. الكمامة على الوجه أصبحت عادة.. التباعد الاجتماعى صار سمة التعايش.. التكنولوجيا احتلت المرتبة الأولى فى إنجاز الأعمال.. المقاهى والمطاعم مغلقة أغلب ساعات اليوم.. مواقع العمل عملت بنصف طاقتها.. المساجد أغلقت أبوابها لشهور طويلة، وكذلك فعلت المدارس والجامعات.. جميع الأسر لزمت مساكنها لساعات طويلة، وهو أمر كان قليل الحدوث فيما قبل ظهور كورونا، وفوق هذا تم منع جميع المظاهر الاجتماعية التى يتجمع فيها عدد كبير من الناس، فلا احتفالات بالزواج، ولا ندوات ولا مؤتمرات، ولا صلاة جنازة حتى الصلوات الخمس اليومية تحول النداء لها فى المساجد إلى «صلوا فى بيوتكم.. صلوا فى رحالكم».. وكذلك توقفت الكنائس عن مواعظها التى يحضرها الجماهير.

وطوال عام كورونا لم تتوقف نصائح الأطباء بتوالى غسل الأيادى وتعقيمها بشكل متواصل، أما الأحضان فممنوعة لدرجة أقرب للتحريم، والسلام لم يعد مصافحة بالأيدى، وتحول إلى تلامس الكوعين أو قبضتى اليدين!

البحث عن أدوية تقوية المناعة، المطلب الأول لكل المصريين، وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، احتل الخوف اجسادهم العليلة، بعد توالى التحذيرات من أنهم دون غيرهم الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس الغامض الجديد وزاد من حالة الخوف العامة، تصريحات صادرة من كل مكان تتحدث عن صعوبة التوصل للقاح كورونا قبل عام على الأقل.

ووسط حالة الخوف تلك أغلقت دور السينما أبوابها 3 شهور كاملة، وعندما عادت كانت نسبة التشغيل 25% بقرار من رئيس الوزراء، وحتى عندما وصلت نسبة التشغيل 50% لم تعد الحياة كما كانت.

 وكان واضحا أن المزاج العام للمصريين قد أصابه تشويش ما، بسبب كورونا وتداعياتها، بدليل أنه منذ نهاية يونيو 2020 (وهو تاريخ عودة تشغيل السينما)، وحتى الآن استقبلت دور العرض 15 فيلما بلغ إجمالى إيراداتها 77 مليون جنيه فقط، وهو رقم ضئيل للغاية، وكان فيلم «فيروس» هو الأقل إيرادا فلم يحقق إيرادات تذكر وتم رفعه، أما فيلم «الغسالة» فكان الأكثر إيرادا بمبلغ 15 مليون جنيه.

لم تكن إيرادات السينما هى المؤشر الوحيد الذى يعكس تشوش الحالة المزاجية للمصريين فى عام كورونا.. عدد المواليد دليل آخر على ذات النتيجة، فمع قضاء كل أفراد الأسرة ساعات طويلة فى البيوت، توقع الكثيرون أن تزداد معدلات المواليد، ولكن المفاجأة كانت العكس، ففى عام كورونا بلغ عدد المواليد الجدد 1.5 مليون نسمة زيادة سكانية، بواقع 125 ألف و910 مولود شهريا، و3.1 مولود كل دقيقة، فيما بلغت مواليد العام السابق على كورونا 2مليون و304 آلاف و832 مولودا، بمعدل 6315 مولودا جديدا كل يوم، و263 مولودا كل ساعة، و4,4 مولود جديد كل دقيقة ومعنى ذلك أن عدد المواليد فى عام كورونا تراجع بنسبة 25% عن العام السابق عنه!..

 وحسب دراسة للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فإن فيروس كورونا، أحدث تغيرات اجتماعية كبيرة.. وتقول الدراسة إن نحو 62% من الافراد المشتغلين قد تأثرت حالتهم بسبب الفيروس منهم 26% تركوا العمل نهائيا ونحو 56% أصبحوا يعملون أيام عمل أقل أو ساعات عمل أقل من المعتاد، ونحو 18% يعملون عملا متقطعا.

 وتضيف الدراسة أن 74% قد انخفضت دخولهم منذ ظهور الفيروس وكان الشباب (بين 15 و24 سنة) الأكثر تأثرا حيث انخفض دخل نحو 88% منهم، وترجع أسباب ذلك إلى العمل أياما أقل أو ساعات عمل أقل (نحو 46%) أو التعطل (31%) أو الانتقال لعمل متقطع (23%), تليهم الفئة العمرية (25-34) بنسبة 79% مع ملاحظة الاختلاف فى الأسباب عن الفئة الأولى حيث أن معظمهم (53%) يعملون عملا اقل ونحو 28% تعطلوا و19% عملا متقطعا.

 وبشكل مفصل رصدت الدراسة ما فعلته كورونا فى المصريين فقالت إن 54% قاموا بالاقتراض أو شراء الطعام بالأجل لتغطية احتياجات الأسرة، 93% من الأسر التى شملتهم الدراسة اعتمدت على أنواع أرخص من الغذاء مع ما يعنيه ذلك من جودة وخلافه، و16% اعتمدوا على المساعدات من الأصدقاء والأقارب و20% قاموا بتقليل كميات الطعام أو تقليل عدد الوجبات اليومية، و5% أشاروا إلى أنهم يقومون بإرسال أفراد الأسرة لتناول الطعام لدى الآخرين.

 وكشفت الدراسة انخفاض استهلاك الأسر من بعض السلع الأساسية كالحوم والطيور والأسماك والفاكهة مقابل ارتفاع الاستهلاك من الأرز وزيت الطعام والبقوليات، مع زيادة كبيرة فى استهلاك الأدوات الطبية والمنظفات والمطهرات فضلاً عن فواتير الإنترنت.

وأشارت الدراسة إلى أن « كورونا» أثر على كل جوانب المجتمع، مما يتطلب إحداث تغيرات جوهرية فى التعليم والتدريب والاستثمار فى رأس المال البشرى الصحة والتعليم والمعارف.

وفيما يتعلق بجرائم عام كورونا، فكانت، حسب الدكتورة نوران شحاتة أستاذ الاجتماع بجامعة عين شمس، جرائم اقتصادية فى المقدمة، يليها جرائم الأسرة، بما فيها جرائم القتل الأسرية والتفكك الأسرى، والتنمر على وسائل السوشيال ميديا، فيما تتراجع الجرائم الأخلاقية بسبب الخوف من العدوى وزيادة الوازع الدينى فى زمن الأوبئة، حال المصريين مع كورونا، كان يحتاج لتحرك حكومى لتخفيف الآثار الاقتصادية والاجتماعية للجائحة، وهو ما فعلته الحكومة، حينما قررت صرف إعانة مالية شهرية للعمالة الموسمية، مع إطلاق عدد من المبادرات الحكومية، ومنها مبادرة «أهالينا» والتى تدعم الفئات الأكثر تضررا من تفشى الفيروس، وهى المبادرة التى شارك فيها القطاع الخاص ممثلا فى كبرى الشركات، والشركات الصغيرة، والقطاع الحكومى، ممثلا فى أجهزة الدولة، والمؤسسات الدينية، وعدد من الاتحادات لتقديم كافة سبل الدعم اللازم سواء للأسر أو للأطقم الطبية للتخفيف من حدة التداعيات السلبية للجائحة عليهم.

 ولأن القطاع السياحى كان الأكثر تضررا من الأزمة طبقت الحكومة إجراءات غير مسبوقة لدعمه خلال الأزمة، كان فى مقدمتها إعفاء المنشآت السياحية من الضرائب العقارية وإرجاء تحصيل الكهرباء والماء والغاز، كما تم إلغاء الحجز الإدارى لمدة عام، وقدمت وزارة المالية ضماناً للبنك المركزى بقيمة 3 مليارات جنيه لكى تستطيع المنشآت السياحية الاستفادة من مبادرتى البنك المركزى لإقراض المنشآت السياحية حتى تدفع رواتب العاملين بها وتطوير وتهيئة المنشآت لتكون جاهزة للتشغيل واستقبال السياح.. وهكذا عبر المصريون العام الأول لكورونا.

 

سنة تانية كورونا: «أبريل» و«مايو» الأخطر

 

كما كان فى عامه الأول غامضا وغريبا ومريبا ومثيرا للجدل، سيظل «كورونا» فى عامه الثانى غريبا ومثيرا للجدل.. هكذا يؤكد أغلب علماء العالم.

وبنفس صدمة العام الأول بدأ الفيروس عامه الثانى بصدمة مماثلة، انطلقت من منظمة الصحة العالمية، التى أعلنت قبل أسابيع قليلة أن العام الثانى لجائحة فيروس كورونا قد يكون أشد من عامها الأول بالنظر إلى مدى انتشار الفيروس، خاصة فى نصف الكرة الشمالى، مع تفشى سلالات منه أكثر عدوى.

ونشرت منظمة الصحة العالمية تقريرا على موقعها الرسمى، قالت فيه إن المستويات العالية من انتقال العدوى تعنى أننا يجب أن نتوقع ظهور المزيد من المتغيرات، فكلما تحورت الفيروسات زاد انتشارها وزادت فرص تغييرها. وأضافت أن بعض المتغيرات التى تم إبلاغ المنظمة العالمية بها حتى الآن مرتبطة بزيادة فى قابلية انتقال الفيروس، إلا أنه لم يتم

العثور عليها فى التسبب فى شدة المرض، ولا يزال البحث جاريا لمعالجة ما إذا كانت هذه التغييرات تؤثر على أدوات وتدابير الصحة العامة.

وهكذا تحول الأمل فى قرب نهاية الفيروس إلى كابوس زيادة حدة انتشاره، ووسط توقعات باستمراره حتى 2024 حسب تقدير خبراء صينيين.

كابوس كورونا، يزداد اتساعا ورعبا، مع توالى تصريحات من مؤسسات علمية عالمية تؤكد أن الوصول إلى لقاحات عديدة لمواجهة كورونا لا تعنى أبدا نهايته، وحذرت مجموعة من العلماء البارزين فى بريطانيا من أن الوصول للقاح فعال لفيروس كورونا لن يعيد الحياة إلى طبيعتها فى الربيع القادم.. وقالت دراسة أصدرتها «الجمعية الملكية» أن العالم بحاجة إلى أن يكون أكثر واقعية بشأن ما يمكن أن يحققه اللقاح ومتى، وإذا كان البعض يعتبر أن اللقاح هو الكأس المقدسة التى ستنهى الوباء، فإن دراسة الجمعية الملكية البريطانية تقول إن الأمر قد يستغرق ما يصل إلى عام لنشر اللقاح.

وأضافت الدراسة: «لا تزال هناك تحديات هائلة فى المستقبل، فبعض اللقاحات لم يتم إنتاجها بكميات كبيرة، كما أن هناك أسئلة علمية لم تحسم حتى الآن، حول المواد الخام -لكل من اللقاح والقوارير الزجاجية- وسعة الثلاجة، التى سيتم تخزين تلك اللقاحات بها، حيث تحتاج بعض اللقاحات إلى التخزين فى درجة حرارة أقل من 80 درجة مئوية، فضلا عن أن منح اللقاح للناس يجب أن يتم بوتيرة أسرع بعشر مرات مما يتم فى حملات الإنفلونزا العادية، وهو أمر يحتاج إلى عشرات الآلاف من الموظفين المتدربين على هذا الأمر، كما أن تحقيق المناعة طويلة الأجل تجاه كورونا، يحتاج حسمه إلى بعض الوقت، فحتى الآن لا يعرف أحد ما إذا كان الناس بحاجة إلى التطعيم كل عامين أو ما إذا كانت جرعة واحدة أو جرعتين ستفى بالغرض».

ويتوقع العلماء أن يكون العام الثانى لكورونا هو عام الاختلاف الأكبر، فبعد أن وحد الفيروس العالم فى مواجهته مطلع العام الماضى، فإن ذات الفيروس سيثير فى عامه الثانى حروبا كلامية طويلة بين دول العالم، أولها ما يتعلق باللقاح الأفضل والأكثر فاعلية، ومنها أيضاً ما يتعلق بما إذا كانت «جوازات سفر اللقاح» ضرورية لضمان تحصين الأشخاص القادمين إلى البلاد، كما ستجد دولا كثيرة نفسها أمام مأزق يتعلق برفض مجموعات من الناس الحصول على اللقاح، فهل تتركهم ليتدبروا أمورهم بأنفسهم أم سيكون اللقاح إلزاميا للأطفال من أجل الذهاب إلى المدارس، أو للموظفين ليكون مسموحا لهم العمل، أو كبار السن، وللمصابين بالأمراض المزمنة.

العام الثانى لكورونا فى مصر بدأ بتراجع واضح فى حالات الإصابة، وهو ما تزامن مع بدء حملة التطعيم ضد فيروس كورونا فى مصر، بتلقى أفراد من الأطقم الطبية للقاح «سينوفارم» الصينى، وبحسب تصريحات للمتحدث باسم وزارة الصحة الدكتور خالد مجاهد، فإنه بعد الانتهاء من تلقيح الأطقم الطبية سيتم فتح موقع التسجيل لتلقى اللقاح أمام المواطنين، لتسجيل أنفسهم للتطعيم فى 40 مركزا على مستوى الجمهورية.

ورغم كل هذه الأنباء المبشرة إلا أن الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة توقعت زيادة أعداد إصابات كورونا المستجد، خلال شهرى أبريل ومايو المقبلين، فى وقت يتزامن مع شهر رمضان، الذى سيبدأ منتصف أبريل، مما يزيد المخاوف من صعوبة تنفيذ الإجراءات الاحترازية بشكل كامل.

وقال الدكتور محمد عبدالفتاح رئيس الإدارة المركزية لشئون الطب الوقائى بوزارة الصحة أن عدم الالتزام بالإجراءات الاحترازية، يهدد بزيادة إصابات كورونا مجددا، فضلا عن أنه من المعتاد أن يشهد شهر أبريل موجة من التقلبات الجوية إثر تغير فصول العام بين الشتاء والربيع، إلى جانب موجات الخماسين، والميل لإغلاق المنازل مدة أطول، وهذا كله قد يؤدى لزيادة فى أعداد الإصابات الفترة المقبلة. وأضاف «فى المناسبات الاجتماعية والدينية، كما فى شهر رمضان، يميل الغالبية العظمى من الناس إلى التجمعات فى الأماكن المغلقة، مما يؤدى لزيادة الاختلاط بشكل غير طبيعى، وبالتالى يسهم فى زيادة عدد حالات الإصابة».

وحسب الدكتور سعيد عبدالوهاب الأستاذ بكلية طب عين شمس فإن الإجراءات الاحترازية التى فرضتها الحكومة المصرية، وفى مقدمتها تطبيق الغرامة الفورية لغير الملتزمين بارتداء الكمامة فى المواصلات والأماكن العامة، إلى جانب وقف الدراسة فى المدارس والجامعات، والعمل بنصف قوة العمل فى الهيئات والمصالح الحكومية.. هذه الإجراءات حققت أثرا إيجابيا واضحا فى الحد من احتمالية نقل الفيروس.. وقال «يجب الالتزام بهذه الإجراءات لشهور أخرى قادمة، لأن أى تراخٍ فى تطبيقها يعنى زيادة ضخمة فى الإصابات، ويفتح الباب واسعا أمام موجة ثالثة من هجوم الفيروس»، وأضاف: «الاستمرار فى حملة التطعيمات، والالتزام الصارم بالإجراءات الاحترازية ستخفف وتيرة الموجة الثالثة للوباء عند حدوثها، أو قد تمنع وقوعها من الأساس».

 

فى معركة المواجهة: أبطال.. و«أثرياء حرب»

 

«كورونا» فى حقيقته معركة بين الحياة والموت، وفى كل المعارك هناك أبطال يقاتلون لكى يحيا الناس، وهناك أيضاً انتهازيون «أثرياء الحرب» الذين يستغلون ضحايا المعركة، لتحقيق ثراء فاحش ولو على حساب آلام المرضى وجثث الموتى، وفى معركة كورونا كان الأطباء ومعهم الطاقم الطبى بكامل تشكيلاته (صيادلة - ممرضين) يقاتلون ليحيا المصريون، ويتصدون للفيروس، ويواجهون تداعياته، ويخففون من آلام الإصابة به، ويحاولون نزعه من أجساد المرضى التى تسلل إليها.. وفى المقابل استغلت بعض المستشفيات الخاصة وحددت «فيزيتا» فلكية لعلاج مصابى كورونا.

فى بداية الوباء كان الأطباء يواجهون شيئا مجهولا، لا يعرفون أدوات لمواجهته، ومع ذلك أصروا على التصدى للفيروس لإنقاذ المرضى حتى لو الثمن هو حياة الطبيب ذاته.

أيام طويلة قضتها الأطقم الطبية فى مستشفيات العزل، وسط الفزع والخوف وفيروس غامض، كانوا يعملون على مدار اليوم بلا توقف.

وفى معركة المواجهة سقط خلال العام الأول لكورونا فى مصر 371 شهيدًا من الأطباء – حسب بيانات نقابة الأطباء، وكان شهر يناير 2021 هو الأكثر تسجيلا لشهداء الأطباء، حيث بلغ إجمالى ما تم تسجيله بنقابة الأطباء 98 شهيدا، يليه فى شهر ديسمبر 2020 بـ52 شهيدا، وشهر يونيو 2020 بـ50 شهيدا، ثم أبريل 2020 بـ7 أطباء، و15 شهيدا فى مايو 2020، و50 طبيبا فى يونيو 2020، و23 طبيبا شهيدا فى يوليو 2020، و22 فى أغسطس الماضى، و22 شهيدا فى سبتمبر الماضى، و12 شهيدا فى أكتوبر الماضى، و24 شهيدا فى نوفمبر، فيما سقط أكثر من 70 صيدليا و66 من أطقم التمريض شهداء فى العام الأول لكورونا، بخلاف نحو 7 آلاف مصاب من الأطقم الطبية بكل تشكيلاتها. وبفضل جهود الشهداء وزملائهم من الأطقم الطبية تجاوز مئات الآلاف من المصابين الأزمة وقهروا فيروس كورونا.

وفى مقابل تضحيات الأطقم الطبية فى مواجهة الأزمة، غالت بعض المستشفيات الخاصة فى «فيزيتا علاج كورونا» مستغلين عدم قدرة مستشفيات الحميات والعزل الحكومية على استيعاب جميع المصابين بكورونا.

وبعد أن ضجر الناس وصرخوا بكل ما يملكون، بسبب فيزيتا علاج كورونا، تدخلت وزارة الصحة وحددت سعر علاج كورونا فى المستشفيات الخاصة، فحددت سعر العزل بالقسم الداخلى بما يتراوح من 1500 إلى 3000 جنيه، وتكلفة العزل بالرعاية المركزة شاملة جهاز تنفس صناعى بما يتراوح من 7500 حتى 10000 جنيه، وتكلفة اليوم فى الرعاية بدون جهاز تنفس صناعى من 5000 جنيه حتى 7000 جنيه. ورغم هذا خالفت كثير من المستشفيات الخاصة «تسعيرة الحكومة»، ووصلت لدرجة أن أسرة أحد المتوفين بكورونا داخل مستشفى خاصة وجدت نفسها مطالبة بسداد 120 ألف جنيه.

وبسبب جنون فيزيتا العلاج نشبت معارك كلامية وقضائية بين أهالى ضحايا كورونا وعدد من المستشفيات الخاصة، إحدى تلك المعارك القضائية وصلت لنهايتها، بحكم قضائى أصدرته محكمة 6 أكتوبر الابتدائية الدائرة الأولى مدنى كلى حكمها فى الدعوى رقم 4390 لسنة 2019 بعدم قبول مطالبة الإلزام التى رفعتها مستشفى خاصة وطالبت فيها طبيبا بسداد مبلغ 2.753.496 (مليونان وثلاثة أرباع المليون جنيه) كتكاليف علاج والد الطبيب الذى توفى لديها بسبب عملية قام بها المستشفى.

وكشف الدكتور هانى سامح أن «عبثية فواتير المستشفيات الخاصة وصلت لدرجة أن أحدها طلب من أسرة مريض لم يكن يشكو من أمراض أو أعراض سوى الغيبوبة، سداد مبلغ مليون جنيه قيمة أدوية بينما 90% من صيدليات الجمهورية لا تحوى أدوية بتلك القيمة بل لو أتينا إلى رابطة مرضى بالمحافظة وحسبنا قيمة الأدوية التى يتعاطاها مرضى القلب بتلك الجمعية أو الرابطة فلن تصل إلى تلك القيمة»!

وتابع أن فاتورة المستشفى الخاص قالت إن المريض الذى توفى استهلك أدوية بمليون و700 ألف جنيه إقامة, و93 ألف جنيه استشارة طبيب, و14 ألف جنيه أتعاب طبيب, و75 ألف جنيه رعاية طبية , و300 ألف جنيه مستلزمات, و350 ألف جنيه معامل تحاليل, و165 ألف جنيه استخدام أجهزة طبية , و250 ألف جنيه علاجا طبيعيا للمريض (أثناء غيبوبته بعد العملية), و92 ألف جنيه أشعة, و250 ألف جنيه مقابل خدمة للمستشفى.

وحكى الطبيب أسامة أبوالخير ابن المريض المتوفى حكاية والده مع المرض والمستشفى فقال إن والده دخل المستشفى لإجراء عملية جراحية لإزالة ورم محدود بالقولون مقابل خمسين ألف جنيه تم دفعها للأطباء وللمستشفى أثناء الدخول, وأنه تمت عملية إزالة الورم واستفاق والده وتم نقله لغرفة عادية وفى اليوم التالى تدهورت حالة المريض بشدة مع إهمال مستمر لصعوبات التنفس لديه لينتهى به الحال بنقله للعناية المركزة بتوقف كامل للنفس بسبب حدوث استرواح هوائى وانغلاق كامل للرئتين لم يتم علاجه لساعات طويلة رغم الحالة الحرجة للرئة وأن الاسترواح حدث على الجانب الأيمن وعلى الجانب الأيسر للرئتين مما أعقبه توقف للقلب والدخول فى غيبوبة دماغية أدت إلى وفاته بعدها بسبع شهور, وقال إن الاسترواح على الجانبين سببه استشارى التخدير بالمستشفى الذى قام بتركيب القسطرة العنقية المركزية على الجانب الأيمن والجانب الأيسر بشكل خاطئ بدون مراعاة الاحتياطات الطبية الواجبة وبدون إخطار أى من الأطباء أو أهل المريض بما حدث نهائيا حتى حدث التدهور.