رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«ليلة دافئة».. حلم الغلابة فى الشتاء

وجبة عدس ساخنة تنسيهم شقاء النهار

 

فى ليل الشتا الطويل، أنات لا يشعر بها إلا أصحابها، معاناة تنتظر ضوء النهار لتبدأ، رغم انها مستمرة طوال الليل، أجساد نحيلة ينهشها الفقر والبرد والمرض، نساء يتحملن «رصاصات» البرد التى تخترق أجسادهن قبل طلوع النهار، من أجل لقمة عيش يقتات بها الأبناء، ورجال بسطاء لا يملكون من الكون سوى الستر، وقليل من الصحة، يحلمون بسقف يأويهم ويأوى أسرهم البسيطة، معاناة تزداد مع قدوم الشتاء كل عام، يحلمون كل يوم بشتاء دافئ يحصلون فيه على أبسط حقوقهم فى الحياة، ووسط هذه المعاناة تمتد يد المساعدة لتطول البعض منهم، بينما هناك الآلاف ينتظرون من يحنو عليهم، ويمنحهم الدفء فى ليالى الشتاء الحزينة.

 

نساء فى مهمة «رجالى» جداً.. ورحلة الشقاء تبدأ قبل الفجر

 

الساعة تدق الخامسة فجراً، تتناول «عواطف» وجبة الإفطار فى عجالة، ثم تخرج لتلتقى مع عدد آخر من السيدات، وما إن يتجمعن حتى تأتى سيارة ربع نقل، يصعدن إليها فى عجالة كـ«البهلوانات».

تنطلق السيارة من محافظة الفيوم قاصدة محافظة الجيزة، ويقوم قائد السيارة بتوزيع السيدات على مناطق مختلفة، ومنهن «عواطف» التى تجلس فى شارع العسال بمنطقة أرض اللواء، بجلباب أسود فضفاض، وشال صوف يعتلى رأسها، تجلس «عواطف» على ناصية الشارع، بابتسامتها تحاول جذب أنظار المارة، وأمامها بعض الأقفصة عليها «بيض بلدى.. وحمام.. وقشطة.. وجبنة قديمة.. وفطير مشلتت».

«الفطير المشلتت.. الفطير البلدى بالسمن البلدى».. تنادى صاحبة الأربعين عامًا بصوتها العذب، وقالت إنها مثل غيرها من السيدات فى الأرياف يحرصن على السفر من أجل «لقمة العيش»، مشيرة إلى أنها اعتادت السفر على هذه السيارات كما كانت والدتها، وتابعت: «الجو بيبقى تلج.. بس إحساسى بالمسئولية تجاه أولادى بيشعرنى بالدفء».

«عواطف» أم لأربعة أبناء فى مراحل تعليمية مختلفة، تعيش مع أبنائها وزوجها الحاج عبدالباسط، فلاح، فى منزل بسيط، وهى سيدة من آلاف السيدات من محافظات الفيوم وكفر الشيخ والمنوفية وغيرها، يأتين من محافظاتهن كل صباح بحثا عن لقمة العيش فى العاصمة وضواحيها، وفى آخر اليوم يعدن إلى محافظاتهن مرة أخرى بقوتهن وقوت أبنائهن.

قصة «عواطف» لا تختلف كثيرًا عن «فوزية» التى تأتى لبيع الحمام فى منطقة بولاق الدكرور، وقالت إنها تأتى فى نفس السيارة التى تحمل «عواطف» وغيرها من السيدات السبع، جميعهن يحاولن تدفئة بعضهن على السيارة صباحًا من خلال وضع مفرش من الصوف عليهن ومع بعض البطاطين يستطعن مواجهة برد الشتاء حتى يصلن إلى مناطق أكل العيش.

قرابة 4 ساعات تستغرقها السيدة من منزلها حتى بولاق الدكرور، وتبدأ يومها الشاق حتى الساعة الخامسة مساءً وتعود السيارة لها بعد جمع باقى السيدات من المناطق المختلفة، وقالت: «ربنا الحارس.. وبنات اليوم ميقدروش يعيشوا عيشتنا دى».

تشير «فوزية» إلى أنها أم لثلاثة أبناء منهم فتاة فى المرحلة الجامعية، وتابعت: «بنتى فرفورة متقدرش تصحى كل يوم الفجر علشان أكل العيش».

تصمت صاحبة الخمسين عاماً قليلاً وتتذكر موقفًا لها مع ابنتها وتعود قائلة إن ابنتها مع أول يوم دراسى قالت لها: «كفاية يا ماما بهدلة وركوب العربيات الربع دى علشان منظرنا قدام الناس»، كلمات وقعت كالصاعقة على قلب الأم التى دخلت فى نوبة بكاء، مشيرة إلى أنها عانت مع ابنتها لإقناعها بأن أكل العيش مش عيب.. وما تتحمله هى السيدة العجوز لا تستطيع ابنتها الشابة تحمله فى سبيل تربيتها».

تستكمل فوزية حديثها قائلة: إنها كانت تتغذى منذ صغرها على السمن البلدى والباذنجان والثوم، وهو سر قوة صحتها الآن بعد رعاية المولى عز وجل، وتابعت: «مش بيأثر فينا برد الشتا.. زى بنات اليومين دول اللى لو طلعت برة الأوضة تاخد برد».

150 جنيهًا متوسط دخل هؤلاء السيدات فى اليوم، وأشارت جميعهن إلى أن يومى الخميس والجمعة سوق البيع الأساسى لهن، ويزيد متوسط دخل اليوم ما بين 200 إلى 300 جنيه.

فى سوق سعد زغلول، تجلس جمالات السيد، التى تأتى مع السيدات فى نفس السيارة، قالت إن مع فصل الشتاء تحاول السيدات اقتناء بطانية صوف لتحميهن من «رصاص البرد » فى فترة الصباح.

يوم جمالات يبدأ من الفجر، مثل باقى زميلاتها، حيث تتجمع مع السيدات لاستقلال السيارة حتى سوق سعد زغلول بالقاهرة، وتابعت: «أنا آخر واحدة بنزل من العربية بعد ما بتوزع السيدات على مناطق مختلفة بالجيزة»، تشير السيدة الأربعينية إلى أنها تبيع الحمام فى السوق منذ 12 عاماً، خاصة بعد وفاة زوجها الأرزقى، فكان لابد من سعيها لأكل العيش من أجل تربية أبنائها الخمسة.

وأشارت إلى أنها وبصحبة أسرتها يتناولون وجبة العدس الدافئة والتي تنسيهم مشاق يوم من التعب والمعاناة.

«بنبقى لازقين فى بعض على العربية زى الكتاكتيت».. تصف السيدة تفاصيل ساعات السفر صباحًا فى فصل الشتاء، مشيرة إلى أن الله عز وجل هو الحارس لهن من التقلبات الجوية، وتابعت: «ساعات السواق مش بيرضى يسفرنا لما بيكون فيه مطر، وساعاتها بندعى نقول يارب.. لأن مش بيبقى معانا فلوس كفاية».

هذه بعض النماذج لمعاناة سيدات مصر «الجدعان» للحصول على لقمة العيش، معاناة تزداد فى أيام الشتاء، ولا تمحوها إلا أيادى الخير التى تمتد لمساعدتهن ومساعدة غيرهن.

 

حياة كريمة

 

من ناحية أخرى تتكاتف وزارة التضامن الاجتماعى مع المجتمع المدنى لمساعدة المحتاجين فى مصر، ومن هنا جاءت مبادرة «حياة كريمة» لرعاية الأسر الأكثر فقرًا فى 143 قرية بـ 11 محافظة كمرحلة أولى، ومؤخرًا تلقت نيفين القباج، وزيرة التضامن، تقريراً حول مستجدات المبادرة.

وكشف التقرير عن بعض الأرقام الهامة منها أن مبادرة حياة كريمة نفذت حتى الآن أكثر ٩١% من التدخلات التى تستهدف تنفيذها، وأن تكلفة التدخلات التى تمت حتى الآن وصلت إلى ٥١٧ مليون جنيه، من إجمالى ٦٧٥ مليون جنيه خصصت لقرى المرحلة الأولى، منها ١٠٠ مليون جنيه تم توجيهها للتمكين الاقتصادى بالقرى من أجل تحسين المستوى المعيشى للأسر المستفيدة من المبادرة، من خلال مشروعات يتم تنفيذها بالتعاون مع وزارة الزراعة، ونحو ١٠٠ مليون جنيه لتمويل أنشطة وخدمات بالتعاون مع الجهاز المركزى للتعمير والشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى.

وبشأن المحور الخاص بسكن كريم، أشار التقرير إلى أنه تم توصيل ١٠١٩ وصلة مياه من إجمالى ٢٦٣٨ وصلة مستهدفًا تركيبها، و٦٠٠ وصلة صرف من إجمالى ٨٠٠ وصلة، وتركيب ٥٨٨٤

سقفاً للمنازل ويُستهدف الوصول إلى ٨٣٨٥ سقفاً، ورفع كفاءة ٤٣٥٠ منزلاً من إجمالى ٧٢٩٦ منزلاً مستهدفاً.

وقالت وزيرة التضامن فى تصريحات صحفية إن التدخلات المستهدفة شملت عدة محاور وهي: تدخلات خاصة ببرنامج سكن كريم؛ وهو برنامج يستهدف توفير وصلات المياه والصرف الصحى ورفع كفاءة المنازل وتركيب أسقف، وتدخلات لتطوير الوحدات الصحية والاجتماعية بالقرى المستهدفة، وتدخلات صحية وتشمل عمليات جراحية وعمليات عيون وقوافل بيطرية وقوافل طبية ونظارات وأجهزة تعويضية، وتدخلات تعليمية وتشمل تطوير المدارس والحضانات.

 

معا لإنقاذ إنسان

 

بينما كان يترجل فى الشوارع، وجد متسولًا ملقى على أحد الأرصفة، اقترب منه قليلاً فوجده مسناً يقارب الخمسين من عمره.، وقتها قرر المهندس محمود وحيد عبدالحميد، مدير مؤسسة «معا لإنقاذ إنسان»، مساعدة المتسول، ومن هنا واتته فكرة إنشاء مؤسسة هدفها حماية المشردين، خاصة فى فصل الشتاء.

وحول هدف المؤسسة قال المهندس محمود لـ«الوفد»، إن الهدف من المؤسسة رعاية المشردين فى الشوارع، وإيواؤهم داخل الدار، وتقديم الخدمات المختلفة لهم، من مأكل وملبس ومشرب، وتابع: «فيه ناس رجعوا لأهلهم بعد سنوات من البحث».

وجوه بائسة.. عيون غائرة تخفى بداخلها قصصًا مأسوية تفوق القصص الدرامية، البعض من المشردين حاصلون على مؤهلات عليا، ولكن دفعتهم ظروفهم الاجتماعية للتشرد فى الشوارع والنوم على الأرصفة لينتهى الحال ببعضهم للإصابة بألزهايمر.

وتضم مؤسسة معا لإنقاذ إنسان 92 موظفًا، البعض منهم متخصصون فى شؤون التمريض وعلم النفس.

فور دخولك بوابة المؤسسة تجد عالمًا آخر من البشر ظلوا طيلة حياتهم وسط متاعب الشوارع ومخاطرها فغيرت ملامحهم بشكل جذرى، وجوه تائهة وعيون غائرة مليئة بالحسرة وأجساد هزيلة هددتها الأمراض.

وحول أعمار المشردين داخل الدار قال: إنهم يستقبلون النزلاء من سن 18 عامًا، ولديهم مشردون تصل أعمارهم لـ100 عام، وهناك 111 حالة عادت إلى ذويها بعد التواصل معهم، وهناك حالتان لجأتا للهرب من المؤسسة على مدار الـ4 أعوام الماضية، مؤكدًا أن الدار لا تجبر أحدًا على البقاء فيها، وحال إصرار أحدهم على الخروج مرة أخرى نتركه ولكن نظل نرعاه فى الشارع.

«فريدة» سيدة فى العقد الخامس من عمرها، كانت ضمن أغرب الحالات فى الدار بحسب ما قاله المهندس محمود، وأشار إلى أنها كانت تتسول فى الشوارع، فكلما حاول الذهاب إليها ترفض عرضه بالمعيشة داخل الدار على أمل أن تلتقى بنجلتها الوحيدة.

حاول مؤسس الدار معرفة أى تفاصيل عن نجلتها للتواصل معها إلا أن«فريدة» كانت مصابة بالزهايمر فلم تتذكر شيئًا، إلا أنها كانت متزوجة وأنجبت طفلة وبعد انفصالها حرمها زوجها من بنتها وهرب، ولا تعلم عنهما شيئًا مما جعلها تتجول فى الشوارع لسنوات طويلة بحثًا عنهما، ومع تعرضها لأزمات نفسية أصيبت بالزهايمر.

ومع مرور السنوات وافقت «فريدة» على المعيشة داخل الدار وعلى الفور أعلن العاملون بالمؤسسة عن صورتها عبر صفحات التواصل الاجتماعى حتى توصلوا لنجلتها التى أصبحت جدة، وجاءت لإعادتها لمنزلها مرة أخرى.

 

شتاء مصر «فيه حاجة حلوة»

 

أصوات الرياح تدوى في أرجاء الغرف المكشوفة، وطلقات رصاص من أسفل الأبواب المصنوعة من الجريد تهدد أجساد قاطنيها بالموت برداً، حياة بدائية يعيشها بعض المواطنين من معدومى الدخل فى انتظار الفرج خاصة مع قدوم فصل الشتاء، ورغم برودة الشتاء وقسوة الأيام، والمعاناة التى يعيشونها، إلا أن مصر فيها «حاجات حلوة»، فيها شباب وجمعيات أهلية وطنية، يعملون جاهدين لتقديم يد العون لهؤلاء البسطاء، يحاولون تخفيف برد الشتاء عنهم، ومنحهم ليلة شتاء دافئة، يساعدون فى تسقيف المنازل، وتوصيل المياه لأصحابها، وشراء الملابس والبطاطين لهم، مبادرات كثيرة يتبناها شباب مصر لصالح مصر والمصريين، إحدى هذه المبادرات تقدمها «جمعية شباب الخير» والمشهرة عام 2017، وهى جمعية عاملة فى مركز ساحل سليم بمحافظة أسيوط، حيث تقوم ببناء أسقف المنازل، ومساعدة الأرامل والأيتام مروراً بتركيب وصلات المياه.

وبالشراكة مع جمعية رسالة، تمكنت جمعية شباب الخير من مساعدة المحتاجين وتركيب 400 سقف للأسر الأكثر فقراً، كما تم تقديم مساعدات لـ110 منازل ضمن مبادرة حياة كريمة، وبالمشاركة مع جمعية الأورمان تم إجراء 7 عمليات قلب مفتوح، ودفع مبالغ مالية لقرابة 120 من الغارمين، فضلاً عن تقديم المساعدات للفتيات المقبلات على الزواج من خلال دعمهن بالأدوات الكهربائية.