رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بعد ثورة يناير: هل تقود مصر دول الممانعة العربية ؟

بعد ثورة يناير: هل تقود مصر دول الممانعة العربية ؟ - أرشيف

لا شك أن ثورات الشعوب العربية لم تغير فقط من طبيعة العلاقة بين الشعوب ونظمها الحاكمة، ولم يقتصر أثرها على الداخل، بل تعدى حدود الدولة ليشمل العالم الخارجي، وهو تأثير لا يقل عن نظيره الداخلي، فمن شأن الثورات والاحتجاجات العربية أن تغير من طبيعة التحالفات الدولية والإقليمية، خاصة بعد أن طالت تلك الثورات دولاً محورية أهمها بكل تأكيد مصر.

ورغم أن نظم الحكم في الدول التي طالتها وتطالها الثورات والاحتجاجات، لم تستقر بعد، إلا أن المؤشرات الأولية تشير إلى أن خريطة التحالفات الدولية والإقليمية في المنطقة بدأت تتشكل من جديد، ربما لن يكون تغيراً جذرياً، إلا أنه وبكل تأكيد سيؤثر كثيرا على علاقات كثير من الدول، ولا عجب أن تكون مصر ـ لما لها من ثقل ـ هي محور هذه التغيرات.

وخلال الآونة الأخيرة ظهرت تخوفات أمريكية سعودية من التقارب المصري الإيراني، والمصري السوري، وحلفائهما في المنطقة، في ظل ضبابية الصورة الكلية للعلاقات المصرية الإسرائيلية بعد الثورة على نظام مبارك.

وجاءت زيارة وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس الأخيرة للمملكة العربية السعودية لتصب في هذا الإطار، فقد تركزت مباحثات وزير الدفاع الأمريكي مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز على تأثير"التغيير السياسي" في المنطقة على مصالح البلدين المرتبطة والمتشابكة بصورة كبيرة. وتتفق كل من الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية على ضرورة أن تأتي عملية الإصلاح في العالم العربي عبر عملية تطويرية وليست ثورية، إلا أن تلك المقاربة جاءت متأخرة، بعد أن استطاعت الثورة المصرية أن تغير من وجه سياسة الخارجية المصرية، وهو ما كانت تتخوف منه واشنطن والرياض، ويفسر الضغوط التي مارستها السعودية للإبقاء على نظام مبارك إبان ثورة يناير المجيدة.

وتبدو المؤشرات الأولية لمسار الخارجية المصرية في غير صالح واشنطن والرياض، بعدما نحت الدبلوماسية المصرية منحي مقاربا لسياسة ما يسمى بدول الممانعة، في مقابل "دول الاعتدال"، وهو ما أكده تسارع وتيرة التقارب المصري الإيراني بصورة كبيرة، كان آخرها اللقاء الذي جمع السفير محمد علي خزاعي مندوب إيران لدى الأمم المتحدة، مع عدد من المسئولين المصريين بالقاهرة، في أول زيارة لمسئول إيراني إلى مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير.

وكانت الحكومتان المصرية والإيرانية قد استبقتا الاجتماع بعدد من التصريحات الإيجابية كان أكثرها إثارة ما جاء على لسان وزير الخارجية المصري نبيل العربي، الذي اعتبر إيران دولة من دول الجوار وأن الحكومة المصرية لا تعتبرها دولة معادية أو عدوا، وهو ما قوبل بردود فعل غاضبة من جانب وسائل الإعلام الإسرائيلية، حيث قالت صحيفة هاآرتس أن تل أبيب تنظر إلى العربي الآن على أنه " عنصر معاد لها " في ضوء تلك التصريحات.

وفي موازاة التحركات الدبلوماسية اتخذ المجلس العسكري الانتقالي في مصر قراراً بالسماح لبارجتين إيرانيتين حربيتين بالمرور عبر قناة السويس إلى البحر المتوسط في طريقهما إلى ميناء سوري، وهي خطوة لم تحدث منذ أكثر من ثلاثين عاماً وتعبر بقوة عن رغبة القيادة المصرية في تغيير التحالفات المصرية بالمنطقة. ويرى الخبير في الشئون الإيرانية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، الدكتور محمد السعيد إدريس في حوار مع موقع "الجزيرة نت" أن: التزامات مبارك السياسية مع واشنطن كانت العقبة الأساسية في طريق التقارب المصري الإيراني. وأشار إدريس إلى أنّ هذه الالتزامات تجلت خلال حرب إسرائيل على لبنان عام 2006، وعلى غزة عام 2008، حيث توافق موقف مبارك في كلتا الحربين مع الموقف الأمريكي الذي أدان حزب الله، وحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، ورأى أنهما يتحركان بدعم من إيران. وتوقع إدريس أن تشهد علاقات البلدين طفرة في المرحلة المقبلة، بعد أن انتهى التناقض في المصالح بغياب حسنى مبارك عن المشهد، بينما لا يخفي الكتاب السعوديون عبر الإعلام السعودي الرسمي الخوف من تقارب القاهرة وطهران.

بيد أن التقارب المصري الإيراني لا يعني تخلي القاهرة عن تعهدها التاريخي بالحفاظ على أمن الخليج، وهو ما أكده وزير الخارجية المصري، وتشديده على أن أمن الخليج واستقراره وعروبته «خط أحمر» بالنسبة إلى مصر، ومن شأن ذلك أن يحجم من طبيعة العلاقة التي ستربط القاهرة بطهران، إلا أن المؤكد أن العلاقة لن تعود مثلما كانت في أسوأ حالاتها إبان عهد النظام السابق.

أما الخطوة التي من شأنها أن تغير من شكل وطبيعة التحالفات والتكتلات في المنطقة، أو على الأقل تؤثر على التحالف المصري الأمريكي، هي سماح الحكومة المصرية، لقادة حركة حماس وسكان قطاع غزة بالمرور من معبر رفح، بعد أن شارك نظام

الرئيس المصري السابق في حصارهم لنحو عامين.

وأعقب ذلك تصريحات دبلوماسية مصرية تعهدت برفع الحصار عن قطاع غزة، بدا جزء منها موجها إلى الداخل المصري، وخاصة التيارات الإسلامية التي دخلت ـ بحسب متابعين ـ في تحالف مع المجلس العسكري الحاكم. ونسبت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية إلى مسئول إسرائيلي كبير لم تسمه القول إن "هناك علاقة جديدة بين حماس والقاهرة الآن، وقد يتصل ذلك بالانتخابات القادمة في مصر والاعتقاد السائد بأن جماعة الإخوان المسلمين تشكل لاعبا قويا ومن ثم فإنه من المهم الحفاظ على الاتصالات مع حماس"، على حد قول المسئول. ونقلت الصحيفة عن مصادر عسكرية إسرائيلية أن مصر أوقفت بناء الجدار الفولاذي العازل، الذي كانت قد بدأت في بنائه تحت الأرض على طول الحدود بين مصر وقطاع غزة لوقف تهريب الأسلحة إلى القطاع الخاضع لسيطرة حركة حماس.

ومنذ الإطاحة بنظام مبارك تشعر حكومة بنيامين نيتانياهو بالقلق من تنامي العلاقة بين مصر وحماس، لسببين، أولهما أن تكون العلاقة مع حماس على حساب علاقة مصر بإسرائيل، وثانيهما يتعلق بالأمن وإمكانية أن تتغاضى مصر عن حركة الأسلحة والنقود والأشخاص عبر الحدود مع غزة، ومن شأن تقارب المسئولين المصريين مع قادة حركة حماس أن يؤثر على علاقات القاهرة وواشنطن التي ترى أن أمن إسرائيل جزء لا يتجزأ من أمنها القومي.

وعلى المسار المصري السوري تشعر الولايات المتحدة بالقلق حيال مدير المخابرات العامة المصرية مراد موافي، خاصة بعد أن قام بزيارة سرية إلى العاصمة السورية في 18 مارس الماضي، حيث التقى مسئولين كبارا في الحكومة وحركة حماس.

وحملت زيارة موافي السرية لدمشق مؤشراً على تغير أولويات مصر، فقد قال عدد من المسئولين المصريين ومن بينهم وزير الخارجية نبيل العربي، إنهم يريدون إصلاح علاقات مصر بسوريا.

وكان رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر المشير حسين طنطاوي، قد اعتبر في رسالة للرئيس السوري بشار الأسد أن فتح صفحة جديدة مع سوريا أمر "حتمي". وأعرب طنطاوي "عن أمله بلقاء الرئيس الأسد في أقرب وقت ممكن"، وهو ما قوبل بقلق بالغ من قبل الحكومة الإسرائيلية، بحسب صحيفة هاآرتس الإسرائيلية.

ورغم أن ظروف المرحلة الانتقالية التي تمر بها مصر حالياً تزحم أجندة أولوياتها، بيد أن المؤشرات الأولية للسياسة الخارجية المصرية تشير إلى محاولة القاهرة استعادة دورها الإقليمي والعربي، الذي تخلت عنه طواعية إبان حقبة النظام السابق، ومن هنا اتخذت عددا من المقاربات التي من شأنها أن تغير من طبيعة تحالفاتها الإقليمية والدولية، حيث تبدو علاقات مصر مع الدول العربية، خاصة تلك التي تسمى بدول الممانعة تسير في خطى ايجابية، وهو ما يعني أن العلاقات المصرية الإسرائيلية لن تكون كتلك التي كانت في عهد الرئيس السابق، الذي كان بالنسبة لإسرائيل كنزا استراتيجيا، فيما ستظل علاقة القاهرة بطهران مرتبطة ومتشابكة إلى حد كبير بسياسات طهران تجاه أمن دول الخليج، إلا أن المؤكد أنها لن تعود لأدني مستوياتها كما كانت في عهد مبارك.

* باحث في الشئون السياسية